- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
قمة الدمام: اختبار حدود العلاقة العربية -الإسرائيلية
في الآونة الأخيرة، أظهر بعض الزعماء العرب تحولاً ملحوظاً في اللهجة التي يتحدثون بها في تصريحاتهم غير الرسمية إزاء إسرائيل، كما حصل حين صرّح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لمجلة "ذي أتلانتيك" في وقت سابق من هذا الشهر بأن "الفلسطينيين والإسرائيليين لهم الحق في امتلاك أرضهم الخاصة". لكن هذا التغير لم يتجاوز التعاون الأمني السري ليطال السياسات الفعلية أو الخطاب الدبلوماسي الرسمي. وستمثل القمة العربية، المقرر عقدها في 15 نيسان/أبريل في مدينة الدمام السعودية، فرصة لرؤية مدى استعداد ولي العهد وغيره من القادة العرب للمضي قدماً في هذا الخصوص.
لكن القضية الفلسطينية لن تكون من ضمن أهم بنود أجندة القمة أو حتى في سلّم أولويات معظم المشاركين مقارنةً بالأمور الأكثر إلحاحاً مثل إيران وسوريا واليمن وليبيا. وبالفعل، مع بعض الاستثناءات- مثل قمة بيروت عام 2002 التي أقرّت "مبادرة السلام العربية" المبتكرة - تميل هذه الاجتماعات إلى التعامل مع القضية الفلسطينية بطرق محددة الصيغة.
غير أنه خلال نهاية الأسبوع الحالي، من المرجح أن يسعى رئيس "السلطة الفلسطينية" محمود عباس إلى تحويل الأنظار نحو شعبه- أو، إذا لم ينجح في ذلك، سيحدد، على الأقل، لهجة الخطاب العربي تجاه إسرائيل - من خلال التركيز على أربع مسائل:
- ضمان إدانة قوية لردّ إسرائيل على التظاهرات المستمرة في غزة، وكذلك وعود باتخاذ إجراءات دبلوماسية ملموسة.
- السعي إلى رفض عربي حازم وقوي وموحّد لقرار واشنطن القاضي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
- إلزام الدول العربية برفض جماعي لأي خطة سلام أمريكية لا تلبي المصالح الفلسطينية.
- منع أي تقدّم مستقبلي في العلاقات الثنائية العربية -الإسرائيلية من خلال السعي إلى إعادة التأكيد الرسمي على النهج المنصوص عليه في "مبادرة السلام العربية"، التي تنص على عدم إمكانية بدء أي تطبيع مماثل قبل إنهاء إسرائيل احتلالها للأراضي الفلسطينية.
ومن خلال هذه الخطوة، من المرجّح أن يناشد عباس الرأي العام العربي، الذي لا يزال يُعتبر معادياً لإسرائيل إلى حدّ كبير. كما سيعتمد على المسؤولين والمؤسسات التي تفضّل المقاربة العربية التقليدية تجاه إسرائيل - وهي متوافرة بأعداد كبيرة. على سبيل المثال، دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط مؤخراً "المحكمة الجنائية الدولية" إلى التحقيق في الاشتباكات في غزة، في حين أفاد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير للمشاركين في مؤتمر لـ "مؤسسة بروكينغز" في واشنطن في 22 آذار/مارس أننا "نعتقد أن عملية السلام ستؤتي ثمارها في النهاية وليس في البداية، إذ عندها أين يكمن الحافز [لتحقيق السلام]؟"
وسواء كان عباس مقنعاً أم لا، لن يكون هناك احتضان حار لإسرائيل في نهاية هذا الأسبوع، ولا شكّ في أن البيان الختامي لمؤتمر القمة سينتقد الدولة [اليهودية]. لكن معالجة الوثيقة للقضايا الأربع المذكورة أعلاه ستوضح ما إذا كانت اللهجة الجديدة التي اعتمدها بعض الزعماء [العرب] في الأسابيع الأخيرة قد غيّرت بالفعل المعتقد العربي بشأن دبلوماسية السلام.
وبطبيعة الحال، لن تكون نتائج القمة مؤشراً قاطعاً على المقاربة التي سيعتمدها القادة الأفراد تجاه العلاقات الثنائية مع إسرائيل في المستقبل. وقد يكون البعض منهم قد خلَصَ إلى أن الاجتماعات القديمة لـ "الجامعة العربية" القائمة على مبدأ العروبة لا تمثل المنتدى المثالي للإعلان عن التخلي الرسمي عن العقيدة العربية. كما قد يعتبرون، بصورة صحيحة، بأنه مهما كان قرار القمة فلن يكون له سوى تأثير ضئيل أو لا يكون له أي تأثير على كيفية ممارسة الدول الأعضاء فعلياً لسياستها. وربما يرى البعض الآخر أن المزيد من التطبيع مع إسرائيل - بما يرافقه من تكاليف سياسية ودبلوماسية - ليس أمراً ملحاً، لا سيما وأن التعاون الأمني السري المستمر يلبي احتياجاتهم العاجلة.
ومع ذلك، ستسلّط نتيجة القمة الضوء على مدى استعداد حلفاء أمريكا في المنطقة لتقديم رأس مال دبلوماسي وسياسي من أجل إحداث تغيير في إستراتيجية عملية السلام بشكل علني. وأفادت تقارير أن بعض الزعماء العرب أشاروا في المجالس الخاصة إلى أنهم سيدعمون مقاربة أمريكية جديدة لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. يجب على الديناميكيات التي يتم عرضها في القمة أن ترسم معالم حسابات واشنطن حول مدى إمكانية الاعتماد على هؤلاء القادة من أجل دعم سياساتها علناً في مواجهة اعتراضات "السلطة الفلسطينية" والعرب. وفي حين أن عكس المواقف القائمة منذ فترة طويلة حول النزاع قد يكون أمراً بعيد المنال نظراً إلى القضايا الأكثر إلحاحاً المطروحة على الطاولة، يجب على الولايات المتحدة أن تشجع على الأقل حلفاءها العرب على رفض أي قرارات تصدر عن القمة من شأنها جعل المواقف أكثر تشدداً والحدّ من احتمالات أي دبلوماسية مستقبلية.
غيث العمري، زميل أقدم في معهد واشنطن، عمل سابقاً في عدة مناصب استشارية مع "السلطة الفلسطينية".