- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3809
تأثير حرب غزة على أمن الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط
يُعد قطاع الطاقة أحد المؤشرات على التكاليف الباهظة التي ستدفعها المنطقة في حال نشوب صراع أوسع نطاقاً، مع بعض التداعيات التي يمكن قياسها بالفعل في بعض البلدان.
قبل حرب غزة، كانت اكتشافات الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط توفر آفاقاً جذابة. ومع زيادة إسرائيل إنتاجها من الغاز من 16.11 مليار متر مكعب في عام 2020 إلى 21.92 مليار متر مكعب في العام الماضي، قامت بتوسيع تعاونها في مجال الطاقة مع مصر. وفي غضون ذلك، توسطت واشنطن في اتفاق حدود بحرية تاريخي بين إسرائيل ولبنان يسمح للطرفين بالبدء بالتنقيب عن الغاز وحفر الآبار في المياه التي كان متنازعاً عليها سابقاً. وظاهرياً، بدا أن المنطقة تدخل مرحلة من التعاون في مجال الطاقة والأمن. ثم جاءت حرب إسرائيل مع "حماس".
في 9 تشرين الأول/أكتوبر، بعد يومين من هجوم حماس المفاجئ، علقت إسرائيل الإنتاج من حقل "تمار"، ثاني أكبر حقل للغاز لديها، بسبب مخاوف متعلقة بالسلامة. ويلقي هذا الأمر بظلال من عدم اليقين على صادرات الغاز إلى مصر، التي تعاني من زيادة الاستهلاك المحلي. وفي وقت لاحق، تم إغلاق محطة النفط الإسرائيلية في عسقلان أمام السفن وسط الهجمات الصاروخية. وإذا اتسع الصراع ليشمل "حزب الله"، فسيؤدي إلى تفاقم أزمة الطاقة الحادة أساساً في لبنان.
مكاسب الغاز الإسرائيلية قبل الحرب
في السنوات الأخيرة، بدأت إسرائيل بتشغيل حقول غاز بحرية جديدة، مما سمح لها بزيادة الإنتاج للسوق المحلية، والحد من استخدام أنواع الوقود الأكثر تلويثاً مثل الفحم لتوليد الطاقة، وتوسيع صادراتها من الغاز. وخلال النصف الأول من عام 2023، حصلت إسرائيل على أكثر من 263 مليون دولار من عائدات الغاز الطبيعي وفقاً للأرقام الحكومية، أي بزيادة قدرها 23 بالمائة عن نفس الفترة من العام الماضي.
وقبل بدء تشغيل حقل "ليفياثان" الذي تبلغ طاقته 23 تريليون قدم مكعب في عام 2020، كان "تمار" (13 تريليون قدم مكعب) يقود إنتاج إسرائيل منذ عام 2013، عندما بدأت بالإنتاج. (يتم تشغيل كلا الحقلين من قبل شركة "شيفرون"). وفي العام الماضي، بلغ إنتاج إسرائيل من الغاز 21.92 مليار متر مكعب، حيث احتل حقل "ليفياثان" الصدارة (11.4 مليار متر مكعب) ويليه حقل "تمار" (10.2 مليار متر مكعب). وتم استهلاك ما مجموعه 12.71 مليار متر مكعب محلياً، خاصة في قطاع الطاقة، في حين تم تصدير 9.21 مليار متر مكعب.
ومن المتوقع أن يضيف تطوير حقل "ليفياثان" و"تمار"، إلى جانب حقل "كاريش" الأصغر حجماً، الذي بدأ بالإنتاج في تشرين الأول/أكتوبر 2022، أكثر من 15 مليار متر مكعب سنوياً من الإمدادات بحلول عام 2026. ويمكن أن تحقق مثل هذه الزيادة إيرادات كبيرة لإسرائيل. وفي حين أن صادرات الغاز المحتملة للبلاد إلى "الاتحاد الأوروبي" هي أقل بنسبة 15 في المائة من الغاز الذي باعته روسيا "للاتحاد الأوروبي" في عام 2021، أي قبل حرب أوكرانيا، والذي بلغ حجمه 155 مليار متر مكعب، فبإمكان الغاز الإسرائيلي أن يكون مفيداً للحكومات الأوروبية بينما تسعى إلى تنويع إمداداتها وتقليل اعتمادها على موسكو. ولتحقيق هذه الغاية، وقع "الاتحاد الأوروبي" مذكرة تفاهم مع مصر وإسرائيل في حزيران/يونيو 2022 لشحن الغاز المنتج في أي من البلدين إلى القارة عبر منشأتين للغاز الطبيعي المسال في مصر غير المستغلتين بشكلٍ كافٍ، وهما مصنع "إدكو" الذي تديره شركة "شل" ومصنع دمياط الذي تديره شركة "إيني". لكن زيادة نتاج مصر ستتطلب زيادة الإنتاج وتطوير البنية التحتية.
تدفقات الغاز إلى مصر: ما الذي على المحك؟
تُظهر أرقام الحكومة الإسرائيلية أنه في عام 2022، ذهبت 63 في المائة من صادراتها من الغاز إلى مصر و37 في المائة إلى الأردن. وتتزايد الصادرات إلى مصر، التي يتم نقلها من عسقلان إلى العريش، منذ عام 2020. وفي العام الماضي، زادت تدفقات الغاز الإسرائيلي إلى مصر عبر خط أنابيب شركة "غاز شرق المتوسط" (EMG) إلى 5.81 مليار متر مكعب، من 4.23 مليار متر مكعب في عام 2021 و 2.16 مليار متر مكعب في عام 2020.
وبينما تنتج مصر الغاز الخاص بها وتطمح إلى أن تصبح مركزاً إقليمياً لهذا القطاع، إلّا أنها شهدت انخفاضاً في الإنتاج في السنوات الأخيرة، مما أثر على قدرتها على تلبية الطلب المحلي وتصدير الغاز الطبيعي المسال. ووفقاً لـ "مبادرة بيانات المنظمات المشتركة"، بلغ إنتاج مصر من النفط خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2023 ما يقدَر بـ 5.076 مليار متر مكعب، بانخفاض حوالي 12 في المائة بالمقارنة مع الفترة ذاتها من عام 2021. وفي غضون ذلك، انخفضت صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال في عام 2023 بسبب تزايد الاستهلاك المحلي؛ وبالوتيرة الحالية، سيبلغ إجمالي هذه الصادرات حوالي 3.4 مليون طن متري بحلول نهاية العام، مقارنة بـ 7.1 مليون طن متري في عام 2022.
وفي ظل ارتفاع الطلب المحلي على الغاز في صيف عام 2022، اعتمدت مصر بشكل كبير على الواردات الإسرائيلية، خاصة لتزويد الوقود للمحطات التي تعمل بالغاز، والتي تمثل حوالي ثلاثة أرباع إمداداتها من الطاقة. وقد أثر ذلك على قدرتها على الحفاظ على صادراتها من الغاز الطبيعي المسال. ولسد هذه الفجوة، اتخذت مصر تدابير لزيادة صادرات الغاز من حقل "تمار" في آب/أغسطس من ذلك العام. لكن هذه الصفقة، التي كان من شأنها تحسين إيرادات إسرائيل وتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة، يكتنفها اليوم عدم اليقين مع تعليق الإنتاج من حقل "تمار". وفي 29 تشرين الأول/أكتوبر، أعلنت مصر أن تدفقات الغاز من إسرائيل قد توقفت، مما أثار تساؤلات حول قدرتها على استئناف صادراتها من الغاز الطبيعي المسال بعد صيف شاق.
الحرب تعطّل واردات إسرائيل من النفط....
في غضون ذلك، توقفت واردات إسرائيل من النفط الخام بعد إغلاقها لميناء عسقلان. وتشير بيانات شركة "كبلر" إلى أنه في شهر أيلول/سبتمبر، جاء 179000 برميل يومياً من واردات إسرائيل من النفط الخام البالغة 205000 برميل يومياً عبر عسقلان والباقي عبر ميناء حيفا. ومنذ إغلاق عسقلان، تم استيراد شحنة نفط خام واحدة على الأقل عبر ميناء إيلات على البحر الأحمر. ونظراً لأن معظم واردات إسرائيل تأتي من البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، فقد ترغم الحرب المطولة المزيد من الناقلات على الإبحار في مسار أطول - عبر قناة السويس إلى إيلات بدلاً من عسقلان، مما يضيف حوالي أربعة أيام إلى الرحلة ويرفع تكاليف الشحن. ومع ذلك، فوفقاً لشركة "كبلر"، كان لدى إسرائيل حوالي 10.72 مليون برميل من النفط الخام في مخزوناتها حتى 27 تشرين الأول/أكتوبر، والتي يمكنها السحب منها إذا لزم الأمر.
وهذه هي المرة الثانية التي تشهد فيها واردات النفط الإسرائيلية انقطاعاً هذا العام. ففي آذار/مارس، توقفت تدفقات النفط الخام الكردي من العراق، من ميناء جيهان التركي بسبب النزاع المستمر بين بغداد وأربيل وأنقرة. ونتيجة لذلك، اضطرت إسرائيل إلى زيادة وارداتها من النفط الخام من مصادر أخرى، وخاصة أذربيجان (التي يتم تحميل شحناتها إلى إسرائيل في ميناء جيهان) وكازاخستان (التي يتم نقل تدفقاتها من الخام عن طريق نظام "تحالف خط أنابيب بحر قزوين" ويتم تحميلها في محطة يوزنايا أوزيريفكا على البحر الأسود بالقرب من نوفوروسيسك، روسيا). لكن استبدال أنواع النفط الخام ليس مهمة سهلة دائماً نظراً لأن الجودة تختلف من مورّد إلى آخر، ويمكن أن يؤدي التحول إلى ارتفاع تكاليف الشحن.
...وتؤدي إلى تضخيم انعدام أمن الطاقة في لبنان
منذ عام 2020، كان للأزمة المالية في لبنان تأثير شديد على قطاع الطاقة الهش في البلاد. وتواجه الحكومة صعوبات في شراء شحنات المنتجات النفطية لتزويد أربع محطات كهرباء ساحلية بالوقود. وهناك محطتان فقط تعملان بزيت الغاز في الآونة الأخيرة - الزهراني في الجنوب ودير عمار في الشمال - وإن كان ذلك مع انقطاعات متكررة.
ووسط انقطاع الكهرباء الحاد، عمد مستوردو النفط من القطاع الخاص في لبنان بزيادة وارداتهم من الديزل، الذي يستخدم بشكل أساسي لتشغيل مولدات الطاقة الخاصة. وإذا تفاقمت التوترات بين إسرائيل و"حزب الله"، فلا تتمتع حكومة تصريف الأعمال في لبنان بالقدرة على معالجة حالات الطوارئ الجديدة. فخلال حرب عام 2006، قصفت إسرائيل صهاريج تخزين النفط في محطة الجية لتوليد الكهرباء في جنوب لبنان، مما تسبب في تسرب كبير لزيت الوقود الثقيل إلى البحر الأبيض المتوسط وأدى إلى كارثة بيئية. ومن شأن صراع أوسع نطاقاً أن يؤثر أيضاً على حركة الشحن إلى لبنان، مما يزيد الضغط على اقتصاده المتعثر.
وفي عام 2022، أتاحت اتفاقية الحدود البحرية التي توسطت فيها الولايات المتحدة بين إسرائيل ولبنان أنشطة التنقيب البحرية في المنطقة الجنوبية من لبنان. لكن على الرغم من الآمال الكبيرة التي علقتها البلاد على هذه الأنشطة، لم يؤدِ الحفر الذي قامت به شركة "توتال إنيرجيز" في البئر الاستكشافي "قانا 1/31" إلى اكتشاف الهيدروكربونات. على السياسيين اللبنانيين الآن أن يحوّلوا انتباههم بعيداً عن أحلام أنابيب الغاز ونحو تنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها.
الخاتمة
على مدى السنوات القليلة الماضية، شجعت واشنطن دول شرق البحر الأبيض المتوسط على تنويع مصادر الطاقة لديها، ومعالجة تغير المناخ في الوقت نفسه. وقد نجحت دبلوماسية الطاقة هذه في بعض المناطق، ولكن حرب غزة كشفت عن المخاطر الجيوسياسية العالية التي تواجهها المنطقة. وإذا اتسعت رقعة الحرب، لن ينجو قطاع النفط والغاز من تداعياتها الاقتصادية، وستؤجل خطط الطاقة الخاصة بالحكومات في المنطقة لعدة سنوات.
نعوم ريدان هي زميلة أقدم في معهد واشنطن.