- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تخصيص الحقائب الوزارية في الحكومة العراقية الجديدة
على الرغم من أن المناصب الوزارية في العراق قد استخدمت طويلاً كأدوات للمقايضة، يمكن للحكومة الجديدة أن تحدث فرقًا كبيرًا من خلال دعم الوزارات الرئيسية بحلول حقيقية وتعيين وزراء أكفاء.
بعد خلافات واسعة بين الفصائل المتناحرة وانسحاب التيار الصدري من العملية السياسية في أعقاب الانتخابات العامة في العراق في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، توصلت جميع الأطراف أخيرًا إلى اتفاق بشأن تشكيل الحكومة الجديدة. بعد أكثر من عام من لانسداد السياسي، صوت البرلمان العراقي في 13 تشرين الأول/أكتوبر على عبد اللطيف راشد رئيسًا جديدًا للبلاد، بعد سباق طويل بين راشد والرئيس المنتهية ولايته برهم صالح. وبعد فترة وجيزة، اقترح الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني لتشكيل الحكومة الجديدة كرئيس للوزراء وكلفه راشد على الفور بهذه المهمة.
وفقًا للاتفاقيات السياسية السابقة، تتبع هذه التعيينات نسقًا محددًا: حصل مرشح شيعي على منصب رئيس الوزراء، وسيحصل سياسي سني على منصب رئيس مجلس النواب، وتم تعيين كردي لمنصب رئيس الجمهورية العراقية.
لكن التعقيدات في تشكيل حكومة جديدة أعمق بكثير من تسمية رئيس ورئيس وزراء، سيما في ما يتعلق بوزارات العراق البالغ عددها 22 وزارة. تعتبر خمس من هذه الوزارات، وزارة الدفاع والداخلية والنفط والموارد الطبيعية والمالية والشؤون الخارجية، وزارات سيادية، ومنذ العام 2003، تم تحديد وزرائها بناءً على عدد المقاعد البرلمانية التي يشغلها الشيعة والسنة والأكراد.
تاريخيًا، ركزت الأحزاب العراقية على تأمين وزراء في هذه المناصب بغية ترسيخ حكم من هم في السلطة، ومساعدتهم بذلك على الحفاظ على مناصبهم في الحكومة. ولكن هذه الجهود غالبا ما تأتي على حساب خدمة الشعب العراقي ومعالجة المشاكل في القطاعات الرئيسية. فمع تقدم هذه المرحلة من تشكيل الحكومة، لا تُظهر الأحزاب العراقية مؤشرات تذكر على أخذ عواقب هذه العملية بجدية أكبر، على الرغم من التحديات الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة التي يواجهها العراق وسيستمر في مواجهتها في العام المقبل.
تأمين النفوذ من خلال الوزارات
في الدول ذات المؤسسات الديمقراطية، عادةً ما تكتسب الأحزاب السياسية السلطة من خلال العمل كمعارضة أو أحزاب منافسة لمن هم في السلطة. بمجرد وصولها إلى السلطة، تستخدم هذه الأحزاب نفوذها لتشغل حقائب وزارية في مجموعة متنوعة من الإدارات، رغبةً منها في تحسين ظروف مواطنيها وتعزيز استقرار حكومتها ومكانتها، باعتبار أن أداءها سيؤثر على قابلية استمرارها في الانتخابات المقبلة. وهذا عكس تمامًا ما يحدث في العراق.
منذ سقوط النظام عام 2003، التزمت عملية تشكيل الحكومة العراقية بنظام تقاسم السلطة على أسس دينية وعرقية، يسمى نظام المحاصصة. يمنح هذا النظام نقطة واحدة، أي منصب وزاري واحد، مقابل كل مقعدين في البرلمان.
لسنوات، اتبع تقاسم السلطة هذا نسقًا معينًا، بحيث تحصل الكتلة الشيعية عادةً على وزارة الداخلية، ويحصل السنة على وزارة الدفاع، والأكراد على وزارة المالية أو وزارة الخارجية. وفي الكثير من الأحيان، إذا حصل الأكراد على وزارة المالية، يحصل الشيعة بدورهم على وزارة الخارجية. وكقاعدة عامة، كانت المناصب الوزارية التي تعتبر أقل نفوذًا من الناحية السياسية تُمنح للأقليات والنساء.
على سبيل المثال، في حكومة مصطفى الكاظمي، حصل حزب أقلية على وزارة حقوق الإنسان، وهو منصب تعتبره النخبة السياسية غير مهم. وبطبيعة الحال، أوجد ذلك فجوة هائلة في السلطة والتمثيل بين النخب والأقليات في العراق.
حافظت النخب الشيعية، من جانبها، على حصة كبيرة من السلطة، إذ شغلت العديد من المناصب الوزارية السيادية بالإضافة إلى منصب رئاسة الوزراء. وشملت هذه الوزارات وزارات الداخلية والنفط والموارد الطبيعية والمالية أو الخارجية. وبصورة عامة، ساعدت هذه المناصب الوزارية النخب الشيعية على أن تصبح كيانًا قويًا في المشهد السياسي العراقي.
بالنسبة للأكراد، أتاحت لهم المناصب الوزارية السيادية فرصة لإرساء هويتهم في العراق، على غرار ترسيخ الأحزاب الشيعية لسلطتها. من خلال وزارة الخارجية على وجه الخصوص، حاول الأكراد التأثير على موضوع إقليم كردستان، عبر إيقاف أي قرارات من شأنها معاقبة إقليم كردستان مثل قطع مستحقات الإقليم في موازنة الحكومة العراقية عام 2014.
وزراء العراق الجدد
بناءً على المعلومات الأولية المتوفرة من الجولة الأخيرة من مفاوضات تشكيل الحكومة، من المتوقع أن تتسلم الأحزاب الشيعية اثني عشر منصبًا وزاريًا وتتسلم الأحزاب السنية ستة والأكراد أربعة. على وجه التحديد، تشير الأنباء الأخيرة إلى أنه من المرجح أن تعين الأحزاب الشيعية وزراء مسؤولين عن وزارات الداخلية، والمالية، والكهرباء، والصحة، والزراعة، والنقل، والاتصالات، وغيرها. ومن المرجح أن تكون الأحزاب السنية ممثلة في وزارات الدفاع، والتخطيط، والتعليم، والصناعة والتجارة، والثقافة وغيرها، بينما ستشغل الأحزاب الكردية حقائب وزارية مثل وزارات العدل، والبيئة، والإعمار والإسكان، والعمل والشؤون الاجتماعية، والشباب والرياضة، والموارد المائية، والتعليم العالي، والبحث العلمي.
لم يتم تأكيد انشاء وزارة إضافية واحدة بعد. كما هو الحال مع الحكومات السابقة، يتم تخصيص المناصب الأقل نفوذًا مثل وزير الهجرة والمهجرين لمجموعات الأقليات، مثل المسيحيين.
تجاهل الوزارات الأساسية
لكن يعطي هذا النظام الأولوية للحفاظ على السلطة على حساب الفعالية، خلال مناقشات تشكيل حكومة جديدة، لا سيما في ما يتعلق بوزارات أساسية لقضايا الحوكمة ولكنها تعتبر أقل شهرة. وبالكاد يتم طرح هذه المناصب الوزارية على طاولة المفاوضات، على الرغم من أن شاغلي هذه المناصب سيتعاملون مباشرةً مع التحديات الكبرى التي تواجه الشعب العراقي في ما يتعلق بالصحة والتعليم، والإسكان، ونقص المياه والغذاء. بدلًا من ذلك، في نطاق مفاوضات تشكيل الحكومة، عادةً ما تُستخدم الوزارات العراقية الأخرى كأوراق تفاوض في اللحظة الأخيرة، ما يمنح حزبًا معينًا المزيد من السلطة مقابل أمر آخر.
على الرغم من أن المناصب الوزارية السيادية هي في صميم السلطة التي تشغلها الأحزاب السياسية العراقية، إلا أنه نادرًا ما يتم التشكيك في فعالية الوزراء الآخرين. يتجاهل هذا الواقع الحاجة الهائلة لوزراء أكفاء ومبدعين في وزارات أقل شهرة يمكنهم إصلاح القطاعات المتضررة في العراق وإعادة بناء المجتمع العراقي اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا.
تُعد قضية البطالة مثالًا رئيسيًا على هذه الحاجة في العراق. ففي تشرين الأول/أكتوبر، أشار الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق في بيان إلى أن "معدل البطالة في العراق بلغ ستة ملايين شخص"، وهو أعلى معدل بطالة في تاريخ العراق. ونظرًا لهذه الإحصائيات المقلقة، يُفترض أن تمثل وزارة الشؤون الاجتماعية من الناحية النظرية منصبًا رئيسيًا، بما أنها الوزارة المسؤولة بشكل أساسي عن مساعدة المواطنين العراقيين الشباب وتقليل البطالة، سيما وأن خريجي الجامعات يشكلون غالبية العاطلين عن العمل.
وتبرز هذه الحاجة في مجال آخر في العراق وهو قطاع الصحة، الذي يعاني إلى حد كبير من نقص الموظفين والأدوية الأساسية في المستشفيات. وبسبب الاضطرابات والظروف غير الصحية والحرب والعقوبات والتهديدات الإرهابية في العقود الثلاثة الماضية، شهد العراق هجرة أدمغة كبيرة في صفوف أطبائه وما زال يعاني منها. ولكن بحسب وزير الصحة السابق في العراق، علاء العلوان، "[ما زالت] الحكومة لا تعطي الأولوية لقطاع الصحة."
إذا أبدى أي حزب أو تحالف رغبته في التشديد على الاختيار المناسب للوزراء في الوزارات غير السيادية، قد تتغير أمور كثيرة في العراق، ويمكن تحقيق نجاحات ملموسة في هذه المجالات الحاسمة. فإلى جانب وزارات الصحة والشؤون الاجتماعية، يمكن لوزارات مثل التعليم والبلدية والكهرباء وإعادة الإعمار وغيرها المساهمة بدرجة عالية في تحسين الحياة في العراق. بدلًا من ذلك، لا تتم مناقشة أي من هذه الوزارات أو تحديد أولوياتها خلال المفاوضات بين الأحزاب السياسية والمرشح المعتمد لتشكيل الحكومة، بل تحدَد قيادتها كنتيجة ثانوية لمحاولات التنافس على المزيد من الوزارات "المرموقة."
على الرغم من أن معظم المهام قد أُنجزت أصلًا، إلا أنه لا يزال لدى الحكومة العراقية الجديدة الوقت لإحداث فرق في المجالات الأساسية التي تبرز فيها هذه الحاجة في جميع أنحاء البلاد. بدلًا من تجاهل الوزارات "الصغيرة" مثل الصحة والتعليم، يجب على الحكومة دعم هؤلاء الوزراء، وتزويدهم بالإمكانيات الكاملة لمواجهة القضايا التي تهدد حاليًا استقرار العراق.
ستكون هذه الوزارات مفتاح النجاح في العراق في ظل استمرار البطالة الشديدة وندرة الغذاء والمياه وفشل البنية التحتية ونقص الرعاية الصحية في تقويض رفاهية العراق. ونظرًا لأهميتها بالنسبة لمستقبل العراق، لا بد من مقاربتها بجدية أكبر عند التفكير في مستقبل الحكومة العراقية.