- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تحديات القيادة الشبابية في العالم العربي
إن المؤسسات العربية والشباب العربي أنفسهم مسؤولون عن نقص المشاركة المجتمعية بين الشباب في البلدان العربية.
قادة المستقبل.. بُناة الغد.. صناع التغيير.. كل تلك الصفات نسمعها معظم الوقت في التصريحات المختلفة والبرامج الإعلامية، وعلى صفحات الصحف، والمواقع الإلكترونية، وحتى مواقع التواصل الاجتماعي بالعديد من الدول العربية. وهناك سبب وجيه لاستيعاب الشباب في الدول العربية - حيث يقدر عددهم بنحو 146 مليون شاب، أو 34 في المئة من إجمالي سكان المنطقة الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و34 عاما، وهو ما يشير الى أن المنطقة العربية شابة بجدارة. علاوة على ذلك، تعد المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم إنفاقًا على التعليم العالي.
ولكن حتى مع هذا العدد الكبير من الشباب، ليس من الواضح ما إذا كان الشباب العربي يدرك إمكاناته الكاملة، طبقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، بلغت نسبة البطالة بين الشباب في المنطقة العربية أكثر من 30% لتحتل المرتبة الأولى على مستوى العالم بلا منازع. وبالمثل، أدى الاهتمام الشديد بالهجرة أيضا إلى تعرض المنطقة لهجرة العقول الشابة. وفي حين يفتقر العديد من الشباب العرب إلى فرص العمل أو حتى الأمن والسلامة، فإن الثقافة الناتجة عن الصورة الذاتية والانهزامية تهدد أيضا قدرة الكثير من الشاب على المشاركة العامة الهادفة.
فقدان الذات
منذ عدة أشهر انتشرت صورة ساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر ثلاثة من مشاهير هوليوود الأجانب مكتوب تحت صورهم أعمارهم التي تقترب معظمهم من 60 إلى 70 عام وهم يضحكون مبتسمون بوجوههم المشرقة المليئة بالحيوية والتفاؤل، وفي منتصف صورة برز وجه عابث مليء بتجاعيد الشيخوخة، اتضح انه شاب يدعى علاء من سوريا ويبلغ من العمر 31 عاما.
رغم إنها صورة ساخرة إلا أن ما ترمز إليه هنا يكاد يكون إنذار خطير يتمثل في فقدان الحماس والأمل لدى الكثير الشباب العربي. لا يسع المرء إلا أن يتساءل عما يدفع لتلك الرؤية المظلمة القاتمة أو بالأدق ما الذي يدفع عشرات الشباب لركوب قوارب الموت خلال محاولتهم العبور لأوروبا بصورة غير شرعية من سوريا أو شمال إفريقيا إلى أوروبا، فقط ليتم القبض عليهم وإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية وذلك في حال نجاتهم من الغرق.
وبغض النظر عن العنف الهائل المتفشي في بعض الدول العربية، فإن التهميش الذي يعاني منه بعض الشباب العربي هو ما يدفعهم للشعور بالاغتراب داخل أوطانهم وربما الهجرة الدائمة أو الانغلاق على نفسه وترك الحياة بكل ما فيها أو حتى الانتحار. انه التهميش والإحساس بفقدان الذات أو عدم القدرة على معرفة ما يريده من الحياة هو ما يشكل تجربة العديد من الشباب العربي.
فالعديد من الشباب العربي تائهون كأنهم يبحثون عن شيء لا يعرفونه يساعدهم في تشكيل نهجهم تجاه العالم. لذلك لن نتعجب عندما نعلم انه قد كشف استطلاع حديث عن الشباب العربي - الذي صدر عن أصداء بي سي دبليو بالتعاون مع شركة الأبحاث الدولية PSB - أن حوالي 42٪ من الشباب العرب يفكرون بالهجرة إلى بلد آخر بشكل جدي، 40% منهم يفكرون بالهجرة بصورة دائمة أي بدون رغبة في العودة لأوطانهم مرة أخرى. ومن ثم، فمن الأهمية بمكان أن نعترف بتلك النسبة الهائلة من الشباب في المنطقة الذين يرغبون في الهجرة، وأن نفهم ما يشير إليه هذا التوجه حول الصحة العقلية والرفاهية العاطفية لشباب المنطقة.
هناك من يرى أن بعض الحكومات يقع على عاتقها عبء كبير في ذلك الوضع فلم تعط الشباب الفرصة المناسبة للمشاركة بجدية في الحكم والمجتمع المدني، وأن المؤسسات المنوطة بها رعاية الشباب وتأهيلهم بدول المنطقة تلعب دوراً في تدهور الصحة العاطفية لدى الشباب في المنطقة. وفي الوقت نفسه، يُحمل آخرون الشباب أنفسهم المسؤولية، متهمين إياهم بالافتقار إلى الوعي الكافي أو الرغبة في المشاركة المجتمعية الحقيقية.
ومع ذلك، فإن الواقع المعقد يشير إلى أن المشكلة هي مزيج من الاثنين، كما تجسده بعض أمثلة من الواقع، حيث تم إسناد مسؤولية إدارة مكتب حكومي معني بمشاركة الشباب في المجتمع إلى أحد الشباب بأحدي الجهات العامة في دولة عربية، إلا أن الشاب بدلًا من أن يباشر مهمته الوظيفية ويتحرك بعمل جدي مؤثر تفرغ لحضور الندوات والمؤتمرات والظهور أمام الكاميرات مدعيًا بأن ذلك إنجازات مهمة.
وبدلاً من مناقشة التحديات الجسيمة التي ينطوي عليها عمله، وصل الأمر به ليخصص البيانات الصحفية التي ترسل للصحفيين للحديث عن مؤتمراته وندواته وسفرياته وجولاته، واختفى الإنجاز الحقيقي الذي يمكن أن نرى نتيجته على أرض الواقع.. أخذ الشاب هنا فرصة كبيرة لكنه حولها للعبة في يديه لا يحسن إدارتها أو توظيفها لخدمة المجتمع والشأن العام، فهو ببساطة لم يتم تأهيله وتدريبه على تحمل المسؤولية ولم يتعود عليها، وعندما حدث ذلك حولها لما يشبه الدمية، فالشاب هناك لم يتم تهميشه، ولكنه هو من قام بتهميش من حوله ليحقق الزهو الشخصي الذي ربما كان يفتقده.
في موقف أخر تردد انه حقيقي جسدته أحدى الأعمال الدرامية المصرية في مسلسل "طاقة نور" في مشاهد قليلة تلخص محاولة شاب من أسرة بسيطة الالتحاق بإحدى الوظائف بجهة مرموقة على أمل أن يحقق حلم عمره في الانضمام لها، كان يعتقد أن الشهادات العليا وإتقانه عدد من اللغات الأجنبية سيفتح له أبواب النجاح، ليذهب لامتحان الوظيفة، وإذا به يقابل هناك شاب آخر في مثل عمره من أسرة مرموقة، ليستقبله ضاحكًا مؤكدًا أنه قد تم قبوله بالفعل حتى قبل دخول الامتحان الوظيفي نظرا لسمعة عائلته العريقة ومستواها المرتفع، وينصحه بالعودة لمنزله فمكانه ليس بين علية القوم، وفعلا تحقق ما أكده ذلك الشاب، هنا قرر الشاب البسيط الانتحار وترك الحياة بكل ما فيها.
المشهدان هنا مختلفان فالأول همش من حوله بعدما تولى المسؤولية من خلال التركيز على الصورة الذاتية بدلاً من تحقيق مصلحة محتملة كان يمكن أن يحققها بدوره. ومن جهة أخرى، لم يكن الشاب الأخر قادراً على تحمل المسؤولية بسبب تهميشه من قبل عوامل مجتمعية مثل المحسوبية. ولكن الشيء المشترك في كلاهما أن المجتمع منذ سنوات بعيدة لم ينشئ كلا الشابان على تعلم مهارات الثقة الحقيقية بالنفس، ومعنى العمل العام، ومهارات إدارة الذات، والقيادة الفعالة مهما كانت التحديات والظروف المحيطة به.
هناك من يرى أن الظروف الاقتصادية الصعبة هي وحدها المسؤولة عن حالة التهميش التي يعاني منها الشباب العربي. لكن حتى في الدول العربية الغنية ،فان اهتمام الشباب العربي بالمشاركة في المجال العام ما زالت منخفضة، حيث اثبت استطلاع رأي أجراه مركز الشباب العربي بالإمارات في عام 2020 عكس ذلك ، حيث أظهر أن 73% ممن شملهم يبحثون على الأمن والسلامة كأولوية أولى، و%70 يقع التعليم ضمن أعلى اهتماماتهم، %62 أكدوا أن الرعاية الصحية تأتي في المرتبة الثالثة من احتياجاتهم الضرورية، %31 يبحثون عن مصادر الدخل، أما %17 فقط يهتمون بالتطوير الشخصي، والمفاجأة أن المشاركة المجتمعية والعامة حصدت 10% فقط من اهتمام الشباب العربي، وهي من أدنى النسب في الاستطلاع.
والأهم من ذلك، هو أن استقرار بلد ما لا يبدو أنه يلعب دورًا محددًا في تشكيل هذه الآراء – فقد كان الشباب السوري والأردني والسعودي هم الأكثر ترجيحًا (رغم أن نسبتهم لاتزال 13٪ فقط) للتأكيد على المشاركة المجتمعية، في حين أن 0٪ من الشباب الكويتي اعتبر المشاركة أولوية قصوى.
يشير ما سبق إلى أن أولويات جيل الشباب العربي في مختلف الدول العربية سواء مرتفعة أو متوسطة أو حتى منخفضة الدخل تتشارك في الاهتمام العالي بالأمن والسلامة، التعليم، والرعاية الصحية، أي أن اهتمام معظم الشباب بالأمور العامة أو بالمشاركة المجتمعية، ولعب دور اكثر فعالية في محيطه الداخلي أو الخارجي لا يأتي في المرتبة العليا من متطلباتهم، بل يهتمون بالحصول على احتياجاتهم الأساسية، أي أنه لا يعانى من التهميش بقدر انغلاقه على نفسه برغبته الشخصية وقصر رؤيته على أولوياته واهتماماته الفردية، وهو ما أكده الاستطلاع الذي أشار إلى أن الشباب العربي الذي يملك قدرة شرائية مرتفعة لديه اهتمام أقل بالمشاركة المجتمعية (33 في المئة) ، وذلك مقارنة بالشباب العربي في الدول الأخرى والذى ليه قدرة شرائية متوسطة (44 في المئة)، وهؤلاء الذين لديهم قدرة شرائية منخفضة (35 في المئة ) أي أن الأمر هنا يدحض كل المزاعم التي تعلق تلك الأزمة بالجانب الاقتصادي فقط.
قد يكون أحد الأسباب البديلة لقلة المشاركة العامة بين الشباب العربي هو الخلل في بعض أنظمة التعليم العربية، العجيب في الأمر بأنه بالرغم من أن التعليم جاء في المرتبة الثانية في أولويات الشباب العربي إلا أنه خلال استطلاع أجراه البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" عام 2017، سُئِل الشباب: هل التعليم باعتقادهم يحسن فرصهم في سوق العمل في بلادهم؟ أجاب 92 % من المستجيبين "لا"، أو حتى "ألف لا"، بحسب أحد المشاركين في الاستطلاع، كما أشار البنك إلى أن 25% من مقاتلي "داعش" القادمين من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حاصلون على تعليم جامعي. بالنظر إلى التأثير التأسيسي للتعليم على قيم الشباب وأحلامهم، تُظهر هذه الإحصائية أنه قد يكون هناك تراجع خطير في التركيز على المشاركة المجتمعية والقيم المجتمعية الإيجابية في بعض أنظمة التعليم العربية.
مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات المختلفة بين الشباب العربي، توقع البعض في البداية أن تزيد معها رغبة الشباب في استغلالها بشكل عملي وجدي.
وفى حين لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا رئيسيا وعاما قبل عقد من الزمان خلال فترة الربيع العربي، فإن اتجاهات وسائل التواصل الاجتماعي اليوم - بما في ذلك تلك الموجودة في العالم العربي - غالبًا ما تعطي الأولوية للترفيه أو نشر الصور وجمع الإعجابات والظهور بفيديوهات لايف لاستعراض ملابس جديدة أو التباهي بالسيلفي التي يلتقطونها مع الفنانين والمشاهير، حتى أن بعضهم أصبح يدعى المرض أو التعرض لحادث لجذب الانتباه وجمع التعليقات والإعجابات على صفحاتهم.
المسؤوليات المشتركة
المسؤولية عن أزمة التصور الذاتي مشتركة بين الحكومات والسلطات المنوطة بتأهيل الشباب بصورة جدية حقيقية بعيدًا عن كاميرات الإعلام والخطب الرنانة والتصفيق الحار. ومع ذلك، فإنه يقع أيضًا على عاتق هؤلاء الشباب الذين يركزون على صورتهم الذاتية باعتبارها طريقًا للنجاح. من المهم أيضا الاستمرار في التركيز على حقائق المشكلات المطروحة، حيث أصبح الشباب يلخص حل أزماته بنظرية المؤامرة، والأخر لم يعد يهتم وقد يستسلم من أول محاولة فشل فيها.
وهناك من قرر ترك الوطن بأكمله هربا من الواقع الذي ربما قد يكون ساهم في صنعه بدون أن يدري، فهو يعيش على أرضه اسم بلا شخصية أو هدف أو حتى أحلام، فضلًا عن أنه لم يتم تدريبه منذ الصغر على القيادة الحقيقية والصمود أمام مختلف الصعاب، ولا ننسى أيضا دور المجتمع ونظامه التعليمي في تنشئة شاب يدرك كيف يتخذ القرار، قوى الفكر، يعرف إلى أين يتجه وماذا يريد من الحياة.
وبغض النظر عما إذا كان المرء ينظر الى هذه القيود المفروضة على مشاركة الشباب على أنها نتاج المجتمعات العربية، أو انعكاسا للشباب أنفسهم، أو مزيجا من الاثنين، فإن التحدي يظل قائما، لكن الأكيد هنا أننا جميعًا يجب أن نقف لساعات ربما أيام وشهور مطولة نفكر فيها عن مستقبل تلك المنطقة التي ستعتمد اعتماد كلي على شبابها خلال المستقبل، ليبقى السؤال الهام هنا.. هل الشباب قادر بشكل جدي على تحمل مسؤولية قيادة مستقبل العالم العربي لبر الأمان؟!