- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
تغذية آلة تنظيم «الدولة الإسلامية»
لا يزال فهمنا الأساسي لطموحات تنظيم «الدولة الإسلامية» والتبريرات التي تقف وراء هذه الطموحات مشوشاً. فعلى الرغم من وضوح الشعارات التي تلازم تحركات التنظيم مثل "البقاء والتوسع" و"خلافة على منهاج النبوة"، إلا أنها لا تجيب عن بعض الأسئلة مثل أسباب لجوء الجماعة إلى العنف المفرط، ولماذا ترتبط القصص المتعلقة بها ارتباطاً وثيقاً بما يحدث في سوريا، ولماذا تستهدف الشيعة، ولماذا يدمر أفرادها الأضرحة.
إن التوضيح عبر القياس هو في كثير من الأحيان أفضل وسيلة للتفسير. لنتخيل تنظيم «الدولة الإسلامية» كمركبة. فالوقود الذي يُبقي محركها دائراً هو عبارة عن تراث ديني يدعى السلفية. ولكن لكي تصل المركبة فعلاً إلى وجهتها، هناك العديد من المكونات الأخرى التي يجب أن تعمل مع بعضها البعض - سائق ماهر وأجزاء تؤدي وظيفتها، وطريق ممهد تستعمله السيارات الأخرى كذلك، بل وطقس ملائم.
وفي حين أن معظم السلفيين في العالم لا ينتهجون العنف، إلا أن هناك الكثير من الجوانب المشتركة بينهم عندما يتعلق الأمر بالرؤية الدينية التي يتبناها تنظيم «الدولة الإسلامية» (سُنّية، أصولية، حَرْفية، مناهضة للشيعة، مناهضة للصوفية). ولكن سلفيتهم تضخ الوقود في العديد من المركبات التي تسير على طرق مختلفة في أحوال مرورية مختلفة.
ولـ تنظيم «الدولة الإسلامية» عدة مكونات في مركبته تشمل أفكار رئيسية حول نهاية العالم مرتبطة بسوريا، وخطة بناء الخلافة (التي تحمل معها تداعيات تتعلق بقيادة الأمة الإسلامية في العالم بشكل واضح)، وسبل تكوين دولته (مثل جمع الضرائب والحفاظ على حالة الطرق، وتوزيع المواد الغذائية والموارد). إن انعدام الاستقرار المستمر في العراق وسوريا يمثل فرصاً لفرض هذه العناصر بتوفيره طرق وظروف طقس محبذة. والمركبات الأخرى التي تسير على الطريق ربما تشبه جماعات جهادية أخرى. إن القيادة الناجحة عبر هذه الظروف للوصول إلى المقصد تتطلب حسابات التكاليف والفوائد، ووضع الاستراتيجيات العسكرية من قبل السائق، وحتى السياسة الشخصية والمنافسة مع الجماعات الجهادية الأخرى.
وفي الوقت نفسه، فإن المركبة التي لديها جميع هذه العناصر ولكنها تفتقد إلى الوقود السلفي الديني لن تحقق نفس مستوى النجاح. كذلك فإن أحاديث نهاية العالم والوحشية والمطالبة بامتلاك أراضي معينة وطموحات الخلافة - سواء منفردة أو مع بعضها البعض - لها تأثير قليل على دوافع الجماعة أو على قابليتها لدى أتباعها حول العالم دون التبريرات السلفية الدينية.
إذاً ما هي السلفية، وكيف يمكننا أن نقيس الدور الذي تلعبه في دوافع تنظيم «الدولة الإسلامية»؟ علاوة على ذلك، كيف يمكننا أن نأخذ في الاعتبار نقطة على نفس القدر من الأهمية وهي أن الغالبية العظمى من سلفيي العالم لا ينبذون العنف فحسب، بل يدينونه ويحافظون في الوقت نفسه على التأثير بين أتباعهم؟ هل هؤلاء، إذاً، هم الشركاء الطبيعيون في محاولة وقف تنظيم «الدولة الإسلامية»؟
السلفية هي توجه ديني وقانوني سني في تعريف ماهية الإسلام. فهي ليست برنامجاً سياسياً معاصراً مثل النوع الذي تتبناه جماعة «الإخوان المسلمين». وفي الواقع، ظهرت السلفية كحركة على مدار القرن العشرين في أوجه كثيرة كرد على التقدم الذي أحرزه إسلاميون مثل «الإخوان المسلمين». وفي حين انخرط «الإخوان» في مناقشات حول ما إذا كان ينبغي أن تكون الشريعة الإسلامية أساساً للدستور، كان السلفيون معنيين بنوعية الإسلام محل النقاش. وبالتحديد، كان الهدف بالنسبة للسلفيين إعادة تعليم إخوانهم المسلمين وفقاً لما يعتقدون أن النبي محمد وأصحابه السنة الأوائل قد مارسوه، وهو هدف يمكنه أن يتحقق، كما علّموه، فقط بالرجوع - دون تدخل أطراف ثانية - إلى القرآن وأقوال النبي محمد في الأحاديث التي ثبت أنها حقيقية.
وقد أدى انعدام رؤية سياسية عالمية متماسكة من قبل الجانب السلفي، وكذلك انعدام رؤية دينية متماسكة من قبل «الإخوان» إلى نتيجتين في أعقاب أحداث "الربيع العربي" عام 2011. وتتعلق النتيجة الأولى بانهيار الحكومات القائمة، وهو ما يعني أن السياق السياسي الذي كان «الإخوان المسلمون» يستجيبون له طوال أغلب فترات وجودهم قد انهار، وبالتالي انهارت أهمية رسائلهم. وعلى العكس من ذلك، كانت أمام السلفيين فرص جديدة للدخول في المجال السياسي وإما لتحقيق ما يهواه أتباعهم أو الامتناع إذا كان ذلك مناسباً لهم.
وما يجعل شخصاً ما سلفياً عنيفاً (أو جهادي سلفي) بدلاً من سلفي غير عنيف يعتمد على كيفية إجابة السلفيين على سؤال أساسي - ما الذي يجعل شخصاً ما مسلماً؟ إن السلفيين الذين لا ينتهجون العنف ينظرون إلى فشل الأفراد في تبني نظرتهم السلفية للعالم على أنه ناتج بشكل محتمل عن أي عدد من العوامل (الجهل، سوء التعليم، والكسل). أما السلفيون الذين يتبنون العنف فإن الفشل في تبني رؤيتهم للعالم هو تعبير عن الرفض المتعمد للفرد للإسلام - وهو الرفض الذي من شأنه أن يبرر إخراج الأفراد من دائرة الإسلام (التكفير) ويسمح بانتهاج العنف ضدهم.
أما النتيجة الثانية التي ترتبت على "الربيع العربي" فتتعلق بتطور الأحداث التي وقعت منذ ذلك الحين، ولا سيما في العراق وسوريا - وهما موطنان لأعداد كبيرة من السكان السنة والشيعة. وكان هناك باختصار بُعد طائفي يبرر اختلاف الجماعات في انتماءاتها السياسية. وبينما مضت الأحداث في مسارها الدموي، أصبح البعد الطائفي لبعض الجماعات السنية الأمر الذي يعرّف التطورات السياسية ويفسرها. وفي مثل هذه البيئة نشأت المليشيات السلفية مثل «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» وكانت رسالتها استعادة سوريا السنية مع الخلاص من الجماعات الإسلامية الأخرى التي رسخت أقدامها هناك.
وقد انحرف تنظيم «الدولة الإسلامية»عن هذه المليشيات السلفية في سوريا وكذلك عن الجماعات السلفية والسلفية الجهادية الأخرى بعدة صور بارزة. أولها أنها أقل اهتماماً بسوريا من أجل سوريا فقط بل من أجل إقناع أتباعها بأنها تقع في نطاق الأحداث الواردة في أحاديث نهاية العالم، وبالتالي تبرز صورة عن أنفسها باعتبارها رعاة نهاية العالم. الأمر الثاني هو مطالبة تنظيم «الدولة الإسلامية» بالخلافة، والذي سبب هزة كبيرة في مجتمع المسلمين بشكل عام، وتوتراً وتنافساً مع تنظيم «القاعدة» والسلفيين الجهاديين الآخرين بشكل خاص، بسبب مطالباته بقيادة وتحديد شكل المجتمعات المسلمة. وبالطبع تركيزه على استخدام ونشر وسائله العنيفة.
ولكن هذه العناصر التي تميز تنظيم «الدولة الإسلامية» لا تمثل فقط جزءاً لا يتجزأ من جاذبيته الفريدة ولكنها تعد في الوقت نفسه عوامل قصور يمكن استغلالها. وبالتحديد، فإن أي نجاح يمكن أن تحققه الجماعة في شكلها الحالي - بما في ذلك قدرتها على التوسع في الأرض والمحافظة على مصداقيتها أمام أتباعها وجذب المقاتلين الأجانب - يعتمد على ادعاءاتها في تحقيق التفسير السلفي لما ينبغي أن يكون عليه الإسلام. ولكن هذا لا يعني أن التوجه السلفي يضمر التعاطف مع تنظيم «الدولة الإسلامية» - هو لا يفعل ذلك. ولكنه يعني أن دولة "إسلامية" من النوع الذي يسعى إلى تحقيقه تنظيم «الدولة الإسلامية» حالياً لا يمكن أن ينجح في السياق الإقليمي اليوم دون الرجوع إلى أصولية السلفية ونصوصها وطائفيتها.
يعقوب أوليدورت هو زميل "سوريف" في معهد واشنطن.
"سايفر بريف"