- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2565
"شريط آمن" تركي في سوريا: مخاوف محلية وقيود خارجية
هذا المرصد السياسي هو جزء من سلسلة معهد واشنطن عن المناطق الآمنة في سوريا.
في 17 شباط/فبراير، أعلن نائب رئيس الوزراء التركي يالتشين أكدوغان أن أنقرة تريد إنشاء "شريط آمن" داخل سوريا يبلغ عرضه 10 كيلومترات، تسعى من خلاله إلى تحقيق عدة أهداف: منع «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي السوري، الذي تعارضه تركيا سياسياً، من زيادة تقدمه في الشمال السوري، والسماح بوصول الإغاثة الإنسانية، وإيواء تدفقات اللاجئين المستقبلية ضمن الأراضي السورية، الأمر الذي يساهم في تخفيف العبء الناتج عن مشكلة اللاجئين الهائلة في تركيا وأوروبا، بالإضافة إلى تأمين نقطة انطلاق للثوار الذين تدعمهم أنقرة والذين رزحوا مؤخراً تحت وطأة الضربات الجوية الروسية وتقدم نظام الأسد وحلفائه ميدانياً.
وحتى الآن، أعربت ألمانيا عن دعمها لإنشاء منطقة حظر جوي في سوريا بالقرب من الحدود التركية، ولكن ما زال على أنقرة إقناع الولايات المتحدة وحلفائها الآخرين في منظمة "حلف شمال الأطلسي" ("الناتو") بذلك. وإذا تمكنت تركيا من إزالة العراقيل الدولية المختلفة التي تواجهها (انظر المرصد السياسي 2564، "المبررات القانونية لإقامة منطقة آمنة في سوريا")، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي المخاوف والقيود المحلية الأساسية التي توجهها تركيا إزاء إقامة مثل هذا "الشريط"؟
التفويض البرلماني
تستوجب المنطقة الآمنة التركية حماية من قوات الجيش التركي فضلاً عن الدول الحليفة وربما الدول العربية التي تتبنى الموقف نفسه (على سبيل المثال، المملكة العربية السعودية وقطر). وبموجب المادة 92 من الدستور التركي، يجب أن يحظى أي نشر لـ «القوات المسلحة التركية» خارج حدود البلاد بموافقة البرلمان. ويكفي أن توافق أغلبية بسيطة من أعضاء البرلمان (276 صوتاً) على الاقتراح لكي يتم تفويضه. وحالياً، يشغل «حزب العدالة والتنمية» الحاكم 317 مقعداً في البرلمان الذي يضم 550 عضواً، وبالتالي فهو لا يحتاج إلى دعم أحزاب المعارضة للحصول على هذا التفويض.
بالإضافة إلى ذلك، سبق أن حصلت حكومة «حزب العدالة والتنمية» على تفويض لنشر جنود أتراك في سوريا والعراق. ووفقاً لهذا التفويض الذي تم تمريره في 3 أيلول/سبتمبر 2015 وسيبقى سارياً حتى تشرين الأول/أكتوبر 2016، "ما زالت سياسات النظام السوري القائمة على العنف ودعم التنظيمات الإرهابية وتأجيج الخلافات العرقية والمذهبية تشكل مخاطر وتهديدات للإنسانية والأمن والاستقرار الإقليمي للسنة الخامسة من الحرب الأهلية". ويشير التفويض أيضاً إلى أهمية "تنفيذ أنشطة وعمليات في إطار التحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») والتنظيمات المماثلة". فضلاً عن ذلك، يسلط هذا التفويض الضوء على التهديد الذي يمثله «حزب العمال الكردستاني» على النحو التالي: "تستمر الوحدات الإرهابية المسلحة التابعة لـ «حزب العمال الكردستاني» باحتلال أراضٍ في شمال العراق. كما أن الزيادة في العناصر الإرهابية الأخرى والتهديد الذي تطرحه واضحاً أيضاً في العراق وسوريا".
وينتهي التفويض بالإعلان التالي: "في ظل هذه الظروف، وبهدف اتخاذ الاحتياطات الضرورية لحماية الأمن القومي التركي من أي تهديدات إرهابية وأمنية في إطار القانون الدولي، والقضاء على أي هجمات حالية أو مستقبلية من قبل تنظيمات إرهابية في سوريا والعراق، والاستمرار في حماية أمننا القومي من أي مخاطر محتملة على غرار الهجرة الجماعية، وحماية مصالح تركيا بشكل فعال في ظل هذه التطورات، والمساهمة في تنفيذ السياسات بطريقة سريعة وديناميكية تحول دون وضع تركيا في موقف صعب وفقاً للتطورات الإقليمية، تم تفويض «القوات المسلحة التركية»، عندما تدعو الحاجة لذلك، للقيام بعمليات عابرة للحدود ونشر عناصرها العسكرية في دول أجنبية، بالإضافة إلى الترحيب بقوات مسلحة أجنبية في صفوفها إذا كانت تعمل للغاية ذاتها، على أن تتخذ الحكومة التركية القرارات المناسبة بشأن حدود هذه العمليات ونطاقها وتوقيتها وحجمها".
لقد حصل «حزب العدالة والتنمية» للمرة الأولى على موافقة البرلمان لإرسال جنود إلى العراق عام 2007، بغية التصدي لتهديد «حزب العمال الكردستاني». وينص الدستور التركي على وجوب تجديد مثل هذه التفويضات سنوياً. وفي عام 2012، أُضيفت سوريا إلى هذا التفويض. وخلال التصويت على التجديد في أيلول/سبتمبر الماضي، رفض حزب واحد فقط الاقتراح، وهو «حزب الشعوب الديمقراطي» (أو «حزب ديمقراطية الشعوب»] القومي الكردي، الذي يشغل 59 مقعداً. وقد صوت حزبا المعارضة الآخران لصالح الاقتراح، وهما «حزب الشعب الجمهوري» (134 مقعداً) و «حزب الحركة القومية» (أو «حزب العمل القومي») (40 مقعداً).
النقاش الداخلي
يقود «حزب العدالة والتنمية» الحملة المطالبة بإنشاء "شريط آمن". فرئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو يأمل في أن تضمن خطة حكومته "قدرة اللاجئين على البقاء في وطنهم والعيش في ربوعه". كما يعتقد داوود أوغلو أن هذه الخطة تحمي المدنيين في المنطقة من خلال منع بعض الجماعات التي "يمكن أن تشن هجمات إرهابية" من الدخول إليها.
وقد قدّم «حزب الشعوب الديمقراطي» المناصر للأكراد أشد الاعتراضات المحلية والبرلمانية على عمليات نشر الجنود عبر الحدود. فقد صوت ضد التفويض الأخير لأنه يعتقد أن «حزب العدالة والتنمية» سيستخدمه لنشر جنود ضد مواقع خاضعة لسيطرة «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي السوري وجناحه العسكري المعروف بـ «وحدات حماية الشعب» في سوريا (وكلاهما متصل بـ «حزب العمال الكردستاني»)، وكذلك ضد أهداف تابعة لـ «حزب العمال الكردستاني» في العراق. وخلال جلسة التصويت على التجديد التي عُقدت في أيلول/سبتمبر، قال العضو في «حزب الشعوب الديمقراطي» مدحت سانجار لزملائه المشرعين: "إذا سمحتم بنشر الجنود ضد الأكراد السوريين، فلن تتمكنوا من إقناع الأكراد في البلاد بأننا جميعاً إخوة نستطيع العيش سويّة". واعتبر عضو آخر في الحزب، حسيب كابلان، أن المنطقة الآمنة سوف "تضعف مقاومة الأكراد في شمال سوريا". وبالرغم من أن «حزب الشعوب الديمقراطي» يفتقر للثقل البرلماني الضروري للتأثير في جلسة التصويت المقبلة على التجديد المقرر لها في وقت لاحق من هذا العام، إلا أن بإمكانه أن يصعّب الأمور على «حزب العدالة والتنمية» من خلال تنظيم تظاهرات معارضة للتفويض في مدن ذات أغلبية كردية.
وفي غضون ذلك، صوّت حزب المعارضة الأساسي، «حزب الشعب الجمهوري» اليساري العلماني، مؤيداً للتفويض في العام الماضي، بعد أن كان قد رفضه عام 2014. ويفيد مسؤولو الحزب أنهم صوتوا ضد التفويض عام 2014 كونه قد حدد مباشرةً [اتخاذ] إجراءات ضد نظام الأسد، فيما ركز التفويض عام 2015 على التهديدات التي يمثلها «حزب العمال الكردستاني» و تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق. وبالإضافة إلى موافقته على نشر القوات العسكرية، يؤيد «حزب الشعب الجمهوري» أيضاً إنشاء منطقة آمنة، ولكن فقط في ظل ظروف معينة، أهمها "سماح النظام السوري بذلك" (وهو شرط يجعل الفكرة موضع نقاش) وتأييد قوى التحالف الدولي للخطوة.
وقد تكون الكتلة الأصغر في البرلمان، وهي «حزب الحركة القومية» التركي ذو الفكر القومي المتطرف، مناصر أقوى لعمليات الانتشار عبر الحدود وإنشاء "شريط آمن" من «حزب العدالة والتنمية» نفسه. ووفقاً لرئيس الحزب دولت بهتشلي أن "خطة «حزب الاتحاد الديمقراطي» التي تقضي بإنشاء ممر كردي على طول الحدود تشكل هجوماً مباشراً على وحدة الأراضي التركية والوجود القومي التركي"، وبالتالي فإن أنقرة "بحاجة ماسة إلى بناء منطقة آمنة على طول حدود تركيا الجنوبية من أجل حماية أمنها القومي". وغنياً عن القول إن الكتلة القومية ستدعم الحكومة بشكل مطلق حول القيام بعمليات في سوريا.
أنقرة بحاجة إلى انضمام واشنطن إلى الركب
نفت الحكومة التركية مؤخراً ادعاءات بأنها تستعد للتوغل عسكرياً داخل سوريا بالتنسيق مع الممكلة العربية السعودية وقطر ودول عربية أخرى. ويعي «حزب العدالة والتنمية» أن أي عملية نشر واسعة للجنود داخل سوريا ستتعرض للاستهداف الروسي المباشر. فموسكو لا تعارض سياسة أنقرة القائمة على دعم الثوار المناهضين للأسد فحسب، بل تريد أيضاً أن تثأر من تركيا على خلفية إسقاطها طائرة روسية خرقت أجواءها في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. ويقيناً، يتمتع «حزب العدالة والتنمية» بالدعم البرلماني الضروري لنشر القوات التركية، كما يمتلك الجيش التركي القدرة الاحترافية اللازمة للقيام بالأعمال الصعبة لإنشاء "شريط آمن" («القوات المسلحة التركية» هي ثاني أكبر قوة عسكرية في منظمة "حلف شمال الأطلسي"). إلا أن أنقرة تحتاج مع ذلك إلى الدعم المخابراتي والجوي من الولايات المتحدة ومنظمة "حلف شمال الأطلسي" وإلى دعم واشنطن الدبلوماسي في الأمم المتحدة لتنفيذ هذه العملية بنجاح وردع الانتقام الروسي.
سونر چاغاپتاي هو زميل "باير فاميلي" ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن. جيم يولبولان هو مساعد باحث في زمالة "ايفون سيلفرمان" في المعهد.