- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
ثورة مصر غير المكتملة: المعركة لضمان المساواة الجنسية
تجدر الملاحظة أن القوانين المصرية لا تجرّم صراحة المثلية الجنسية، غير أن أي سلوك علني يرتبط بالمثلية الجنسية أو يدعمها يقع تحت جرم "الفجور"
15 ديسمبر/ كانون الأول 2017
عندما كانت في السابعة من عمرها، شعرت داليا الفغال بأنها مختلفة عن الآخرين. وخلال فترة دراستها الجامعية حاولت إقامة علاقة مع رجل لحفظ ماء الوجه، لكنها قطعتها في النهاية. في سن السابعة والعشرين، أصبحت داليا أول مصرية تُعلن ميولها الجنسية على الملأ - واصفةً نفسها بأنها أكثر مثلية مكروهة في مصر - ضاربةً الأعراف الاجتماعية عرض الحائط عندما أعلنت عن علاقة تجمعها بامرأة عبر موقع "فيسبوك" في 15 تموز/يوليو 2017. وعلى الأثر، تعرّضت للمضايقة والتملق وحتى التهديدات بالقتل عبر وسائل التواصل الاجتماعي. واستهدفت ردود الفعل الساخطة أيضًا والدها الذي أعرب علنًا عن موافقته على هذه العلاقة.
بصفتي امرأة مصرية-أمريكية ومسلمة ملتزمة، أُبدي تعاطفًا كبيرًا مع ضحايا الأحكام المسبقة. في هذا الإطار، كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دعا الأزهر إلى إعلان "ثورة دينية" قبل عامين، ومع ذلك لا تَظهر أي بوادر على تقبل هذه المحرمات التي عفا عنها الزمان. فميول فرد ما إلى الجنس الآخر لا يجب أن تترجم بكره لأهواء الآخرين، لكن هذا ما يحصل غالبًا في مصر بمباركة رسمية أو شبه رسمية. ويحاول الرئيس المصري قدر الإمكان اكتساب تأييد عامة الناس من المحافظين والمتدينين.
لكن لسوء الحظ، يحتّم عليك الانتماء إلى مجتمع المثليين في مصر أن تصبح عرضة للاعتقال والكره والرفض والتملق والتمييز. فالكثير من المصريين لا يزالون يحاربون لنيل الحرية وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، إلا أن المجتمع والمؤسسات الدينية ووسائل الإعلام والدولة، يتحدون جميعهم في صف واحد ضد الأقليات الجنسية بما فيها مجتمع المثليين. ويتطلب نجاح ثورة 25 كانون الثاني/يناير ثورة جنسية. فمصر لن تنعم يومًا بالحرية والعدالة الاجتماعية بالكامل - وستبوء كل محاولة ثورية بالفشل - ما لم تصبح الحقوق والهوية الجنسية جزءًا من الجدال العام. ويتعارض انتهاك حقوق الأقليات الجنسية مع الأهداف الأولية التي نادت بها ثورة يناير.
تجدر الملاحظة أن القوانين المصرية لا تجرّم صراحة المثلية الجنسية. غير أن أي سلوك علني يرتبط بالمثلية الجنسية أو يدعمها يقع تحت جرم "الفجور"، عملًا بالمادة 9 من قانون مكافحة الدعارة لعام 1961. وفي 25 تشرين الأول/أكتوبر 2017، وقّع سبعة وستون عضوًا في البرلمان المصري مشروع قانون جديد لتجريم المثلية الجنسية من أجل كبح مجتمع المثليين في مصر. وينص مشروع القانون على أن أي شخص يمارس العلاقة الجنسية الشاذة، ويشارك في حفلات تجمع المثليين أو يحمل أي إشارة أو رمز للمثليين أو أي صحفي يدافع عنهم يعاقب بالحبس لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات.
وقد ازدادت ظروف مجتمع المثليين في مصر سوءًا خلال السنوات القليلة الماضية، حيث يتمّ اعتقال المثليين إلى جانب نشطاء آخرين من دون أي ردود فعل علنية تُذكر. وفي ظل حكم حسني مبارك، اعتقلت الشرطة المصرية عام 2001 اثنين وخمسين مثليًا جنسيًا في ملهى "كوين بوت" العائم، واتهمتهم بالفجور. ومنذ استلام الرئيس السيسي الحكم في 2014، جرى اعتقال أكثر من 300 مثلي.
وقد بدأت حملة القمع التي تشنها الحكومة حاليًا على مجتمع المثليين بعد حفل "مشروع ليلى" في القاهرة يوم 22 أيلول/سبتمبر، حيث لوّح الجهور بأعلام المثلية الجنسية خلال العرض. وقد رفع الحاضرون الأعلام لدعم المغني في الفرقة، حامد سنّو الذي تحدث علنًا عن مثليته. نتيجةً لذلك، مُنعت الفرقة من دخول البلاد. وعلى أثر هذه الحادثة، اعتُقل ستة وسبعين شخصًا على الأقل وأحيلوا إلى المحكمة. من جهتها، وجهت منظمتا "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" انتقادًا لاذعًا إلى الرئيس السيسي بعد أن أجرت السلطات المصرية فحصًا شرجيًا للذين تمّ توقفهم. وأفادت "هيومن رايتس ووتش" أنه "على مصر التوقف عن اعتقال ومضايقة المشتبه في أنهم مثليون جنسيًا، باستخدام تهم مفبركة بـ “الفجور" و"التحريض على الفسق"".
وشنّت وسائل الإعلام المصرية حملة تشويه شرسة ضد مجتمع المثليين. وتحظى هذه التغطية الإعلامية التي تتسم بالمغالاة بدعم الحكومة المصرية والقادة الدينيين الذين يعانون من رهاب المثلية ولا يتوانون عن إهانة المثليين ومهاجمتهم. أما الرئيس السيسي، فيغض الطرف عن الذين يطلقون خطابات كراهية، لا بل إنه يسمح لهم بتخويف المثليين وممارسة العنف ضدهم عبر شاشات التلفزة ومن ثم اعتقال أفراد هذه الأقليات الجنسية.
فخلال برنامجه الحواري "على مسؤوليتي"، قال أحمد موسى - وهو إعلامي في قناة موالية للحكومة - إن "رفع علم الشواذ لدعم المثلية الجنسية هو جريمة. وأنا أطالب مجلس النواب المصري بإعدام أي مثلي جنسي لأن المثلية جريمة لا تقل عن الإرهاب خطرًا. فالمثليون والإرهابيون يجب أن يوضعوا مع بعض في سجن واحد". وتنبع تعليقاته هذه من الاعتقاد بأن المجتمع المصري يقوم على بعض الممارسات الدينية والثقافية التي تحظر المثلية الجنسية.
وفي سياق متصل، قال جورج قزي، المؤسس المشارك لمنظمة "حلم" اللبنانية التي تعمل على تحسين الحقوق القانونية لمجتمع المثليين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن "الإعلام المصري تسبّب بهستيريا وذعر عقب حادثة "مشروع ليلى" من أجل إخافة الرأي العام في ما يتعلق بوجود المثليين في المجتمع. نحن بحاجة إلى وسائل إعلام موثوقة ومستقلة إضافةً إلى منصات قوية تقدّم خطابًا حازمًا في الحكومة المصرية وغيرها من حكومات الشرق الأوسط أيضًا".
كما تلعب الشخصيات الدينية دورًا رئيسيًا في التحريض على أعمال العنف والكراهية ضد مجتمع المثليين. ووفق القرآن الكريم، بخاصةٍ قصة النبي لوط، سيُعاقب المسلمون لممارسة المثلية. كما أن المسيحيين الأقباط في مصر لا يقبلون المثليين. فرؤساء الكنيسة القبطية يوافقون السيسي والأزهر الرأي بأن معاقبة المثليين مباحة، ويلجأون إلى نصوص العهدين القديم والجديد لتبرير موقفهم من المثلية الجنسية. لهذا السبب لا يزال العديد من المثليين المصريين يواجهون تداعيات سلبية وقد يختارون إخفاء هويتهم الجنسية.
هذا ويحتكم رؤساء الدين إلى التشريعات الدينية لتحريض المجتمع ضد المثليين. وفي هذا السياق، قال وكيل الأزهر عباس شومان إن "رفع أعلام المثلية الجنسية اعتداء على الشرائع السماوية والأعراف الإنسانية السوية، ويجب أن يحاسب جميع من شارك فيه ومن سمح به، ويجب منع تكراره مستقبلًا". ويعتقد شومان أن المثلية الجنسية ودعمها عمل مشين ويسيء إلى العادات الاجتماعية والدينية. واعتبر أن المثلية جريمة أخلاقية لا تقل بأي حال من الأحوال عن الجرائم الإرهابية.
من جهته، هاجم المقدم التلفزيوني المصري محمد الغيطي بقسوة المثليين خلال برنامجه الحواري "صح النوم" قائلًا إنه "خلال هذا الحفل، تجمّع الشواذ في بلد الأزهر!"، مضيفًا "هؤلاء قوم لوط، وأتمنى من رئيس نقابة الموسيقيين في مصر هاني شاكر أن يمنع هذه الفرقة من الغناء في مصر".
واستنادًا إلى القانون الدولي، يتمتع كافة المواطنين بحقوق الإنسان الأساسية من دون تمييز بغض النظر عن ميولهم الجنسية أو هويتهم الجنسية. غير أن الهجمات العنيفة ضد المجتمع المثلي التي تأتي على شكل شتائم واعتداءات وتعنيف نفسي في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وكذلك على شكل تعذيب وعقاب قانوني وفحوص شرجية تثبت أن الحكومة والمجتمع في مصر لا يحترمان حقوق الإنسان. يتعين على هذه الدولة العمل على منع العنف والتعذيب والإساءة ضد المثليين بغية أن تصبح دولة ديمقراطية. فلا يمكن لثورة حقيقية أن تحصل من دون احترام الحرية الجنسية.
وعلى الولايات المتحدة إلى جانب منظمات على غرار "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية"، ممارسة الضغوط على الحكومة المصرية لحضّها على حماية حقوق الأقليات وإطلاق سراح المثليين المعتقلين.
ففي آب/أغسطس 2017، سحب وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون مساعدة خارجية بقيمة 95.7 مليون دولار وحجب مساعدة عسكرية بقيمة 190 مليون دولار بسبب "عجز مصر عن الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان". وقد أدانت وزارة الخارجية وأعضاء في الكونغرس الاعتداءات وعمليات القمع بحق المثليين المصريين واعتبروا أن مصر تنتهك موجباتها أمام القانون الدولي لحقوق الإنسان، وبالتالي لا بدّ من أن تكون المساعدة الأمريكية الممنوحة إلى مصر مشروطة باحترام أكبر لحقوق الإنسان وبالديمقراطية، بما في ذلك دعم مجتمع المثليين والسماح له بممارسة حقوقه الإنسانية الأساسية.
كما يتعين على الولايات المتحدة أن تطلب من الرئيس السيسي أن يوعز إلى وسائل الإعلام، الخاضعة أساسًا إلى توجيهات الحكومة، تجنّب نشر الكراهية ضد مجتمع المثليين.
غير أنه من الناحية الواقعية، للولايات المتحدة مصالح إستراتيجية أكبر في استقرار مصر والتعاون الأمني. فضلًا عن ذلك، لا شكّ في أن أي حكومة مصرية ستقاوم أي محاولات خارجية للتدخل في مثل هذه المسائل الاجتماعية الحساسة. مع ذلك، يمكن على الأقل لفت انتباه القاهرة بشكل أكبر إلى أن الولايات المتحدة تولي اهتمامًا للتمييز الجنسي.
وربما تشجع هذه الخطوة مصر على تطبيق سياسات أقل تعسفًا، عمليًا إن لم يكن اعتمادها كسياسة عامة بعد. وكما كانت عليه الحال في المجتمع الأمريكي والكثير غيره حتى فترة ليست ببعيدة، يمكن تيسير المحرمات العملية والاجتماعية تدريجيًا على أرض الواقع حتى رغم بقاء القوانين القديمة نافذة؛ فيمكن ببساطة عدم تطبيقها. سيكون ذلك مختلف تمامًا عن المساواة المطلقة، لكنه يمثّل على الأقل خطوة نحو حياة أكثر اعتدالًا واستنارةً وتسامحًا في مصر التي تُعتبر حليفًا رئيسيًا ويناهز عدد سكانها 100 مليون نسمة، معظمهم من المسلمين.
وبغية التشجيع على التحسن التدريجي والتقدّم المطرد، على الحكومة المصرية تمويل نظامها التعليمي والسماح بممارسة الحقوق المدنية الأساسية واحترام أسس الديمقراطية. عندها فقط، سيفهم كافة المصريين المعنى الحقيقي لحقوق الإنسان. إن التمتع بالديمقراطية في المجتمع المصري مستحيل حين ترفض الحكومة السماح بالحرية الجنسية. لكننا نأمل أن تكون الثورة الجنسية في طور التبلور.