- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
قرارٌ خطير يغيّر قواعد اللعبة
في 16 كانون الثاني/يناير 2018، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها لن تصرف إلا 60 مليون دولار من أصل مساهمتها السنوية المقدمة إلى "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى" ("الأونروا") والبالغة 300 مليون دولار، وأنها ستعلّق ما تبقى من المساعدات للنظر فيها. ويُعتبر هذا القرار مؤثراً بشكل خاص نظراً لأن الولايات المتحدة لطالما كانت الدولة المانحة الفردية الأكبر للوكالة. ففي عام 2017 على سبيل المثال، ناهزت مساهمة الولايات المتحدة 365 مليون دولار، أي ما يشكّل حوالي ثلث ميزانية المنظمة. وعلى سبيل المقارنة، قدّم ثاني أكبر مساهم - وهو الاتحاد الأوروبي - ما يقارب 143 مليون دولار.
وشكّل قرار خفض الدعم الممنوح إلى "الأونروا" مفاجأةً حقيقية. ففي حين غالباً ما واجه الدعم الأمريكي إلى الوكالة بعض الانتقادات المحلية - خاصة من قبل بعض أعضاء الكونغرس – إلّا أن الحكومة الأمريكية حافظت على مرّ السنين على دعمها للمنظمة، بقولها أنها تؤدي دوراً يُرسي الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وفي أواخر عام 2017، طمأنت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هالي "الأونروا" بأنّ المساعدات الأمريكية سوف تقدم قريباً.
وتشكّل فجائية قرار خفض المساعدات وتأثيرها المحتمل على قدرة "الأونروا" على مواصلة عملها مبعثاً للقلق الشديد نظراً إلى عمق الخدمات التي تقدمها المنظمة واتّساع نطاقها. وإذ تأسست عام 1949، تقدّم "الأونروا" حالياً خدماتها إلى أكثر من 5 ملايين "لاجئ فلسطيني" مسجّل في 5 مناطق عمل هي: الضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية) وغزة والأردن ولبنان وسوريا. وفي هذه المناطق، تقدّم المنظمة خدمات اجتماعية رئيسية، حيث تقوم مدارسها بتعليم أكثر من نصف مليون طالب، في حين تعالج مرافقها الصحية أكثر من 8.8 مليون مريض سنوياً. وبالإضافة إلى هذه الخدمات الأساسية، توفّر "الأونروا" أيضاً مساعدات طارئة في أوقات الأزمات، في الوقت الذي تقدم فيه أيضاً التمويل البالغ الصغر وبرامج أخرى لتعزيز الاعتماد على الذات في أوساط المستفيدين من خدماتها.
وفي حين أن قرار الولايات المتحدة بتعليق الدعم لـ"الأونروا" ربما حقق بعض النتائج الإيجابية، لا سيما التشجيع على تقاسم الأعباء بشكل أكثر إنصافاً والإشارة إلى ضرورة إجراء إصلاحات في الوكالة، إلّا أن هذه النتائج تبدو محدودةً بالمقارنة مع الأثر السلبي الذي يخلّفه القرار. فإجمالي التداعيات الإنسانية المترتبة على المستفيدين من خدمات "الأونروا"، والتأثير على الوضع الإنساني والأمني في غزة، والأثر المزعزع للاستقرار على حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وخاصة الأردن، إضافةً إلى عدم فعالية القرار في ممارسة ضغط دبلوماسي على "السلطة الفلسطينية"، جميعها عوامل تبرر بشدة معارضة هذه الخطوة.
التداعيات السياسية
في حين تتجلى بوضوح التداعيات الإنسانية المترتبة على الخفض الملحوظ في خدمات "الأونروا"، إلّا أن تقييم التداعيات السياسية هو أمر أكثر صعوبة بالنظر إلى الرسائل المتناقضة التي تبعثها إدارة دونلارد ترامب فيما يتعلق بالهدف من هذا القرار. فالسفيرة هالي، التي أشارت في بادئ الأمر إلى عزم الإدارة على قطع تمويل "الأونروا" في 2 كانون الثاني/يناير 2018، أشارت إلى أن تخفيض المساعدات كان يهدف إلى ممارسة الضغط على "السلطة الفلسطينية" من أجل "الموافقة على العودة إلى طاولة المفاوضات". وفي المقابل، لم تربط وزارة الخارجية القرار بالجهود الأكبر التي تبذلها الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بعملية السلام الفلسطينية -الإسرائيلية، وأشارت بدلاً من ذلك إلى أن القرار ينبع من الحاجة إلى تحسين عمليات "الأونروا" من خلال التركيز على الإصلاحات وتقاسم الأعباء.
وسرعان ما تبيّن أن هذا الالتباس لم يكن نتيجة الفشل في إيصال الرسالة، بل بالأحرى دليلاً على خلافات أعمق واختلال في عملية صنع السياسات ضمن الإدارة الأمريكية. ففي المداولات الداخلية، حظي موقف هالي المتمثل بقطع المساعدات كلياً باعتباره أداة لممارسة الضغط على "السلطة الفلسطينية" بدعم رئيس موظفي البيت الأبيض جون ف. كيلي، وصهر الرئيس ترامب وكبير المستشارين المسؤول عن عملية السلام في الشرق الأوسط جاريد كوشنر. أما وزارة الخارجية، التي يعود لها اتخاذ القرار النهائي في هذا الشأن، ووزارة الدفاع وأجهزة الاستخبارات الأمريكية، فقد عارضت جميعها هذا القرار خوفاً من من تأثيره المزعزع للاستقرار. وفي النهاية، تعيّن على وزير الخارجية آنذاك ريكس تيلرسون التفاوض شخصياً مع الرئيس ترامب لضمان صرف 60 مليون دولار، أي أقل بقليل من نصف القسم الأول من الأموال التي تعهدت الإدارة الأمريكية بمنحها إلى المنظمة.
ولا يعكس هذا الاختلاف في الرسائل وجهات النظر المختلفة إزاء "الأونروا" فحسب، بل أيضاً الاختلاف في المقاربة المعتمدة تجاه قضية السياسة الأمريكية الأكبر المتعلقة بالمساعدات الدولية والمنظمات الدولية. واعتادت وزارة الخارجية على رؤية المساعدات الدولية كأداةً رئيسيةً لتحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، ولطالما عارضت تسييسها، لا سيما حين يتعلق الأمر بالمساعدات الإنسانية. وقد تعارضت هذه المقاربة التقليدية مع عدم تحبيذ إدارة ترامب العام للمساعدات الأجنبية ولهدف السفيرة هالي الخاص المتمثل بمواءمة الأمم المتحدة بشكل أكبر مع أهداف السياسة الخارجية الأمريكية.
غير أن غياب الوضوح فيما يتعلق بأهداف هذا القرار قد جعل من الصعب تقييم نجاحه، وتحديد الخطوات الضرورية لاستئناف دعم الولايات المتحدة لوكالة "الأونروا". وبالفعل، في حين أن بعض الأهداف التي حددتها وزارة الخارجية منطقية ويتم الوفاء بها، فمن المرجح أن تكون تلك الأهداف التي ذكرتها السفيرة هالي غير فعالة.
تحسين عمليات "الأونروا"
لا يمكن تجاهل النقاط التي أثارتها وزارة الخارجية ببساطة. فعلى غرار أي إجراءات بيروقراطية كبيرة - وخاصةٍ في الأمم المتحدة - تعاني "الأونروا" من مستوى [مرتفع] من عدم الكفاءة والهدر. فضلاً عن ذلك، فإن التقارير الموثوقة حول إساءة استخدام منشآت "الأونروا" بين الحين والآخر، لا سيما من قِبل حركة «حماس» في غزة، تُبرر الحذر الدائم الذي تتوخاه الوكالة نفسها وكذلك الجهات المانحة لها. وفي حين تقرّ "الأونروا" بهذه الحاجة وشرعت في جهودها الإصلاحية، يمكن أن تكون إصلاحات أكثر تشدداً تعتمدها الجهات المانحة للمنظمة ومساعي رقابية تقوم بها مفيدة. ومن هذا المنطلق، يُعتبر استخدام المساعدات لتفعيل الإصلاح أداةً شرعية، ولكن لكي تكون هذه الأداة فعالة، لا بدّ من توافر المزيد من الوضوح بشأن أنواع الإصلاحات المرجوة.
وعلى نحو مماثل، يُعتبر الوضع الذي تموّل فيه الولايات المتحدة "الأونروا" بشكل غير متناسب أمر غير معقول. وكما أشار وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، فهذه هي الحال تماماً عندما يتعلق الأمر بالمساهمات العربية لـ "الأونروا"، التي - باستثناء مساهمة السعودية - لطالما كانت ضئيلة. وإذا ما نظرنا إلى قرار الولايات المتحدة بإعادة دراسة تمويلها من حيث أنه يرمي إلى تقاسم أكثر إنصافاً للأعباء، نجد أنه يؤتي ثماره: فقد زادت السعودية والإمارات وقطر، بالإضافة إلى كندا وعدة بلدان أوروبية مساهماتها من أجل تغطية بعض العجز الناتج عن القرار الأمريكي. ومع ذلك، وعلى الرغم من زيادة المساعدات من هذه الدول، إلّا أن مالية "الأونروا" تكون غير مستدامة من دون درجة معينة من المساعدة الأمريكية. كما أن طبيعة تعليق المساعدات الأمريكية المفتوحة، بالإضافة إلى عدم الوضوح في ما يُعتبر مستوىً مقبولاً من تقاسم الأعباء، يجعلان من الصعب تطبيق هذا الهدف بشكل فعال.
ممارسة الضغط على "السلطة الفلسطينية"
في حين أنه يمكن الاستفادة من تعليق المساعدة الأمريكية من أجل تحسين عمليات "الأونروا" وتمويلها، إلّا أن ذلك لا يشكّل أداةً فعالةً لتحقيق الهدف الذي أشارت إليه السفيرة هالي المتمثل بممارسة الضغط على القيادة الفلسطينية للمشاركة في المفاوضات. ويدرك قادة "السلطة الفلسطينية" أن استياء الجمهور الفلسطيني من تقليص خدمات "الأونروا" لن ينصبّ على الأرجح على "السلطة الفلسطينية"، بل على الولايات المتحدة وإسرائيل والوكالة نفسها. وعلى هذا النحو، يمكن أن تقف "السلطة الفلسطينية" مع جمهورها في التعبير عن الغضب في الوقت الذي توجّه فيه اللوم على الآخرين. علاوة على ذلك، قد تقرر "السلطة الفلسطينية" على الأرجح أن إسرائيل لا ترغب أيضاً خفضاً مفاجئاً لخدمات "الأونروا" نظراً إلى أثر هذه الخطوة المزعزع للاستقرار، وأنها ستدفع على الأرجح نحو مساعي قنوات ضغط خلفية لحث الولايات المتحدة على استئناف المساعدات.
وبدلاً من ذلك، استخدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبدهاء، الهجوم المتصوّر على حقوق الفلسطينيين المتمثل بقطع المساعدات المقدمة إلى "الأونروا" والقرار الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس لمصلحته. وعلى الصعيد المحلي، ومن خلال خطاباته المتشددة، سعى إلى رسم صورة لنفسه كحامي القضية الفلسطينية. أما على الصعيد الخارجي، فقد مكّنته هذه الخطوات من وضع نفسه في صلب الدبلوماسية الإقليمية. والآن فإن أي زعيم عربي يحاول ممارسة الضغط عليه قد يجد نفسه منكشفاً على اتهامات عباس بالتواطؤ والتآمر مع الولايات المتحدة ضد فلسطين.
الأثر على غزة
في حين أنه من غير المرجح أن يؤدي خفض المساعدات الأمريكية إلى تحقيق نجاح في ممارسة ضغط دبلوماسي على "السلطة الفلسطينية"، إلّا أنه سيخلّف أثراً كبيراً على الصعيد الإنساني. وستتحمل غزة الوطأة الأكبر. وإذ يأوي القطاع الساحلي 1.9 مليون شخص، من بينهم 1.3 مليون لاجئ مسجّل لدى "الأونروا"، أخذ الوضع الاقتصادي والإنساني فيه يتدهور باطراد بعد سنوات من الحصار الإسرائيلي وثلاث حروب بين «حماس» وإسرائيل. فضلاً عن ذلك، اقترب القطاع بصورة أكثر من حافة الانهيار الإنساني نتيجة العقوبات التي فرضتها "السلطة الفلسطينية" في عام 2017. وفي حين لطالما كانت "الأونروا" مزوّداً رئيسياً للخدمات الصحية والتعليمية في القطاع الساحلي الغارق في الفقر المدقع، أدى التأثير المركّب للسياسات الإسرائيلية وعقوبات "السلطة الفلسطينية" إلى زيادة كبيرة في الطلب على هذه الخدمات، بما فيها المساعدات الطارئة. فعلى سبيل المثال، بدأ اليوم مليون شخص من سكان غزة يتلقون المساعدات الغذائية من المنظمة. وإلى جانب الأثر المباشر على الخدمات التي توفرها "الأونروا" في غزة، من شأن تراجع أنشطتها أن يترك تداعيات أوسع نطاقاً على الاقتصاد الكلي في القطاع. وفي ظل بلوغ معدل البطالة 41 في المائة، لا يقوم موظفو "الأونروا" في غزة البالغ عددهم 12500 بإعالة عائلاتهم فحسب، بل يمثلون أيضاً مصدراً مهماً للسيولة في القطاع الذي يعاني من ضائقة مالية.
وعليه، فمن المفارقات، أن القرار الأمريكي بخفض المساعدات إلى "الأونروا" يقوّض الهدف الرئيسي للولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وهو ضمان الاستقرار الإنساني والاقتصادي لغزة. وفضلاً عن الضرورة العاجلة لتلبية احتياجات المدنيين في غزة، فإن الحاجة الملحة إلى إرساء الاستقرار الأمني وخفض احتمالات نشوب حرب أخرى بين «حماس» وإسرائيل يحفّزان التركيز الدولي المتجدد على تحسين الوضع في غزة.
وفي هذا الصدد، يقوّض تجميد المساعدات إلى "الأونروا" الجهود الرامية لإرساء الاستقرار في غزة بطريقتين. تتمثل الطريقة الأولى والأكثر وضوحاً، في أن تقويض قدرة الوكالة على توفير الخدمات الحيوية يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية القائمة على النحو المذكور أعلاه. ولكن على نفس القدر من الأهمية، ففي ضوء عدم رغبة "السلطة الفلسطينية" في الاضطلاع بدور قناة المساعدة وإعادة الإعمار من جهة، وعدم رغبة المجتمع الدولي في توزيع المساعدات عن طريق «حماس» من جهة أخرى، تُعتبر "الأونروا" في موقع أفضل بين وكالات الأمم المتحدة لتطبيق خطة استقرار مماثلة في ظل غياب "سلطة" فلسطينية شرعية، نظراً إلى شبكات الوكالة وبنيتها التحتية الواسعة في غزة. وفي هذا الصدد، من شأن قطع المساعدات عن "الأونروا" أن يحرّم المجتمع الدولي من شريك هام في إرساء الاستقرار في غزة، على نحو لا يضر بالفلسطينيين في القطاع فحسب، بل بالاستقرار الإقليمي أيضاً، لا سيما بالنسبة إلى الشعوب المجاورة لغزة في إسرائيل ومصر.
عواقب غير مقصودة
سواء كان الهدف إحداث إصلاحات لـ "الأونروا"، أو ممارسة الضغط على الفلسطينيين، سيخلّف القرار الأمريكي تداعيات سلبية في مجالات أخرى. فسيتأثر كل من الأردن ولبنان - حيث تستضيف المملكة الهاشمية حوالي 2.2 مليون لاجئ فلسطيني مسجّل في حين تستضيف لبنان 450 ألفاً. ويضمّ هذان البلدان أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين (وفي حالة الأردن، العراقيين أيضاً) الذين أثقلوا أساساً كاهل ميزانيّتَي البلدين وبنيتهما التحتية. إن إضافة المزيد من اللاجئين الذين توفر لهم "الأونروا" خدمات حالياً إلى الخدمات الاجتماعية الوطنية المحدودة الموجودة في هذين البلدين من شأنها أن تمارس ضغطاً إضافياً على مواردهما، وربما تؤدي إلى استنزافها بالكامل.
وناهيك عن الضغط على الميزانية والبنية التحتية، قد يكون لهذا القرار تأثير مزعزع للاستقرار السياسي في الأردن. فوكالة "الأونروا" تقدّم خدماتها إلى 10 مخيمات رسمية تضمّ نحو 370 ألف لاجئ مسجل. ويعتمد المقيمون في هذه المخيمات، إلى جانب الكثير من اللاجئين الذين يعيشون خارجها، على ما توفّره "الأونروا": 171 مدرسة، و25 مركزاً للرعاية الصحية الأولية، و14 مركزاً للبرامج النسائية، وعدداً كبيراً من البرامج التعليمية والاجتماعية الأخرى. وطوال فترة "الربيع العربي" ووسط الاحتجاجات الاقتصادية الدورية التي اندلعت منذ ذلك الحين - ومؤخراً في حزيران/يونيو من هذا العام - خيّم الهدوء بشكل ملحوظ على هذه المخيمات.
ومن المرجح أن يُسْفر هذا الانخفاض الكبير في خدمات "الأونروا" في الأردن إلى تغيير هذا الوضع ويؤدي إلى اضطرابات في المخيمات. ومن الواضح أن هذه الاحتجاجات ستركّز على فقدان الخدمات. وبالفعل، منذ اتخاذ القرار الأمريكي، قام موظفو الوكالة بعدد من الإضرابات المحدودة احتجاجاً على تخفيض الخدمات التي تقدمها المنظمة. لكن مثل هذه الاحتجاجات سيكون لها بعدٌ سياسي على الأرجح. وكما حصل في الماضي، ينظر العديد من اللاجئين إلى أي تغييرات في برامج "الأونروا" على أنها تمهيد لإصدار حكم مسبق على التخلص نهائياً من مسألة اللاجئين في سياق الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، مما يضمن أن يكون للاحتجاجات بُعداً سياسياً.
وإذا حدثت مثل هذه الاحتجاجات، فمن غير المحتمل أن تستهدف السلطات الأردنية مباشرةً. ولكن، كما هو الحال مع القرار الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، من المرجح أن تؤثر على العلاقات الوثيقة بين الأردن والولايات المتحدة، وأن تٌضيف إلى الشعور بعدم الاستقرار في الوقت الذي تواجه فيه المملكة الهاشمية صعوبات لاستعادة الهدوء في أعقاب الاضطرابات السياسية الناجمة عن التدابير الاقتصادية التي لا تحظى بشعبية.
مستقبل قاتم
يعتبر السخط الأمريكي من تحمّل حصة غير متكافئة من دعم "الأونروا" والرغبة في رؤية المزيد من الإصلاحات في المنظمة أمر مفهوم، خاصة في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى تقليص مساعداتها الدولية الإجمالية. ومع ذلك، فإن تأثير هذا القرار سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار إلى حدّ كبير. ومن شأنه أن يقوّض أهداف الإدارة الخاصة المتمثلة في تحقيق الاستقرار في غزة، وقد يلحق الضرر بالأردن - أحد حلفاء الولايات المتحدة الأكثر إخلاصاً في المنطقة. وبدلاً من أن يُلزم "السلطة الفلسطينية" على الدخول في مفاوضات، سيزيد على الأرجح من تصلّب موقف الجمهور الفلسطيني، الذي سيعتبر هذا الإجراء محاولةً لحرمان اللاجئين من حقوقهم، كما قد يزيد من تعنّت قادتهم بعدم الانخراط في أي جهود دبلوماسية تقودها الولايات المتحدة. وفي خضم هذه التداعيات السياسية، سيدرك ملايين اللاجئين الذين يعتمدون على خدمات "الأونروا" أن حياتهم تتأثر بشكلٍ سلبي.
وحتى الآن، لا يوجد قرار نهائي في الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بصرف ما تبقى من تعهداتها إلى "الأونروا". وفي الحالة المثالية، سيتمّ صرف هذه الأموال فور التوصل إلى ترتيبات أكثر إنصافاً تقوم على تقاسم الأعباء مع الجهات المانحة اللأخرى، وفور تحقيق أهداف الإصلاحات. ولكن إذا قررت الولايات المتحدة وقف تمويل "الأونروا" بالكامل، فعندئذ تبدو آفاق المنظمة قاتمةً، مع ما يرافقها من تداعيات سلبية بشكل عام. وفي حين قد تتدخل بلدان أخرى لتغطية بعض الفجوات التمويلية، إلّا أنه من غير المرجح أن يسفر ذلك عن تغطية العجز الكلي الذي خلّفه القرار الأمريكي نظراً للمطالب الإنسانية التنافسية الأخرى في المنطقة الأوسع. وبينما تستطيع "الأونروا" الحدّ من بعض خدماتها، إلّا أن مثل هذه التخفيضات ستؤثر على السكان المستفيدين، ومعظمهم يتخبط بالفعل في وضع إنساني صعب. إن مثل هذه التخفيضات ستؤدي حتماً إلى نشوب اضطرابات.
وإذا ما قررت الولايات المتحدة في نهاية المطاف التراجع عن هذا القرار أو بلورته ليصبح خفضاً رسمياً للمساعدات إلى "الأونروا" فسيكون مؤشراً على ما إذا كانت الحكومة الأمريكية تتمتع بالرغبة والمهارة للسعي إلى تحقيق هدفها المعلن المتمثل بتعزيز الاستقرار وتحقيق السلام في النهاية بين إسرائيل والفلسطينيين، أو ما إذا كانت الولايات المتحدة تنسحب بالفعل من هذا الصراع.
غيث العمري هو زميل أقدم في معهد واشنطن. وقد شغل سابقاً منصب المدير التنفيذي لـ "فرقة العمل الأمريكية المعنية بفلسطين"، وعمل مستشاراً لفريق التفاوض الفلسطيني بين 1999-2006، حيث شارك في عدد من جولات المفاوضات من بينها "قمة كامب ديفيد" عام 2000.
"استعراض القاهرة للشؤون العالمية" ( Cairo Review of Global Affairs)