- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تحليل السرديات المتعلقة بالمقاطعة الغربية والبطالة في الأردن
نظرًا للطبيعة المشحونة سياسيًا لهذه المسألة والطرق، من المهم تقييم أحدث أرقام البطالة بدقة، والنظر بشكل خاص إلى هذه البيانات الأخيرة في السياق العام للاقتصاد الأردني خلال السنوات القليلة الماضية.
أعلنت دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، في تقريرها الربعي الأول لهذا العام، أن معدل البطالة في البلاد بلغ 21.4 في المئة، محافظا على نفس معدل الربع السابق ومسجلاً انخفاضًا بمقدار 0.5 نقطة عن الربع الأول من العام السابق. وعلى الرغم من أن ذلك يمثل انخفاضًا طفيفًا في معدل البطالة، أحدث التقرير ضجة كبيرة في وسائل الإعلام المحلية فيما يتعلق بسياق الحرب في غزة، وأثار نقاشًا حادًا حول مدى تأثير مقاطعة المنتجات الغربية على الاقتصاد الأردني.
منذ بداية الحرب في غزة، ظهرت حملة مقاطعة الشركات والمنتجات الغربية التي يُنظر إليها على أنها متواطئة أو داعمة لإسرائيل في جميع أنحاء العالم العربي وفي أماكن أخرى من العالم. وفي الأردن، وجد استطلاع مركز نماء للاستشارات الاستراتيجية في أيار/مايو 2024 أن 83.1 في المئة من الأردنيين يقاطعون حاليًا المنتجات بسبب الحرب في غزة، مقارنة بـ81.3 في المئة عند سؤالهم في تشرين الثاني/نوفمبر 2023. وهذا الاتجاه وعلاقته بالعافية الاقتصادية العامة للأردن، والذي دائمًا يعد موضوع نقاش رئيسي، أدى إلى تفسيرات مختلفة لبيانات البطالة الأخيرة.
وفي حين أن البعض يواصل التحذير من التأثير السلبي لحملات المقاطعة على الاقتصاد الأردني ولا سيما على البطالة، رحّب آخرون بنتائج تقرير دائرة الإحصاءات العامة الأردنية كدليل على نجاح الحملة، باعتبارهم أنه، حتى لو أغلقت الكثير من الشركات الغربية أبوابها بشكل مؤقت أو دائم في الأشهر الأخيرة، إلا أن أرقام دائرة الإحصاءات العامة تُظهر أن المصانع والشركات المحلية دخلت إلى هذه الأسواق ووظفت الأردنيين الذين تم تسريحهم.
ونظرًا للطبيعة المشحونة سياسيًا لهذه المسألة والطرق التي فسَّرت بها مختلف الأطراف البيانات، من المهم تقييم أحدث أرقام البطالة بدقة، والنظر بشكل خاص إلى هذه البيانات الأخيرة في السياق العام للاقتصاد الأردني خلال السنوات القليلة الماضية. عند توسيع نطاق النقاش حول هذه المسألة، تسلط هذه الأرقام الضوء على أن عملية التعافي الاقتصادي المستمرة من جائحة فايروس كورونا (كوفيد-19) قد تكون مهمة بالقدر عينه أو حتى أكثر أهمية لناحية التأثير على معدل البطالة في الأردن، فيما تشير علامات مثيرة للقلق إلى أن بعض الفئات المستضعفة اقتصادياً في الأردن قد تأثرت سلبًا في الواقع.
التعافي الاقتصادي ما بعد جائحة فايروس كورونا
أولًا، لا يمكن فصل الوضع الاقتصادي الحالي للأردن عن الآثار المستمرة لجائحة فايروس كورونا، والتي أثبتت تأثيرها المدمر على الاقتصاد الأردني. تُظهر إحصائيات دائرة الإحصاءات العامة الأردنية ارتفاعًا حادًا في معدل البطالة من 19 في المئة في الربع الرابع من عام 2019 إلى أعلى مستوى مسجل بلغ 25 في المئة في الربع الأول من عام 2021 خلال جائحة فايروس كورونا. وفي الفترة التي واجه فيها الكثير من الأردنيين صعوبات مالية كبيرة، كان من الممكن أن يكون معدل البطالة أعلى لو لم تصدر الحكومة الأردنية أمر الدفاع رقم 6 لعام 2020، والذي ساهم، من بين جملة أمور أخرى، في حماية العمال من التخفيضات الكبيرة في الأجور أو الفصل التعسفي. لكن منذ أن رفعت الحكومة إجراءات الحظر الشامل في الربع الثالث من عام 2021، إيذانًا ببداية مرحلة التعافي الاقتصادي، شهدت البلاد انخفاضًا بنسبة 1.8 نقطة مئوية في نسب البطالة.
منذ بداية فترة التعافي هذه، يبدو أن الأردن كان بالفعل يسير على الطريق الصحيح من حيث إعادة معدل البطالة في البلاد تدريجيًا إلى مستويات ما قبل الجائحة، حيث انخفضت معلات البطالة بمعدل بلغ 0.5 نقطة مئوية من ربع إلى آخر بين الربع الثالث من عام 2021 والربع الثالث من عام 2023. وانعكس هذا الانخفاض أيضاً على تفاؤل الأردنيين في الوضع الاقتصادي العام للبلاد، كما يظهر في الاستطلاع الوطني الذي نفذَّه مركز نماء في أيار/مايو 2024، حيث وصف 34 في المئة من الأردنيين الوضع الاقتصادي في البلاد بأنه "جيد جدًا" أو "جيد إلى حد ما"، ما يمثل زيادة قدرها 7 نقاط مئوية عن نسبة 27 في المئة التي سجلها مركز نماء في استطلاع قبل عامين.
خسارة الوظائف لدى الفئات المستضعفة
تُظهر بعض الأدلة أن المقاطعة أدت إلى خسائر في الوظائف داخل الأردن. فقد حذر المرصد العمالي الأردني في تشرين الثاني/نوفمبر من أن 15 ألف عامل أردني معرضون لخطر خسارة وظائفهم. وتشير التقارير إلى أن قطاعَي السياحة والخدمات شهدا تراجعًا في الطلب خلال الأشهر القليلة الماضية، ما انعكس سلبًا على الأمن الوظيفي. وقد أعلنت وزارة السياحة والآثار الأردنية عن انخفاض بنسبة 1.6 في المئة في إجمالي عدد العاملين في قطاع السياحة والضيافة بنهاية الربع الأول من عام 2024. وعلى وجه التحديد، سُجل انخفاض بنسبة 2 في المئة في إجمالي عدد العاملين في الفنادق، مقابل انخفاض بنسبة 2.6 في المئة لدى العاملين في المكاتب السياحية، وانخفاض بنسبة 2.2 في المئة لدى العاملين في المطاعم السياحية.
وبينما لا توجد تقارير شاملة توضح العدد الإجمالي الفعلي للأفراد الذين خسروا وظائفهم بسبب حملات المقاطعة، تشير تقديرات مدير المرصد العمالي الأردني أحمد عوض إلى أن العدد قد يصل إلى خمسة عشر ألف أردني. ويبدو أن المؤشرات القطاعية تؤكد صحة هذه التقديرات، حيث يشير تقرير وزارة السياحة للربع الأول من عام 2024 إلى أن إيرادات مطاعم الوجبات السريعة شهدت انخفاضًا بنسبة 85 في المئة بسبب المقاطعة. وعلى الرغم من أن معدل البطالة انخفض بنسبة 0.5 في المئة خلال الإثني عشرَ شهراً الماضية، لربما كان المعدل سينخفض بشكل أكثر لو لم تكن حملات المقاطعة واسعة النطاق إلى هذا الحد. وحتى الآن، لا تتناول أي دراسات مدى قيام المصانع والشركات المحلية بتوظيف الأردنيين الذين خسروا وظائفهم بسبب حملات المقاطعة، ولكن فيما أشار البعض إلى تقرير دائرة الإحصاءات العامة الأردنية كدليل غير مباشر على نمو الوظائف استجابةً للمقاطعة، تشير التقارير المتناقلة إلى أن الكثير من المؤسسات الأردنية المحلية استجابت للطبيعة المتغيرة للعرض والطلب في القوى العاملة إما عن طريق خفض رواتب موظفيها الحاليين أو من خلال زيادة ساعات العمل لتلبية الطلب المتزايد على منتجاتها.
تثبت أرقام دائرة الإحصاءات العامة الأردنية مصداقية هذه الفرضية. فعند تحليل ومقارنة المستوى التعليمي للأفراد العاملين في الربع الأول من عام 2024 مقابل الربع الرابع من عام 2023، سُجل انخفاض بنسبة 1.5 نقطة مئوية في عدد العاملين من حملة الشهادة الثانوية فما دون، مما يشير إلى أن حملات المقاطعة انعكست بالفعل سلبًا على آفاق العمل لدى الأفراد ذوي التحصيل التعليمي المنخفض، الذين لا يحظون بوافر من الفرص في الاقتصاد الأردني القائم على الخدمات. وبما أن الكثير من سلاسل مطاعم الوجبات السريعة ومعارض البيع الغربية تشهد انخفاضًا حادًا في الطلب، فإن الأفراد ذوي التحصيل التعليمي المنخفض معرضون أكثر لخطري الفصل من العمل أو تخفيض الأجور، وتحديدا لأن نسبتهم إلى أولئك الحاصلين على تعليم عالٍ تبلغ 2 مقابل 1. وتصبح هذه النسبة 3 مقابل 1 في القطاعات الداعمة، مثل النقل والتوصيل، والتي لم تتأثر بالمقاطعة فحسب، بل تم استهدافها أيضًا بحملات المقاطعة. فقد حثت الحملات الأخيرة الأردنيين على مقاطعة شركة طلبات، إحدى أكبر شركات توصيل الطعام في الأردن، والتي قدمت لآلاف من الشباب الأردني شريان حياة هم في أمس الحاجة إليه في وقت تتقلص فيه الفرص المتاحة لهم، الأمر الذي يضعهم في وضع اقتصادي أكثر هشاشة في بلد يفتقر إلى شبكة أمان اجتماعي مناسبة.
وكذلك، أشارت استطلاعات الرأي التي نفذها مركز نماء إلى أن هذا هو الواقع المؤسف. فعلى الرغم من الزيادة المتواضعة في عدد الأردنيين الذين ينظرون بشكل إيجابي للاقتصاد، إلا أن هناك زيادة فعلية في نسبة الأردنيين الذين يصفون ظروف أسرهم المالية بأنهم "غير قادرين على تغطية نفقاتهم المنزلية ويواجهون صعوبات في تلبية احتياجاتهم"، من 64.3 في المئة في استطلاع مركز نماء في آب/أغسطس 2023 إلى 70.3 في المئة في أيار/مايو 2024. وعند التحليل من حيث التحصيل العلمي، فإن أكثر من ثلاثة أرباع أولئك الذين أفادوا بذلك الوصف هم من حملة الشهادات الثانوية فما دون. ويشير استطلاع مركز نماء أيضًا إلى مستوى مقلق من انعدام الأمن الاقتصادي لدى النساء، حيث أن 54 في المئة من الأردنيين الذين تحدثوا عن صعوبات في تغطية نفقاتهم كانوا من النساء، وهو ما يتطابق مع بيانات دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، والتي تشير إلى ارتفاع ملحوظ ومقلق في معدل البطالة بين النساء، والذي ارتفع بمقدار خمس نقاط مئوية بين الربع الرابع من العام الماضي والربع الأول من العام الحالي.
الخاتمة – المقاطعة كشكل من أشكال المشاركة السياسية
يكشف تحليل معمق لنسبة الأردنيين الذين قالوا أنهم يقاطعون حالياً المنتجات بسبب النزاع في غزة عن توجهات مشابهة لأنماط مشاركتهم السياسية. فقد وجد استطلاع للرأي نفذه مركز نماء عام 2022 أن الأردنيين يميلون إلى الانخراط سياسيًا بنفس مشابه تماماً لمشاركتهم في الفعاليات الاجتماعية. ففي حين تبدو مشاركتهم السياسية مدنية، إلا أنها في الحقيقة مدفوعة بهويات ديموغرافية غير اختيارية، حيث تكون التكاليف الاجتماعية المرتبطة بالمشاركة، أو الامتناع عن المشاركة، ذات أهمية قصوى. وكذلك، يبدو أن أكثر من ثلثي الأردنيين الذين أبلغوا عن مقاطعة المنتجات حاليًا يتصرفون بطريقة نمطية توافقية. فهم بالفعل يقاطعون بسبب الحرب في غزة، لكن التكاليف الاجتماعية المرتبطة بعدم المقاطعة تشكل حافزًا في قرارهم، ناهيك عن التخوين والعار الذي سيواجهونه في حال قرروا عدم المقاطعة، وهو المصير الذي واجهته الكثير من المنشآت المحلية عندما قررت عدم المشاركة في الإضراب العام الذي حصل في 11 كانون الأول/ديسمبر 2023.
وتشير الأدلة المتناقلة الأخرى إلى أن الكثير من المؤسسات الخدماتية التي شاركت في الإضراب العام لم تدفع أجور عامليها عن ذلك اليوم، حيث دفع العمال المستضعفين ثمن خيارات لم تكن بالضرورة خياراتهم. وفي نهاية المطاف، ستستمر حملات المقاطعة طالما استمرت الحرب، إن لم تستمر أبعد من ذلك. وفي حين تكتسب المنشآت الأردنية زخمًا في السوق المحلي، إلا أنها لم تسد فجوة التوظيف. والأمر المهم بالقدر نفسه هو أن الأردن يدين بقدر كبير من مرونته الاقتصادية للاستثمار الأجنبي، خصوصاً من الغرب. ومع دخول ما يقارب 50 ألفًا شخصاً إلى سوق العمل وخلق ما متوسطه 32 ألف فرصة عمل جديدة كل عام، يُسجل عجز سنوي مركب بنسبة 38 في المئة في عدد الوظائف اللازمة لمنع معدل البطالة من الارتفاع عن الوضع الحالي، قبل العمل على توفير فرص عمل للأردنيين العاطلين عن العمل الذين يبلغ عددهم 418400 أردني. وعليه، يواجه الأردن تحديًا صعبًا لا يمكن مواجهته إلا من خلال استقطاب المزيد من المستثمرين الأجانب، وليس ردعهم.