- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3960
سوء الإدارة يجعل إيران عُرضة لنوع مختلف من الضغوط الأمريكية
تواجه إيران نقصاً في البنزين والغاز الطبيعي والكهرباء، مما يجعلها عُرضة للضغوط من جديد على وارداتها من المنتجات النفطية، وليس فقط على صادراتها النفطية.
في مقابلة تلفزيونية في الثاني من كانون الأول/ديسمبر، حذر الرئيس الإيراني مسعود پزشكيان من أن البلاد "ستواجه أزمة محتملة" إذا لم تعالج عجزها المتزايد في الطاقة، مشيراً إلى أن الحكومة قد لا تتمكن من دفع المعاشات التقاعدية ما لم ترتفع أسعار الوقود. وجاءت المقابلة وسط مناقشات متجددة في الخارج حول فرض قيود أمريكية جديدة على صادرات النفط الإيرانية، مع إشارة العديد من المراقبين إلى أن هذا التكتيك سيواجه عقبات كبيرة وقد تجاهله إلى حد كبير النظام الجريء الذي يتفادى العقوبات. لكن تصريحات پزشكيان تشير إلى مسار آخر للضغط.
بعد سنوات من السياسات الخاطئة، تعاني إيران بالفعل من أزمة طاقة داخلية خطيرة تتجلى في الانقطاعات المتكررة للكهرباء، ونفاد البنزين من المحطات، ونقص الغاز الطبيعي، الذي تستخدمه الغالبية العظمى من الإيرانيين للتدفئة المنزلية. وبعد أن أنفقت الحكومة ما لا يقل عن ملياري دولار لاستيراد البنزين العام الماضي، أعلنت أنها ستنفق 4 مليارات دولار لهذا الغرض خلال العام الإيراني 2024/2025؛ وقد تنفق المزيد لاستيراد الوقود الثقيل لتوليد الكهرباء. ومع ذلك، فإن العديد من الدول التي يمكن أن تلبي هذه الطلبات الإيرانية المتزايدة تسعى الآن إلى تنمية علاقات جيدة مع إدارة ترامب القادمة، مما يمنح واشنطن فرصة للتعرف على هؤلاء المصدرين والضغط عليهم لإعادة توجيه مبيعاتهم إلى أسواق أخرى محتاجة.
طهران تشجع على إهدار الطاقة
في عام 2019، تحوّلت الاحتجاجات الإيرانية ضد زيادة أسعار البنزين بسرعة إلى مواجهة كبرى، مع دعوات جماهيرية لتغيير النظام وحملة قمع أسفرت عن مقتل مئات الأشخاص. ويبدو أن النظام أدرك حجم الغضب الشعبي، فاتخذ خطوات لتثبيت الأسعار عند المضخة عند 30,000 ريال للتر - ما يعادل في ذلك الوقت 85 سنتاً للغالون والآن 16 سنتاً فقط. كما عرضت الحكومة حصة شهرية قدرها 150 لتراً لكل مركبة بنصف هذا السعر (خفضت إلى 60 لتراً في كانون الثاني/يناير الماضي). وقد ساهمت هذه التدابير في ارتفاع الطلب بشكل كبير في السنوات الأخيرة، مدفوعاً بأسطول المركبات المتقادم الذي تقطع فيه معظم السيارات مسافة تتراوح بين 17-21 ميلاً للغالون الواحد.
كما تصاعدت عمليات تهريب الغاز إلى الدول المجاورة، حيث يُقدر أن 20% أو أكثر من الوقود الذي يُباع يومياً في إيران (30 مليون غالون، أو 120 مليون لتر) يتم تهريبه للخارج لإعادة بيعه بشكل مربح، خاصة في العراق (حيث أسعار المضخات أعلى بخمسة عشر ضعفاً)، وتركيا (ثلاثون ضعفاً)، وباكستان (عشرون ضعفاً). وفي السادس من تشرين الأول/أكتوبر، فرضت الحكومة حدوداً تبلغ 50 لتراً لكل إعادة التزود بالوقود، وتعبئتين في اليوم، و300 لتر شهرياً لكل سيارة - وهي الخطوة التي وصفت بأنها تهدف إلى مكافحة التهريب ولكن كان يُنظر إليها على نطاق واسع كرد على نفاد الوقود من المحطات بشكل متكرر. وفي العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر، دفعت أزمة نقص البنزين عالي الأوكتان الأفضل لمحركات السيارات الحكومة إلى السماح باستيراد البنزين الممتاز من القطاع الخاص بسعر تقديري يبلغ 5 دولارات للغالون (800,000 ريال للتر). وعلى نطاق أوسع، بدأ المسؤولون الإيرانيون ووسائل الإعلام على مختلف أطيافهم السياسية - من پزشكيان إلى المسؤولين الأدنى - في التساؤل عن جدوى الأسعار المنخفضة بهذا الشكل، مع الإصرار على أنه لم يتم اتخاذ أي قرار برفعها.
وفي غضون ذلك، تتفاقم أزمة نقص الغاز الطبيعي في إيران. وتستخدم البلاد هذا المورد بكثافة أكبر من معظم دول العالم. ووفقاً "للمراجعة الإحصائية للطاقة العالمية"، شكّل الغاز الطبيعي 70% من استهلاك الطاقة الأولية في إيران عام 2023، مقارنة بـ 34% في الولايات المتحدة و20% في الاتحاد الأوروبي. واليوم، أكثر من 90% من المنازل متصلة بشبكة الغاز للتدفئة والطهي، وتُباع هذه الطاقة بأسعار منخفضة جداً محلياً، مما يثبط الجهود لتحسين كفاءة الطاقة. كما تأخرت إيران في إنشاء مخازن يمكن ملؤها صيفاً واستخدامها في فصول الشتاء الباردة بشكل استثنائي، مثل الشتاء الحالي. ونتيجة لذلك، تتوقع الحكومة نقصاً يبلغ 260 مليون متر مكعب يومياً هذا الشتاء، حتى بعد فرض زيادة في أسعار استهلاك المنازل في 17 تشرين الثاني/نوفمبر. وهذا النقص ليس مفاجئاً بالنظر إلى أن متوسط الاستهلاك اليومي بلغ 670 مليون متر مكعب في عام 2023. أما الحل المقترح من قبل پزشكيان، فقد اقترب من الكوميديا السلطوية: "أنا أرتدي ملابس دافئة في المنزل. يمكن للآخرين أن يفعلوا ذلك أيضاً". (ومن الجدير بالذكر أن پزشكيان نشأ في منطقة أذربيجان الإيرانية، حيث قد تنخفض درجات الحرارة شتاءً إلى 40 درجة تحت الصفر).
وقد أدت هذه النقصات إلى تقويض مساعي طهران لتعزيز نفوذها في الجوار، حيث أوقف النظام صادرات الغاز إلى العراق. ويدّعي المسؤولون الإيرانيون أن الإمدادات توقفت لتمكين الصيانة على خط الأنابيب المشترك، ولكن النتيجة النهائية هي أن العراقيين وجدوا أنفسهم يكافحون من أجل تزويد محطات الطاقة الخاصة بهم بالوقود.
وتؤثر المشاكل على شبكة الكهرباء الإيرانية أيضاً. فمع اعتياد معظم محطات الكهرباء في البلاد على الانقطاعات الدورية في إمدادات الغاز الطبيعي، فهي تستخدم غلايات مزدوجة غير فعالة يمكن تشغيلها إما بالغاز أو زيت الوقود الثقيل (المازوت). ولكن في الشهر الماضي، منعت الحكومة محطات الكهرباء في أراك، وأصفهان، وكَرَج من استخدام زيت الوقود، مدعيةً الحاجة إلى الحد من التلوث الحضري. وعلى الرغم من أن المازوت يؤدي بالفعل إلى تفاقم التلوث المحلي الناجم عن عوادم السيارات غير الكفؤة، فقد انتشرت شائعات أيضاً بأن إيران تعاني نقصاً في زيت الوقود بعد إنتاج كمية منه أقل عن المعتاد هذا العام.
ووفقاً لعضو لجنة الطاقة البرلمانية أحمد مرادي، تواجه شبكة الكهرباء الوطنية عجزاً قدره 20,000 ميغاواط بسبب "نقص القدرة الإنتاجية، ومشاكل في المحطات، وخطوط النقل القديمة". وأظهر تقرير مسرّب مؤخراً يعود لعام 2023 صادر عن "المجلس الأعلى للطاقة في إيران" أن محطات الطاقة في البلاد كانت قادرة على إنتاج 75% فقط من طاقتها الاسمية القصوى. وبينما يتم إخراج بعض المحطات القديمة من الخدمة، تكافح إيران لإضافة محطات جديدة؛ وفي الوقت نفسه، يتم فقدان 20٪ من الطاقة المنتجة أثناء النقل. وبسبب القلق الواضح من تأثيرات هذا التدهور على الرأي العام والمجتمع الدولي، أوقفت وزارة الطاقة نشر التقارير الشهرية عن الكهرباء منذ حزيران/يونيو 2023.
بطبيعة الحال، واجهت إيران انقطاعات دورية في الكهرباء لسنوات عديدة، لكنها كانت تحدث بشكل رئيسي خلال فصل الشتاء عندما يلجأ بعض الناس إلى التدفئة الكهربائية الرخيصة للغاية في ظل تذبذب إمدادات الغاز. واليوم، أصبحت الكهرباء شحيحة على مدار العام، مما دفع السلطات إلى الإعلان عن انقطاع التيار الكهربائي لمدة ساعتين يومياً في المدن الكبرى. وحاول پزشكيان تبرير هذه الإجراءات في 20 تشرين الثاني/نوفمبر بقوله: "نظراً لأن احتياطياتنا [من الوقود] منخفضة وقد نواجه مشاكل في الشتاء، علينا تعديل احتياطيات محطات الطاقة الآن لتجنب مشاكل مستقبلية". ومع ذلك، قدم المدير التنفيذي السابق لشركة النفط عباس كاظمي مثالاً صارخاً على المشاكل الأعمق في سياسات الطاقة الحكومية، بقوله: "بدلاً من تخزين الديزل لفصل الشتاء، قامت «مصفاة عبادان» ببيع 400 إلى 500 مليون لتر كانت مخصصة لمحطات الطاقة". وفي الوقت نفسه، تنتشر الشكاوى حول انقطاع التيار الكهربائي على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتكهن العديد من المعلقين بحدوث اضطرابات اجتماعية محتملة مشابهة لموجات الاحتجاجات الجماهيرية السابقة التي هزت إيران في السنوات الأخيرة.
الضغط على واردات المنتجات النفطية
إن سوء إدارة النظام يجعله عرضة لنوع من الضغط الذي استخدمته الولايات المتحدة بفعالية كبيرة بعد عام 2010: منع بيع المنتجات النفطية إلى إيران. وفي ذلك الوقت، أَجبرت أغلبية ساحقة من الحزبين في الكونغرس الأمريكي إدارة أوباما المترددة على سَن هذا الإجراء بموجب "قانون العقوبات الشاملة ضد إيران والمحاسبة والتجريد من الممتلكات". وعلى وجه التحديد، تم تفويض الحكومة بفرض عقوبات على الشركات والحكومات التي "تقدم سلعاً أو خدمات يمكن أن تساهم مباشرة وبشكل كبير في تعزيز قدرة إيران على استيراد المنتجات النفطية المكررة، بما في ذلك خدمات التأمين أو إعادة التأمين؛ أو الخدمات المالية أو الوساطة؛ أو خدمات السفن والشحن".
وردّت طهران بإنتاج كميات كبيرة من البنزين منخفض الجودة الذي ألحق الضرر بمحركات السيارات وزاد من تلوث الهواء، مما أثار استياءً شعبياً كبيراً. كما أن الاستثمارات في قدرات تكرير إضافية مكّنت إيران من أن تصبح مُصدِّراً للبنزين لعدة سنوات، لكن الطلب المحلي المتزايد تجاوز الإنتاج في النهاية - حيث تستهلك البلاد الآن ما لا يقل عن 120 مليون لتر يومياً، ارتفاعاً من 104 ملايين في عام 2022 و91 مليوناً في عام 2021. ونتيجة لذلك، أصبحت إيران تعتمد من جديد على استيراد المنتجات النفطية، بما في ذلك 15 مليون لتر من البنزين يومياً. ووفقاً لموقع "Energypress.ir"، "خلال السنوات العشر المقبلة، ستحتاج إيران إلى استيراد بنزين بقيمة 25 مليار دولار سنوياً، وهو ما يعادل نصف قدرة البلاد على تصدير النفط".
ومع تولي إدارة ترامب للسلطة، من المرجح أن تسعى لاستخدام أدوات جديدة للضغط على طهران، وقد تدعم القوى الأوروبية (أو على الأقل تتسامح مع) هذا الجهد نظراً لغضبها من الاستفزازات النووية المستمرة للنظام (مثل تقليل التعاون مع عمليات التفتيش الدولية وزيادة تخصيب اليورانيوم). ولتحقيق هذا الهدف، يمكن إعادة تطبيق صلاحيات العقوبات في "قانون العقوبات الشاملة ضد إيران والمحاسبة والتجريد من الممتلكات" لتمكين اتخاذ إجراءات ضد الشركات التي تقدم خدمات التأمين أو التمويل أو الشحن لاستيراد إيران للبنزين والمنتجات النفطية المكررة الأخرى.
ويُعد فرض العقوبات على واردات البنزين الإيرانية أكثر وضوحاً وأقل تعقيداً دبلوماسياً مقارنة بفرض عقوبات على صادرات النفط الإيرانية، التي تذهب معظمها إلى مصافٍ صغيرة في الصين. ويتم إنتاج هذا البنزين في مصافٍ أجنبية قد تكون مترددة في تحمل العقوبات الأمريكية لمجرد خدمة عميل صغير نسبياً مثل إيران. علاوة على ذلك، قد لا تكون حكومات البلدان المعنية متحمسة لتحدي ترامب. وتأتي المصادر الأكثر نشاطاً لمنتجات النفط لإيران من الإمارات العربية المتحدة وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا. إن الضغط على الشركات والمسؤولين في هذه المناطق قد يمنح واشنطن وسيلة فعالة بشكل خاص للضغط على طهران.
پاتريك كلاوسون هو "زميل مورنينغستار" الأقدم في معهد واشنطن ومدير "برنامج فيتيربي" حول إيران والسياسة الأمريكية.