- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3985
رغم تعهد الحوثيين بتقليص الهجمات، لا يزال البحر الأحمر مضطربًا
لم يُظهر الحوثيون أي استعداد أو قدرة تُذكر على التمييز الدقيق بين السفن التي يستهدفونها، مما دفع واشنطن وشركاءها إلى التشكيك في مصداقية "وقف إطلاق النار" المزعوم للجماعة والاستمرار في ممارسة الضغط عليها.
في 22 يناير/كانون الثاني، أفرج الحوثيون عن طاقم السفينة "جالاكسي ليدر "، وهي ناقلة سيارات استولوا عليها في البحر الأحمر في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، في إطار حملتهم الممتدة ضد الملاحة البحرية منذ أشهر. وقد استولت الجماعة اليمنية على السفينة بسبب صلاتها بإسرائيل، رغم أن طاقمها المؤلف من 25 بحارًا، ينتمي إلى دول متعددة مثل بلغاريا، المكسيك، الفلبين، رومانيا، وأوكرانيا. وجاء إطلاق سراحهم بعد ثلاثة أيام من اتفاق وقف إطلاق النار في الحرب بين "حماس" وإسرائيل في غزة، مما دفع الحوثيين إلى التعهد بتقليص هجماتهم على السفن التي ترفع علم إسرائيل أو "المملوكة بالكامل لأفراد أو كيانات إسرائيلية بشكل فورى". كما زعمت الجماعة أيضًا أنها ستنهي "العقوبات المفروضة على السفن الإسرائيلية" عند التنفيذ الكامل لجميع مراحل اتفاق غزة المكون من ثلاث مراحل.
ورغم إطلاق سراح طاقم السفينة "جالاكسي ليدر" متعدد الجنسيات (رقم التعريف 9237307 لدى المنظمة البحرية الدولية)، وهو أمر مرحب به بعد سنوات من الدعوات المستمرةللإفراج عنهم، إلا أن الوعد الحوثي بوقف الهجمات ضد السفن غير الإسرائيلية كان محل شك، ولا تزال معظم شركات الشحن وشركات التأمين تتوخى الحذر. وقد أبدى الحوثيون استعدادهم لاستئناف أنشطتهم العسكرية في حال تعثرت هدنة غزة الهشة، أو في حال شنّت القوات الأمريكية والبريطانية ضربات جديدة على أهداف في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن. وفى هذا السياق، حذّر زعيم الحوثيون عبد الملك الحوثي في خطاب متلفز في 20 يناير/كانون الثاني، قائلاً:" نحن نضع إصبعنا على الزناد". وعلاوة على ذلك، اعتمد الحوثيون مرارًا على بيانات غير دقيقة أو غير محدّثة في تحديد واستهداف السفن التجارية خلال العام الماضي، مما يثير المخاوف بشأن استمرار اضطراب الملاحة في البحر الأحمر طالما أن الجماعة ما زالت تسيطر على حركة المرور عبر مضيق باب المندب.
كيف يتم تصنيف السفينة على أنها "إسرائيلية"؟
بعد اندلاع الحرب بين وحركة حماس وإسرائيل، أعلن الحوثيون دعمهم لغزة وشنّوا سلسلة من الهجمات على السفن التجارية الدولية مستخدمين أسلحة متنوعة، مهددين بذلك حياة البحارة. وشملت هذه الحملة للمرة الأولى استخدام الصواريخ الباليستية المضادة للسفن. وقد تمكن الحوثيون من إغراق سفينتين في العام الماضي، كما تعرضت سفينتان أخريان لأضرار جسيمة استدعت عمليات إنقاذ عاجلة لتجنب وقوع كوارث بيئية (لمزيد من التفاصيل، انظر الخريطة التفاعلية "تتبع الهجمات البحرية في الشرق الأوسط منذ عام 2019". في معهد واشنطن). وقد أسفرت هذه الهجمات عن مقتل بحار واحد على الأقل وإصابة العديد من البحارة.
ومما زاد الأمر تعقيدًا هو عدم وضوح قاعدة بيانات الشحن التي اعتمدها الحوثيون في استخراج معلومات الملكية وتحديد أهدافهم بدقة. إذ يُظهر التدقيق في الهجمات منذ ديسمبر 2023 أن الجماعة استهدفت بعض السفن ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة بإسرائيل وحلفائها، لكنها اعتمدت أيضًا على معلومات غير دقيقة، مما أدى إلى استهداف سفن لا علاقة لها بالنزاع.
ففي فبراير/شباط 2024، على سبيل المثال، أطلق الحوثيين صاروخًا باليستيًا مضادًا للسفن على سفينة الشحن العامة "روبيمار (IMO 9138898) " التي ترفع علم دولة بليز، زاعمين أنها سفينة "بريطانية". غير أن السفينة - التي غرقت في أوائل مارس/آذار بحمولتها من الأسمدة - كانت مملوكة لشركة مقرها لبنان ولم تكن لها أي صلة بالمملكة المتحدة.
تتفاقم مخاطر مثل هذه الأخطاء (سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة) بسبب التغيرات المستمرة في ملكية السفن ومشغليها، والتي لا يتم تحديثها بصورة فورية في قواعد البيانات البحرية المتاحة عبر الإنترنت. ويندرج الأمر نفسه عندما يقوم المستثمرون ببيع حصصهم في بعض شركات الشحن. فعلى سبيل المثال، عندما تعرضت ناقلة النفط/الكيماويات التي ترفع علم جزر مارشال Ardmore Encounter (IMO 9654579) للهجوم في كانون الأول/ ديسمبر 2023، كانت مملوكة لشركة Ardmore Shipping ومقرها أيرلندا ولم يكن لها أي صلات واضحة بإسرائيل. وبعد أسبوعين، كشف تقرير نشرته شركة تريد ويندز TradeWinds عن هذا الخطأ في تحديد الهوية – حيث يبدو أن الدافع وراء الهجوم كان الاعتقاد بأن قطب الشحن الإسرائيلي عيدان عوفر كان يملك حصة في الشركة في حين أن أسهمه كانت قد بيعت قبل أشهر من الهجوم.
استهدف الحوثيون بعض السفن التابعة لشركة "MSC" (البحر الأبيض المتوسط للملاحة)، التي تمتلكها أكبر شركة خطوط بحرية في العالم ومقرّها في سويسرا، بعد أن حددوها عن طريق الخطأ على أنها إسرائيلية. ويُحتمل أنهم استهدفوها بناءً على هذا الخطأ في تحديد الهوية. وشملت هذه السفن سفينة الحاويات التي ترفع علم ليبيريا " MSC Sarah V (IMO 9181675" والتي استُهدفت بصاروخ في يونيو 2024 أثناء رحلتها إلى أبو ظبي. يبدو أن بعض الهجمات على سفن شركة MSC "" كانت في الأساس نابعة من صفقات مشاركة السفن واتفاقيات تبادل المناولة وأشكال أخرى من التعاون التجاري مع شركة الشحن الإسرائيلية "زيم" (ZIM). وليس من المستغرب أن شركة "MSC " أعلنت مؤخرًا، إلى جانب شركات أخرى، استمرارها في تحويل مسار شحناتها حول "طريق رأس الرجاء الصالح" الأطول بكثير في الوقت الحالي، وذلك رغم تعهد الحوثيين بوقف الهجمات في البحر الأحمر.
وعند فحص أكثر من 100 سفينة تعرضت لهجمات الحوثيين بين نوفمبر 2023 وديسمبر 2024، يتضح أن عددًا محدودًا فقط من السفن سُمح لها بعبور خليج عدن وجنوب البحر الأحمر. وتُعد السفن المرتبطة بالصين وروسيا تحديداً من بين الأكثر استخدامًا لهذا المسار. ومع ذلك فهي ليست آمنة تمامًا، حيث استهدف الحوثيون بعض السفن المرتبطة بتجارة النفط الروسية، مستندين مرة أخرى إلى بيانات غير دقيقة. بل إن ناقلتي بضائع سائبة متجهتين إلى إيران تعرضتا أيضًا لهجمات في البحر الأحمر خلال فبراير/شباط ومايو/أيار 2024، بما في ذلك السفينة لاكسIMO 9512355)).
التوصيات السياسية
سيظل التهديد العسكري المستمر الذي يشكله الحوثيون ضد الملاحة الدولية مصدر قلق كبير على الرغم من إعلان الجماعة عن وقف هجماتها. وسيواصل الحوثيون استغلال البحر الأحمر ومضيق باب المندب كنقاط اختناق استراتيجية لإبراز قوتهم وممارسة نفوذهم في النزاعات الإقليمية. ومن المتوقع أيضًا أن يؤسسوا مركزًا للمرور البحري لمراقبة حركة المرور البحري واستجواب السفن المارة، وذلك على غرار المركز الذي يديره الحرس الثوري الإيراني في مضيق هرمز.
وفي الواقع، حتى لو أسفر أي اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة عن انخفاض ملحوظ في الهجمات في البحر الأحمر، فإن ذلك لن يغير من الطابع الانتهازي للحوثيين وعدائهم المستمر تجاه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل. وعلى الرغم من الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية المتكررة التي استهدفت مواقعهم العسكرية في اليمن، لا تزال الجماعة تمتلك ترسانة متطورة تضم صواريخ باليستية، وصواريخ كروز، وطائرات مسيرة هجومية بعيدة المدى ذات اتجاه واحد، العديد منها تم تزويدهم بها أو تطويرها من قبل إيران.
بالإضافة إلى ذلك، وبالنظر إلى تاريخ الحوثيين في استغلال وقف إطلاق النار لإعادة تنظيم صفوفهم وإعادة تسليحهم، فمن المحتمل أن يسعى الحوثيون إلى استغلال التوقف الحالي للعمليات العدائية للتحضير لهجمات مستقبلية. ومن المرجح أن تواصل إيران دعمهم في توسيع قدراتهم العسكرية، مما يمكنهم من تطوير أسلحة أكثر تقدماً بكفاءة واستقلالية أكبر. ومن الجدير بالذكر أن الأسلحة التي يمتلكها الحوثيون حاليًا تشكل تهديدًا كبيرًا للسفن التجارية والعسكرية على مسافات بعيدة، بما في ذلك مناطق نائية تمتد إلى وسط البحر الأحمر وغرب بحر العرب. كما أن قواربهم غير المأهولة المحملة بالمتفجرات – التي غالبًا ما يتم توجيهها عبر نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) أو التحكم فيها عن بعد – تمثل تحديًا خاصًا من حيث اكتشافها واعتراضها، مما يضيف مستوى إضافيًا من التعقيد إلى عمليات الأمن البحري في المنطقة. ولا تقتصر مخاطر هذه الأسلحة على السفن فحسب، بل تمتد أيضًا إلى البنية التحتية الحيوية في الدول الإقليمية المتحالفة مع الولايات المتحدة.
وللتخفيف من هذه التهديدات، ينبغي على الولايات المتحدة وشركائها اتخاذ إجراءات حاسمة على عدة جبهات:
- الحفاظ على وجود بحري منسق ومستمر لضمان حرية الملاحة في المنطقة.
- الاستثمار في تقنيات الكشف المتقدمة وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتدابير المضادة.
- فرض عقوبات أكثر صرامة على إيران والكيانات الأخرى المتورطة في تزويد الحوثيين بالأسلحة والموارد.
- تشكيل تحالفات إقليمية جديدة تضم دول البحر الأحمر، مثل مصر وإريتريا والسعودية والسودان، لتنسيق التدابير الدفاعية وضمان تأمين الممرات البحرية.
كما يجب عليهم بناء تحالف لمواصلة الضغط الدبلوماسي والاقتصادي على إيران، مع التأكيد على ضرورة توقف طهران عن دعمها العسكري للحوثيين.