- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
ردود فعل وسائل الإعلام المصرية على انضمام مصر إلى مجموعة "بريكس"
على الرغم من أن مجموعة بريكس تمثل آفاقا اقتصادية مثيرة للعديد من الحكومات، إلا أن إضافة دول أعضاء جديدة لم تمرّ مرور الكرام وأثارت الجدل. محليًا، أثار نبأ انضمام مصر إلى هذه المؤسسة جدلًا حاميًا على وسائل الإعلام حول جدوى هذه الخطوة وتأثيرها على الوضع الاقتصادي المتدهور في مصر.
في 24 آب/أغسطس، أعلن رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، خلال قمة مجموعة "بريكس" المنعقدة في جوهانسبرغ عن دعوة مصر وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأرجنتين وإثيوبيا للانضمام إلى المجموعة ابتداءً من العام 2024. وجاء الإعلان في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمة اقتصادية حادة تتمثل بديون خارجية ثقيلة، وانهيار الجنيه المصري، وتضخّم غير مسبوق، وعجز مزمن في الميزان التجاري. وفي أعقاب ذلك، تناولت وسائل الإعلام المصرية مسألة ما يعنيه انضمام مصر لمجموعة "بريكس" من عدة زوايا، وجميعها تتماشى بشكل أساسي مع مواقفها تجاه الدولة.
تُعدّ مجموعة "بريكس" من أهم التكتلات الاقتصادية في العالم وتضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وتمثّل ما يقارب 30 في المئة من الاقتصاد العالمي و43 في المئة من سكان العالم، وتُنتج أكثر من ثلث المحصول العالمي من الحبوب.
تم إنشاء مجموعة "بريكس" لتحقيق عدد من الأهداف الاقتصادية والسياسية والأمنية عن طريق تعزيز الأمن والسلام على مستوى العالم وتوطيد التعاون الاقتصادي بين أعضاء المجموعة. وبشكل منفصل، تسعى المجموعة إلى إقامة نظام اقتصادي عالمي مواز قادر على وضع حد للنظام الاقتصادي العالمي الخاضع لهيمنة الدولار والذي تقوده الولايات المتحدة بحلول العام 2050. إلا أنّ هذه المبادرة الطموحة تواجه الكثير من القيود، بما في ذلك الشقاق بين أعضائها والافتقار الى الهيكل المؤسسي اللازم لتنفيذ أهدافها.
يُعَد بنك التنمية الجديد التابع لمجموعة بريكس أحد أبرز الأمثلة على القيود التي تواجها المجموعة، حيث قامت الدول الأعضاء بإنشأت بنك التنمية الجديد عام 2015، وهو مؤسسة مالية متعددة الأطراف بمساهمة الدول الأعضاء الرئيسية في مجموعة "بريكس" (الصين والبرازيل والهند وروسيا وجنوب أفريقيا). يبلغ رأس مال البنك 100 مليار دولار ويهدف إلى تمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة في دول المجموعة وغيرها من اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية، لإنهاء هيمنة البنك الدولي. ومع ذلك، فقد ثبت أن القول أسهل من الفعل، فخلال الأعوام التي تلت تأسيس المجموعة، أصبح بنك التنمية الجديد في الصين عاجزًا عن توفير قروض جديدة إذ يواجه صعوبات في جمع الأموال بالدولار لتسديد ديونه، الأمر الذي دفعه إلى البحث عن أعضاء جدد مثل السعودية والإمارات لمعالجة مشكلته المالية.
على الرغم من أن مجموعة بريكس تمثل آفاقا اقتصادية مثيرة للعديد من الحكومات، إلا أن إضافة دول أعضاء جديدة لم تمرّ مرور الكرام وأثارت الجدل. محليًا، أثار نبأ انضمام مصر إلى هذه المؤسسة جدلًا حاميًا على وسائل الإعلام حول جدوى هذه الخطوة وتأثيرها على الوضع الاقتصادي المتدهور في مصر. فمن ناحية، غالت وسائل الإعلام الموالية للنظام في إبراز الأثار الإيجابية للقرار وصوّرته على أنه الدواء الشافي للمشاكل الاقتصادية في مصر، زاعمةً أنه سيضع حدًا للهيمنة الاقتصادية الغربية ويساعد مصر في خفض التضخم المتزايد وفي الحد من اعتمادها على الدولار. ومن ناحية أخرى، انتقدت وسائل الإعلام المعارضة انضمام مصر إلى مجموعة "بريكس" واستهزأت به، معتبرةً أنه مسعى لا طائل منه لبلد يواجه مشاكل اقتصادية شديدة وعجزًا تجاريًا مع جميع الدول الأعضاء حاليًا في المجموعة.
قدّمت وسائل الإعلام الموالية للنظام وجهات نظر أكثر تفاؤلًا في ما يخص انضمام مصر إلى مجموعة "بريكس"، ومن ضمنها صحيفة "المصري اليوم" التي زعمت أن مصر تستورد بالفعل الحبوب والزيت والنفط وغيرها من السلع الصناعية والتكنولوجية الأخرى من دول المجموعة، وقد تؤدي بالتالي الزيادة في حجم التجارة مستقبلًا باستخدام العملات المحلية إلى خفض الطلب على الدولار وإلى خفض التضخم أيضًا.
وفي الإطار عينه، رأت صحيفة "الأهرام" المملوكة للدولة في دعوة مصر للانضمام إلى عضوية "بريكس" انتصارًا للمساعي الدبلوماسية المصرية واعترافًا بمكانة مصر على الصعيدين الإقليمي والدولي، وأيضًا إقرارًا بأهمية دور مصر في العلم العربي والشرق الأوسط وبلدان شرق البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا. وزعمت الصحيفة أيضًا أن مجموعة "بريكس" تمثّل بداية تحوّل في النظام الدولي يفضي إلى وضع حدّ لهيمنة الغرب على الاقتصاد العالمي.
وقال الإعلامي الموالي للنظام، مصطفى بكري، إن قيمة الدولار في السوق السوداء بدأت تنخفض بعد صدور نبأ انضمام مصر إلى مجموعة "بريكس"ـ وأفاد أن إنشاء عملة موحدة بين دول المجموعة، وهي مبادرة طُرحت سابقًا على طاولة النقاش بين هذه الدول ولكن لم تبرز أي بوادر على تنفيذها، سيحد من طلب مصر على الدولار ويحل بالتالي من قلة توفره. ووصف الإعلامي الموالي للنظام، أحمد موسى، انضمام مصر إلى مجموعة "بريكس" على أنه "زلزال سياسي" سيعود بفائدة عظيمة على مصر، واعتبر أن مجموعة "بريكس" بتشكيلتها التي تضم دولًا نووية ودولًا عملاقة في مجال الغاز الطبيعي قد تطلق قريبًا نظامًا عالميًا جديدًا.
أما على المستوى الرسمي، فعلقّ رئيس الوزراء مصطفى مدبولي على انضمام مصر إلى مجموعة "بريكس" قائلًا إنها خطوة موفّقة إذ ستفتح آفاقًا جديدة أمام مصر للحصول على قروض ميسّرة من بنك التنمية التابع للمجموعة لخدمة مشاريع التنمية والبنية التحتية. وأشار إلى أن المجموعة تسعى جاهدة إلى تحقيق التوازن العالمي من خلال تغيير النظام الأحادي القطب وإيجاد التوازن في إدارة الملفات العالمية.
كما أكد وزير المالية المصري محمد معيط أن انضمام مصر إلى مجموعة "بريكس" سيسهم في تعزيز الاستثمار وتوفير فرص تصدير جديدة وزيادة التدفقات الأجنبية، فضلًا عن توطيد التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين مصر والدول الأعضاء.
ومع أن صحيفة "الشروق" الموالية للنظام أشادت بالعضوية الجديدة لمصر ووصفتها بأنها "خطوة استراتيجية تحسب للسياسة الخارجية المصرية"، فقد عبّرت عن نظرة تتسم بالتوازن تجاه التحديات الرئيسية التي تواجهها مجموعة "بريكس"، ومن بينها التحديات المؤسسية. فالمجموعة لا تشكّل مؤسسة دوليّة ولا إقليمية وتفتقر إلى مقرّ وأمين عام أو مجلس تنفيذي لاتخاذ القرارات، وهذا يعني أن مصر تنضمّ إلى كيان هشّ مؤسسيًا، وبالتالي لن تجني سوى القليل من المكاسب.
وبالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي الشقاق السياسي بين الأعضاء الرئيسيين في مجموعة "بريكس"، مثل العداء التاريخي بين الهند والصين كما بين السعودية وإيران، إلى تهديد الانسجام في المجموعة. ويُخشى من أن يؤدي ازدياد عدد الأعضاء إلى تعميق التباين بين الدول الذي ينتهي بإعاقة نجاح المجموعة المحتمل.
ومن جهة المعارضة، عمد كثيرون في وسائل الإعلام إلى الانتقاص من أهمية انضمام مصر إلى مجموعة "بريكس"، مشككين في تأثيرها المزعوم على الاقتصاد المصري. وبحسب ما أفاد به الإعلامي في "قناة الشعوب"، معتز مطر، تعاني مصر من عجز تجاري ضخم مع دول مجموعة "بريكس" يقدّر حجمه بنحو 29 مليار دولار. ومع انضمام مصر إلى المجموعة، قد تتضاعف وارداتها من الدول الأعضاء، وبالتالي عجزها التجاري. وإذا لم تغطِ مصر هذا العجز، فقد تضطر إلى بيع المزيد من الأصول أو السماح لدول المجموعة بالدفع بالجنيه المصري مقابل استخدام قناة السويس، وسيخلّف الأمران وقعًا كارثيًا على الاقتصاد المصري والجنيه المصري الذي تنخفض قيمته على نحو متواصل.
وقللت أيضًا صحيفة "مدى مصر" المعارضة من أهمية انضمام مصر إلى مجموعة "بريكس" ورأت أن هذه الخطوة ليست وصفة سحرية تحل مشاكل مصر الاقتصادية. وعلى الرغم من أنها قد تخفف قيمة الواردات، فهي لن تحسّن بالضرورة العجز التجاري الذي تواجهه مصر. لن تختفي أزمة الدولار في البلاد بسحر ساحر عند الانضمام إلى مجموعة "بريكس"، وستبقى القاهرة "بحاجة إلى زيادة مصادر النقد الأجنبي من خلال الصادرات والسياحة والاستثمار الأجنبي المباشر."
وبالإضافة إلى ذلك، رفض خبراء اقتصاديون بارزون في المعارضة انضمام مصر إلى مجموعة "بريكس" باعتبارها خطوة غير فعّالة. وفي هذا الإطار، قال الخبير الاقتصادي، مصطفى شاهين، إن الصين أطلقت مجموعة "بريكس" لتوسيع أسواقها في الخارج بهدف منافسة الولايات المتحدة. وأفاد أيضًا أن في ظل المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها مصر، من المتوقع أن يؤدي انضمامها إلى المجموعة إلى مضاعفة الواردات وبالتالي تفاقم عجزها التجاري وازدياد ديونها وعرقلة أي مسعى لإنعاش الصناعة المحلية. وعلق الخبير الاقتصادي، هاني توفيق، قائلًا إن مصر ستتحوّل من مدين بالدولار إلى مدين باليوان والروبل والريال إذا لم تعمل على جذب الاستثمارات اللازمة لإنتاج أكثر مما تستهلك وتصدير أكثر مما تستورد.
انتقدت أيضًا جماعة "الإخوان المسلمين" هذه الخطوة وزعمت أن هدف مصر الرئيسي من الانضمام إلى مجموعة "بريكس" هو البحث عن منفذ جديد للحصول على القروض من بنك التنمية. وحتى إذا صحّ ذلك، فإن آمال السيسي في الاقتراض من البنك تحطّمت نظرًا لأن البنك يواجه حاليًا صعوبات في تقديم قروض جديدة. وإلى ذلك، لن يؤتي الانضمام إلى المجموعة ثماره بسبب ضعف الإنتاج المحلي والافتقار إلى صادرات كافية تستطيع من خلالها الوصول إلى سوق مجموعة "بريكس."
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة المقرّر إجراؤها في بداية العام 2024، تهدف الحملة الإعلامية المغالية التي تقوم بها مصادر موالية للنظام بشأن انضمام مصر إلى مجموعة "بريكس" إلى التخفيف من السخط العام الناجم عن ازدياد التضخم والفقر المستشري. وقد تنقذ التغطية الإيجابية، إذا نجحت، شعبية السيسي وتدرأ الاضطرابات الداخلية المحتملة.
وتجدر الإشارة إلى أن رئيس البرازيل كان قد عرض في وقت سابق على الرئيس الأسبق، حسني مبارك، الانضمام إلى مجموعة "بريكس"، إلا أن الأخير رفض خشيةً من أن يؤثر ذلك في علاقاته مع الغرب. ويتعين على السيسي أن يأخذ ذلك في الاعتبار أيضًا، إذ تضم المجموعة دولًا لا تتفق مع حلفاء مصر الغربيين، وتعارضهم تمامًا في بعض الحالات، وقد يتسبب ذلك في حدوث شرخ بين مصر ودول الغرب، وتحديدًا الولايات المتحدة. وهذا يعني أن نجاح مصر في الانضمام إلى مجموعة "بريكس" سيعتمد على مدى قدرتها على عدم الانجرار إلى الاستقطاب الدولي.
وفي النهاية، يجب ألا يبالغ المصريون في تقدير الفوائد السريعة التي يمكن أن تجنيها مصر من الانضمام إلى مجموعة "بريكس." وبعبارات أخرى، يتعيّن على مصر اتباع سياسة التصنيع الموجّه للتصدير بهدف فتح أسواق جديدة مع دول "البريكس" وسدّ عجزها التجاري. كما أن عليها أن تحسين إدارة أصولها ومواردها الحالية لزيادة إيراداتها والوفاء بالتزامات ديونها، بالإضافة إلى إزالة الحواجز البيروقراطية كافة التي تعرقل الاستثمار الأجنبي.