"قيس الخزعلي" يجلس بشكل بارز خلف خامنئي في طهران
في إحدى الفعاليات التي أُقيمت مؤخراً في إيران، شغل زعيم "عصائب أهل الحق" - وهي إحدى الميليشيات العراقية البارزة - موقعاً استراتيجياً مباشرةً خلف المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية.
في الذكرى السنوية للهجوم على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ألقى قيس الخزعلي، زعيم ميليشيا ”عصائب أهل الحق“ العراقية المدعومة من قبل إيران، خطابًا متلفزًا أعلن فيه استعداده للسير على خطى العديد من قادة ”محور المقاومة“ الذين قُتلوا على يد إسرائيل في الأشهر الأخيرة وأن يصبح ”شهيدًا“ في سبيل القضية ذاتها. كما أكد من جديد على ولائه الثابت للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، متعهدًا بالقتال حتى تحقيق ”النصر الكامل“. وفي رسالة وجهها الخزعلي للإمام المهدي، صرح قائلاً: "نبايعك يا سيدي ومولاي، ونبايع نائبك، ولي أمر المسلمين السيد الخامنئي، على السمع والطاعة والتضحية المستمرة بالأموال والأرواح، وعلى أن نكون جنوداً مقاتلين حتى يتحقق النصر الكامل استعداداً لظهورك المقدس، لتملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملأها الصهاينة ظلماً وجوراً“ (الشكل 1).
جاء خطاب الخزعلي بعد أيام قليلة من حضوره صلاة الجمعة في طهران، حيث حظي بمعاملة خاصة من مكتب خامنئي. وقد أمّ خامنئي هذه الصلاة في 4 أكتوبر/تشرين الأول، وهي أول خطبة جمعة له منذ ما يقرب من خمس سنوات. ومن الملفت للنظر وغير المعتاد أيضًا أن الخزعلي جلس خلال الحدث في موقع استراتيجي خلف خامنئي مباشرة في الصف الأمامي ، وهو مكان يحظى بأهمية خاصة في الجمهورية الإسلامية، فعندما يؤم المرشد الأعلى صلاة الجمعة، عادة ما يُخصص الصف الأمامي لكبار المسؤولين العسكريين والمدنيين. وبالفعل، جلس الخزعلي إلى جانب شخصيات رفيعة المستوى في “الحرس الثوري الإيراني”، بما في ذلك العميد محمد شيرازي، رئيس المكتب العسكري للمرشد الأعلى، والعميد أحمد وحيدي، القائد السابق لـ”فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني"، والعميد علي فدوي، نائب القائد العام لـ"لحرس الثوري الإيراني" (الشكل 2).
من غير الممكن اعتبار هذا الموقع المتميز مجرد مصادفة، لا سيما أن المسؤولين الإيرانيين كانوا على دراية تامة بأن صلاة الجمعة هذه ستحظى باهتمام عالمي خاص.. وفي سياق مماثل ، حصل الخزعلي على موقع متميز بالقرب من خامنئي خلال مراسم تأبين الرئيس إبراهيم رئيسي في مايو الماضي، بعد أن وافته المنية في حادث تحطم مروحية.
تشير ترتيبات الجلوس هذه بوضوح إلى الأهمية المتزايدة التي يوليها النظام للخزعلي ودوره في استراتيجية إيران الإقليمية الأوسع، فمن غير المعتاد أن تُمنح أي شخصية أجنبية مكانًا في الصف الأول خلال صلاة الجمعة التي يؤمها خامنئي، إذ يُخصص هذا الصف عادةً لشخصيات بارزة مثل الرئيس مسعود بيزشكيان، ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، ورئيس القضاء غلام حسين محسني إجئي ، وقائد الجيش عبد الرحيم موسوي، والعميد أحمد رضا رادان رئيس قيادة إنفاذ القانون.
رغم مساعي الميليشيات العراقية الأخرى للتقليل من أهمية دور "عصائب أهل الحق" في المقاومة، إلا أن تناميَ نفوذها أصبح أمرًا لا يمكن إغفاله. ففي نوفمبر 2023، أصدر أحمد محسن فرج الحميداوي (المعروف بأبي حسين)، الأمين العام لـ "كتائب حزب الله"، بيانًا أشاد فيه بمختلف الميليشيات المشاركة في العمليات المناهضة للولايات المتحدة، لكنه تعمّد بوضوح إغفال ذكر "عصائب أهل الحق". وقد أثار هذا التجاهل استياء قادة الجماعة، الذين باتوا يشعرون بقلق متزايد إزاء ضرورة استرضاء الفصائل المتشددة التابعة لهم.
لكن بعد مرور أقل من عام على ذلك، بات من الصعب على المتشددين والقادة السياسيين تجاهل حقيقة أن إيران تكافئ "عصائب أهل الحق" والخزعلي بشكل صريح وعلني. وقد يُعزى ذلك إلى الدور المحوري الذي تلعبه "عصائب أهل الحق" في "المقاومة" المدعومة بالكامل من طهران - وهي حركة تبدو في ظاهرها غير عسكرية، لكنها تسعى للسيطرة على مفاصل الدولة العراقية.وتجدر الإشارة إلى أن هاشم الحيدري، وهو شخصية بارزة أخرى في "الحرب الناعمة" ومنظّر "كتائب حزب الله" ورئيس حركة "عهد الله الإسلامية"، كان المسؤول العراقي الآخر في "المقاومة العراقية" الذي حظي بموقع بارز في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول، وإن لم يكن في الصف الأول.
ثمة نظرية بديلة تشير إلى أن الانتكاسات الأخيرة التي تعرض لها وكلاء رئيسيين مثل "حماس" و"حزب الله" قد تدفع إيران إلى منح "عصائب أهل الحق" أدوارًا حركية أكثر أهمية. فحتى الآن، اقتصر دور الجماعة على تقديم الدعم اللوجستي لـ"فيلق القدس" أثناء تنسيق الهجمات المناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل التي تنفذها ميليشيات عراقية أخرى. ومع ذلك، يبقى السؤال مطروحًا: هل ستبدأ "عصائب أهل الحق" بالمشاركة المباشرة في العمليات العسكرية في المستقبل؟