- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
تحسين الجانب المهمل من اقتراح وقف إطلاق النار في غزة
وفقاً لما جاء في خطاب الرئيس الأمريكي بايدن، تتضمن الشروط الأولية للاتفاق المقترح خللاً مثيراً للقلق في تحديد الجهة التي ستضمن وفاء "حماس" وإسرائيل بالتزاماتهما بموجب الاتفاق، وهي مشكلة يجب حلها عاجلاً وليس آجلاً.
في 31 أيار/مايو، أحدث الرئيس بايدن هزة كبيرة في السياسة الإسرائيلية والسياسة العامة في المنطقة من خلال تأييده لاقتراح من ثلاث مراحل مفعم بالأمل بل مثير للجدل للغاية لوقف إطلاق النار في غزة ولاتفاق الرهائن مقابل الأسرى. وتثير شروط الاقتراح والعاصفة السياسية التي أحدثتها العديد من الأسئلة.
من منظور السياسة الأمريكية، لم تحظَ إحدى فقرات خطاب الرئيس الأمريكي من البيت الأبيض بالكثير من الاهتمام ولكنها تستحق التدقيق الدقيق، حيث جاء فيها: "إذا لم تفِ «حماس» بالتزاماتها بموجب الاتفاق، بإمكان إسرائيل استئناف العمليات العسكرية. لكن مصر وقطر أكدتا لي، وهما مستمرتان في العمل لضمان عدم قيام «حماس» بذلك. وستساعد الولايات المتحدة على ضمان وفاء إسرائيل بالتزاماتها أيضاً. هذا ما ينص عليه الاتفاق موضع البحث... وسنقوم بدورنا".
وتطرح هذه الصياغة إشكالية على عدة مستويات:
- أظهرت مصر وقطر عجزهما المؤسف عن التأثير على "حماس" على مدى الأشهر الثمانية الماضية، وبالتالي تُعتبر فكرة وجود أي قيمة لـ "تأكيداتهما" فيما يتعلق بالسلوك المستقبلي للحركة أمر مضحك. وفي المقابل، تتمتع أي إدارة أمريكية حتماً بتأثير كبير على تحركات إسرائيل نظراً لاعتماد القدس على إعادة التسليح والدعم الدبلوماسي الأمريكي لمواصلة عملياتها العسكرية.
- هناك مبدآن رئيسيان تم تحديدهما في هذه الفقرة وهما: ضمان الولايات المتحدة التزام إسرائيل، وتمتُّع إسرائيل بالحق في استئناف عملياتها العسكرية في حالة عدم وفاء "حماس" بالتزاماتها. وهذان المبدآن يضمنان من الناحية العملية توترات ثنائية في المستقبل، في حين سوف تختلف واشنطن والقدس لا محالة في تقييمهما لما يشكل انتهاكاً من جانب "حماس" يستوجب اتخاذ إجراءات. وفي الواقع، من المرجح أن تستعد الحركة لهندسة مثل هذا الصدام في فترة يتزايد فيها عدم الاستقرار على جبهة إسرائيلية أخرى (على سبيل المثال، مع "حزب الله" أو إيران).
- إن هذا الاختلال في التوازن، والذي تَضمِن فيه الولايات المتحدة التزام إسرائيل، في حين تَضمِن دول أخرى بشكل غير فعال التزام جماعة إرهابية، يشكل سابقة مثيرة للقلق حيث أن الجهات الفاعلة المثيرة للمشاكل ستحرص على نسخ هذا الاختلال في الاتفاقات المستقبلية.
وتستحق الفقرة أيضاً المزيد من الاهتمام لأنها تصف الدور العملي الوحيد للولايات المتحدة في المراحل المتوسطة للاتفاق. ففي خطاب الرئيس بايدن، وردت إشارات أخرى إلى دور الولايات المتحدة، وتحديداً تسهيل التوصل إلى حل دبلوماسي للمواجهة بين "حزب الله" وإسرائيل ودعم إعادة إعمار غزة بعد الحرب، إلا أن هذه الإشارات ليست أساسية لتنفيذ المراحل المختلفة من اتفاق وقف إطلاق النار.
إذا وصف الرئيس الأمريكي بدقة شروط الاقتراح، وإذا بدا أنه من المرجح أن توافق الأطراف على الاتفاق على المدى القريب، فيجب على واشنطن والقدس العمل على تفاصيل تنفيذ مبادئه المتنافسة الآن، أي قبل وقت طويل من بروز أي أزمة محتملة في المستقبل حول تفسير الفقرة الواردة أعلاه. ويعني ذلك أكثر من مجرد طمأنة إسرائيل بأن الولايات المتحدة لن تعترض على استئناف العمليات العسكرية إذا انتهكت "حماس" وقف إطلاق النار. ولتحقيق التوازن بين تأثير واشنطن الحقيقي على إسرائيل وغياب أي تأثير لطرف ثالث على "حماس"، من المهم تعزيز موقف القدس ورفع سقف مخاطر عدم امتثال "حماس".
ومن الناحية الموضوعية، يمكن أن يشمل ذلك مجموعتين محددتين من الالتزامات الأمريكية:
- زيادة الدعم المباشر لإسرائيل إذا اضطرت إلى استئناف العمليات العسكرية، مثل توفير معلومات استخباراتية متخصصة، ربما كانت واشنطن مترددة في مشاركتها سابقاً، وتعزيز التعاون في مواجهة التحديات القانونية الدولية المختلفة التي تواجهها إسرائيل.
- معاقبة "حماس" من خلال إجراءات تشمل ضمان اعتقال وتسليم قادة "حماس" المقيمين في قطر ودول أخرى، فضلاً عن تقديم المساعدة لجهود مكافحة الأنفاق على طول الحدود بين مصر وغزة.
وفي حين ستبقى بعض هذه التفاهمات سرية، إلّا أنه يجب الإعلان عن البعض الآخر للتأكد من أن "حماس" تفهم ما هو على المحك. ويُظهِر دعم الولايات المتحدة الضمني للعملية الإسرائيلية الحالية في رفح، حتى في أعقاب الحادث المأساوي الأخير الذي خلّف عشرات القتلى من المدنيين الفلسطينيين، يُظهِر أنه من الممكن أن يجد الشريكان أرضية مشتركة بشأن العمليات العسكرية الأكثر إثارة للجدل.
ولن يؤدي تعزيز اقتراح وقف إطلاق النار من خلال إعادة التوازن إلى الضمانات غير المتكافئة وتعزيز الردع ضد "حماس" إلى حل الخلافات الأيديولوجية حول المغزى الأساسي من تنفيذ هذا الاتفاق، غير أن أهميته تكمن في التوصل إلى اتفاق أفضل.
الدكتور روبرت ساتلوف هو "المدير التنفيذي - زمالة سيغال" و "رئيس كرسي «هوارد بي بيركوفيتش» لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط" في معهد واشنطن.