- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2514
روسيا في جنوب سوريا: بواعث قلق إسرائيلية وأردنية
في 28 تشرين الأول/أكتوبر، وللمرة الأولى منذ أن بدأت موسكو حملتها الجوية في سوريا، أفادت بعض التقارير أن الطائرات الروسية استهدفت قوات الثوار في جنوب البلاد. وتركزت الضربات على "تل هارا" - الواقع على بُعد تسعة عشر كيلومتراً تقريباً من الحدود الإسرائيلية - وغيرها من المواقع في محافظة درعا. وتثير هذه العمليات مخاوف في إسرائيل والأردن، ومن المرجح أن تختبر علاقات روسيا مع كلا البلدين. بيد، يجب أن لا تأتي الضربات كمفاجأة. فعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، أشارت التصريحات الروسية، والمناورات الدبلوماسية وديناميات القتال التي اتبعتها موسكو أن خططها قد تتوسع إلى مناطق أخرى، بما فيها جنوب سوريا.
التصريحات الروسية
في 23 تشرين الأول/أكتوبر، وخلال الاجتماع السنوي لـ "نادي النقاش الدولي فالداي" - [الذي هو عبارة عن اجتماعات دورية للخبراء البارزين المتخصصين في دراسة السياسة الداخلية والخارجية لروسيا] التي تمنح المشاركين فرصة نادرة للتعاطي مع المسؤولين الروس - تحدّث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وشخصيات أخرى حول استراتيجية الكرملين في سوريا. ووفقاً لمذكرة صادرة عن "مجموعة أوراسيا"، أشارت بعض هذه النخب الروسية أن التدخل سيمتد إلى الجنوب. وأضافت أن الجيش السوري و «حزب الله» والقوات الإيرانية ومختلف الميليشيات الشيعية، سيكونون بمثابة المقاتلين على أرض المعركة بالنسبة للتدخل العسكري بأكمله، ويتم دعمهم بواسطة الضربات الجوية الروسية. وقد تركزت هجمات روسيا وحلفائها حتى الآن على شمال ووسط سوريا، إلا أن الضربات التي شُنت يوم الأربعاء تشير إلى أنهم قد يميلون الآن إلى إيلاء المزيد من الاهتمام إلى [المناطق] الجنوبية.
التقدم على أرض المعركة نحو الجنوب
في منتصف تشرين الأول/أكتوبر، نجحت مجموعة مكونة من الجيش السوري وتعزيزات «حزب الله» والمليشيات المحلية الموالية للنظام في رد الثوار على أعقابهم في أعقاب هجوم شنه هؤلاء في جنوب محافظة القنيطرة. وأفادت بعض التقارير أن «حزب الله» زجّ حوالي 500 مقاتل إلى المعركة، مما ساعد النظام على استعادة السيطرة على مرتفع "تل الأحمر"، أو ما يسمى بـ "مرتفع الأمم المتحدة"، ومخافر هامة أخرى التي يمكن أن تساعد قوات بشار الأسد على توسيع سيطرتها في المنطقة. وليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان الجيش السوري سيستفيد من هذا التقدم في القنيطرة أم سيحافظ ببساطة على الوضع الراهن.
ومن وجهة نظر النظام، إن قطع الروابط اللوجستية والعملياتية بين الثوار في جنوب سوريا وأولئك في ضواحي دمشق يُعتبر أمراً حاسماً للدفاع عن العاصمة. وتشير بعض التقارير إلى أن النظام يقوم بالفعل بتركيز قواته لشن هجوم جديد في الجنوب. وإذا قرر الجيش المضي قدماً في خططه، فقد يطلب زيادة الدعم الجوي الروسي. وكان سلاح الجوي السوري قد شن من قبل هجمات في جنوب البلاد، لكنه كان متردداً في تنفيذ غارات جوية بالقرب من الحدود الإسرائيلية منذ أيلول عام 2014، عندما تم إسقاط إحدى طائراته المقاتلة بعد عبورها المجال الجوي الإسرائيلي. إن طلب شن ضربات جوية روسية هو خطوة ذكية، لأن دمشق ربما تفترض أن إسرائيل لن تتحدى القوات الجوية الروسية.
المناورات الدبلوماسية
في 24 تشرين الأول/أكتوبر، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن روسيا سوف تنسق عملياتها العسكرية مع الأردن، وتشمل هذه الضربات الجوية. وإذا ما خططت موسكو في الواقع توسيع حملتها الجوية في جنوب سوريا، فإن إقامة آليات للتنسيق مع عمان هي خطوة ضرورية. وبالنسبة لنظام الأسد، يعتبر إقليم درعا في جنوب البلاد المنطقة التي بدأ فيها التمرد، لذا فإن استعادة السيطرة على هذه المساحة قد ترمز إلى القوة والعودة إلى الاستقرار. ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف، يتعيّن على الأسد وحلفائه إضعاف الثوار في الجنوب، الأمر الذي يتطلب تحقيق سيطرة أكثر حزماً على المعابر الحدودية مع الأردن.
في أوائل عام 2015، شاركت قوات النظام مع «حزب الله» وإيران وأفراد من ميليشيات شيعية أخرى لشن هجوم مفاجئ في شمال غرب درعا، الأمر الذي أبرز مدى الأهمية التي يوليها [التحالف الإيراني] لهذه المنطقة. بيد، وفقاً لتقرير "المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات" من أيلول/سبتمبر، انتهى الهجوم في آذار/مارس دون تحقيق أي مكاسب كبيرة. وفي 29 تشرين الأول/أكتوبر، كتبت صحيفة لبنانية مقربة من «حزب الله» أن الجيش السوري يخطط للقيام بهجوم جديد في المنطقة، وأن الغارات الجوية الأخيرة هي جزء من هذه العملية.
وتشكل مدينة درعا ومحيطها أيضاً أهمية كبيرة للأردن، حيث أن أي عمليات قتالية تحدث في تلك المنطقة يمكن أن تؤثر على أمن الحدود فضلاً عن تدفق اللاجئين إلى المملكة. ووفقاً لبعض التقارير تدعم الأردن المعارضة هناك عن طريق تقديمها المشورة والتسليح، وينعكس ذلك أساساً من خلال "قيادة العمليات العسكرية" في عمان، التي تساعد الثوار بالسلاح وعمليات التخطيط.
التداعيات على إسرائيل والأردن
بالنسبة لإسرائيل، سيكون النشاط الجوي الروسي المستمر بالقرب من حدودها إشارة مثيرة للقلق. فإذا استخدم «حزب الله» وإيران الغطاء الجوي الروسي من أجل الاقتراب من الحدود، فإن قواتهما سوف تجتاز إحدى الخطوط الحمراء التي وضعتها إسرائيل. وكانت بعض التقارير قد ذكرت في وقت سابق من هذا العام، أن هذا السبب هو الذي أدى إلى لجوء إسرائيل إلى استهداف «حزب الله» وقادة إيرانيين في مرتفعات الجولان. وقد نقلت القدس هذا الخط الأحمر وخطوط حمراء أخرى إلى الروس أكثر من مرة، لذلك فإن أي تحديات إضافية يشكلها «حزب الله»/إيران في الجولان ستختبر إلى حد كبير التنسيق الإسرائيلي -الروسي. كما ستختبر أيضاً العلاقات الروسية الإيرانية - حيث لا تريد موسكو أن تغيظ إسرائيل من خلال تسهيل الاستفزازات الإيرانية من جهة، بينما تحتاج إلى المقاتلين الإيرانيين على أرض المعركة لمحاربة الثوار من جهة أخرى.
أما بالنسبة للأردن، فبإمكان حملة جوية مكثفة جداً في درعا أن تزيد من تدفق اللاجئين عبر الحدود. ومنذ أن بدأت روسيا ونظام الأسد هجومهما في الشمال، أفادت بعض التقارير أن أكثر من 120,000 شخص من المدنيين قد غادروا منازلهم هرباً من القتال. وإذا كان هذا أي مؤشر على ما يمكن أن يحدث في درعا، ينبغي أن تكون الأردن قلقة [من تطور الأحداث]. فالمملكة تعاني بالفعل من الضغوط المالية ووطأة البنية التحتية من جراء مساعدة مئات الآلاف من اللاجئين في أراضيها، وإذا ما استمر العديد منهم في الوصول إليها، فستكون قدرتها على مساعدتهم محدودة.
وتريد الأردن وإسرائيل أيضاً إبعاد الفصائل المتطرفة الناشطة في جنوب سوريا. وقد تمكنت حتى الآن من فعل ذلك، إلا أن قيام وجود أكبر لروسيا والنظام السوري في جنوب البلاد قد يغير ذلك. وكما أشار محللون آخرون، فإن التدخل الروسي في شمال سوريا يدفع بالفعل المزيد من الفصائل الأكثر اعتدالاً في أيدي الجماعات المتطرفة مثل ذراع تنظيم «القاعدة» - «جبهة النصرة» - وليس هناك أي سبب للإعتقاد بأن الديناميكية في جنوب البلاد ستكون مختلفة. وفي الماضي تعاون الثوار المعتدلون في الجنوب مع «جبهة النصرة»، لذا فأنهم يتشاركون بالفعل ببعض الروابط العملياتية. وإذا ما آمن هؤلاء الثوار بأنهم تُركوا لوحدهم في مقارعة النظام وروسيا، فمن المرجح أن يقوم البعض منهم على الأقل بتعزيز علاقاته مع «جبهة النصرة»أو غيرها من الجماعات المتطرفة، وخصوصاً أن الأردن قد وافق على ما يبدو على التنسيق مع موسكو. ومن شأن قيام جبهة معتدلة أكثر ضعفاً وجبهة أخرى متطرفة أن يشكل تهديداً واضحاً لإسرائيل والأردن.
ما هي خيارات الأردن وإسرائيل؟
على الرغم من عدم وجود العديد من الخيارات لأي من البلدين لإبعاد القوات الجوية الروسية من جنوب سوريا، بإمكان إسرائيل أن تؤكد مرة أخرى لموسكو بأنها ستتخذ الإجراءات اللازمة إذا انضمت عناصر إيرانية وأخرى من «حزب الله» إلى أي هجوم بري على مقربة من الحدود. ولا يزال السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هنا هو ما إذا كانت اسرائيل ستقوم في الواقع بشن ضرباتها إذا تواجدت القوات الروسية في المنطقة، ولكن إعادة صياغة خطها الأحمر الذي كررته مراراً ، قد يمنح موسكو مهلة [للتفكير] حول تمكين جبهة مكونة من «حزب الله» وإيران في الجولان.
وإذا ما اقترب مقاتلو «حزب الله»، أو وكلاء إيرانيين آخرين، أو جنود سوريين من الحدود، فقد تستخدم إسرائيل نيران أرضية ضدهم، بما فيها المدفعية أو الدبابات. ومن الممكن أيضاً أن تستخدم أسلحة المواجهة من مجالها الجوي. بيد، أن كلا الخيارين محفوف بالمخاطر لأنهما قد يؤديا إلى تصعيد الموقف مع أي قوات روسية عاملة في المنطقة. وكما هو معروف تحدث أخطاء غير متوقعة في حالات القتال - بغض النظر عما إذا كانت هذه قد وقعت جراء اعتراض قذائف المدفعية الإسرائيلية للدعم الجوي الروسي القريب، أو خطأ بشري في التعرف على الهدف، أو مشاكل مماثلة؛ إن كل ذلك قد يزيد من احتمال الاحتكاك بين إسرائيل وروسيا.
ونظراً لخياراتهما المحدودة، ينبغي أن تعبّر عمان والقدس عن مشاعر قلقهما لحليفهما الوثيق وهي الولايات المتحدة - التي يمكن بدورها أن تنقله الى موسكو. لدى كل من الأردن وإسرائيل جيش قوي، ولكن ليس بمستوى الجيش الروسي. إن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تشارك حالياً في المستنقع السوري التي يمكن أن تضمن مصالحهما.
المحصلة
في الوقت الراهن، لا يشكل جنوب سوريا أولوية قصوى بالنسبة لروسيا ولتحالف القوات البرية الذي يقاتل معها، في الوقت الذي تدور فيه معارك ضارية مستمرة في حلب وحماة وأماكن أخرى في شمال البلاد. ومع ذلك، قد يكون الجنوب جزءاً من استراتيجية روسية أوسع نطاقاً، وما يزال بإمكان موسكو تخصيص بعض الموارد إلى المنطقة حتى في الوقت الذي تنهمك فيه في مناطق أخرى. وإذا ما أدت الغارات الجوية في جنوب البلاد في الأسبوع الأخير من تشرين الأول/أكتوبر إلى توسيع نشاط الروس والنظام السوري وحلفائهم هناك، فإن هذه الضربات ستختبرعلاقات موسكو المعقدة مع إسرائيل والأردن وإيران و «حزب الله». ولمنع هذا التصعيد أو إدارته، يجب على القدس وعمّان أن تطلبا من واشنطن التأكد من أن روسيا تأخذ مصالحهما بعين الاعتبار، لا سيما فيما يتعلق بالعمليات التي تقوم بها إيران و «حزب الله» بالقرب من الحدود.
نداف بولاك هو زميل "مؤسسة ديان وجيلفورد جليزر" في معهد واشنطن.