"صابرين نيوز" تنتقد إيران بسبب الافتقار إلى دعمها
يبدو أن «عصائب أهل الحق» و «كتائب حزب الله» تعمل سوية على تصعيد الأوضاع في بغداد لإرغام الفصائل العراقية وإيران على الاستجابة لمطالبهما بالرد بقوة ضد العزلة السياسية لـ "المقاومة"، التي تنتقد فيما بينها قائد «فيلق القدس» اسماعيل قاآني وتعتبر أن قاسم سليماني وحده كان قائدها.
في 12 تشرين الثاني/نوفمبر، نشرت حساباتٌ على مواقع التواصل الاجتماعي مقرّبة من أمين عام "عصائب أهل الحق"، الشيخ قيس الخزعلي، رسائلَ لمتابعيها انطوت في الظاهر على نبرة تصعيدية. وتضمنت تلك الرسائل مقطعاً مصوراً لأحد الخطابات السابقة للخزعلي، يقول فيه: "نسأل الله النصر على أعدائه بأيدينا... وإما أن يرزقنا الشهادة في سبيله بحيث أنا المتكلم يكون كذلك في قتلي شفوةً وفرحاً لأمريكا وإسرائيل... ولكن وصيتي إلى الشباب ألا يجعلوا هذه الفرحة تدوم لهم بل يحوّلوها إلى جحيم على رؤوسهم ولا يُبقوا لهم على أرض العراق باقي". وكانت العبارة التي كُتبت تحت الفيديو هي أيضاً معبّرة، إذ جاء فيها: "فصمداً صمداً حتى يتجلى لكم عمود الدين: وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم" (الشكل 1). وهذا القولٌ منسوبٌ إلى الإمام علي الذي شجّع به رجاله على المضي قدماً في ساحة المعركة.
وسارعت "صابرين نيوز" إلى إعادة نشر قول الإمام علي مع أغنية بعنوان "قيس النصر" (الشكل 2).
لكن الأكثر إثارة للاهتمام أن حساباتٍ مهمة تابعة لـ "كتائب حزب الله" أعادت نشر رسالة الخزعلي حرفياً، وهذا لا يحدث عادة، وهو مؤشر على أن بعض عناصر «كتائب حزب الله» على الأقل توافق الخزعلي الرأي بشأن كيفية التعامل مع الأزمة التي وقعت بعد الانتخابات.
وقبل أن تنشر «عصائب أهل الحق» تلك الرسائل، حدث أيضاً في 12 تشرين الثاني/نوفمبر، أن نشرت "الوحدة 10000" - وهي خلية شبه استخباراتية تابعة لـ «كتائب حزب الله» - آية قرآنية قد تكون مؤشراً أيضاً على التصعيد، تتعلق بالنبي نوح وهو يطلب من أتباعه أن يصعدوا إلى سفينته بقوله: "اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها" (الشكل 3).
وفي الواقع، ينبغي قراءة هذه الرسالة في ضوء الانقسام الحاصل بين "المقاومة" العراقية و«فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني الذي قيل إنه طلب من "المقاومة" قبول نتائج الانتخابات وتخطّي المسألة. وأثار موقف «فيلق القدس» بعض الانتقادات العلنية للسفير الإيراني في بغداد إيرج مسجدي، الذي يدور في فلك «الحرس الثوري»، حيث غرّد أمير الطائي من «عصائب أهل الحق» على تويتر باللغتين العربية والفارسية: "إيرج مسجدي يبدو قد نسى عمله سفير... وصار يشتغل مرسال" (الشكل 4). وتم حذف هذه التغريدة في وقت لاحق.
وفي اليوم نفسه، تعرّض مسجدي لنقدٍ لاذع آخر من مدير قناة "العهد" التابعة لـ «عصائب أهل الحق»، سند الحمداني، الذي قال في تغريدة: "سؤال محيرني كثيراً. هل مسجدي سفير إيران في العراق أم سفير الكاظمي في إيران؟" (الشكل 5).
وبناءً على معلومات جهات الاتصال العراقية، لاحظت "الأضواء الكاشفة للميليشيات" أن "المقاومة" تنتقد فيما بينها قائد «فيلق القدس» اسماعيل قاآني وتعتبر أن قاسم سليماني وحده كان قائدها.
ويمكن القول إن الرسائل المذكورة أعلاه تشكل دلالة واضحة على أن جناحَي «عصائب أهل الحق» و «كتائب حزب الله» داخل "المقاومة" قررا اللجوء إلى التصعيد إذا تم تهميش أحزابهما خلال عملية تشكيل الحكومة. فقد تم شن هجوم 7 تشرين الثاني/نوفمبر بالطائرات المسيرة على محل إقامة رئيس الوزراء العراقي لإعادة الميليشيات إلى طاولة المفاوضات. وأمّن لها ذلك اجتماعاً واحداً على الأقل مع السلطات العليا في البلاد. ولكن إذا لم يُترجم ذلك إلى حصص في الحكومة المقبلة، يبدو أن التنظيمَين مستعدان للذهاب إلى أبعد من ذلك، ولهذا يطلبان من أتباعهما "ركوب" السفينة والشروع في هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر.
ويبدو أن هذه الأمور تحدث على الرغم من تعليمات إيران الظاهرية بعدم تصعيد الأزمة والتخفيف من حدتها. وقد بدأ هذا الانقسام قبل زيارة قاآني الأخيرة إلى بغداد. فبعد الاشتباكات التي وقعت أمام "المنطقة الدولية" ("المنطقة الخضراء")، انتقدت "صابرين نيوز" بشدة "وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية" لأنها لم تغطِّ الاشتباكات بالمستوى الذي توقّعته "صابرين". ونشرت "صابرين" منشورات غاضبة، يقول أحدها بالفارسية: "وسائل الإعلام الإيرانية الحكومية، حريٌ بك أن تخجلي! اليوم قدّمنا الدماء، وحذاء شهيد أثمن من الكاظمي... هذا لم يكن احتكاكاً بل كان مجزرة [ارتكبها] قنّاص" (الشكل 6).
ومن وجهة نظر "الأضواء الكاشفة للميليشيات"، قد يُشير التصعيد الحاد منذ 7 تشرين الثاني/نوفمبر إلى أن «عصائب أهل الحق» وعلى الأقل جزء من «كتائب حزب الله» لا يسعيان إلى استغلال الأزمة لاستعادة زمام المبادرة من خصومهما العراقيين فحسب، بل يريدان أيضاً أن يُظهرا لإيران ما يحدث حين تشعر "المقاومة" أنها لا تتلقى الدعم الكافي من طهران في وقت الضيق الشديد.