- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
تحوّل السلطة في إسرائيل: إلى يد نتنياهو أم لا؟
Also published in "نيوزلوكس" (Newslooks)
عندما يجد نتنياهو طريقة للخروج من مشاكله القانونية، ستكون لديه فرصة واقعية لتحقيق التوازن بين مطالب شركائه الأكثر تشدداً في الائتلاف وتوقعات المجتمع الإسرائيلي والعربي والدولي الأوسع نطاقاً.
يبدو واضحاً أن السلطة السياسية في إسرائيل قد تحولت جذرياً إلى اليمين منذ انتخابات 1 تشرين الثاني/نوفمبر، لكن آراء الخبراء لا تزال تختلف بشدة حول صاحب السلطة الفعلية حالياً. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما درجة استعداد بنيامين نتنياهو، الذي عاد إلى السلطة كرئيس وزراء إسرائيل، أو قدرته على ضبط أكثر الأعضاء القوميين تديناً وتشدداً في ائتلافه؟ هذا هو السؤال الذي يحاول هذا المقال الإجابة عليه.
تختلف المؤشرات الأولية باختلاف الموضوع والتوقيت وتأثير العوامل الداخلية والخارجية الأخرى. فقلما يفصح نتنياهو علناً عن مخططاته، باستثناء الضمانات المبهمة بأنه ينوي الحفاظ على الديمقراطية الإسرائيلية، والحريات الدينية الفردية وحقوق مجتمع الميم (المثليين) وعلى العلاقات مع شركاء بلاده الأمريكيين والعرب ويهود العالم. وبالفعل، يبدو بشكل عام أن نتنياهو، المناور السياسي الرئيسي والبراغماتي نسبياً، سينتصر مجدداً على الأرجح على معظم الجبهات، وذلك لأنه سيواجه قريباً ضغوطاً وحوافز وفرصاً للتفريق بين المتشددين في حكومته والتغلّب عليهم.
ومع ذلك، يبدو نتنياهو في الوقت الحالي في موقف ضعيف نسبياً، نظراً لأن الحصول على نوع من التشريع لـ "الإفلات من تهم الفساد الموجهة له" يأتي على رأس أولوياته. وهذا يمنح شركاءه الجدد في الائتلاف، الذين توفر أصواتهم البرلمانية نصف الأغلبية البالغة 64 مقعداً التي تتحكم بها حكومته في الكنيست الذي يضم 120 عضواً، نفوذاً كبيراً على رئيس الوزراء على المدى القصير. ويستخدمون هذا النفوذ للتحرك بسرعة على جبهات قانونية وبيروقراطية متعددة في مواجهة الليبراليين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ولكن بعد التغلب على عقبة الاتهام بالفساد، سيزداد هامش المناورة التي يتمتع بها نتنياهو. وعلى الرغم من عدم وجود موعد نهائي محدد لهذه المناورة البرلمانية، يرى معظم المراقبين أن المهلة المحتملة لن تتجاوز بضعة أشهر إضافية. وحتى يكاد لا يستجيب بعض نواب المعارضة لنداءات العديد من النقاد الإسرائيليين الوسطيين لإلزام نتنياهو بهذه القضية الشخصية عاجلاً وليس آجلاً، وذلك لتخفيف اعتماده على حلفائه من اليمين المتطرف على وجه التحديد.
وبذلك سيصبح اتفاق الائتلاف المتشدد أكثر بقليل من مجرد حبر على ورق، مَثَله مثل العديد من البرامج السياسية والوعود الانتخابية في جميع أنحاء العالم. وفي المقابل، ستعمل عوامل أخرى ذات أهمية متساوية، التي تزداد قوة بالفعل وراء الكواليس، على موازنة بعض هذه الكلمات، وتشمل الحسابات السياسية الإسرائيلية الداخلية والخارجية.
وعلى الصعيد المحلي، تُعتبر الاحتجاجات الشعبية الجماهيرية العائق الأكثر تداولاً وأضعفها في الواقع، من منظور نتنياهو المحتمل. فعلى الرغم من الضجة الإعلامية، لم تستقطب أكبر مظاهرة ضد برنامج اليمين المتطرف الجديد أكثر من 20 ألف شخص، في بلد يبلغ عدد سكانه حوالي 10 ملايين نسمة. وأظهر أحدث الاستطلاعات الموثوق بها أن معظم هؤلاء المواطنين (58 في المائة) لا يهتمون كثيراً في الواقع بـ "الإصلاحات" القضائية الشاملة التي اقترحها للتو وزير العدل ياريف ليفين، والتي من شأنها أن تمنح البرلمان فعلياً السلطة على المحكمة الإسرائيلية العليا الليبرالية عموماً. وبالنسبة لمعظم الإسرائيليين، ممن هم خارج عالم السياسة أو الإعلام، تستمر الحياة ببساطة كما كانت عليه من قبل. وستندلع في الأيام المقبلة المزيد من المظاهرات الاحتجاجية، إلا أن المرونة الاجتماعية التي تم اختبارها في البلاد قد تستمر حتى في هذه الأوقات العصيبة، ولن تحدث ثورة ضد نتنياهو.
والأهم من ذلك هو معارضة الخبراء الأمنيين النافذين في إسرائيل لمبادرات أخرى يقترحها اليمين. على سبيل المثال، أفادت بعض التقارير أن الجنرال أفيف كوخافي، رئيس أركان الجيش، قال لنتنياهو إنه إذا أصبح "حرس الحدود" تحت سيطرة الوزير المثير للتحريض إيتمار بن غفير، فسيتعيّن نقل هذه الوحدة المهمة من الضفة الغربية تماماً. وحذر قائد الشرطة الوطنية الإسرائيلية علناً من استفزازات إضافية من جانب بن غفير أو غيره في الحرم الشريف في القدس. وبعيداً عن الأنظار، يبدو أن الأجهزة الأمنية مصممة على تجنب نزاع مسلح آخر مع «حماس» في غزة. وهكذا، نشهد تناقضاً يتجسد في اعتماد الحكومة الإسرائيلية الجديدة المزيد من العقوبات المالية، وعقوبات على السفر، وغيرها ضد "السلطة الفلسطينية" في الضفة الغربية والقدس الشرقية، في حين تتفادى اتخاذ أي إجراءات جديدة مماثلة ضد حركة «حماس»، التي لا تزال مصممة على تدمير إسرائيل في غزة.
وعلى الصعيد المحلي أيضاً، يشهد المعسكر اليميني المتشدد انقسامات داخلية، حتى أقل فهماً في الخارج. ومن الأمثلة اللافتة جداً على ذلك هو التصريح العلني الذي أدلى به موشيه غافني، زعيم فصيل "ديغل هاتوراه" المتشدد داخل حزب "يهدوت هتوراة" في ائتلاف نتنياهو، وقال فيه بأن زيارة بن غفير الأخيرة إلى الحرم القدسي شكلت انتهاكاً للقانون اليهودي و"استفزازاً لا داعي له وغير مجدي". ومن ناحية أخرى، يعارض غافني وحزبه بشدة حقوق مجتمع الميم، بينما نجح حزب الليكود الذي يترأسه نتنياهو في ترشيح أمير أوحانا لمنصب أول رئيس كنيست إسرائيلي مثلي علناً. ويشعر البعض في الأوساط الدينية القومية التقليدية بالاستياء من المتطرفين لتفاديهم الخدمة العسكرية ومساهمتهم الضئيلة في الاقتصاد الإسرائيلي. بإمكان نتنياهو استغلال جميع هذه الانقسامات، وأكثر من ذلك، لرفض بعض مطالب مجموعة في معسكره على أساس أنها ستؤدي إلى إقصاء مجموعة أخرى.
وإذا نظرنا إلى أبعد من ذلك، ستحث جهتان فاعلتان أجنبيتان، أي الأمريكيين والعرب، على توخي الحذر بشأن نتنياهو، ربما لتحقيق نتائج جيدة. وفي هذا الإطار، صرحت الحكومة الأمريكية بأنها لن تحاول التدخل مباشرةً في القضايا الإسرائيلية الداخلية البحتة، وستكتفي بالإشارات الكلامية المعتدلة. وعلى حد تعبير وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن لنظيره الإسرائيلي الجديد يوآف غالانت، فقد سبق لواشنطن أن حثت أيضاً وبشدة أكبر إسرائيل على تجنب كل ما من شأنه "تقويض الأمن والاستقرار في الضفة الغربية".
وهنا يجب توضيح دوافع ووسائل وحدود التأثير الأمريكي على نتنياهو. تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة كانت قد تخلت، قبل فترة طويلة من عودة نتنياهو (إلى السلطة)، عن السعي وراء "حل الدولتين" كهدف عملي واكتفت به كطموح على المدى البعيد. ولا يتعلق الموضوع أيضاً بربط المساعدة الاقتصادية الأمريكية لإسرائيل بهذا الأمر أو بأي قضية أخرى، وذلك لأن الاقتصاد الإسرائيلي القوي لم يعد بحاجة إلى الدعم المالي الأمريكي. وفي الواقع، تقوم النقطة الأساسية المطروحة على التنسيق الأمريكي مع إسرائيل ضد إيران، الذي يمكن أن تقوضه الاضطرابات التي تشهدها القدس الشرقية أو غزة أو الضفة الغربية.
ويدرك نتنياهو جيداً هذه المبادلة، ويصرّح بوضوح أن إيران لا تزال على رأس أولوياته في السياسة الخارجية. لذلك يمكن أن يُتوقع منه تعديل سياسته الفلسطينية وفقاً لذلك، على الأقل إلى حد ما، حتى مع توجه حل الدولتين أكثر من أي وقت مضى نحو مستقبل مبهم بسبب المستوطنات الإسرائيلية. وتتحول هذه المنطقة الرمادية اللانهائية إلى اليمين، ولكنها ستبقى رمادية على الأرجح. ومن شبه المؤكد أن الضم الكامل للضفة الغربية أمر غير مطروح، بغض النظر عما تنص عليه اتفاقية ائتلاف نتنياهو.
وأخيراً، ينطبق الأمر ذاته على البعد العربي لسياسة نتنياهو الناشئة. فهو مصمم على الحفاظ على "اتفاقايت إبراهيم" التي بدأت في عهده، وتوسيعها إن أمكن. وقد سارع شركاؤه العرب الفعليون والمحتملون إلى إدانة زيارة بن غفير إلى مجمع المسجد الأقصى في القدس، في حين سيستمرون في استضافة اجتماع "منتدى النقب" الرفيع المستوى بمشاركة إسرائيل والمغرب ومصر والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة في أبوظبي هذا الأسبوع بالذات. ومن وجهة نظر السياسة العربية والإسرائيلية والأمريكية، يقبل هذا الأمر المساومة أيضاً، إذ سيتم السعي لتحقيق توازن بين التطبيع الثنائي والتقدم (أو على الأقل الاستقرار) على الجبهة الفلسطينية.
وفي الشارع العربي، يتضح هذا التوازن جلياً في استطلاعات الرأي التي أشرف عليها المؤلف بعد إعادة انتخاب نتنياهو الأخيرة. ففي الإمارات العربية المتحدة، يفيد ما يقرب من نصف المواطنين أنه "يجب السماح لمن يرغبون في إقامة اتصالات تجارية أو رياضية مع الإسرائيليين بالقيام بذلك"، على الرغم من أن ربعهم فقط يعتقدون أن "اتفاقيات إبراهيم" خلّفت تأثيراً إيجابياً على المنطقة ككلّ. واللافت للنظر هو أن هذه النسب تتطابق تقريباً في المملكة العربية السعودية التي لم تنضم بعد إلى الاتفاقيات. والأهم من ذلك، تصل النسبة في كلا البلدين التي توافق على إجراء اتصالات مع الإسرائيليين إلى أربعة أضعاف النسبة في مصر التي تعيش سلاماً رسمياً مع إسرائيل منذ أكثر من 40 عاماً.
ومع كل ما سبق، سيتعين إذاً على نتنياهو التوفيق بين احتمالية العلاقات اللائقة التي يحتاج إليها مع العرب والأمريكيين وشعبه الإسرائيلي، مقابل مطالب الناشطين الأكثر تشدداً في ائتلافه الحاكم. وسوف يماطل قبل أن يساوم، وبذلك من المحتمل أن يبقى في السلطة. ومن المفارقات أنه يشكل حالياً الأمل الأكثر واقعية لاحتواء الانجراف الواضح للسياسة العامة الإسرائيلية نحو اليمين، داخل البلاد وخارجها. وينطوي السؤال التالي على ما إذا كان سيواجه هذا التحدي غير المسبوق بسرعة أم لا، أي قبل نهاية شهر آذار/مارس عندما تهدد مصادفة رمضان وعيد الفصح مجدداً بإشعال توترات كبيرة في الحرم القدسي وخارجه.
ديفيد بولوك هو هو "زميل برنشتاين" في معهد واشنطن، ومدير "منتدى فكرة". وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع "نيوزلوكس".