- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تهديدات بحجب موقع "إنستغرام" في إيران: تحليل مشهد الإنترنت في إيران
هددت الإدارة المحافظة الإيرانية بحظر إحدى منصات التواصل الاجتماعي الأخيرة التي لا تزال متاحة في البلاد، في إشارة إلى الانتقال إلى رقابة إعلامية أكثر تشدداََ.
سعت الإدارة المحافظة في إيران إلى حظر إحدى منصات التواصل الاجتماعي الأخيرة التي تزال متاحة في البلاد وهي "موقع إنستغرام". ورغم هذا التهديد، من المستبعد أن يؤثر هذا الحظر على البيئة الإعلامية. ونظرًا إلى استعمال مواقع الشبكة الاجتماعية على نطاق واسع من قبل السياسيين الإيرانيين والاستخدام المكثف للشبكات الخاصة الافتراضية وغيرها من تقنيات التحايل، سيواصل الإيرانيون استخدام موقع "إنستغرام" أو يضطرون إلى استعمال المواقع المحلية الموازية. وكما ورد في تقرير "المجلس الوطني الإيراني الأمريكي" لآب/أغسطس 2021، فإن العقوبات الأمريكية تسهل على الحكومة فرض رقابة على شعبها ومراقبته وقمعه من خلال حظر النفاذ إلى خدمات الإنترنت الرئيسية ومنصاتها وأدواتها. فحظر المنصات لا يضر سوى بالمدنيين ويشجع إيران على تطوير خدماتها المحلية الخاصة، ما يزيد عزلة المستخدمين عن العالم الخارجي ويسمح للدولة بفرض رقابة أكثر صرامةً.
التكنولوجيا الإيرانية وبيئة وسائل التواصل الاجتماعي
يتألف المشهد الإعلامي الإيراني من فرعين مثيرين للاهتمام هما الاستعمال المكثف والنفاذ المحدود. فعام 1993، أصبحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية إحدى أولى دول الشرق الأوسط المتصلة بالإنترنت. ومنذ ذلك الحين، شهدت البلاد ارتفاعًا سريعًا في الاتصال بالإنترنت مع وصول معدل النفاذ إلى الإنترنت إلى 70 في المائة. ومن بين عشرات ملايين المستخدمين هؤلاء، يُعتبر موقع "إنستغرام" منصة التواصل الاجتماعي الأكثر شعبية إلى حدّ كبير، ويعزى ذلك جزئيًا إلى عدم وجود الكثير من البدائل المنافسة. فتقديرات الشهر الفائت تشير إلى أن 69 في المائة من الإيرانيين يستخدمون "إنستغرام"، بالمقارنة مع نسبة 11 في المائة تقريبًا من مستخدمي "تويتر" ونحو 18 في المائة من مستخدمي "فيسبوك" – وهما موقعان تمّ حجبهما تقنيًا اعتبارًا من العام 2009. وبحلول العام 2018، كانت إيران أساسًا تحتل المرتبة السابعة عالميًا من حيث عدد مستخدمي "إنستغرام". وخلال جائحة فيروس كورونا المستجد، انتشر استخدام "إنستغرام" أكثر في أنحاء البلاد إذ بدأت أكثر من 190 ألف شركة تعمل عبر الإنترنت خلال العام الفائت.
ورغم مستويات المعرفة التقنية المرتفعة التي تملكها، لا تزال إيران من الدول الأكثر فرضًا للقيود في العالم لجهة حرية الإنترنت. ورغم أن الحكومة أحكمت تاريخيًا قبضتها على المشهد الإعلامي في البلاد، ازدادت القيود المفروضة بشكل كبير بعد الانتخابات الرئاسية التي أثارت جدلًا عام 2009. وفي أعقاب ذلك، حجبت السلطات موقع "تويتر" و"فيسبوك" ومنصات رائجة أخرى. وبعد رفض شبه تام للتطبيقات الأجنبية، لا يزال موقع "إنستغرام" إحدى المنصات غير المحظرة رسميًا، رغم حظرها بشكل مؤقت عام 2014. وبعد مرور عقد، قطعت الحكومة الإنترنت بشكل شبه كامل ردًا على احتجاجات تشرين الثاني/نوفمبر 2019، فعزلت البلاد عن التواصل الدولي لنحو أسبوع.
يُذكر أن المحاولات الراهنة لحظر موقع "إنستغرام" لا تضر بالطبقة العادية من الإيرانيين الذين يسعون إلى كسب رزقهم فحسب؛ بل تثير هذه الجهود أيضًا أسئلة مهمة حول سياسة إيران التكنولوجية، بما فيها الخصوصية والرقابة والنفاذ إلى وسائل الإعلام. ويزعم المسؤولون أن منصات على غرار "إنستغرام" تفسد الإيرانيين من خلال عرض محتوى أجنبي فاسق وغير أخلاقي. وبعد الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2021، أقر البرلمان قانونًا جديدًا يحظر النفاذ إلى الإنترنت، ما هدد قطاع التجارة الإلكترونية الذي ازدهر على موقع "إنستغرام" خلال الجائحة. لكن حجب هذا الموقع سيجعل الحكومة تسعى إلى تطوير تطبيقاتها المحلية ويشير إلى خطوة إضافية تجاه إقامة إنترنت سيادية شبيهة بمعقل الصين للبنية التحتية الخاصة بالشبكة.
وللمفارقة، يُعتبر المسؤولون الإيرانيون البارزون مستخدمين ناشطين للخدمات نفسها التي يدينونها ويزدرون بها؛ فالرئيس السابق حسن روحاني لديه أكثر من 2.2 مليون متابع على موقعي "إنستغرام" و"تويتر"، كما أن حساب المرشد الأعلى @khameini_ir يضمّ أكثر من 3.6 ملايين متابع.
القيود على وسائل الإعلام وفرض رقابة عليها ومراقبتها
تُعتبر إيران مثالًا على خطر مساواة الاتصال بالإنترنت بالقيم الديمقراطية الخاصة بالإعلام الحر والمستقل. وفي حين يمكن حتمًا لتكنولوجيا الإنترنت إثارة جدال عام محتدم وتعزيز مجتمع مدني سليم، بإمكان القادة المستبدين الاستفادة من التكنولوجيا نفسها المستخدمة في ظل ظروف قمعية لأغراض القمع والمراقبة والرقابة. وبدلًا من رسم صورة مثالية للإنترنت باعتبارها مصدر تدفق حر للمعلومات الدولية، لا بدّ من إيلاء أهمية للقيود الصارمة المفروضة على وسائل الإعلام في الحكومات المستبدة، كذلك يجب على الحكومة الأمريكية والجهات الفاعلة الدولية بذل جهود لرأب الصدع الرقمي الذي يهدد الشبكة العالمية.
ولسوء الحظ، أحجمت معظم شركات التكنولوجيا الرئيسية عن دعم التطبيقات والبرمجيات التي طورها إيرانيون خشية انتهاك العقوبات، ما يكبح القدرة الهندسية الضخمة للمجتمع الإيراني. فسوق تطبيقات "آبل" و"غوغل" غير متاح في إيران، ما يمنع الإيرانيين من استخدام البرمجيات العالمية ويرغمهم على استخدام النسخ المطورة محليًا. وكانت "آبل" بدأت بحذف تطبيقات المطورين الإيرانيين من متجر تطبيقاتها عام 2017، وحظّرت إيران بالكامل من متجر "آب ستور" عام 2018. ومن التطبيقات البديلة المحلية الإيرانية نذكر Sib (“Apple”) – الشبيه بمتجر تطبيقات "آبل" الذي يحمل شعار التفاحة – فضلًا عن منصة مشاركة الفيديوهات الرائجة "آبارات" الشبيهة بموقع "يوتيوب".
غير أن الشباب الإيراني الضليع بالتكنولوجيا مبتكر وبارع وإبداعي في تكتيكات التحايل علىالرقابة. ويركز معظم الاهتمام حول كيفية التفاف الإيرانيين على قيود الإنترنت، وعلى استخدام الشبكات الخاصة الافتراضية، مع العلم أن تكتيكات أخرى تستوجب الانتباه والتمويل المستمر من حكومة الولايات المتحدة. وتستفيد شركة "سايفون" الكندية للبرمجيات الهادفة إلى تجاوز حجب الإنترنت من تمويل أمريكي ورخصة من وزارة الخزانة. ففي كانون الثاني/يناير 2020، أفادت "سايفون" عن زيادة بنسبة 25 في المائة في معدل استخدام الإنترنت في إيران حيث تجاوز عدد المستخدمين الثلاثة ملايين.
وتتمثل استراتيجية أخرى في توجيه حركة الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية وغيرها من وسائل الاتصالات، ما يوفّر في أغلب الأحيان رزم محتوى منتظمة للمستخدمين تنطوي على أخبار وإعلام وملفات أخرى. على سبيل المثال، تساعد خدمات على غرار "توشيه" التي أطلقها مهدي يحياني نجاد الإيرانيين على تجاوز الرقابة من خلال إشارات الأقمار الاصطناعية. ويمكن لحل إشارة القمر الاصطناعي البسيطة تمكين الإيرانيين في المناطق البعيدة أو الفقيرة في البلاد حتى من الحصول على رزم يومية من المعلومات المتوافرة على الإنترنت عبر وسائل بديلة.
وعلى نحو مماثل، تسمح الحسابات المجمّعة التي تجمع المعلومات وتنشرها للإيرانيين بالتحايل على القيود والاطلاع على المعلومات المحظورة في الحالات التي يعجزون فيها عن النفاذ إلى المحتوى بشكل مباشر. وتجمع قناة "تويتر فارسي" على "تلغرام" تغريدات وتقارير فارسية حول القناة المشفرة، ما يسمح لأكثر من 500 ألف مشترك بالنفاذ إلى هذه المناقشات المحظورة.
وتُظهر أساليب الالتفاف هذه بوضوح أنه حتى ولو تمّ حظر "إنستغرام"، سيواصل الإيرانيون النفاذ إلى الخدمات تمامًا كما فعلوا مع "فيسبوك" و"تويتر" و"تلغرام". وغالبَا ما يحصل هذا الالتفاف بمساعدة خارجية، ولهذا السبب على واشنطن مواصلة تمويلها لتحسين السرية والحرية الرقمية والنفاذ.
مع ذلك، من شأن صعود شبكة إنترنت سيادية ومراقبة في إيران أن يثير مخاوف جدية. ويتعين على حكومة الولايات المتحدة العمل على ضمان التمويل المستدام لمساعي تزويد الإيرانيين بالنفاذ. وعلى رغم مخاطر إساءة الاستعمال، تبقى منصات التواصل الاجتماعي أهم أماكن التعبير العلني والتواصل الدولي والدبلوماسية. ولا بدّ من بذل الجهود للحفاظ على النفاذ ومنع أي إغلاق في المستقبل كالذي حصل في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 و2020. وعلى الحكومة الأمريكية أن تشجع بشكل خاص شركات التكنولوجيا للعمل مع المطورين الإيرانيين الممنوعين حاليًا من طرح تطبيقاتهم في أسواق رئيسية على غرار "غوغل" و"آبل". كذلك، يجب أن تدعم واشنطن الشراكات والتعاون لتحسين الدبلوماسية وتشكيل فرق عابرة للحدود الوطنية يمكنها معالجة مشاكل عالمية كانتشار جائحة كورونا التي تهدّد الأمن القومي والصحة العامة في كافة الدول القومية.
إلى ذلك، توفر المعلومات عن الاستخدام الإيراني لوسائل التواصل الاجتماعي معطيات قيّمة عن بلد معزول عن تحليل السياسة. ويتمثل البديل لترويج حكومة الولايات المتحدة للنفاذ إلى الإنترنت في تطوير بدائل محلية متشددة تشبه على نحو متزايد البيئة الإعلامية المعزولة حاليًا في الصين. وبالتحديد نظرًا إلى أن بيانات وسائل التواصل الاجتماعي تُعتبر مصدرًا حيويًا لإيصال المعلومات في سياقات قمعية، يتوجب إبقاء هذه القنوات مفتوحة.