- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
سياسة لهزيمة كل من تنظيم «الدولة الإسلامية» وإيران
يغرق الشرق الأوسط حالياً بالصراعات، ويعود ذلك في المقام الأول إلى النزاعات على الهوية والمصالح. وتهدد هذه الصراعات، بشكل فردي، بقاء الدول في جميع أنحاء المنطقة، بما فيها سوريا والعراق واليمن، بينما تهدد بشكل جماعي انهيار نظام الدولة بأكمله في الشرق الأوسط.
ولهذه الظاهرة البعيدة تأثير مباشر على مصالح الولايات المتحدة. فكلما أصحبت الدول في الشرق الأوسط أكثر ضعفاً، فمن الأسهل على الجماعات الإرهابية والدول الداعمة للإرهابيين أن تخطط وتجنّد العناصر وتعمل ضد الولايات المتحدة وشركائها. وإذا ما استمر فقدان هذه السيطرة، ستجد واشنطن نفسها مضطرة أكثر وأكثر إلى مواجهة المؤامرات التي تُحاك - ليس فقط ضد أصدقائها بل أيضاً ضد الأراضي الأمريكية.
وهناك نوعين من التهديدات الخارجية الرئيسية لنظام الدولة في الشرق الأوسط. ويتجسد التهديد الأكثر مباشرة في تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية»، لا سيما مع إعلانه الخلافة التي تهدف إلى أن تحل محل الدول القائمة. وتطرح جمهورية إيران الإسلامية تهديداً آخر، ربما ليس بشكل فاضح من خلال هجومها مثل ذلك الذي يشكله تنظيم «داعش»، ولكن إعتداءها ليس أقل واقعية من تهديد التنظيم. فهي تستخدم الميليشيات العميلة لها لتقويض الدول وحرمانها من السلطة على جميع أنحاء أراضيها، وهي عملية سبق وأن أعطت بالفعل نفوذاً لطهران في أربع عواصم عربية هي: بغداد، دمشق، بيروت، وصنعاء.
ومما يفاقم هذين التحديين هو طرحهما قضايا عميقة تتعلق بالحوكمة - من القيادة السياسية وصولاً إلى الإدارة الاقتصادية، ومن عدم المساواة الاجتماعية وصولاً إلى التنمية التعليمية. ويمكن لهذه القضايا أن تهدد حتى الدول الأكثر تجانساً في المنطقة، مثل مصر. وبالتالي، فإن قيام استراتيجية أمريكية شاملة تعالج التهديدات الخارجية سوف تعطي الولايات المتحدة نفوذاً أكبر للتركيز بشكل فعّال على هذه المشاكل الداخلية.
وفيما يخص تنظيم «الدولة الإسلامية، أوضح الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن التحدي هو أكبر من أن يكون تحدياً عسكرياً، على الرغم من أهمية تقديم الدعم العسكري للحكومات التي تحارب «داعش» على أرض المعركة. ولكن العمل العسكري ليس إلا بعداً واحداً من عدّة أبعاد. إذ لا يمكن لتنظيم «الدولة الإسلامية أن يُهزم إلا إذا فقد مصداقيته أيضاً. ولا يمكن إلا للمسلمين أن يحبطوا الأيديولوجيات المتعصبة للتنظيم، ويتوجب عليهم أن يتولوا زمام المبادرة في ذلك. ففي نهاية الأمر، تعتمد الاستراتيجية الأمريكية على إلحاق النكسات بـ «داعش»، وفي الوقت نفسه بناء تحالف واسع من الشركاء في دعم الجهود المرتكزة على الدول العربية لإلحاق الهزيمة بـ تنظيم «الدولة الإسلامية. وقد شكل سقوط مدينة الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار العراقية، تأكيداً على ضخامة هذا التحدي والحاجة الملحّة لمعالجته.
وفي هذا الإطار، ينظر البعض إلى مثل هذا التحالف بأنه يوفر إمكانية لجمع الإيرانيين والسعوديين في عدائهم المشترك تجاه «داعش». وعلى الرغم من وجهة النظر التقليدية التي تقول بأن "عدو عدوي هو صديقي" قد تنطبق على استعداد السنّة للتعاون سراً مع إسرائيل، إلا أن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى السعوديين والإماراتيين والبحرينيين وغيرهم عندما يتعلق الأمر بالإيرانيين. فهم يرون نضالهم ضد إيران من منظارٍ وجودي، وكلما بدا أن الإيرانيين ينوون تطويق المملكة العربية السعودية، كلما وضع السعوديون أنفسهم في مواجهة طهران، وهو الأمر بالنسبة لغيرهم من العرب. فهذا الهدف هو أمر أساسي بالنسبة لهم لدرجة أن السعودية ومصر وغيرهما قد وافقت الآن على تعبئة قوة عربية - ليس لمحاربة إسرائيل بل لمواجهة الميليشيات المدعومة من إيران، وربما لقوات جهادية أيضاً.
يتعيّن على الولايات المتحدة أيضاً أن تحكم على الإيرانيين على أساس سلوكهم. فمن المؤكد أن إيران ستحارب لمنع هيمنة تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق، وهي الساحة التي تتقارب فيها أهداف واشنطن و طهران وحيث يمكن أن تكون عملياتهما متوازية في بعض الأحيان. لكن في حين من الممكن قيام نقاط تقارب تكتيكية، إلا أن الرؤية الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة تختلف في أساسها عن المصالح الأمريكية.
ربما يمكن لهذه النظرة أن تكون مختلفة إذا دفع التكامل الاقتصادي مع العالم الخارجي والتطلعات الداخلية إلى قيام إيران بتغيير أهدافها الاستراتيجية في المنطقة. إلا أن واشنطن بحاجة إلى الحكم على إيران بناءً على كيفية تصرفها.
واليوم، لا تزال أكثر العناصر نفوذاً في إيران تنظر إلى الولايات المتحدة كعدوة لها. وهذه ببساطة، ليست بسبب عقلية تآمرية حول العزم الأمريكي على تخريب الجمهورية الإسلامية، ولكن أيضاً لأن هذه العناصر تنظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها العائق الرئيسي لسيطرتها على المنطقة. فحتى إذا ما سعت الولايات المتحدة لطمأنتها حول أهدافها، من المستبعد جداً أن تصدق ذلك ما لم تكن واشنطن مستعدة للرضوخ فيما يتعلق بهيمنة إيران الإقليمية. إن العامل المشترك لاهتمام هذه الأخيرة بإضعاف مؤسسات الدولة التابعة لخصومها السنّة واعتقاد أصدقاء الولايات المتحدة التقليديين بأنهم عالقون في صراع وجودي مع إيران، يجب أن يدفع واشنطن إلى التوقف والتفكير في الشراكة مع الإيرانيين والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».
وفي نهاية المطاف، إذا كانت الولايات المتحدة تأمل بحشد السكان العرب السنّة في العراق وسوريا في مواجهة «داعش»، لا يمكن أن يُنظر إلى إيران على أنها حليف مفترض. فمن شأن ذلك أن يجهض أي محاولة سنيّة جادة لنزع شرعية تنظيم «الدولة الإسلامية»، وأن يضع الدول السنية في موقف دفاعي، والأسوأ من ذلك كله، أن يزيد من احتمال تقديم «داعش» لنفسه على أنه الحامي الحقيقي الوحيد للسنّة.
ويقيناً، لقد لعب السعوديون تاريخياً دوراً سلبياً في التبشير بأيديولوجيا التطرف السني. أما اليوم، فهم يعترفون بأن لهم مصلحة في مكافحة أكثر العناصر المتطرفة في المملكة. وعلى عكس الإيرانيين، يرى السعوديون أيضاً الخطر من إضعاف نظام الدولة في الشرق الأوسط.
وفي حين لا يمكن لإيران أن تكون شريكة في تشويه سمعة تنظيم «الدولة الإسلامية»، إلا أن اتفاقاً نووياً شاملاً مع إيران قد يكون منطقياً إذا كان يسمح لإيران باعتماد برنامج سلمي للطاقة النووية لكنه يحول دون امتلاكها القدرة على أن تصبح دولة تمتلك أسلحة نووية. فكل صراع تدخل فيه إيران في الوقت الحالي سيكون أكثر صعوبة وأكثر خطورة في المستقبل إذا ما اكتسبت إيران القدرة على امتلاك أسلحة نووية.
ومع ذلك، فإن التوصل إلى اتفاق سيعزز مخاوف السعودية ودول عربية أخرى من التهديد الإيراني، وسيتطلب من الولايات المتحدة أن تراقب ردود أفعالها والعمل على طمأنتها. وسيحتاج ذلك أن يشمل دحر إيران في جميع أنحاء المنطقة. ومن المفارقة، أنه إذا رأت القيادة الإيرانية أن الولايات المتحدة سترفع الثمن الذي تدفعه إيران نتيجة سلوكياتها العدوانية حتى حينما تبقى خيارات أخرى مفتوحة، فإن هذا الأمر قد يجعل التعاون مع إيران بشأن قضايا محددة أكثر احتمالاً؛ وربما، مع مرور الوقت، سيغيّر حتى من الحسابات السياسية الإيرانية.
وفي هذا الإطار من الضروري جداً إجراء تغيير على السياسة الأمريكية تجاه سوريا. لقد أدركت إدارة أوباما أنه لا يمكن لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» أن يتخذ من سوريا ملاذاً آمناً إذا تمكنت الولايات المتحدة، في الوقت المناسب، من إلحاق الهزيمة به في العراق. إلا أن نظام الأسد يستغل الهجمات الأمريكية على «داعش»، وغالباً ما يقوم بأعمال القصف العنيف ضد المعارضة من غير تنظيم «الدولة الإسلامية» أكثر من تلك التي تشنها الولايات المتحدة ضد «داعش».
وبغية استعادة مصداقية الولايات المتحدة وليصبح من الممكن بناء معارضة أكثر تماسكاً من شأنها أن تغيّر ميزان القوى على أرض المعركة، يجب أن يكون هناك ملاذاً آمناً من نوع مختلف داخل سوريا - الذي من شأنه أن يجعل من الممكن إيواء اللاجئين داخل البلاد والسماح لمعارضة ذات مصداقية وشرعية بأن تصبح أكثر أهمية من الناحية السياسية والعسكرية داخل البلاد.
ويكمن الهدف النهائي في جعل التوصل إلى تسوية سياسية ممكناً في إظهار أنه لا يمكن للرئيس الأسد الفوز [في هذا الصراع]. ومن المؤكد أن مؤيدي الأسد، وخاصة إيران، سوف يكرهون ذلك وقد يختارون القيام بالرد [على أي تسوية]. لكن الإيرانيين بحاجة إلى أن يروا أن الولايات المتحدة مستعدة للتحدي وأن التكاليف بالنسبة إليهم ستصبح باهظة أكثر فأكثر في حال عدم التوصل إلى تسوية سياسية.
ومع تلاشي الحدود، وفي ظل بروز شبكة متداخلة من التحالفات العابرة والجماعات عبر الوطنية - السنية والشيعية على حد سواء - التي تعمل خارج قيود سلطة الدولة، يخضع نظام الدولة في الشرق الأوسط لضغوط شديدة. أما بالنسبة إلى قيام استراتيجية تهدف إلى الحفاظ على نظام الدولة، فإن ذلك يتطلب رؤية طويلة الأمد لدعم حلفاء الولايات المتحدة في دحر تنظيم «داعش» ومواجهة الإيرانيين. وسوف لن تحدد واشنطن مستقبل المنطقة، إلا أنها تتمتع بمصلحة وطنية متميزة في منع انهيار نظام الدولة القائم فيها.
تعاون كُتّاب هذه المقالة مؤخراً في كتابة تقرير معهد واشنطن بعنوان "العناصر الرئيسية لاستراتيجية أمريكية في الشرق الأوسط".
بوليتيكو