- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2540
طاولة مستديرة: الحفاظ على مسار نحوَ حل الدولتين
"في 22 كانون الأول/ديسمبر، شاركت عينات ويلف مع غيث العمري في مناقشة حول طائلة مستديرة في معهد واشنطن. وويلف هي عضوة سابقة في الكنيست الإسرائيلي ومؤلفة الدراسة الجديدة التي أصدرها المعهد باللغة الانكليزية بعنوان: "مواءمة السياسة مع التفضيل: الإبقاء على مسار نحوَ حل الدولتين". والعمري، وهو زميل بارز في المعهد، وكان قد خدم سابقاً في مناصب مختلفة مع السلطة الفلسطينية، من بينها مستشاراً للرئيس الفلسطيني محمود عباس. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهما".
عينات ويلف
كانت المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية الثنائية مفيدة حتى الآن إذ أثمرت عن مجموعةً من التفضيلات حول النتيجة التي قد يُسفر عنها التوصل إلى حلّ الدولتين على أرض الواقع، أي إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل اليهودية ضمن حدود معترف بها على أساس خطوط عام 1967، مع تبادل أراضٍ متفق عليه بصورة متبادلة، و[جعل] القدس عاصمة للدولتين، مع حلّ واقعي وعادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين. ولكن من خلال تفضيل عملية المفاوضات الثنائية المباشرة على نتائج التوصل إلى اتفاق سلام، فشل المجتمع الدولي في تحقيق أي نتائج. وبالتالي، فإن الدول الغربية التي تشعر بإحباط متزايد باتت تختبر حالياً مقاربات جديدة لتحقيق هذه النتائج في ظل غياب المفاوضات.
ومن الناحية المثالية، يمكن للجهات الفاعلة الخارجية تعزيز السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين من خلال عدم التدخّل وترك الجانبين يتوصلان إلى تسوية خلافاتهما. ولكنّ ذلك لن يحدث، فقد أصبح كلا الطرفين يتقبلان تدخّل الغرب في هذه المسألة. ولكن حتى الآن، وعلى الرغم من ذلك، واصلت الدول الغربية اتباع سياسات لا تعكس تفضيلاتها. وفي بعض الحالات، تتخطّى مطالبها السقف الأقصى، فتفرض قيوداً يتفق الجميع على ضرورة إلغائها. وفي حالات أخرى، تكون مطالبها أقلّ من الحدّ الأدنى، ولا تقوم بتنفيذ سياسات يتفق الجميع على الحاجة إليها. ولكن بدلاً من أن يغيّر الغرب سياسة معيّنة أو سياسة أخرى، يمكنه أن يقوم منهجياً بتنفيذ حزمة من السياسات التي تعكس تفضيلاته. وعند قيامه بذلك بطريقة متسقة، يمكنه تقديم رؤية عن الكيفية التي قد يبدو فيها السلام.
وسيكون الاعتراف بدولة فلسطين جزءاً من تلك الحزمة، ولكنه لن يكون إلا إجراءً واحداً من بين إجراءات أخرى، وليس خطوة أحادية الجانب.
ثانياً، يمكن للدول أن تسعى إلى مواءمة سياساتها بشأن تبادل الأراضي، والمستوطنات الإسرائيلية، والحدود. وتميل الحكومات الأجنبية في الوقت الحاضر إلى التعامل مع الوجود الإسرائيلي فيما يتخطّى خط وقف إطلاق النار من عام 1949 على أنه غير قانوني، سواء تجلى بمستوطنة قريبة من الحدود أو موقعاً بعيداً. ولكنّ ذلك يتعارض مع التفاهم الدولي الضمني بأنّ الحدود النهائية ستكون مختلفة عن خطّ عام 1949 أو حتى حدود عام 1967، كما ورد في رسالة الرئيس جورج بوش الإبن إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون في عام 2004 وإعلان الجامعة العربية بشأن تبادل الأراضي في عام 2013. وبدلاً من ذلك، تستطيع الدول الغربية الإشارة إلى أنّ أي عملية بناء تقوم بها إسرائيل على أراضٍ يُرجّح أن يتم تبادلها يُعتبر قانونياً، في حين أنّ البناء خارج هذه المناطق غير قانوني.
ثالثاً، يستطيع المجتمع الدولي الاعتراف بالقدس الغربية السكنية عاصمة لإسرائيل، والقدس الشرقية العربية عاصمة لدولة فلسطين، مع الحق الدولي بالعبادة في "الحوض المقدس". وبذلك، يكون المجتمع الدولي قد واءم سياسته بشأن القدس مع الفهم السائد لوضع المدينة في النهاية. ولكن عوضاً عن ذلك، نجد السياسة الغربية الحالية غير متناسقة، إذ تستند جزئياً على اقتراح التقسيم من عام 1947، الذي ينصّ على أنّ القدس لا تنتمي إلى أي طرف. ونتيجةً لذلك، لا تعترف الدول الغربية بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل ولم تنقل سفاراتها حتى الآن من تل أبيب إلى هناك. ولكنّها مع ذلك تعتبر أنّ القدس الشرقية جزء من فلسطين المحتلة، وهذه سياسة قائمة على خطوط عام 1967.
رابعاً، ينبغي أن تكفّ الدول الغربية عن الإشارة إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة على أنهم لاجئين، وتوجيه "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" ("أونروا") للتصرف وفقاً لذلك. وتروّج "الأونروا" المموّلة من الغرب إلى حد كبير، لفكرة حق العودة إلى إسرائيل ما قبل عام 1967، إذ تعتبر سكان الضفة الغربية وقطاع غزة لاجئين. ويتناقض ذلك جذرياً مع الفكرة بأنه ستقوم دولة فلسطينية يكون فيها هؤلاء الفلسطينيين مواطنين، كما يغذي الأوهام الفلسطينية والمخاوف الإسرائيلية من أنّ المجتمع الدولي لا يقبل بإسرائيل كدولة يهودية.
ومن شأن هذه المقترحات والاقتراحات المماثلة البناء على مفهوم "نظرية الاحتمال"، [أو نظرية الخسائر مقابل الفوائد"]، والتي أظهرت أنّ الناس يميلون إلى الخوف من الخسائر أكثر مما يقدّرون قيمة الفوائد. فقد أكّد الغرب حتى الآن على فوائد السلام، ولكنّ هذه المقاربة لم تكن فعالة لأنّ المعنيين بالموضوع يخشون كثيراً الخسائر التي قد يتكبدونها. وسيكون من الأفضل للغرب أن يعالج هذه المخاوف بأن يُظهر علناً وبوضوح أنّ التنازلات المطلوبة من الطرفين متواضعة.
وأخيراً، إن هذا الاتساق المقترح للسياسة الغربية مع التفضيلات، لا يقصد منه معالجة مسألة الأمن. فالإسرائيليون والفلسطينيون وحدهم قادرون على معالجة هذه المسألة.
غيث العمري
المبادرة المبيّنة في التقرير الجديد للدكتور ويلف هي مساهمة قيّمة في المحادثة بشأن السياسات، وأودّ أن أضيف إليها جانبيْن من التعقيد: الأول هو أنّ العديد من المواضيع التي تتمّ مناقشتها ليست مجرد قضايا ثنائية، بل لها انعكاسات على اللاعبين الآخرين الذين يجب أن تؤخذ مصالحهم بعين الاعتبار. على سبيل المثال، لا ترتبط قضايا "الأونروا" بالسلطة الفلسطينية فحسب، بل بالأردن ولبنان أيضاً. ويشكّل "الحوض المقدس" تحديات مماثلة لأنه قضية العرب والمسلمين على نطاق أوسع.
أما الجانب الهام الثاني، فهو الفكرة بأن اختلال موازين القوى على الأرض قد ينشئ سيناريو تنفيذ قد يضرّ بالفلسطينيين. فعلى سبيل المثال، قد لا يتقبّل الفلسطينيون جيداً الاعتراف بالأحياء اليهودية في القدس الشرقية كجزء من إسرائيل، إذ تمّ توسيع السيادة الإسرائيلية لتضمّ مناطق معينة، في الوقت الذي تم فيه تقييد وصول الفلسطينيين [إليها]. ومثل هذه الأفكار ستخلق عدم ارتياح كبير في أوساط الفلسطينيين ما لم تنعكس بتغييرات ملموسة على أرض الواقع.
وعلى نطاق أوسع، في حين يقدّم التقرير نظرة تحليلية منطقية، لا يمكن متابعة مثل هذه المبادرة بشكل بناء في الوقت الراهن لأسباب سياسية محلية ودبلوماسية. ويفتقر القادة الفلسطينيون والإسرائيليون المجال السياسي اللازم للمشاركة في مبادرة دبلوماسية بشكل فعاّل. ولكي يكون أي جهد مماثل مفيداً، ينبغي أن يشارك فيه تحالف دولي واسع من الدول الغربية والعربية - لكي تشكّل هذه الأخيرة غطاءً للفلسطينيين وتضغط عليهم في الوقت نفسه. ولكن بالنظر إلى الأولويات الكثيرة المتنافسة في المنطقة وغياب الثقة بين الولايات المتحدة وحلفائها العرب، هناك احتمال ضئيل لنشوء مثل هذا التحالف على المدى القريب. وعلاوةً على ذلك، فإنّ الدفع بقرار أو معلمات قبل أوانها، وحيث لا تعكس رؤية الجميع، قد يقوّض الإجماع الدولي القيّم والداعم لحل الدولتين.
وتلوح في الأفق مخاطر سياسية كبيرة أيضاً، إذ لن تدعم الحكومة الإسرائيلية الحالية هذه المبادرة حتى لو سعى من في معسكر السلام المحلي إلى إعادة إطلاق المحادثات مع الفلسطينيين. وستكون الأمور أكثر صعوبة من الجانب الفلسطيني، لأنّ السلطة الفلسطينية قد أصبحت ضعيفة وهي تواجه أزمة الشرعية التي ستجبرها على رفض معلمات من هذا النوع. ونتيجةً لذلك، فإن المبادرة قد تحفّز الفلسطينيين، وحتى الإسرائيليين، على إعلان مواقف أكثر تشدداً مما سيفعلون لو لم يتمّ طرحها.
لقد حان الوقت للابتعاد عن التحركات الدبلوماسية الواسعة والنظر في إشراك أضيق نطاقاً ولكن أكثر واقعية وقابل للتحقيق مع الطرفين. يحتاج المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة إلى إشراك الإسرائيليين والفلسطينيين ليتّخذ كلّ طرف خطوات ذات مغزى وقابلة للتنفيذ تجاه الطرف الآخر. وتستطيع واشنطن التوجه إلى الفلسطينيين برسالة واضحة مفادها أنّ عليهم وقف التحريض والرسائل السلبية الأخرى وإلا سيدفعون ثمناً باهظاً. ويمكنها أيضاً إشراكهم في الحفاظ على التعاون الأمني. وليس للسلطة الفلسطينية أي مصلحة حقيقية في قطع التعاون الأمني، ولكن كلما تحدّث المسؤولون الفلسطينيون أكثر عن ذلك، كلما تسببوا باحتمال نشوء نبوءة تحقق ذاتها.
ويمكن أن تركز مشاركة الولايات المتحدة مع إسرائيل على ما يمكن القيام به لإعطاء الفلسطينيين إمكانية وصول أكبر إلى المنطقة (ج) في الضفة الغربية. ويقول "جيش الدفاع الإسرائيلي" منذ بعض الوقت إنه يمكن اتخاذ إجراءات كثيرة لزيادة هذه الإمكانية نظراً لارتفاع مستوى التعاون الأمني الثنائي. وسيكون أي تحرك من هذا النوع مهماً بما يكفي لتوليد شعور بالأمل والحركة للفلسطينيين.
وبالإضافة إلى هذه الخطوات الملموسة، تستطيع واشنطن أن تطالب إسرائيل بالنظر في السياسات التي تعيد تأكيد التزامها بحلّ الدولتين، وذلك بالنظر إلى الإدراك المتزايد بأنّ الحكومة الإسرائيلية الحالية مترددة بشأن السلام. ويمكن أن تشمل هذه التدابير تنسيق سياستها الاستيطانية مع خريطة السلام الخاصة بها - أي عدم البناء خارج المناطق التي تعتقد إسرائيل أنها ستحتفظ بها من خلال تبادل الأراضي. وعلى الرغم من أنّ هذا الإجراء وحده لن يكون كافياً بالنسبة إلى الفلسطينيين، فإنه سيبعث برسالة مفادها أنّ الحكومة الإسرائيلية جادة بشأن القيام بشيء ما.
وفي الوقت نفسه، تستطيع واشنطن إشراك الفلسطينيين في موضوع الإصلاح، ويتمّ الجزء الأكبر من ذلك من خلال إحياء قضية بناء المؤسسات وإعادة ترتيب أولوياتها. وفي حين يؤمن 80 في المائة من الفلسطينيين أنّ حكومتهم فاسدة، لا تتمتع القيادة بالمكانة أو القدرة اللتين تتيحان لها تقديم التنازلات اللازمة للتوصل إلى حلّ الدولتين. لذا ينبغي على المجتمع الدولي الضغط باتجاه إصلاح أعمق على مستوى الدستور والأمن والحوكمة. وعندما حدث ذلك في الماضي، أتاح ظهور إصلاحيين مثل رئيس الوزراء السابق سلام فياض.
وفي النهاية، لا يمكن تحقيق السلام إلا من خلال الدبلوماسية والمفاوضات على مستوى عالٍ. إلا أن بعض هذه الأفكار الواقعية وغير الدبلوماسية يمكن أن تُنشئ درجة من الاستقرار الذي يقرّبنا من اللحظة التي يمكن فيها إعادة مناقشة حلّ الدولتين دبلوماسياً.
أعد هذا الملخص غابرييل خيفيتص وروني غازيت.