- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2511
نظرة من الداخل حول أزمة اللاجئين السوريين
"في 14 تشرين الأول/أكتوبر، خاطب فيليب أكرمان، بسام بربندي، مارغريت برينان، وديفيد بولوك "حدث معهد واشنطن لتعميق أوجه الدراسة والتعرف والتواصل والإطلاع والإحاطة" الذي أقيم في "متحف ذكرى الهولوكوست". وأكرمان هو نائب رئيس البعثة في السفارة الألمانية في واشنطن. وبربندي هو دبلوماسي سوري سابق وأحد مؤسسي حركة "الشعب يريد التغيير". وبرينان هو مراسل دبلوماسي لشبكة "سي بي إس نيوز" الذي غطى أزمة اللاجئين السوريين على نطاق واسع. وبولوك هو زميل كوفمان في المعهد ومدير "منتدى فكرة". وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم."
فيليب أكرمان
ينهمك المجتمع الدولي في محاولة لإيجاد حلّ للأزمة السورية، إلّا أن الجهود المبذولة لتحقيق ذلك لم تكن ناجحة حتّى الآن. ولن يكون الحلّ عسكريّاً - إذ تميل العدائية إلى تعقيد المسائل، لذا فإن ردّ فعل التحوّل من التراخي إلى التصعيد العسكري لن يساعد بالضرورة [على تحسين] الوضع في سوريا. يجب اتّباع مسار دبلوماسي بإشراك جميع الأطراف - وربّما نظام الأسد أيضاً.
عندما يفقد اللاجئون الأمل بالعودة إلى بلادهم، سييأسون لدرجة تدفعهم إلى عبور البحر المتوسط والسير عبر بلدان بأكملها، ومن ضمنهم أطفال ونساء حوامل. وفي هذا العام، استقبلت ألمانيا ما بين ٨٠٠ ألف ومليون لاجئ، أي ما يوازي ١ في المائة أو أكثر من عدد سكّانها. ويشارك حوالي ٤٠ في المائة من الألمان في التطوّع لمساعدة هؤلاء اللاجئين، الأمر الذي يشكّل نسبة هائلة. ويُعدّ هذا التعاطف غامراً، إلا أن عدد اللاجئين كبير جدّاً بحيث أنّ المزاج العام سيتغيّر، ولن تكون ألمانيا قادرة على استيعاب المزيد منهم بعد مرحلة معيّنة. وحاليّاً، يصل حوالي ٦٠٠٠ إلى ٨٠٠٠ لاجئ جديد كل يوم.
ولا تكمن مشكلة هذا التدفّق في الخوف من إرهاب محتمل، بل من واقع أنّه سيتعيّن على ألمانيا تعليم وتثقيف عدد هائل من اللاجئين حول كيفية الامتثال للقوانين المحلّية المختلفة جدّاً عن القوانين السورية. فعلى سبيل المثال، سيتوجّب على المسؤولين تفسير الواقع بأنّ الفتيات يذهبن إلى المدرسة مع الفتيان/الأولاد، وأنّ المثلية الجنسية مقبولة، وأنّ معاداة الساميّة غير مقبولة بتاتاً.
وفي المرحلة القادمة ستحتاج أوروبا إلى نظام لمعالجة الأزمة. وبالرغم من أنّه يجب أن يُسمح للاجئين الذين يتعرضون للاضطهاد السياسي في البقاء في ألمانيا، إلا أن أولئك الذين يأتون لأسباب اقتصادية لا يستطيعون البقاء. يتعيّن على أوروبا إيجاد وسيلة تشارك من خلالها جميع الدول بالعبء. وكانت الولايات المتحدة قد أبدت استعدادها لاستقبال عدد صغير فقط من اللاجئين، وهذا أمر مخيب للآمال؛ ويُعدّ امتيازاً لا تتمتّع به ألمانيا.
بسام بربندي
في الوقت الذي ترزح فيه سوريا تحت وطأة العمليّات العسكرية التي تشنّها الولايات المتحدة وروسيا والنظام، ليس هناك منطقة آمنة داخل البلاد يستطيع أن يلجأ إليها الشعب السوري. فغالبية السوريين لا يشعرون بأنّ لديهم مستقبل هناك، الأمر الذي يُشكل مشكلة كبيرة. والمسألة ليست قضيّة تشرد كثيف فحسب، بل واقع اضطرار السوريين إلى النزوح بشكل متواصل. فعلى سبيل المثال، أُجبر الكثيرون على الانتقال من دير الزور إلى حلب ثمّ دمشق.
ومع اشتداد العنف سيحاول عدد متزايد من السوريين مغادرة البلاد. وسيتوجّه البعض إلى الأردن أو لبنان أو تركيا، في حين أنّ الأكثر حظّاً سينجحون في الوصول إلى أوروبا. ويستطيع السوريون دخول روسيا وإيران من دون تأشيرة، لكن لا أحد يختار السفر إلى أيّ من هذين البلدَين لأنّهم لا يعتقدون أنّهم سيجدون فرصاً هناك. ويعتقد القليل من السوريين أنّه لديهم مستقبل في دول الخليج أيضاً، فحتّى إذا فتحت هذه البلدان أبوابها أمامهم، من المستبعد أن يتوجّه اللاجئون إليها. فالسوريون يبحثون عن حلّ طويل الأمد، ويشمل ذلك تعليم أولادهم، لذلك يحاولون الوصول إلى ألمانيا أو بلدان أوروبية أخرى.
وكما هو معروف، إنّ الولايات المتحدة هي قوّة عظمى، إلا أن إدارة أوباما كانت متردّدة في اتّخاذ أي إجراء في سوريا. فقد آمن المجتمع الدولي أنّ التدخّلَين العسكريين في ليبيا والعراق كانا خطأ، لذا قرّر عدم التدخّل في سوريا. ولن تشنّ الولايات المتحدة أي هجوم على قوّات النظام السوري لأنّ واشنطن تريد التفاوض مع إيران. ويدرك الشعب السوري جيّداً هذا الواقع - فهو يتمتع بقدر كبير من الوعي السياسي بشكل عام، ولا يقدّر السوريون الأموال التي ترسلها الإدارة الأمريكية إلى برامج المساعدة في الوقت الذي هم بأمسّ الحاجة إلى مسار عمل. ولا يتوجه اللاجئون إلى أوروبا لإيجاد عمل، بل يهربون إليها لإنقاذ أنفسهم. ولدى وصولهم إلى أوروبا، من المرجح أنّ يواجهوا مشاكل في فهم القوانين المحلّية، وتشمل هذه شرب الأوروبيين للكحول وتعليم الجنسَين في الصف نفسه.
أمّا بالنسبة إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» فإنّ الخطر [الذي يشكله] مبالغاً فيه في وسائل الإعلام - فهذه الجماعة ضعيفة وخائفة، وقد أضعفتها الهجمات التي شُنت ضدها خلال العام الماضي. إنّ غالبية مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» هم أجانب لا يتمتّعون بدعم شعبي، وأن السوريين مستعدّين لإخراجهم من البلاد. وإذا ما قامت الولايات المتحدة بدعم السكّان المحلّيين على الأرض، فسيكون من الممكن طرد هذه الجماعة بشكل أسرع بكثير.
مارغريت برينان
ازدادت التغطية الإعلامية لأزمة اللاجئين بشكل كبير، لا سيّما مع بدء بعض الأفراد بمغادرة المخيّمات نظراً للظروف المريعة التي يعيشونها. فمخيّمات اللاجئين لا تعني بالضرورة الخروج من الأزمة، لأن الكثير من اللاجئين ينتهي بهم المطاف عالقين في المخيّمات لسنوات. وغالباً لا يحقّ للاجئين العمل وقد يكونون عرضة للاستغلال إذا اختاروا العمل بشكل غير قانوني. إنّ التفكير بالأزمة على الصعيد الشخصي هو مؤثّر بشكل خاص. وبالنسبة للعديد من الناس، أصبح الصراع إنسانيّاً بشكل مأساوي عندما قذف البحر الطفل السوري الكردي أيلان على الشواطئ التركية.
ستتحدّث الإدارة الأمريكية عن المبالغ المالية التي صُرفت لمساعدة اللاجئين - لتأمين المياه الجارية على سبيل المثال. إلا أن الولايات المتحدة لم تسمح سوى بدخول ١٥٠٠ سوري إليها خلال السنوات الأربع الماضية، ويخشى هؤلاء اللاجئون القلائل التحدّث إلى الإعلام لأنّ لديهم أقارب لا يزالون في سوريا أو يظنّون أنّه سيتم وصمهم في بعض أنحاء الولايات المتحدة حيث استقرّوا. كما يقول المسؤولون الأمريكيون إنّهم مارسوا الضغط على دول الخليج لحثّها على دعم اللاجئين؛ إن أحد الإحباطات في بداية الحرب كان نقص الحماس حول منح المال إلى الأمم المتحدة. ومؤخّراً، أصدرت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة صحائف وقائع حول عدد اللاجئين الذين تمّ قبولهم، لكن من الصعب معرفة كيفية احتساب المسؤولين لهذه الأرقام.
هناك عناصر كثيرة لهذه المسألة، لكنّ النظر إليها كأزمة إنسانية فقط يحجب واقع كونها مغلّفة بأزمة أمن وطنية أيضاً. فحروب العقود الأخيرة الماضية تؤثّر على الوضع الحالي - فصانعو القرار هم في موقع صعب حول ما يجب فعله في المرحلة التالية، ويعود ذلك جزئياً إلى انتشار فكرة مفادها أنّه إذا تدخّل أحد في أزمة معيّنة، أصبحت هذه ضمن مسؤوليته. واليوم، يدور النقاش حول التعامل مع الآثار الجانبية لأزمة اللاجئين السوريين بدل من معالجة أسبابها. وسيزداد الوضع سوءاً في أوروبا والبلدان المحيطة بسوريا.
ديفيد بولوك
عانت سمعة الولايات المتحدة، ولا تزال تعاني، من نقص تحرّكها في الأزمة السورية. وكانت واشنطن سخيّة في تحرير الصكوك لدعم اللاجئين، لكنّها لم تكن كريمة بما يكفي لإعادة توطينهم في الولايات المتحدة. كما أن واشنطن لم تفعل الكثير لوقف الصراع.
إن المسألة ليست قضية «قوّة أو ضعف» - بل إن الموضوع هو معالجتها بصورة صحيحة أو عدم فعل أي شيء على الإطلاق. وعلى الرغم من أنّ التدخّل العسكري هو خطر وفوضوي ومحفوف بالعواقب غير المقصودة، إلا أنه يكون أحياناً الأمر الوحيد الذي قد يحلّ الصراع. لقد كانت هناك فرصة أمام الولايات المتحدة للتدخّل عسكريّاً بتكلفة منخفضة نسبيّاً في مرحلة مبكرة من الثورة بين العامَين ٢٠١٢ و٢٠١٣، إلا أن الحكومة الأمريكية لم تغتنم تلك الفرصة. أمّا اليوم فقد أصبح الصراع أكثر تعقيداً بكثير بوجود تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية»، وتدخّل روسيا العسكري، وأزمة اللاجئين. لقد نظرت الحكومة الأمريكية والكثير غيرها إلى النتائج في العراق، وأفغانستان، وليبيا، وتعلّمت «الدرس» بأنّ التدخّل العسكري لا يؤدي سوى إلى جعل الأمور أكثر سوءاً. كما أنها استبعدت إمكانية دعم معارضة وطنية؛ لقد كان للولايات المتحدة هذا الخيار في سوريا لكنّها لم تلجأ إليه.
وأخيراً، من غير المرجّح أن تضغط واشنطن على دول الخليج بشأن أزمة اللاجئين، لأنّه سيكون من غير المجدي الضغط عليها كثيراً لاستقبال السوريين الهاربين. بيد، بإمكان هذه الدول أن تبذل المزيد من الجهد في عمليّات التمويل لمساعدة اللاجئين.
أعدت هذا الملخص إيريكا وينيغ.