- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3722
تقرير حقوق الإنسان في لبنان: مراهنة على المساءلة؟
لا يمكن للبنان أن ينجو من التدهور الذي يواجهه دون مساءلة كاملة، ولذا فإن التساهل في التقارير الأمريكية السنوية لن يخدم واشنطن ولا الشعب اللبناني.
عندما أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقاريرها القطْرية السنوية حول ممارسات حقوق الإنسان في الأسبوع الماضي، كان تقييم الوثيقة الخاصة بسجل لبنان في عام 2022 لافتاً لما ورد فيه من الحذف المميز (لبعض) الأحداث. وعلى الرغم من الطبيعة الشاملة لهذه التقارير التي تجعلها عموماً أداة قيّمة لتحقيق المساءلة، إلا أن محتواها الحساس دبلوماسياً يتم تعديله أحياناً بالمقتضيات المتصورة للإدارة الأمريكية فيما يتعلق بعلاقة ثنائية معينة. لذلك فإن واقع تجنّب تقرير لبنان إلى حد كبير بعض قضايا حقوق الإنسان الأكثر إثارة للجدل في تلك البلاد يبدو أكثر من مجرد مصادفة. ومهما كان الأمر، فإن عمليات الحذف هي فرصة ضائعة لتسهيل نوع المساءلة التي يحتاجها لبنان لكي يخرج من مستنقعه الحالي.
عدم وجود تقدم في قضية لقمان سليم
لم يذكر التقرير في صفحاته الأربع والخمسين سوى القليل عن التحقيق الجنائي الذي فتحته الحكومة اللبنانية في اغتيال لقمان سليم، ناشط سابق كان قد حصل على منحة أمريكية ويُرجح أنه قُتل على يد "حزب الله". فقد تم تخصيص فقرة قصيرة فقط جاء فيها "استمرت التحقيقات في مقتل لقمان سليم، ناشط سياسي بارز ومنتقد صريح لـ ["حزب الله"] في عام 2021، كان قد عُثر عليه مقتولاً بعد إصابته بعدة رصاصات في سيارة مستأجرة في قرية العدسية الجنوبية. ولم يتم الإعلان عن أي نتائج بحلول نهاية العام". ولم تصدر بيروت مذكرة اتهام أو اعتقال واحدة بعد مرور أكثر من عامين على مقتله.
وعادة ما تستشهد وزارة الخارجية الأمريكية بتقارير مفتوحة المصدر عن مثل هذه الحوادث للتشديد على مبدأ المساءلة. ومع ذلك، لم يذكر التقرير الخاص بلبنان الوثائق الكثيرة التي تتناول تهديدات "حزب الله" لسليم، والتي تتفاوت بين التحذيرات التي أرسلتها السفارة الأمريكية في بيروت وإلى المقابلات العامة مع أرملة سليم، الناشطة مونيكا بورغمان. وفي إحدى تلك المحادثات، تروي بورغمان بشكل موثوق كيف قدم محققو قوى الأمن الداخلي تلميحاً سخيفاً بأن سليم - الذي أصيب بخمس رصاصات في رأسه - ربما يكون قد انتحر. وتشمل الإغفالات الأخرى الملحوظة مقالاً لـ "هيومن رايتس ووتش" يصف "الإخفاقات المتعددة والإهمال الجسيم والانتهاكات الإجرائية" في التحقيق، فضلاً عن الدعوات المتكررة من قبل خبراء حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة لإجراء تحقيقات "فعالة وموثوقة وشفافة" في عملية القتل، مما يعني ضمناً أن جهود قوى الأمن الداخلي لم تظهر أياً من هذه السمات منذ شباط/فبراير 2021.
ويقيناً أن مقتل سليم ليس الاغتيال السياسي الوحيد الذي لا يزال عالقاً في لبنان. فقوى الأمن الداخلي لم تنجح في إحالة أي من عمليات اغتيال الشخصيات البارزة إلى المحاكمة منذ عقود، ولا شك أنها ارتُكِبت من قبل عناصر "لا يمكن المساس بها" في النظام السوري و/أو "حزب الله". إلا أنه من غير الملائم بشكل خاص التغاضي عما تقوم به القوى الأمن الداخلي من عرقلة واضحة لمثل هذه القضايا بالنظر إلى أن الحكومة الأمريكية تدفع حالياً رواتب موظفي المنظمة عبر الأمم المتحدة وتقدم 10 ملايين دولار سنوياً إلى لبنان من "مكتب المراقبة الدولية للمخدرات وإنفاذ القانون"، وبعضها يَدعم قوى الأمن الداخلي.
تعثر التحقيق في انفجار المرفأ
بالمثل، لم يخصِّص التقرير عن انفجار مرفأ بيروت في آب/أغسطس 2020، اهتماماً يُذكر نسبةً لتداعياته الكبيرة، والتي شملت أكثر من 200 قتيل وأكثر من 6,000 جريح ونزوح ما يقدر بنحو300,000 شخص. وتم تخصيص فقرة واحدة فقط في التقرير لحالة التحقيق التي تتقاطع مع عدد من قضايا حقوق الإنسان الملحة، من بينها الفساد، والإهمال الجنائي، وسوء الإدارة، والتعريض المتعمد للخطر.
وتشير الوثيقة بإيجاز إلى تقارير إعلامية تتحدث عن مكائد داخل نظام المحاكم حالت دون إحراز تقدم. إلا أنها لا تستشهد بمصادر أخرى تشير على وجه التحديد إلى طلب "حزب الله" عزل القاضي طارق بيطار عن القضية، أو إلى أعضاء مختلفين في البرلمان ومجلس الوزراء ومؤسسات أخرى حالوا دون قيامه بمقاضاة كبار المسؤولين الأمنيين والسياسيين. وهنا أيضاً، تستحق قوى الأمن الداخلي اللوم، حيث رفض مديرها العام عماد عثمان تنفيذ أوامر اعتقال رفيعة المستوى صادرة عن بيطار - وهي نقطة أخرى لم يذكرها التقرير.
كما تم حذف التقارير التي تشير إلى أن كمية مادة نترات الأمونيوم التي تسببت في انفجار عام 2020 لم تبلغ سوى خُمس الكمية التي تم تفريغها في الميناء في عام 2013. وخلال مقابلة تلفزيونية قبل مقتله، قال لقمان سليم إن "حزب الله" قد سرق الكثير من هذا السماد القابل للاحتراق لاستخدامه في البراميل المتفجرة التي استخدمها نظام الأسد مراراً وتكراراً ضد المدنيين السوريين خلال الحرب الأهلية - وهو انتهاك صارخ آخر لحقوق الإنسان.
استثناء للجيش اللبناني؟
وفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية، "شكّل الإفلات من العقاب مشكلة كبيرة" للجيش اللبناني والفروع الأمنية الأخرى في عام 2022، وافتقرت تحقيقاتهم في انتهاكات حقوق الإنسان المبلّغ عنها إلى "الشفافية والعجلة". ومع ذلك، فيما يتخطى هذا النقد العام، لا يتطرق التقرير بما يكفي إلى انتهاكات محددة للجيش اللبناني أو إخفاقه في حماية المدنيين وموظفي الأمم المتحدة - وهي مقاربة مزعجة بالنظر لتمتع واشنطن بعلاقة وثيقة وداعمة مع الجيش، حيث وفرت له تمويل قدره 236 مليون دولار في السنة المالية 2021 وحدها.
على سبيل المثال، يستشهد التقرير بحالة واحدة بشأن محاكمة عسكرية لمدني متهم بالتعرّض لسمعة قوى الأمن الداخلي، إلا أن قضايا كثيرة من هذا النوع تتطلب الانتباه. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2021، حكمت محكمة عسكرية على الصحفي رضوان مرتضى بالسجن لمدة 13 شهراً لانتقاده التحقيق في انفجار المرفأ، وفي العام الماضي، أمرت محكمة عسكرية باعتقال رئيس الأساقفة الماروني موسى الحاج واستجوابه بحجة مساعدة اللبنانيين الضعفاء اقتصادياً على الهجرة. وفي عام 2022 أيضاً، اتهمت محكمة عسكرية السياسي سمير جعجع بتورطه في أحداث العنف الدامية في الطيونة عام 2021. وبغض النظر عن حقائق هذه القضايا، يتعين على واشنطن الضغط على بيروت بشأن سبب محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية بدلاً من المحاكم المدنية.
وفي المقابل، ظهر تقاعس المحاكم العسكرية في القضايا المتعلقة بالعنف ضد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. ففي عام 2022، اعتذر الرئيس آنذاك ميشال عون عن الاعتداءات المستشرية على "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" ("اليونيفيل"). إلا أن الرؤساء السابقين أدلوا بتصريحات مماثلة عديمة الفعالية فيما يتعلق بعشرات الجرائم من هذا النوع التي ارتُكبت في العقود الأربعة الماضية، في حين تمت إدانة قاتل واحد فقط. وفي عام 2022، أشارت الأمم المتحدة إلى أن المحاكم العسكرية اللبنانية لا تزال تعقد جلسات استماع (غير مثمرة) تتعلق بالهجمات التي وقعت في عامي 2007 و 2011، بينما لم تُتخذ أي خطوة على الإطلاق في الإجراءات الجنائية المتعلقة بالاعتداء على أفراد "اليونيفيل" عام 2018.
التجاوزات الاقتصادية
شملت المواضيع الأخرى التي تم حذفها من تقرير وزارة الخارجية الأمريكية ما وصفه المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، أوليفييه دي شوتر، في أيار/مايو الماضي بأنه "إفقار غير ضروري للسكان" - أي الفقر الشامل الناتج عن الأزمة الاقتصادية من "صنع الإنسان" في البلاد. وعلى وجه التحديد، سلّط الضوء على دور الحكومة في التسبب بالأزمة وملقياً باللوم على القطاع المصرفي في "التأثير على المفاوضات مع «صندوق النقد الدولي» على حساب الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع". ووفقاً لتقديره، أدّت تصرفات القطاع المالي و"مصرف لبنان" إلى تخلّف لبنان عن الوفاء بالتزاماته - من بينها "الالتزام بضمان مستوى معيشي لائق لسكانه"، وهو ما صنفه على أنه انتهاك لحقوق الإنسان.
الخاتمة
تتم قراءة تقارير حقوق الإنسان الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية وبعناية من قبل السفارات الأجنبية في واشنطن وخبراء الدول في الولايات المتحدة وخارجها، وذلك لاستخلاص رأي الإدارة الأمريكية وسياستها تجاه دولة معينة. على سبيل المثال، كان تقرير هذا العام عن المملكة العربية السعودية صارماً بشكل خاص، وربما يعكس التوترات المتكررة بين إدارة بايدن والرياض. ومن الواضح أن لبنان يمر بوقت عصيب، لذلك ربما كانت الإدارة الأمريكية متحفظة في عدم إضافة مصاعب (أخرى) هذا العام. أو ربما كانت قلقة من أن تقريراً أكثر صرامة من شأنه أن يمنح المنتقدين في الكونغرس حافزاً لقطع بعض المساعدات الكبيرة التي تقدمها واشنطن للبنان، والتي تشمل دفعات غير مسبوقة قدرها 72 مليون دولار من رواتب القوات المسلحة اللبنانية وقوى الأمن الداخلي.
ومع ذلك، تتعدد الأسباب الأخلاقية والسياسية المقنعة التي تتطلب من هذه التقارير الصدق المطلق. فلبنان بحاجة ماسة إلى المساءلة، والتقارير الموثوقة للحكومة الأمريكية ضرورية لتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان ومساعدة المواطنين على محاسبة السلطات المختصة. وفي 24 آذار/مارس احتفلت الأمم المتحدة بـ "اليوم الدولي للحق في معرفة الحقيقة بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وكرامة الضحايا"، إلا أن اللبنانيين لا يزالون محرومين من هذا الحق عاماً بعد عام. فقائمة انتهاكات حقوق الإنسان التي عانى منها الضحايا في لبنان طويلة ومتنامية، بدءً من الاغتيالات السياسية، إلى الإهمال الذي أدى إلى تفجير المرفأ، مروراً بإفلات جهاز أمن الدولة من العقاب، وإلى الإخفاقات المأساوية لمؤسسات الصحة العامة. وللأسف، تبقى المساءلة عنصراً أساسياً بعيد المنال لتغيير المسار المأساوي لهذه الدولة الفاشلة.
ديفيد شينكر هو "زميل أقدم في برنامج توب" في معهد واشنطن ، ومدير "برنامج السياسة العربية" التابع للمعهد، ومساعد سابق لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون "الشرق الأدنى".