- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3092
تحديات داخلية عميقة بانتظار رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد
في 10 آذار/مارس، عيّن رئيس "السلطة الفلسطينية" محمود عباس عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" محمد اشتية رئيسًا للوزراء. والآن سيكون أمام رئيس الوزراء الجديد مهلة ثلاثة أسابيع لتشكيل حكومة، على أن تُمدد هذه المهلة لأسبوعين إذا دعت الحاجة. ورغم أنه لن يكون للتعيين أثر كبير على السياسة الخارجية الفلسطينية، التي يتولاها الرئيس مباشرة، إلا أنه يوفر لمحة عن الديناميكيات المحيطة بخلافة رئاسة "السلطة الفلسطينية". كما سيخلف بعض الآثار على العلاقات بين "فتح" و"حماس" وعلى قضايا الحكم في الضفة الغربية، سواء للأفضل أو الأسوأ.
ديناميكيات حركة "فتح"
في 29 كانون الثاني/يناير، قدم رئيس الوزراء المنتهية ولايته رامي الحمد الله استقالته إلى عباس بعد توصية اللجنة المركزية لحركة "فتح" بتشكيل حكومة سياسية بقيادة "فتح". وكان الحمد الله ترأس حكومة تكنوقراط تشكلت بموجب اتفاق بين "حماس" و"فتح".
وما إن كلّف عباس اللجنة المركزية لحركة "فتح" باختيار رئيس الوزراء المقبل، حتى تجلت التوترات في أوساطها. فلطالما كانت هذه اللجنة تضمّ عدة فصائل، لكن الانقسامات أصبحت أوضح خلال السنوات القليلة الماضية في ظل مشاركة كبار الأعضاء فيها في السباق على خلافة محمود عباس الذي أصبح كبيرًا في السن. وإذ ساورهم القلق من أن اختيار رئيس وزراء من بينهم سيعزز فرص هذا الأخير ليحل محل عباس، عجز الأعضاء عن اتخاذ القرار لأكثر من شهر، وانتهى بهم المطاف في اختيار اشتية مرشحًا توافقيًا.
تجدر الملاحظة أن اشتية كان عضوًا في اللجنة المركزية لحركة "فتح" منذ 2009، لكنه لم يتقدم في مناصبه وفق المسارين السياسي أو الأمني المعتادين. وإذ كان أكاديميًا سابقًا، سطع نجمه بعدما تولى عددًا من المناصب التقنية على المستوى الوزاري ضمن "السلطة الفلسطينية". كما شارك في المفاوضات مع إسرائيل بدءًا بمؤتمر مدريد في 1991 ولغاية 2013. وبفضل هذه المناصب برز اسمه في دوائر الحكم والدوائر الدبلوماسية، لكنه لم يؤسس قاعدة قوية قط، لذا يعتبره أعضاء اللجنة الآخرون أحد المنافسين الذين يطرحون التهديد الأقل لهم.
مع ذلك، اعترضت بعض فصائل اللجنة المركزية لحركة "فتح" على تعيينه رئيسًا للوزراء، خشية أن يحولّه هذا المنصب إلى مرشح جدير بالخلافة. وقد تمّ تخطي هذه الاعتراضات في نهاية المطاف بعد استنفاد البدائل الأخرى، لكن النتيجة النهائية تتمثل في أن اشتية لن يتمكن من التعويل على دعم متين من "فتح". والأرجح أن تبقى ديناميكيات الخلافة مهيمنة على السياسة الفلسطينية، في وقت سيحاول فيه زملاؤه السابقون الحدّ من صلاحياته.
العلاقات مع "حماس"
يعتبر تعيين اشتية تصعيدًا آخر في الصراع القائم بين "حماس" و"السلطة الفلسطينية"، حيث تصر "فتح" على تنصيب أحد أعضاء لجنتها، ما دفع بحركة "حماس" إلى رفض هذه الخطوة وإعلان أنها "لن تعترف بهذه الحكومة الانفصالية".
غير أنه في الوقت نفسه، لم تصدر عن "حماس" أي إشارة إلى احتمال اعتراضها على هذا القرار بشكل عملي وكيفية قيامها بذلك. فقدرتها على تشكيل حكومة خاصة بها أو اتخاذ تدابير ملموسة أخرى مقيّدة، ومن شأن خطوات مماثلة أن تدفع بـ"السلطة الفلسطينية" إلى اتخاذ تدابير تأديبية بحقها - على سبيل المثال وقف كافة المدفوعات إلى قطاع غزة، وهي خطوة تهدد "السلطة الفلسطينية" بتطبيقها أساسًا ردًا على نزاعات أخرى. وناهيك عن التداعيات الكارثية التي سيخلفها هذا السيناريو على اقتصاد غزة، سيقوض أيضًا مساعي مصر الرامية إلى إرساء الأمن والاستقرار المالي في القطاع. فالقاهرة مستاءة جدًا من عباس، وكانت تتعامل فعليًا مع "حماس" بشأن عدد من المسائل الخاصة بغزة، لكنها لا تزال تعتبر "السلطة الفلسطينية" الجهة الشرعية للعلاقات الفلسطينية. وبالتالي، من المستبعد أن تواصل السلطات المصرية جهودها التي تهدف إلى إرساء الاستقرار في حال أقامت "حماس" هياكل حكم خاصة بها.
وقد تكون احتمالات صدور ردود فعل سلبية عن "حماس" مناطة أيضًا بما إذا كانت حكومة اشتية ستضم فصائل أخرى من "منظمة التحرير الفلسطينية" إلى جانب "فتح". وكلما شملت الحكومة فصائل أقل، كلما ازدادت "حماس" جرأة. وحتى الآن، رفض أكبر فصيلين ضمن "منظمة التحرير الفلسطينية" – "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" و"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" – دعوة "فتح" للانضمام إلى الحكومة. وسيحاول اشتية استمالتهما مجددًا، إلى جانب فصائل أصغر حجمًا ضمن "منظمة التحرير". لكن، في حال فشل في ضم أي منها، ستزيد الحكومة الناشئة التي تضمّ حركة "فتح" فقط من عزم "حماس" في مسعاها لتحدي تفوق "فتح" في الحركة الوطنية الفلسطينية.
محافظ مهمة
إلى جانب الصراع السياسي، سيواجه اشتية ووزراؤه تحديات كبيرة على صعيد الحكم. فـ"السلطة الفلسطينية" تتخبط في أزمة مالية وسبق أن أعلنت عن اتخاذ عدة تدابير تقشف. كما أنه ورغم التنسيق القائم مع إسرائيل، فإن الوضع الأمني في الضفة الغربية والقدس آخذ في التدهور بشكل مطرد.
وللصمود في وجه التحدي الأول، سيكون من الأجدى لـ"السلطة الفلسطينية" إبقاء وزير المالية شكري بشارة في منصبه بعدما نجح في بناء سمعة مهنية إيجابية وعلاقات متينة مع نظيره الإسرائيلي ونظرائه الدوليين. فبالمقابل، إن غادر ولم يتمّ استبداله بشخصية معروفة، ستزداد جهود إرساء الاستقرار في الاقتصاد تعقيدًا.
أما في ما يخص التحدي الثاني، فيتمتع وزير الداخلية بسيطرة إسمية على جزء كبير من "قوات أمن السلطة الفلسطينية"، لكن السؤال المتعلق بالسيطرة الفعلية أكثر تعقيدًا. فقد احتفظ رئيس الوزراء المنتهية ولايته رامي الحمد الله بهذه المحفظة لنفسه عندما استلم السلطة، رغم أنه عمليًا كان عباس يتمتع بالسلطة الفعلية على "قوات أمن السلطة الفلسطينية". وكان كبار أعضاء اللجنة المركزية لحركة "فتح" مطمئنين إزاء اضطلاع الحمد الله بهذا الدور المزدوج، إلا أنه من المستبعد أن يقبلوا بأن يتولى أحد من بينهم الإشراف على هذه الوزارة المهمة مع توليه في الوقت نفسه منصب رئيس الوزراء.
وبناء على ذلك، فقد بدأ التنافس على هذه المحفظة قبل اختيار رئيس الوزراء بفترة طويلة. وكان من المتوقع أن تشهد "قوات أمن السلطة الفلسطينية" إعادة تنظيم كبرى في الأسابيع القليلة الماضية، كما أن بعض القادة الأمنيين – ولا سيما مدير عام الشرطة حازم عطاالله – أعربوا عن رغبتهم في أن يتولوا حقيبة الداخلية. ومن شأن تعيين أحد ضباط "قوات أمن السلطة الفلسطينية" أن يعزز الوزارة ويحسن أداء العناصر الأمنيين ويساهم ربما في إخضاع هذه القوات لسلطة الوزارة بدلًا من الرئيس كما ينص عليه "القانون الأساسي" الفلسطيني. لكن ترقية ضابط أمن سابق قد يغير أيضًا ميزان القوى ضمن "قوات أمن السلطة الفلسطينية"، وهو أمر سيرفضه بدون شك الضباط الأمنيون الآخرون وأعضاء اللجنة المركزية لحركة "فتح" الذين بنوا علاقات وطيدة معهم.
الخاتمة
لطالما سعت حركة "فتح" إلى تعيين أحد كبار أعضائها رئيسًا للوزراء، لكن تحقيق هذا الهدف مكلف. فعندما يستلم اشتية دوره الجديد، سيكون مقيدًا بديناميكيات الخلافة التي ستعيق عمله، وبشرخ متزايد مع "حماس"، وكذلك بظروف اقتصادية وأمنية متدهورة في الضفة الغربية. أما بالنسبة إلى العلاقات مع واشنطن، فقد رحب المبعوث الأمريكى للسلام جيسون غرينبلات علنًا بهذا التعيين الأخير، لكن من المرجح أن تمنع الوقائع السياسية اشتية من استئناف العلاقات مع الإدارة الأمريكية قريبًا.
غيث العمري هو زميل أقدم في معهد واشنطن وشارك في صياغة دراسة أجراها المعهد في 2018 بعنوان دولة بلا جيش، جيش بلا دولة: تطور قوات أمن السلطة الفلسطينية، 1994-2018