- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
يجب على الولايات المتحدة ألا تتخلى عن سوريا
Also published in مجلة (أخبار الولايات المتحدة والعالم) - U.S. News & World Report
يقول ترامب إن الوضع في سوريا "هو الآن في حالة من الفوضى" يجب على الولايات المتحدة أن تترك تلك البلاد وشأنها، لكن ذلك سيكون أكثر خطورة بكثير من البقاء فيها.
يمثل انهيار نظام بشار الأسد في سوريا زلزالاً في الشرق الأوسط. إنها هزيمة استراتيجية ليس فقط للنظام، بل لإيران ووكيلها اللبناني "حزب الله" وروسيا أيضاً - وهي القوى التي أبقت الأسد في السلطة عندما انتفض الشعب السوري ضده بعد أن رفض دعوات الإصلاح في عام 2011. ولرؤية مدى ضعف كل من هذه الأطراف الثلاثة، لا حاجة للنظر أبعد من عجزهم عن إنقاذ الأسد.
ومع سقوط الأسد، تغيّر توازن القوى في الشرق الأوسط بشكل جذري. وأصبحت إيران وشبكة وكلائها أقل قدرة على تهديد الآخرين، وخاصة إسرائيل، أو استغلال الصراعات الإقليمية لزعزعة النظام الإقليمي والسيطرة عليه. ونتيجة لذلك، أمام الولايات المتحدة فرصة لبناء تحالف من الدول لمواجهة التهديدات، وتعزيز الاستقرار، وتهيئة الظروف لتحقيق السلام، بما في ذلك السلام المحتمل بين السعودية وإسرائيل.
وقد يكون الرئيس المنتخب دونالد ترامب محقاً في أن الوضع في سوريا "هو الآن في حالة من الفوضى". وهذا ليس مفاجئاً بعد انهيار نظام سرَقَ موارد البلاد بينما كان يعامل شعبه بوحشية بمساعدة إيران وروسيا. لكن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تتحمل ترك تحدي الانتقال المستقر في سوريا للآخرين فقط.
بصفتي شخصاً أمضى سنوات عديدة في تقديم المشورة لرؤساء الولايات المتحدة من كلا الحزبين حول الشرق الأوسط منذ عهد إدارة ريغان، لدي بعض النصائح للإدارة الأمريكية المقبلة. أعتقد بشدة أن من مصلحة أمريكا الحفاظ على وجودها العسكري الصغير نسبياً في سوريا لحماية البلاد من عودة تنظيم "الدولة الإسلامية" والهجمات على حلفاء واشنطن الأكراد السوريين التي قد تزرع المزيد من الفوضى والمعاناة.
وفي الوقت نفسه، يجب على الولايات المتحدة أن تستخدم أدواتها الاقتصادية والدبلوماسية القوية لضمان ألا تقوم الحكومة الجديدة في سوريا - والجهات الفاعلة الخارجية القوية مثل تركيا - ببناء دولة جهادية تضطهد الأقليات السكانية. أو أن يسمح ذلك بعودة تنظيم "داعش" إلى سوريا، مما يشكل تهديداً عَمَل ثلاثة رؤساء - باراك أوباما، ترامب، وجو بايدن - على هزيمته.
صحيح، هناك العديد من الأمور غير المعروفة بشأن ما سيحدث لاحقاً في سوريا. على سبيل المثال، لا نعرف الكثير عن النوايا الحقيقية لجماعة المتمردين الإسلاميين "هيئة تحرير الشام"، التي أدى تقدمها السريع إلى دفع الأسد إلى الخروج من البلاد. وعلى الرغم من أنها انفصلت عن "جبهة النصرة" ورفضت تنظيم "القاعدة" قبل سنوات، إلّا أنها لا تزال تحتفظ بإيديولوجية متطرفة.
ومع ذلك، اعتمدت "هيئة تحرير الشام" نهجاً أكثر واقعية عندما أصبحت مسؤولة عن الحكم في محافظة إدلب السورية خلال السنوات القليلة الماضية - وكانت فعالة بشكل عام. والآن، يقول زعيم "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع (لم يعد يستخدم اسمه الحركي أبو محمد الجولاني) الأمور الصحيحة: التأكيد على التسامح مع العديد من الأقليات السورية، والإعلان عن خطط لتشكيل حكومة انتقالية لمدة أربعة أشهر، والتوضيح بأنه لا ينبغي أن تكون هناك انتقامات ضد أعضاء الجيش السوري الذين يتخلون عن أسلحتهم، وحتى الإعلان عن أن سوريا لن تدخل في صراع مع إسرائيل. (لا شك أن قوله الأخير كان طريقة لإبلاغ إسرائيل - التي قامت مؤخراً بتحريك قواتها داخل الأراضي السورية على طول الحدود المشتركة بين البلدين - أنه ليس لديها عذر لدخول سوريا، خاصة وأن الوجود الإيراني يتلاشى وأن الحكومة السورية الجديدة ليست لديها مصلحة في قتال إسرائيل).
ولكن يبقى أن نرى ما الذي سيفعله الشرع عندما يتولى السلطة بشكل كامل، وما إذا كانت جميع الجماعات الفرعية داخل "هيئة تحرير الشام" ستلتزم برسالته البراغماتية وقبوله الضمني بالتعددية. ما الذي سيحدث إذا لم تلتزم هذه الجماعات برسالته؟ هل سيَفرض عواقب؟ كما أنه من السابق لأوانه التأكد من عدم حدوث صراع على السلطة، خاصة بين فصائل المتمردين السوريين الأخرى فيما يتخطى "هيئة تحرير الشام".
وهناك أيضاً حالة من عدم اليقين بشأن مصير الأكراد في شمال سوريا واستمرار القتال ضد تنظيم "الدلة الإسلامية"، الذي سيطر لفترة على مناطق من سوريا أثناء الحرب الأهلية. أما تركيا، التي دعمت الحملة التي أطاحت بالأسد، فقد قامت بإنشاء منطقة أمنية خاصة بها في شمال البلاد، ويبدو أنها ترى هذه اللحظة فرصة لهزيمة "قوات سوريا الديمقراطية" - وهي جماعة يهيمن عليها الأكراد، وتعتقد تركيا أنها مرتبطة بعدوها "حزب العمال الكردستاني".
لدى الولايات المتحدة وجهة نظر مختلفة جداً تجاه "قوات سوريا الديمقراطية." فقد كانت شريكها المحلي الأكثر أهمية على الأرض في قتال تنظيم "الدولة الإسلامية". ومع وجود حوالي 2000 جندي أمريكي حالياً في سوريا، كانت الولايات المتحدة و"قوات سوريا الديمقراطية" ناجحتين إلى حد كبير في هزيمة "داعش"، وإن لم يكن القضاء عليه. ومع ذلك، كثفت تركيا هجماتها على "قوات سوريا الديمقراطية" مباشرة ومن خلال القوة الوكيلة لها، "الجيش الوطني السوري"، إلى درجة أن قائد "قوات سوريا الديمقراطية"، الجنرال مظلوم عبدي، أعلن أن الجماعة باتت مضطرة الآن إلى وقف عملياتها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" نظراً للتهديدات التي تواجهها.
وفي الأسبوع الماضي، سافر وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى تركيا لمعرفة ما إذا كان بالإمكان إيجاد نهج مشترك بشأن سوريا. فهو يبذل الجهد الصحيح، لكنه لن يكون سهلاً مع نظيره التركي، هاكان فيدان، الذي أعلن أن العناصر الرئيسية في القوة الكردية يجب أن تغادر سوريا.
وفي حين أن تركيا هي بلا شك القوة الخارجية المهيمنة في سوريا حالياً، خاصة بالنظر إلى وجودها ودعمها المادي لـ "هيئة تحرير الشام"، إلا أن الولايات المتحدة ليست بدون نفوذ. إن تركيا بحاجة ماسة إلى الاستقرار وإعادة الإعمار في سوريا لكي يتمكن 3.2 مليون لاجئ سوري تؤويهم من العودة إلى بلدهم. ولكن من أجل تحقيق الاستقرار وتمكين "هيئة تحرير الشام" من بناء سلطتها، يجب تخفيف الظروف الاقتصادية المزرية في سوريا ووضع مسار للتنمية - وهي أمور غير ممكنة دون رفع العقوبات الأمريكية.
يجب أن يدرك كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان و"هيئة تحرير الشام" أن العقوبات لا يمكن رفعها دون ثمن. وقد أوضح بلينكن عدداً من المبادئ التي ينبغي أن توجه الانتقال في سوريا. ومن بينها أن تكون شاملة، وأن تصل المساعدات الإنسانية إلى جميع الأشخاص المحتاجين. وينبغي احترام حقوق الأقليات والنساء، ويجب نبذ العنف. والأهم من ذلك، لا يمكن السماح للجماعات الإرهابية بالتمركز في سوريا، وينبغي أن تكون سوريا الجديدة في سلام مع جيرانها، ويجب تأمين مخزونات الأسلحة الكيميائية وتدميرها. وإذا تبنت "هيئة تحرير الشام" هذه المبادئ وبدأت في التصرف بناءً عليها بشكل "موثوق"، عندها فقط يجب على الولايات المتحدة والدول الأخرى أن تقرر أنها لم تعد منظمة إرهابية وترفع العقوبات عنها.
وعلى الرغم من أهمية جعل شطب "هيئة تحرير الشام" من قائمة المنظمات الإرهابية مشروطاً بأدائها، إلا أن هناك شيئاً آخر يمكن أن تفعله الولايات المتحدة لتحسين فرص ظهور سوريا جديدة لا تشكل تهديداً لشعبها أو جيرانها أو الولايات المتحدة، وهو: الإبقاء على الوجود الأمريكي في سوريا على الأقل في الوقت الراهن.
وحالياً ليس الوقت المناسب لسحب القوات الأمريكية. ومع رحيل الأسد، سيسعى تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى الظهور مجدداً في ظروف من المؤكد أنها ستكون فوضوية. لدى الولايات المتحدة مصلحة قوية في منع عناصر التنظيم من القيام بذلك. وعلى الرغم من صغر حجم الانتشار العسكري الأمريكي، إلّا أنه ساعد في منع تنظيم "داعش" من العودة بطريقة مجدية. إن الوجود الأمريكي في شمال شرق سوريا وكذلك على طول الحدود مع الأردن - الحليف الأمريكي المهم بل المعرض للخطر - أعاق تقدم تنظيم "الدولة الإسلامية" في كل مرة حاول فيها العودة، ومنعه من التوسع إلى الخارج والتسلل جنوباً إلى الأردن.
إن انسحاب الولايات المتحدة سيقلل من نفوذها مع تركيا وجميع الأطراف في سوريا. كما أنه سيضيف بلا شك إلى عدم الاستقرار داخل سوريا وحولها، مما يجعل من المرجح للغاية أن يعيد تنظيم "داعش" تأسيس نفسه. وإذا حدث ذلك، فإن هذه المنظمة الإرهابية ستهدد الولايات المتحدة وأصدقائها مرة أخرى. ومن الأفضل الحفاظ على وجود فعال من حيث التكلفة في سوريا حالياً وعدم الاضطرار إلى العودة لاحقاً في ظروف أسوأ وأكثر خطورة.
السفير دينس روس، هو مستشار وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. ولعب دوراً بارزاً في تشكيل مشاركة الولايات المتحدة في عملية السلام في الشرق الأوسط لأكثر من 12 عاماً، شملت عمله كمبعوث أمريكي للشرق الأوسط.