- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3031
قناة المشتريات الإيرانية (الجزء الأول): إنقاذ المكاسب المحققة من حظر الانتشار النووي مع إعادة فرض العقوبات
تهدد العقوبات الأمريكية التي من المقرر استئنافها في 5 تشرين الثاني/نوفمبر بإعاقة قناة المشتريات، التي هي الآلية التي وضعتها «خطة العمل الشاملة المشتركة» لمراقبة عمليات نقل المواد والمعدات وغيرها من المساعدات الضرورية لبرنامج إيران النووي. وتشرف القناة على المشتريات لأغراض نووية وبعض الأهداف التجارية؛ كما أنها المسار الذي تُلزَم طهران بموجبه بإخطار الأمم المتحدة عن بعض التعديلات [التي قد تجريها] على منشآتها النووية والأنشطة ذات الصلة. وعلى الرغم من أن استعمال القناة كان محدوداً ، إلا أنها تحتفظ بقيمة نسبية كأداة لمنع الانتشار النووي، وبالتالي على الولايات المتحدة تقديم إعفاءات لبعض الشركات التي تسعى إلى استخدامها. وفي المقابل، يتعين على واشنطن أيضاً ممارسة الضغوط على حكومات أخرى لدعم اتخاذ إجراءات أكثر صرامةً ضد مجموعة أنشطة الشراء الإيرانية غير المشروعة.
كيف تعمل القناة؟
قبل عام 2003، كان جزء كبير من عمل إيران النووي وذلك الخاص بالصواريخ البالستية يعتمد على المواد والمساعدة السرية التي كانت تحصل عليها البلاد من شركات واجهة وجامعات وقنوات دبلوماسية. ولا تزال بعض هذه الكيانات المشارِكة في هذه المشتريات خاضعة لعقوبات الأمم المتحدة بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 الذي أقر الاتفاق النووي لعام 2015. وفي ضوء سلوك إيران الماضي، وضعت «خطة العمل الشاملة المشتركة» قناةً لمراقبة المشتريات التي يسمح بها الاتفاق، الأمر الذي منح الموقعين هامشاً من الشفافية اشتدت الحاجة إليه بشأن الواردات ذات الصلة النووية المحتملة. وعلى وجه التحديد، يتولّى "الفريق العامل المعني بالمشتريات" الذي أنشأته «خطة العمل الشاملة المشتركة» مراجعة نوعين من عمليات النقل، هي:
المواد والخدمات المزوَّدة إلى إيران لأغراض نووية مسموح بها، وينظّمها الجزء الأول من إرشادات "مجموعة مورّدي المواد النووية".
- المواد ذات الاستخدام المزدوج التي يتمّ نقلها لأغراض تجارية غير نووية لكن يمكن استخدامها في البرنامج النووي. وينظّم الجزء الثاني من إرشادات "مجموعة مورّدي المواد النووية" هذه السلع.
ويُلزم القرار رقم 2231 معظم الكيانات التي تصدّر مواد نووية أو ذات الاستخدام المزدوج إلى إيران بتقديم طلب إلى "الفريق العامل المعني بالمشتريات" الذي يتألف من مسؤولين من الدول الموقّعة على «خطة العمل الشاملة المشتركة». وإذا وافق "الفريق" على الطلب، يُحال إلى مجلس الأمن الدولي للحصول على تصريح نهائي. وتُعفى بعض الكيانات من هذه العملية. أما الشركات المشاركة في تعديل محطة "فوردو" النووية أو تحديث مفاعل "آراك" أو استبدال اليورانيوم الإيراني المخصّب باليورانيوم الطبيعي، فليست بحاجة لإذن؛ وبدلاً من ذلك، لا يتعين عليها سوى إبلاغ مجلس الأمن و "اللجنة المشتركة" التابعة لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» قبل 10 أيام مقدّماً، وأن تكون "في وضع" يخوّلها التحقّق من الاستخدام النهائي للمواد.
ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من «خطة العمل الشاملة المشتركة» في أيار/مايو، لم تعد عضواً في "الفريق العامل المعني بالمشتريات"، لذا سيكون تدخلها لمنع المشتريات المشبوهة أمراً صعباً للغاية. سيتعيّن على واشنطن الاعتماد على أعضاء آخرين ضمن "الفريق" لرفض الطلب المقدّم، علماً بأنه بمجرد الموافقة على الطلب لا يمكن إبطاله سوى بقرار صادر عن مجلس الأمن.
وفي الوقت نفسه، سيخضع جزء كبير من نشاط قناة المشتريات إلى عقوبات بموجب القانون الأمريكي اعتباراً من 5 تشرين الثاني/نوفمبر. وفي الحالات المتعلّقة بالبرامج النووية، سيتمّ تطبيق العقوبات لأن الكيانات المشاركة في البنية التحتية النووية للجمهورية الإسلامية (على سبيل المثال، "منظمة الطاقة الذرية الإيرانية") سيتم إعادتها إلى قوائم العقوبات الأمريكية. أما في حالات المشتريات التجارية، فقد يخضع المستوردون للعديد من العقوبات المفروضة على قطاعات الطاقة والشحن وبناء السفن وصناعة السيارات الإيرانية.
القليل من القيود الحقيقية على إيران
عندما تم إنشاء قناة المشتريات، توقّعت العديد من السلطات أن تُغدق عليها الطلبات. وعوضاً عن ذلك، لم تشهد سوى القليل جداً منها. ومنذ حزيران/يونيو 2018 - أي بعد عامين ونصف على تطبيق «خطة العمل الشاملة المشتركة» - لم تتلق القناة سوى 37 طلباً، تمت الموافقة على أربعة وعشرين منها، ورُفضت ثلاثة، وتمّ سحب سبعة ووضع ثلاثة قيد المراجعة.
ويُعزى استخدام القناة بشكل جزئي إلى عدم تمكّن إيران من الحصول على التمويل. فقد كانت المصارف العالمية متردّدة في التعامل مع إيران بشكل عام، لذا فهي حتى أقل احتمالاً بأن تقوم بتمويل مشتريات ثنائية الاستخدام. بالإضافة إلى ذلك، قد لا تكون الشركات قد حصلت على المعلومات الكافية بشأن وجود القناة أو متطلباتها، لا سيما في البلدان ذات نظم مراقبة الصادرات الأقل تطوراً.
وبالنظر إلى المسألة من منظار أقل اعتدالاً، نرى أن الحكومة الإيرانية والمؤسسات الفردية قد استحدثت وسائل متطوّرة للالتفاف على العقوبات على مدى ثلاثة عقود، وواصلت على ما يبدو استخدام مثل هذه الشبكات خلال فترة تخفيف العقوبات بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة». ومن هذا المنطلق، واجهت الشركات الإيرانية موقفاً لا مفرّ منه: فقد أصبح من الصعب إقامة علاقات مع مصارف ومورّدين أجانب حتى في إطار الاتفاق النووي، لذا لم تتخل بالكامل يوماً عن شبكات التهرب الخاصة بها. ومع ذلك، كان هذا السلوك المخادع هو الذي جعل الشركات الدولية تتردّد في استئناف العمل معها في المقام الأول.
وبالفعل، أفادت بعض التقارير أن بعض المواد التي كانت بحاجة إلى موافقة "الفريق العامل المعني بالمشتريات" والأمم المتحدة قد تمّ إرسالها إلى خارج قناة المشتريات. وفي نيسان/أبريل الماضي، أي قبل أسابيع قليلة فقط من انسحاب الولايات المتحدة من «خطة العمل الشاملة المشتركة»، أبلغت الإمارات العربية المتحدة الأمانة العامة للأمم المتحدة بأنها صادرت أربع شحنات بين أيار/مايو 2016 وكانون الأول/ديسمبر 2017 كانت تحتوي على مواد مزدوجة الاستخدام كانت موجهة إلى إيران، بما فيها "40 قطعة أسطوانية من التنجستن، ومطياف كتلي بلازمي واحد مقرون بالحث، و10 مكثفات، وقضيب تيتانيـوم واحد". وبعد ذلك بوقت قصير، أبلغت الولايات المتحدة الأمم المتحدة بأن إيران حصلت بشكل غير شرعي على مواد خاضعة للرقابة من "مجموعة مورّدي المواد النووية"، وهي عبارة عن سبائك ألومنيوم وألياف كربون. غير أن الأمم المتحدة لم تحدّد البلدان التي زوّدت هذه المواد، بل اكتفت بالإعلان بأنها شرعت بمراجعة المسألة.
وفي رسالة بعثها ممثل إيران الدائم لدى الأمم المتحدة إلى الأمانة العامة في الأول من حزيران/يونيو، شدّد على أن جزءً من المشكلة مع قناة المشتريات يتمثل في "وقوع مسؤولية الحصول على الموافقة على عاتق الدولة المصدّرة". وحتى أن الرسالة شجعت الأمانة العامة على "معالجة غياب الوعي بهذه المتطلبات في أوساط بعض الدول الأعضاء" - وكان ذلك تقرير جريء نظراً لأن طهران قد ترفض ببساطة أي واردات ذات صلة لا تمر عبر قناة المشتريات. وقد أصرّت إيران خلال مفاوضات «خطة العمل الشاملة المشتركة»، على وضع المسؤولية على الدولة المصدّرة.
توصيات في مجال السياسة العامة
في وجه إعادة فرض العقوبات الأمريكية [وواقع وجود] قناة مشتريات متعثّرة، من المرجح أن يستمر الانتشار غير الشرعي للأسلحة النووية الإيرانية (سيتم بحث عامل السرية بمزيد من التفصيل في الجزء الثاني من هذا المرصد السياسي). لذا يتعين على واشنطن توفير معلومات استخباراتية وغيرها من الموارد الكافية من أجل كشف المشتريات وتعطيلها خارج القناة. ويشمل ذلك طلب مساعدة الموقّعين على «خطة العمل الشاملة المشتركة» على جبهتين هما: تعزيز الشفافية في [إعداد] التقارير عن أنشطة الشراء التي تخدم أهداف عدم انتشار الأسلحة النووية وزيادة اليقظة من الخدع الإيرانية.
وفي المقابل، بإمكان الولايات المتحدة التعهّد بعدم فرض عقوبات على شركات متورّطة في بعض المشتريات. غير أن مثل هذه المقايضة لن تُطبّق على الجزء الأكبر من نشاط القناة (أي المشتريات التجارية المزدوجة الاستخدام)، بل فقط على الأنشطة ذات الأهداف الواضحة لعدم الانتشار، على غرار المناطق الثلاث التالية المستثناة من موافقة "الفريق العامل المعني بالمشتريات":
- في "فوردو"، من المفترض أن تقوم إيران بتحويل محطة تخصيب اليورانيوم المُنشأة تحت الأرض إلى مركز لإنتاج النظائر المشعّة. فتخصيب اليورانيوم قد يخدم أهداف ذات صلة بالأسلحة، في حين أن إنتاج النظائر المشعّة غير مرتبط بذلك عموماً، وبالتالي يشكّل مكسباً من حيث عدم انتشار الأسلحة النووية.
- في "آراك"، وافقت إيران على إعادة تصميم مفاعلها لاستخدام اليورانيوم منخفض التخصيب لإنتاج الوقود بدلاً من اليورانيوم الطبيعي، وبالتالي تقليل قدرتها على إنتاج البلوتونيوم الصالح للاستخدام في الأسلحة النووية.
- وافقت إيران على شحن أي يورانيوم مخصّب تنتجه ويتخطى حدود 300 كيلوغرام إلى بلد ثالث مقابل اليورانيوم الطبيعي. ومن شأن ذلك أن يخفّض مخزون المواد القابلة للتخصيب والتحوّل إلى كونها مواد صالحة للاستخدام في الأسلحة.
وتُعتبر روسيا والصين جهتين فاعلتين رئيسيتين في هذه الأنشطة، لذا يتعين على واشنطن الضغط عليهما لكي يمتثلا بصورة كاملة للالتزامات القائمة: أي إشعار مجلس الأمن الدولي واللجنة المشتركة قبل عشرة أيام مقدّماً من حصول أي عملية نقل، والتحقّق من الاستخدام النهائي الفعلي لصادراتهما.
كاثرين باور هي زميلة "بلومنستين كاتس فاميلي" في معهد واشنطن ومسؤولة سابقة في وزارة الخزانة الأمريكية. إلينا ديلوجر، هي زميلة أبحاث في "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في المعهد، ومحللة نووية سابقة في "مكتب مكافحة الإرهاب" التابع لـ "إدارة شرطة مدينة نيويورك".