- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3796
ردع التصعيد وتوسيع دائرة حرب غزّة من جانب "محور المقاومة" الإيراني
على الولايات المتحدة أن تؤكد على المخاطر التي قد يفرضها ردع التصعيد وتوسيع دائرة حرب غزّة وأن تحفز طهران على كبح جماح وكلائها وشركائها.
بينما تشن إسرائيل حربها ضد "حماس" في غزة، سيتمثّل التحدي الرئيسي الذي ستواجهه الولايات المتحدة في منع التصعيد الناجم عن مشاركة "حزب الله" والميليشيات العراقية الموالية لإيران في سوريا أو العراق، والحوثيين في اليمن، وربما حتى إيران. وقد يترتب على إضفاء الطابع الإقليمي على الحرب عواقب كارثية تطال أمن إسرائيل وشركاء الولايات المتحدة الآخرين، والاستقرار في المنطقة، والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط وخارجه.
وبناءً على ذلك، على واشنطن أن تحاول استباق الأحداث والتأثير في حسابات هذه الجهات الفاعلة من خلال التوضيح، بالأقوال والأفعال، بأن مشاركتها في الصراع ستستدعي رداً قوياً من الولايات المتحدة. وقد انطلقت إدارة الرئيس الأمريكي بايدن بشكل جيد في هذا الصدد، حيث أشارت منذ اليوم الأول للأزمة إلى أن إرسال الأصول العسكرية الأمريكية نحو شرق البحر الأبيض المتوسط يهدف إلى "الاستجابة لأي حالات طوارئ وتقليل مخاطر توسيع دائرة الصراع"، وأضافت أن الولايات المتحدة ستكون "قلقة للغاية بشأن اتخاذ «حزب الله» القرار الخاطئ واختياره فتح جبهة ثانية..." وكان الرئيس بايدن واضحاً في تحذيره أي دولة من مغبّة التفكير في توسيع الحرب بقوله "لا تقوموا بذلك".
ولا بد أن يتم اختبار تحذير الولايات المتحدة. فقد قام "حزب الله" اللبناني بالتحقق في مدى الرد الإسرائيلي بصورة يومية خلال الأسبوع الماضي في سلسلة من الحوادث على طول الشريط الحدودي. وقد شمل ذلك إطلاق صواريخ وقذائف هاون، وصاروخ موجه مضاد للدبابات على الآليّات، وربما القيام بأعمال الفضاء الألكتروني للتسبب بانطلاق إنذارات كاذبة في نظام الإنذار المبكر الإسرائيلي للصواريخ والطائرات بدون طيار. كما ظهرت تقارير عن انتشار مقاتلي "حزب الله" وكذلك الميليشيات السورية والعراقية في مرتفعات الجولان السورية، وتم إطلاق قذائف هاون من سوريا باتجاه الجانب الإسرائيلي من الحدود. وفي الاستعراض الأخير الذي قام به الحوثيون في اليمن عرضوا صاروخاً متوسط المدى قادراً على الوصول إلى إسرائيل.
ومن أجل ردع "حزب الله" وإيران ووكلائهما وشركائهما عن توسيع الحرب، من الضروري أن تؤكد الولايات المتحدة على المخاطر التي قد يتعرضون لها نتيجة ذلك، وتُحفّز طهران على كبح جماح أعضاء ما يسمى بـ"محور المقاومة".
ردع "حزب الله" وإيران
يمتلك "حزب الله" أكثر من 150 ألف صاروخ ومدفع هاون وقذيفة يمكن أن تلحق أضراراً جسيمة بالمراكز السكانية والبنية التحتية الحيوية في إسرائيل، وسيشكّل دخوله الحرب تطوراً مزعزعاً للاستقرار بشكل كبير، مما يجعل ردعه أولوية قصوى - كما يتجلى في الرسائل الواضحة لإدارة بايدن حول هذه القضية، بدعم من عمليات الانتشار العسكري الأمريكي. وحتى الآن، يبدو أن كلاً من إيران و"حزب الله" عازمان - على الأقل في الوقت الحالي - على الحدّ من مخاطر حدوث تصعيد كبير أو غير مقصود قد يضر بمصالحهما الحيوية. وبعد أن نجحا ربما في تعطيل التطبيع السعودي الإسرائيلي (وربما ظهور تحالف عسكري أمريكي سعودي)، واستدراج إسرائيل إلى حرب مدمرة جديدة في غزة، قد لا يرغبان في التمادي أكثر من ذلك. ولكن النجاح وتصوّر حدوث "معركة حاسمة" ينتصرون فيها على إسرائيل ربما يغريهما على القيام بذلك.
ويمكن لأحداث كثيرة أن تغير حسابات "حزب الله" أو إيران، من بينها وقوع انتكاسة عسكرية إسرائيلية في غزة، أو حدوث تصعيد عرضي أو تدريجي يولّد الضغط على "حزب الله" أو إيران للرد، أو حصول تراجع محلوظ في الدعم الأمريكي أو الأوروبي لإسرائيل. ويشير ذلك إلى ضرورة الاستمرار في تعديل الرسائل الرادعة الموجهة إلى "حزب الله" وإيران وطبيعة الدعم الأمريكي لإسرائيل. ولتحقيق هذه الغاية، يتعين على الولايات المتحدة:
- توجيه طائرات من "مجموعة الناقلات الضاربة" (حاملة الطائرات الهجومية) "يو إس إس جيرالد آر فورد" الراسية حالياً في شرق البحر الأبيض المتوسط، للتدرب على مهمات القصف والقيام بطلعات استطلاعية قبالة السواحل اللبنانية، برفقة طواقم إخبارية تقدم التقارير من مقصورة القيادة في الحاملة.
- إرسال إشارة ضمنية إلى أن مقاتلات الشبح الأمريكية من طراز "إف-35" تعمل في محيط المجال الجوي اللبناني.
- توجيه المدمرات والطرادات من حاملة الطائرات الهجومية "فورد" إلى التدرّب على إجراءات مشتركة مع الدفاعات الصاروخية الاستراتيجية الإسرائيلية - التي لا تشارك حالياً - لتوجيه رسالة ردع إلى "حزب الله" وإيران.
- نشر قاذفات قنابل ثقيلة في منطقة الخليج (بما في ذلك قاذفات الشبح "ب -2"، وهذه ستكون سابقة) لتذكير طهران بأن بنيتها التحتية الحيوية - من بينها صناعتها النفطية - يمكن أن تتعرض للقصف إذا دخل "حزب الله" أو إيران الحرب.
- الإعلان عن أن "مجموعة الناقلات الضاربة" (حاملة الطائرات الهجومية) "دوايت دي أيزنهاور" - التي ستغادر إلى البحر الأبيض المتوسط في الأيام القادمة - ستزور بحر العرب أثناء انتشارها.
وعلى الرغم من أن إيران أصبحت معتادة على وجود مجموعات من حاملات الطائرات الضاربة وإرسال فرق عمل القاذفات إلى منطقة الخليج، إلا أن حدة الأزمة الحالية والمشاركة القوية والحماسية للرئيس بايدن تشيران إلى أن إيران قد تكون أكثر استجابة هذه المرة.
وأخيراً، ينبغي على الولايات المتحدة الارتكاز والبناء على قرارها الذي اتخذته في 12 تشرين الأول/أكتوبر القاضي بمنع طهران من الوصول إلى صندوق بقيمة 6 مليارات دولار تم إنشاؤه لشراء إمدادات إنسانية في أعقاب إعادة الرهائن الأمريكيين الخمسة الذين احتجزتهم إيران مؤخراً إلى وطنهم. وينبغي الإشارة إلى أنه إذا لم تمنع طهران "حزب الله" وغيره من وكلائها وشركائها من المشاركة في حرب غزة، فإن الولايات المتحدة ستمنع إيران بالمثل من الحصول على مبلغ إضافي قدره 10 مليارات دولار من الأموال المجمدة لشراء السلع الإنسانية الموجودة الآن في عُمان - والتي تتكون من عائدات مبيعات الغاز والكهرباء الإيرانية إلى العراق.
ردع وكلاء "حزب الله" وإيران
قد يرغب "حزب الله" وإيران أيضاً في دفع وكلائهما وشركائهما - أي الميليشيات المتمركزة في سوريا، والميليشيات الشيعية العراقية، والحوثيين في اليمن - إلى فتح جبهات إضافية مع إسرائيل، وبالتالي تعقيد حساباتها العسكرية. من المؤكد أن إسرائيل ستواجه تحديات كبيرة في ضرب أهداف في العراق واليمن، لا سيّما أثناء خوضها عمليات في غزة وعلى طول حدودها الشمالية. وهنا يمكن أن تسهم الرسائل الأمريكية الضمنية الموجهة إلى الحوثيين في اليمن والميليشيات العراقية ونظام الأسد في سوريا وإيران في تعزيز تحذيرات إسرائيل. وتشير التقارير الإعلامية إلى أن الدعم الاستخباراتي الأمريكي للاستعدادات الإسرائيلية للرد على ضربة محتملة من الحوثيين من خلال ضرب قواتهم الصاروخية وطائراتهم بدون طيار أو أهداف قيادية قد يساعد في ردع الجماعة المتمركزة في اليمن. وبعيداً عن التهديد برد عسكري أمريكي قوي على الهجمات التي تُشنّ على الأفراد والمصالح الأمريكية في سوريا والعراق، تنطوي الطريقة الأمثل لإبقاء الميليشيات العراقية خارج الحرب مع إسرائيل على توجيه تهديدات من وزارة الخزانة الأمريكية لتحديد الأولويات والإسراع في إدراج أسماء المصارف المرتبطة بهذه الميليشيات في القائمة السوداء بسبب إساءة استخدام الدولار الأمريكي.
مايكل آيزنشتات هو "زميل كان"، ومدير "برنامج الدراسات العسكرية والأمنية" في معهد واشنطن.
مايكل نايتس هو "زميل برنشتاين" في معهد واشنطن وأحد مؤسسي منصة "الأضواء الكاشفة للميليشيات" التابعة للمعهد.