- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تحديد أسباب تفاؤل الأكراد حيال إدارة بايدن: العراق وسوريا
في مواجهة التهديدات التركية والإيرانية والإسلامية، يأمل الأكراد في العراق وسوريا في الحصول على دعم أمريكي أكثر مما تلقوه في ظل إدارة ترامب.
في وقت تستوعب فيه المنطقة فوز بايدن وتتصوّر السياسات الإقليمية التي ستنتهجها إدارة بايدن المقبلة، تنظر جماعة إثنية واحدة، الأكراد، نظرة متفائلة للغاية إلى هذا الفوز. فعمومًا، يعتقد العديد من الأكراد الأتراك والسوريين والعراقيين والإيرانيين أن الإدارة الجديدة ستعتمد سياسة خارجية أكثر إنصافًا تجاههم مدفوعةً بمعرفة قديمة بالشؤون الكردية، ما يعيد ثقة الأكراد بالولايات المتحدة.
وخلال السنوات الأربع الماضية، تسببت سياسات ترامب بمآسٍ مؤلمة للأكرد في المنطقة، بحيث فقدوا الأمان والنفوذ السياسي والأراضي. ويصف الكثير من الأكراد في المنطقة ترامب بأنه أسوأ رئيس أمريكي في ما يتعلق بالشؤون الكردية. وينبع قسم كبير من هذا الاستياء من الشعور بأن ترامب استغل الأكراد في معركته ضد تنظيم "داعش" في العراق وسوريا ومن ثم أدار لهم ظهره، وتركهم بمفردهم لمواجهة إيران والميليشيات الشيعية المعادية في العراق وتركيا وميليشيات المعارضة الإسلامية السورية.
غير أن التفاؤل الذي يحيط بالإدارة الجديدة– كما أظهرت سلسلة من المقابلات مع مسؤولين أكراد بارزين، سواء في الولايات المتحدة أو الشرق الأوسط– يحمل فرصة لقلب موازين هذه العلاقة المتدهورة بشكل كبير. فالعديد من المسؤولين السياسيين الأكراد يعتقدون أن ترابط المصالح الأمريكية بتلك الكردية قادر على ضمان استمرارية التزام الولايات المتحدة بصنع قرار استراتيجي يشدّد على توطيد العلاقات بين الأمريكيين والأكراد. لكن بايدن سيواجه أيضًا ضغوطًا من إيران والعناصر المعادية للولايات المتحدة في العراق وتركيا والجماعات الإسلامية المتطرفة. وتتشارك هذه الجهات الفاعلة هدف إحباط الدبلوماسية الأمريكية، وتقلق جميعها من استمرار التعاون الأمريكي-الكردي على صعيد الأمن في المنطقة والحرب ضد الإرهاب.
وتتمثل أكبر مخاوف هذه الجهات الفاعلة بمضي الولايات المتحدة وحلف "الناتو" قدمًا بمشروع لإقامة دولة كردية في العراق ومنح الأكراد حكمًا ذاتيًا في سوريا، وهي وقائع من شأنها أن تؤثر إلى حدّ كبير على قضية الأكراد في إيران وتركيا وسط منح الولايات المتحدة أدوات ضغط دبلوماسي ناعمة وقاسية قد تغيّر ديناميكيات القوة في المنطقة.
وفي حال قرر بايدن توطيد العلاقات مع حلفائه الأكراد، ما الذي يريده هؤلاء من الإدارة الجديدة؟ من شأن علاقة وطيدة بين الولايات المتحدة والأكراد في المنطقة أن تشمل خطوات محددة لكافة المجتمعات الكردية في المنطقة. إذ تحيط بيئات سياسية مختلفة بالمجتمعات الكردية تسود في العراق وسوريا وتركيا وإيران، وثمة فرص فريدة من نوعها لزيادة النفوذ الأمريكي في كل من هذه الأحوال.
العراق
في العراق، إن فرص التعاون مفتوحة حيث أن القادة الأكراد في كردستان العراق رحبوا بفوز بايدن. وبعد فوز بايدن غير الرسمي في عام 2020، غرّد زعيم "الحزب الديمقراطي الكردستاني" مسعود البرازاني "تهاني الحارة إليك، يا صديقي، الرئيس المنتخب جو بايدن بفوزك. آمل من صميم قلبي وأدعو أن يشهد العالم الحر في ظل قيادتك المزيد من السلام والإزدهار".
وسبب هذا الترحيب الحار واضح: لقد تكبّد "إقليم كردستان العراق" خسائر سياسية واقتصادية فادحة بعد استفتاء الاستقلال عام 2017، حيث صوتت نسبة 92 في المائة من نحو 3 ملايين كردي شاركوا فيه لصالح إقامة دولة كردية مستقلة. ومنذ ذلك الحين، شعر أكراد العراق أن إدارة ترامب أساءت معاملتهم، ما سمح لإيران وتركيا والحكومة الاتحادية العراقية والميليشيات الشيعية بضرب مواقع الأكراد والاستحواذ على أرضهم، ولا سيما في مدينة كركوك.
ويبحث أكراد العراق عن حلول لجدالات بين إربيل وبغداد حول إيرادات النفط وموازنة الحكومة العراقية، وهي جدالات جعلت "حكومة إقليم كردستان" عاجزة عن دفع رواتب موظفيها. وعلى نحو مماثل، تحتاج حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية العراقية إلى حلول للجدالات التي تدور بينهما حول "قوات البيشمركة" والأراضي المتنازع عليها والمادة 140 من الدستور العراقي. والأهم ربما أن أكراد العراق يأملون وضع حدّ لفرض الإيرانيين والأتراك المستمر تطلعات سياسية عليهم، بما في ذلك استمرار المناوشات التركية في حكومة الإقليم ضد "حزب العمال الكردستاني".
فأكراد العراق متفائلون حيال تأييد بايدن لإعادة العمل بالاتفاق العراقي-الكردي الموقّع عام 2014 حيث اتفق الطرفان على "إدارة مشتركة للملف الأمني بين "قوات البيشمركة" الكردية والقوات العراقية في المناطق المتنازع عليها وطرد "قوات الحشد الشعبي" من هذه المناطق". علاوةً على ذلك، يرى القادة الأكراد أن السياسة التقليدية الأمريكية القائمة على إرغام الأكراد على العمل مع حكومة بغداد في إطار النظام العراقي هي سياسة فاشلة وغير منطقية تساهم في بسط سيطرة إيران على جوانب عديدة من الحياة السياسية العراقية. وقد عنت هذه التوترات وغياب فعالية الحكم العراقي الناتج عنها عودة تنظيم "داعش" والإرهاب.
وفي هذه المرحلة، يمكن للهيكلية السياسية الكردية العراقية مساعدة إدارة بايدن على قيادة دفة النظام الاتحادي المتأرجح في البلاد. ولا يمكن للولايات المتحدة التعويل على العديد من أقوى القادة الشيعة للخروج عن النفوذ الإيراني في البلاد ودعم المصالح الأمريكية. فتجديد الدعم "لإقليم كردستان العراق" وزيادة الشراكات والتحالفات بين الإقليم والولايات المتحدة من شأنهما المساهمة في التصدي للنفوذ الإيراني الذي اخترق النظام الاتحادي العراقي.
وستتطلب هذه العملية تعزيز الديمقراطية والحكم الجيد وتطوير البنية التحتية والتنمية الاقتصادية في إقليم كردستان بهدف الحدّ من نفوذ إيران وتركيا والمشرعين الموالين لطهران في بغداد. كذلك، سيكون جيش كردي وطني من البيشمركة من الأصول القيّمة لمواجهة التهديدات الأمنية القائمة في العراق، بما فيها الإرهاب، و"قوات الحشد الشعبي" وإيران. وستكون قوة مماثلة قوة شريكة لحلف "الناتو" والولايات المتحدة في العراق من أجل التصدي للمخاطر الأمنية وحماية المصالح المشتركة خلال حقبة من النفوذ الإيراني والاضطرابات في العراق.
سوريا
ترك فوز بايدن أصداء جيدة على أكراد سوريا الذين يعتبرون أن هذا الفوز هو هدية من الله والناخبين الأمريكيين لتعزيز الديمقراطية في سوريا وفي المنطقة.
فقد كانت سياسات إدارة ترامب في سوريا لصالح تركيا عمومًا– وأبرزها الانسحاب الأمريكي من سوريا بعد دحر تنظيم "داعش". وسمح الفراغ الناتج لقوات أردوغان بدخول سوريا حيث واصلوا ارتكاب جرائم حرب ضد الأكراد. وصحيح أن إدارة ترامب حاولت الضغط على الأكراد للخضوع لاحتلال تركيا لمناطقهم والانضمام إلى الميليشيا المعارضة الإسلامية من أجل محاربة النظام، إلا أن هذه السياسة لم تساهم سوى في تقليص النفوذ الأمريكي في سوريا، وعززت التعاون الروسي-التركي-الإيراني ضد أكراد سوريا وقضت على تطلعات الأكراد بالحكم الذاتي.
وفي الآونة الأخيرة، ازدادت التهديدات ضد أكراد سوريا، وهذه التهديدات تشكّل في الوقت نفسه مصدر خطر على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. فقد زادت تركيا والميليشيات الإسلامية المتحالفة معها تعاونها مع روسيا في المناطق الحدودية شمال شرق سوريا. كما أن التطرف الإسلامي ضمن القوات المعارضة السورية بقيادة جماعة "الإخوان المسلمين" أدى إلى اندلاع تظاهرات في إدلب لرفض الديمقراطية الأمريكية وإعلان الخلافة الإسلامية في سوريا. هذا وزادت خلايا "داعش" نشاطها وواصلت هجماتها الإرهابية في سوريا.
وخلال مقابلة مع الكاتب، شرح قائد "قوات سوريا الديمقراطية" الجنرال مظلوم عبدي وجهة نظر قواته بفوز بايدن وما الذي تأمل الحصول عليه من الإدارة المقبلة، فقال "لا يزال تنظيم "داعش" التهديد الأكبر للمنطقة والعالم. ولديه مخيمات تدريب في مناطق نفوذ النظام السوري والصحراء العراقية. كما أنه يملك الكثير من الأموال لتجنيد مقاتلين. علينا حسم المعركة ضد الإرهاب. ولاختتام ما بدأناه بنجاح، على الولايات المتحدة مضاعفة عدد قواتها هنا. نتوقع من إدارة بايدن أن تحافظ على الوجود العسكري للتحالف الدولي في مناطقنا إلى حين التوصل إلى حل سياسي يرسي الاستقرار في شمال شرق سوريا بشكل خاص، وفي كل سوريا بشكل عام. سنعمل على تعزيز علاقاتنا السياسية والعسكرية مع إدارة الرئيس. فمنطقتنا بحاجة إلى إدارة تساعدها على تخفيف التصعيد والعودة إلى الدبلوماسية والعلاقات والحلول السياسية".
ففي سوريا، تُعتبر إقامة شراكة وتحالف قويين مع الولايات المتحدة وحلفائها ضرورية للأكراد الذين يسعون إلى تنفيذ مشروع يعتمد على الدبلوماسية الأمريكية لتوحيد أكراد البلاد وزيادة الوجود العسكري للتحالف الدولي شمال شرق سوريا. وستكون شراكة معززة مماثلة مفيدة لضمان المصالح الأمنية والسياسية المشتركة في سوريا. فتدريب مقاتلين أكراد على تكتيكات عسكرية وتزويدهم بالأسلحة الفعالة ومساعدتهم لبناء قدراتهم لإقامة إقليم اتحادي يحقق الاستقرار والنمو والسلام، هي كلها مشاريع نحو توفير بيئة أكثر انفتاحًا واستجابةً للمصالح الأمريكية في سوريا. فإقليم إداري كردي يتمتع بقدرات عسكرية وبتجهيزات جيدة يمنع أيضًا عودة "داعش" والإرهاب وسط وضع عراقيل أمام توسّع إيران ونظام الأسد وموسكو وتركيا فيه.
في هذا السياق، تحدث حسن صالح، قيادي من "حزب يكيتي الكردستاني الحُرّ"، أيضًا عن التقاء المصالح الاستراتيجية الأمريكية والكردية في سوريا: "يتطلع الشعب الكردستاني السوري إلى استلام الرئيس جو بايدن للسلطة معلقين آمالًا كبيرة عليه بعدما خذل ترامب الأكراد وأنكر تضحيات المقاتلين الأكراد الذين ألحقوا هزيمة نكراء بتنظيم "داعش" في معركة باغوز. وقد منحت [إدارة ترامب] الضوء الأخضر إلى تركيا ومرتزقتها من المعارضة لاحتلال سري كاني (رأس العين) وكري سبي (تل أبيض)، وقبل ذلك، احتلت [القوات التركية أو المتحالفة مع تركيا] عفرين وعملت على التتريك والتعريب وإحداث تغيير ديمغرافي. فمصلحة أمريكا تتماشى مع مصالح وتطلعات شعبنا الكردي لجهة قبول الديمقراطية والاعتدال ومواجهة الإرهاب وتدخل إيران وتركيا في شؤون سوريا الداخلية. وهي مصالح تلتقي أيضًا على صعيد بناء سوريا جديدة. فما من حل يضمن مستقبلًا آمنًا في سوريا إلا بناء بلد اتحادي برلماني وتعددي يحترم مشيئة شعبه ويمنع صعود الإرهاب والتطرف الديني. إن شعبنا الكردي يتطلع إلى "إقليم كردستان سوريا" اتحادي لحمايته من القمع والإبادة والمساهمة في تعزيز سيادة واستقرار كردستان العراق، ما يقطع بالتالي الطريق على التدخل والطموحات الإيرانية بالوصول إلى العمق السوري، وكذلك الطموحات التركية. وستساهم سوريا اتحادية في ضمان الأمن والاستقرار، وتحقيق السلام وحل مسألة الصراع العربي-الإسرائيلي".
ولسوء الحظ، وسط استمرار التهديدات التركية وجرائم الحرب التي ترتكبها الميليشيات المعارضة الإسلامية المدعومة من تركيا، سيصعب على الولايات المتحدة انتهاج سياسة أكثر انخراطًا في سوريا. ونتيجةً لذلك، سيحتاج الحلفاء الأكراد إلى دعم أمريكي أكبر للانتقال إلى موقع الهجوم وإضعاف الميليشيات الإسلامية وسط الاستفادة من الانسحابات التركية في الآونة الأخيرة من المنطقة.
غير أن المكاسب الناتجة عن هذه الجهود قد تكون كبيرة. ففي ظل تراجع الوجود التركي شمال شرق سوريا، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها الأكراد البدء بإعادة هيكلة القوات الكردية وإرساء الاستقرار على صعيد سيطرة الأكراد إداريًا على الإقليم مع محاربة التنظيمات الإرهابية في الوقت نفسه.