- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تحليل نجاحات وإخفاقات جولتي العطاءات الخامسة والسادسة للنفط والغاز في العراق
من أجل تحقيق مصلحة سوق العمل العراقي وتطوير الخبرة المحلية في إدارة النفط والغاز، يجب على الحكومة أن تسعى إلى أن تصبح أكثر جاذبية بالنسبة لشركات النفط العالمية الكبرى خارج نطاق الشركات الصينية التي تجتذبها عطاءاتها حاليًا.
في الفترة الممتدة من 11 إلى 13 أيار/مايو 2024، عقد العراق جولة تراخيص "خامسة+" وسادسة مشتركة لعطاءات النفط والغاز. وكانت العروض المجمعة لعقود النفط والغاز تتشكل منذ أيار/مايو 2022، عندما أعلنت وزارة النفط عن الجولة من خلال ثلاثين منطقة استكشاف. ومن بين هذه المناطق، تم عرض ست عشرة منطقة أصلًا في جولة العطاءات الخامسة (الخامسة+)، والتي ضمت ثمانية اكتشافات نفطية مؤكدة وثماني مناطق محتملة بدون اكتشافات. وكانت المناطق الأربع عشرة المتبقية عبارة عن فرص جديدة في "الجولة السادسة"، بما في ذلك ثلاثة اكتشافات مؤكدة للغاز وإحدى عشرة منطقة غاز محتملة من دون أي اكتشافات. وكانت فرص الغاز هذه عبارة عن "غاز حر" أو "غاز غير مصاحب"، أي مشاريع غاز نقي لا تضم نفطًا يمكن إنتاجه بالكامل، حتى لو خفض العراق إنتاجه النفطي بسبب حصص أوبك أو انخفاض الطلب.
حرصت وزارة النفط على ضمان التوزيع الجغرافي للمشاريع وبالتالي شملت محافظات البلاد كافة للمساهمة في تحقيق الأمن والازدهار الاقتصادي في هذه المناطق.
كان للحكومة أيضًا ثلاثة أهداف أخرى لجولة العطاءات:
• زيادة استغلال حقول الغاز غير المصاحب، أو الغاز الحر، التي لا يعد إنتاجها من الغاز الذي تشتد الحاجة إليه منتجًا ثانويًا لإنتاج النفط، يمكن تقييده بحصص أوبك.
• تنشيط الاستثمار الدولي في قطاع الطاقة العراقي في وقت يفقد فيه مستثمرو الطاقة الغربيون الاهتمام.
• تجديد احتياطيات العراق النفطية بسلسلة من الاكتشافات الجديدة.
• الحرص على أن تتضمن العقود أحكامًا لاحتجاز الغاز المصاحب ونقله إلى الدولة، بدلًا من إحراقه
هل حققت جولة العطاءات أهدافها؟
يمكن القول إن الاهتمام بجولة العطاءات كان مخيبًا للآمال. فمن بين الفرص الثلاثين، تم منح عشر فرص فقط، ولم يتلقَ أكثر من نصف المناطق أي عطاءات على الإطلاق. ومن بين الفرص العشر الممنوحة، ذهبت سبع إلى شركات صينية وثلاث إلى شركة عراقية واحدة. بالمقابل، لم تبدِ أكبر شركات النفط في العالم سوى اهتمامًا فاترًا بشروط الوزارة الأخيرة. ومن بين الشركات غير الصينية التي تأهلت مسبقًا لجولتي العطاءات "الخامسة+" والسادسة، بما في ذلك شركة بريتيش بتروليوم، وتوتال إنيرجي، وشيل، وإيني، وأدنوك، وقطر للطاقة، وبتروناس، لم تقدم عطاءات حتى الآن سوى شركتين فقط. وقدمت شيل وأدنوك عرضًا مشتركًا في ما يتعلق بحقل ديمة النفطي في ميسان، لكنهما خسرتا أمام مجموعة كار.
كما لم تركز جولة العطاءات على الغاز الحر أو غير المصاحب. اقترح هذا المؤلف، بصفته رئيس دائرة المكامن وتطوير الحقول العراقية، أن تركز جولة العطاءات (التنقيب عن الغاز) السادسة حصريًا على مشاريع الغاز الحر. وتعتبر مشاريع الغاز أكثر خطورة وتعقيدًا من مشاريع النفط، وبالتالي فإن تركيز العطاءات على الغاز وحده من شأنه أن يمنع المستثمرين من الاعتماد على عطاءات النفط. لسوء الحظ، في جولتي التراخيص "الخامسة+" والسادسة المدمجة، تم خلط مناطق التنقيب عن الغاز مع حقول النفط، ما سمح للمستثمرين بالتركيز على المشاريع النفطية الأبسط ولم يُنشئ نموذج عقود لتحسين التنقيب عن الغاز غير المصاحب للمستثمر وللعراق.
قامت وزارة النفط بتعديل نموذج العقود الموحد الخاص بها في عام 2018 في جولة التراخيص الخامسة بعد ردود فعل سلبية من شركات النفط العالمية العاملة بموجب عقود الخدمات الفنية التي تم منحها في أربع جولات عطاءات بدءًا من عام 2009. والنموذج الأحدث، الذي كان أيضًا أساس الجولتين "الخامسة+" والسادسة، هو عقد تقاسم الأرباح. وعلى الرغم من تحقيق درجة من التغطية الجغرافية، إلا أنه لم يلبِ آمال الحكومة، حيث لا يزال يُنظر إلى الحقول في شمال العراق وغربه بحذر من منظور أمني.
من ناحية أخرى، قدمت الجولة التعاقدية الأخيرة لوزارة النفط للشركات الصينية فرصة كبيرة لتوسيع تواجدها المهيمن في العراق. وكان من بين مقدمي العروض الفائزين شركات كبيرة مدعومة من الدولة مثل سينوبك والمؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري وشركات خدمات أخرى غير متخصصة في التنقيب والإنتاج، مثل جيو جايد، وتشنهوا أويل، وزيبك، وأنتون أويل.
إن الافتقار إلى المستثمرين الغربيين الذين تجتذبهم جولة العطاءات يمثل خسارة للعراق، في التدريب، ونقل التكنولوجيا، والعلاقات الجيوسياسية، والمحتوى المحلي. فمن المعروف أن الشركات الصينية في العراق توظف موظفين أجانب وتترك العراقيين بدون عمل. ومعظم العمال الأجانب غير العراقيين الذين تستخدمهم الشركات الصينية غير مؤهلين فنيًا. تفشل الشركات الصينية بانتظام في توظيف العراقيين حتى في الأدوار البسيطة التي تم تدريبهم على أدائها، مثل القيادة، وتحتكر مختلف الأنشطة، من بناء المرافق إلى توفير المواد وتوريد العمالة الفنية من الصين، ما يجعل الشركات العراقية الخاصة الصغيرة ومتوسطة الحجم غير قادرة على المنافسة.
فضلًا عن ذلك، لم يكن لدى معظم الشركات المشاركة تاريخ في إنتاج النفط يؤهلها لتطوير الحقول. ومن بينها ما ضمّ شركة حفر أو شركات خدمات تمولها الدولة الصينية. وإن الحصول على عقود من تلك الشركات لتطوير حقول وخدمات النفط العراقية لمجرد أنها تقدم سعرًا أقل، يمثل نقطة تحول خطيرة بالنسبة للعراق في تطوير صناعته، بما أن انخفاض الأسعار قد يعني انخفاض الجودة.
تفتقر الشركات الصينية إلى الخبرة وتكتسبها من خلال الحقول العراقية، على حساب العراق على الأرجح. ومن المحتمل حدوث أخطاء في العمليات نظرًا لقلة الخبرة هذه، كما أن النماذج التنظيمية العراقية ليست قادرة على معالجة هذه الأخطاء المحتملة قبل أن تتسبب بأضرار فعلية. في المستقبل، من الأفضل قبول عروض أسعار أعلى من الشركات القائمة بدلًا من قبول عروض أسعار منخفضة من الشركات عديمة الخبرة.
إصلاح المشاكل في جولة التراخيص الجديدة
نظرًا للتحول مرة أخرى إلى النفط في هذه الجولات السابقة، يحتاج العراق إلى جولة من عقود الغاز غير المصاحب في المستقبل القريب تركز بشكل كامل على الهدف الذي تدعمه الولايات المتحدة المتمثل في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز للعراق. هذه عملية متعددة الخطوات. وحتى لو قام العراق باحتجاز كل الغاز الذي ينتجه حاليًا، سيحتاج إلى المزيد من الغاز في المستقبل.
تكمن أسباب متعددة وراء عودة العراق إلى عروض النفط الأكثر جاذبية هذه المرة. فالعراق ليس بلد غاز حر يضم العديد من حقول الغاز النقي، وليس لديه سجل حافل في استكشاف واستخراج الغاز من خزانات الغاز الحر. وهذا يعني وجود مخاطر جيولوجية عالية لجهة التنقيب عن الغاز غير المصاحب وتطوير خزانات الغاز، فضلًا عن تحديات إضافية متعلقة بالبنية التحتية وخطوط الأنابيب والمستهلكين النهائيين والأمن والاستقرار الإقليمي.
لذلك، يجب أن يكون النموذج الاقتصادي مربحًا للغاية، مع معدل عائد داخلي مرتفع وقيمة حالية صافية إيجابية للغاية بما يتناسب مع التحديات. ويمكن أن تعرض حتى وزارة النفط المشاركة في التأسيس أو المشاركة في تكاليف استكشاف الآبار في حال عدم العثور على خزانات الغاز الحر، وذلك لتشجيع شركات النفط والغاز العالمية على الموافقة على مناطق التنقيب عن الغاز الحر.
علاوةً على ذلك، لتجنب التأخير في دفع التكاليف للمقاولين الذي طبع السنوات الأولى للعقود السابقة بسبب الخلافات حول ما يُعتبر تكلفة بترولية، وعلى عكس الأحكام السابقة التي تلزم الوزارة بدفع التكاليف المتنازع عليها أولًا وحل المشكلة لاحقًا، ستنص العقود الجديدة على اعتبار التكاليف غير المتنازع عليها فقط تكاليف بترولية.
إن استبدال رسوم الأجر بحصة من الأرباح يخلق مزيجًا بين عقد الخدمة وشروط تقاسم الإنتاج. أما السؤال الرئيسي فهو: ما هو الحد الأقصى لحصة صافي الإيرادات الذي ستفكر وزارة النفط في اعتماده عندما (وإذا) تقدم شركات النفط العالمية أفضل عرض لحصة صافي الإيرادات لديها؟ وهل ستتمكن الحكومة من تحويل هذه الجولات إلى فرصة حقيقية للتنمية؟ وحده الزمن كفيل بكشف ذلك، ولكن الاستمرار في اتباع النهج ذاته لن يؤدي إلا إلى المزيد من التحديات وخيبات الأمل.
بالإضافة إلى ذلك، يتوجب على العراق إعطاء الأولوية للتنويع بما يتجاوز المستثمرين الصينيين ذوي العطاءات المنخفضة. فعلى مدى السنوات العشرين الماضية، أنفق العراق بشكل عام أكثر من 1.5 تريليون دولار على المواد والأدوات ومستلزمات السكن والخدمات والبنية التحتية المستوردة ذات الجودة الرديئة، ويواصل هذا المسار مع شركات الطاقة غير المؤهلة.
واقترحت دائرة المكامن وتطوير الحقول العراقية أن تقوم شركات النفط العراقية مثل شركة نفط البصرة، وشركة نفط الوسط، بتطوير حقول صغيرة ومتوسطة بدلًا من الاستعانة بشركات تشغيل غير نفطية صينية. ومن أجل تحقيق مصلحة سوق العمل العراقي وتطوير الخبرة المحلية في إدارة النفط والغاز، يجب على الحكومة أن تسعى إلى أن تصبح أكثر جاذبية بالنسبة لشركات النفط العالمية الكبرى خارج نطاق الشركات الصينية التي تجتذبها عطاءاتها حاليًا. وعلى الرغم من أن الأمر قد يكون أكثر تكلفة على المدى القريب، إلا أن النهج الحالي الذي يتبعه العراق في التعامل مع عطاءاته في مجال النفط والغاز سيكون أكثر تكلفة بكثير على المدى البعيد.