- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
ردود أفعال الإعلام الفلسطيني والقيادة السياسية على زيارة بايدن للمنطقة
رغم محاولات السلطة الوطنية الفلسطينية تصوير زيارة بايدن للمنطقة بأنها ناجحة، إلا أن الفلسطينيون شعروا أنها لم تفعل سوى القليل لمساعدة القضية الفلسطينية.
حل الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ضيفاً على منطقة الشرق الأوسط مُستهلاً اياها بزيارة تل أبيب وبيت لحم. وقد تباينت ردود أفعال الإعلام الفلسطيني والقيادات السياسية الفلسطينية حيال زيارة الرئيس بايدن للمنطقة، فباستثناء السلطة الفلسطينية والإعلام التابع لها، جاءت معظم ردود الأفعال على الزيارة سلبية وذلك باعتبار أنها لن تضيف شيئا للقضية الفلسطينية، بل على العكس جاءت لتكرس مصالح إسرائيل وأمنها. ويُذكر أن الفلسطينيون كانوا يأملون في أن يفي الرئيس الأمريكي بايدن بوعده بإعادة فتح قنصلية فلسطين في القدس الشرقية المحتلة بعد أن أغلقها ترامب عام 2019، لكن إسرائيل عارضت تلك الخطوة بقوة.
نظراً لحالة الركود الدبلوماسي الذي تمر به السلطة الفلسطينية، فقد وجدت في المبالغة بالحديث عن أهمية الزيارة فرصةً سانحة لاستعادة مركزها السياسي على الصعيدين الداخلي والخارجي. وفى السياق ذاته، حاولت السلطة الفلسطينية استغلال الزيارة من خلال قيام محمود عباس أبوماذن بجولة دولية شملت دولاً عدة، على رأسها فرنسا والسعودية، وتعاملت وسائل الإعلام المحسوبة على السلطة مع تلك الزيارات على أنها نجاح دبلوماسي له ما بعده. وعقب انتهاء قمة جدة، وجهة ابو ماذن رسالة شكر شخصية إلى الملك سلمان وولي العهد والقادة السعوديين يشكرهم فيها على دعم فكرة "حل الدولتين."
إضافة الى ذلك، تناول الإعلام الرسمي التابع للسلطة الفلسطينية الزيارة وأبعادها وافرد لها مساحات كبيرة في نشرات الأخبار وبرامج التحليل السياسي، مُركزا على مسألة عدم اعتراف إدارة بايدن بالقدس كعاصمةً لإسرائيل، خاصة انه لم يكن هناك ممثلاً للجانب الإسرائيلي مع بايدن عند زيارته القدس، وهو ما أعتُبر إشارةً جادة لعزم الإدارة الامريكية على إعادة فتح القنصلية الفلسطينية في القدس.
وفى هذا السياق، علق الناطق باسم رئاسة السلطة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة عل الزيارة قائلا "أنها تحمل مضامين عديدة،" مشدداً على أن "فلسطين هي أول دولة عربية يزورها الرئيس بايدن منذ توليه الإدارة ." عكس تصريح أبو ردينة موقف السلطة الفلسطينية من استثمار الزيارة إعلامياً ودبلوماسياً من خلال إشارته إلى أن مضمون الزيارة يُشير إلى محورية القضية الفلسطينية في معادلة الصراع الدائر في المنطقة.
ومن ناحية أخرى، اعتبر مسؤولون من منظمة التحرير الفلسطينية أن زيارة بايدن جاءت لتكريس مصالح إسرائيل في المنطقة، حيث علق عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واصل أبو يوسف، قائلا "لا أمل يبنى على زيارة بايدن للمنطقة، فهي تأتي لتوفير المزيد من الدعم للاحتلال،" مضيفًا أن "الزيارة كانت محاولة لجعل دولة الاحتلال جزء من المنطقة في إطار هيمنة واشنطن ومصالحها وشراكتها الاستراتيجية معه."
كما شنت الفصائل الفلسطينية الأخرى هجوما حادا على الزيارة حيث اعتبر الناطق باسم حركة حماس، حازم قاسم، أن الزيارة جاءت لصالح إسرائيل وستوفر لها المزيد من الدعم لإجراءاتها الدفاعية. قاسم والإعلام المحسوب بشكل خاص على حماس بما فيهم قناة الأقصى وصحيفتا الرسالة وفلسطين، وجدا الزيارة ضد القضية الفلسطينية، بسبب عدم تبنيها برنامج واضح وجاد للحل السياسي. وجاء هجوم حماس الأكثر حدة ضد زيارة بايدن في تصريح رئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية، الذي وصف الزيارة بانها محاولة لتكريس نهج واشنطن في الانحياز لإسرائيل، مبيناً أن وثيقة "إعلان القدس" هي محاولة أمريكية لهندسة المنطقة بدمج إسرائيل فيها.
لم يختلف موقف حركة الجهاد كثيراً عن موقف حركة حماس، حيث أشار الأمين العام لحركة الجهاد، زياد النخالة، إلى أن الحل يكمن في استمرار المقاومة العسكرية ضد إسرائيل، باعتبارها دولة احتلال. وعلى نهج قائد الحركة، شرعت وسائل الإعلام المحسوبة على حركة الجهاد الإسلام مثل صحيفة الاستقلال وقناة القدس اليوم، في مهاجمة الزيارة.
انتقدت أيضا فصائل منظمة التحرير الفلسطينية الزيارة، حيث وصف بيان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الزيارة بأنها خطوة أمريكية جديدة لتكريس "السياسات الاستعمارية" بحق الشعب الفلسطيني. وأشار ذات البيان إلى أن الزيارة تحمل ملامح الدعم الأمريكي لتمديد مشروع "الاستعمار الإسرائيلي" الى خارج فلسطين. وفى بيانها حول الزيارة، وصفت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الزيارة بالمشروع الأمريكي الساعي لتصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية، حيث أعلنت الجبهة أن الإدارة الأمريكية تدعم التحرك الإسرائيلي في هدر الثروات وترسيخ أركان مشروع قد يتسبب في احداث دمار شامل في المنطقة.
الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني، بسام الصالحي، وصف الزيارة وطبيعتها بالانحدار غير المسبوق في التعامل مع القضية الفلسطينية، موضحاً أنها خلت من أي أجندات حقيقية للحل، ولم يتم تقديم سوى بعض التسهيلات الاقتصادية "الهامشية" للفلسطينيين، كخدمة 4 جي للهاتف، كذلك تقديم دعم مادي زهيد لبعض القطاعات الخدمية؛ كالمستشفيات.
في الختام، بينما كانت السلطة الفلسطينية هي الطرف الفلسطيني الوحيد الذي بنى على زيارة بايدن للأراضي الفلسطينية، شنت وسائل الإعلام الفلسطينية غير المحسوبة على السلطة، هجوماً حاداً على الزيارة وأبعادها. ومع ذلك، يعكس مضمون البيانات الدبلوماسية للزيارة نقطتين أساسيتين: الأولى؛ ان زيارة بايدن لم تكن على مستوى توقعات وطموح السلطة الفلسطينية الأمر الذي اضطر محمود عباس لإجراء زيارات دبلوماسية يُطالب فيها الدول الكبرى مثل فرنسا، بالتوسط لصالح القضية.
أما النقطة الثانية؛ فهي عدم وجود اهتمام دولي جاد بالقضية الفلسطينية في الوقت الحالي، حيث اكتفى الرئيس الفرنسي، إيمنوال ماكرون، بالتصريح بأن الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بحاجة للدخول في مفاوضات مباشرة، فيما لم يعقب على إمكانية لعب بلاده دوراً في التوسط في تلك المفاوضات. تجدر الإشارة إلى أن باريس كانت قد حاولت سابقًا رعاية المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعقد مؤتمر باريس للسلام عام 2017، لكن لم يحدث المؤتمر المذكور أي صدى أو قبول من الجانب الإسرائيلي في حينها.
وفى نهاية المطاف تؤكد الولايات المُتحدة دائما ان السلام الشامل والعادل في المنطقة لن يتأتى إلا بحل الدولتين، وهو ما يتطلب على ارض الواقع بذل المزيد من الجهود والتدخل الجاد من قبل الإدارة الامريكية لإجراء مباحثات جادة وفعاله من شانها إيقاف عمليات الاستيطان. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قد أصدرت مؤخرًا تصريحات تحث فيها إسرائيل على "مراجعة قواعد الاشتباك" في الضفة الغربية، خاصة بعد تصاعد وتيرة العنف خلال الأشهر القليلة الماضية، استمرت إسرائيل في تجاهل هذا المطلب، وهو ما أدى الى توقف محاولات الوساطة من قبل الولايات المتحدة تماما، ما يجعل استمرار الأزمة واقعاً بحاجةٍ لحدثٍ محوريٍ كبير يكسر الجمود.