- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3667
تقرير عن أبرز الملاحظات خلال رحلة إلى الداخل السعودي
بعد قيام إثنين من الباحثين في معهد واشنطن بترؤس وفد من أمناء وموظفي المعهد الذين زاروا السعودية مؤخراً، يعرض هذان الخبيران رؤيتهما عن لقاءات الوفد مع قادة في الحكومة والدين والأعمال والثقافة في المملكة.
"في 3 تشرين الثاني/نوفمبر، عقد معهد واشنطن منتدى سياسياً افتراضياً مع المدير التنفيذي للمعهد روبرت ساتلوف و"الزميل الأقدم في برنامج توب" ديفيد شينكر، اللذين ترأسا مؤخراً وفداً مكوناً من ثلاثين شخصاً من أمناء وموظفي المعهد في زيارة استغرقت أسبوعاً إلى المملكة العربية السعودية. وفيما يلي ملخص لنظرة الدكتور ساتلوف عن الزيارة؛ وسيتم تلخيص ملاحظات السيد شينكر وجلسة الأسئلة والأجوبة بشكل منفصل".
مسار الرحلة
خلال سبعة أيام، زار وفد معهد واشنطن خمس مدن هي الرياض، وأبها، والدمام، والعلا، وجدة، حيث تنقل في جميع أنحاء المملكة لمشاهدة مختلف التضاريس والجغرافيا، ومراقبة مختلف جوانب المجتمع السعودي والثقافة، وتقييم وضع الإصلاح السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي. وبالإضافة إلى لقاءاته السياسية، أمضى الوفد أمسية مع فنانين في صالة عرض معاصرة، وقام بزيارة مركز الذكاء الاصطناعي بـ "جامعة الملك سعود" والتقى بمجموعة مختلطة من الطلاب والطالبات، وزار مركز ترويج المشاريع الصغيرة والمتوسطة والتقى برواد أعمال مبتدئين في مجال التقنية المتقدمة؛ وزار المقر الرئيسي لشركة "أرامكو" للاجتماع مع قيادات الشركة والاطلاع على عملياتها. كما سافر لرؤية الآثار النبطية في العُلا، وهي هدف رئيسي للاستثمار السياحي؛ وزار "مشروع داريا الضخم" بالرياض، وهو موقع ضخم تابع لمنظمة "اليونسكو" حيث يعيد السعوديون كتابة قصة أصلهم القومي؛ وقضى الوفد أمسية ممتعة في منطقة "البوليفارد" بمهرجان "موسم الرياض"، حيث كان آلاف السعوديين يلعبون ويأكلون ويستمعون إلى الموسيقى.
وخلال الرحلة، التقى الوفد مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ومجموعة من المسؤولين الآخرين، هم: وزير الدفاع، ووزير الخارجية، ووزير الدولة للشؤون الخارجية، والأمين العام لـ "رابطة العالم الإسلامي"، ورئيس "قيادة القوات المشتركة" و [نشطاء من] "مفوضية حقوق الإنسان" والعديد من الدبلوماسيين الأمريكيين والبريطانيين. ولن يتم الاستشهاد بما قاله أي من هؤلاء المسؤولين بشكل فردي، ولا ينبغي إسناد أي من الملاحظات الواردة أدناه إلى أي منهم.
المواضيع الرئيسية
تُلخص خمس كلمات أبرز ملاحظاتي في هذا الصدد:
- 1. المظالم. أقرّ كبار قادة السعودية بارتكاب أخطاء جسيمة مثل مقتل جمال خاشقجي، لكنهم اشتكوا من أنه يتم انتقادات المملكة "عشر مرات" أكثر من الدول الأخرى التي ترتكب انتهاكات مماثلة أو أشد خطورة، وخاصة خصوم أمريكا. كما أعربوا عن امتعاضهم مما يؤمنون بأنه عدم مبالاة الولايات المتحدة إزاء المخاوف الأمنية السعودية، في إشارة بشكل خاص إلى سحبها لمنظومة الدفاع الجوي التي ضمت صواريخ من نوع "باتريوت"، وقرار إزالة جماعة الحوثي اليمنية من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية لوزارة الخارجية الأمريكية، وتعليق تسليم أنظمة الأسلحة التي دفعت الرياض ثمنها أساساً.
- الطموح. تقوم استراتيجية الأمن الوطني السعودية على النمو، ويبدو أن طموح القيادة في هذا الصدد مثير للإعجاب. فقد أعرب كبار القادة عن فخرهم الكبير بأن اقتصاد المملكة هو الأسرع نمواً ضمن دول مجموعة العشرين (بمعدل 7.5-8٪)، مما أدى إلى زيادة "الناتج المحلي الإجمالي" إلى أكثر من تريليون دولار مع الحفاظ على معدل تضخم يُحسد عليه بنسبة 2.5٪ فقط. ويتسم مستقبل المملكة بمشاريع ضخمة تنطوي على استثمارات بمليارات الدولارات. وهناك إقرار واسع النطاق بأن ذلك لن يكون ممكناً دون مواهب السعوديات - إذ سجلت مشاركة المرأة في القوى العاملة زيادة ملحوظة لترتفع بأكثر من الضعف من نحو 15 في المائة إلى أكثر من 30 في المائة في أقل من عشر سنوات.
- الهوية. كان أحد الجوانب الأكثر لفتاً للانتباه في رحلتنا هو رؤية ظهور قومية سعودية قوية وواثقة من نفسها، يشكل الإسلام فيها إحدى سماته العديدة فقط، وليس عاملاً حاسماً أو أساسياً بشكل خاص. وحرص السعوديون على إثبات حسهم القومي هذا عبر عدة أمثلة، على غرار: مشروع "بوابة الدرعية" في الرياض الذي يروي قصة نشأة أول دولة سعودية قبل 300 عام من دون الإشارة إلى التسلسل الهرمي الديني؛ ومجمع مقر "أرامكو" المصمم ليعكس الكفاءة والاحترافية؛ والعلا التي تعرض إنجازات الحضارة ما قبل الإسلام في شبه الجزيرة العربية.
- الطاقة. تحمل هذه الكلمة معنى مزدوجاً بالنسبة للسعوديين اليوم: الطاقة بمعنى النفط، الذي تراهن الرياض على بقائه العنصر الأساسي في النمو العالمي لعقود عديدة على الرغم من التحول الكبير نحو مصادر الطاقة المتجددة؛ والطاقة من حيث الدافع البشري نحو الإبداع والابتكار والنمو، وهو ما رأيناه في العديد من الأماكن، بدءاً من الجامعات وإلى الشركات التقنية الناشئة.
- الغموض. على الرغم من هذا التقدم المبهر الذي أحرزته المملكة، إلّا أنه لا تزال هناك العديد من الأسئلة. ويتعلق أحدها بـ "الخاسرين" من الإصلاحات الحالية - أي شرطة الآداب (الأخلاق) والقادة الدينيين المحافظين الذين جُردوا من سلطتهم وصلاحياتهم، إلى جانب آخرين من الجيل الأكبر سناً الذين يشكل التغيير بالنسبة لهم اضطراباً وخطراً. فما هو موقف هذه الأقلية من مستقبل المملكة الحافل بالتقدم والانفتاح؟ لماذا تلتزم الصمت، وما الذي قد يدفعها إلى معارضة التغيير المستمر؟ وسؤال ثاني يتعلق بموضوع حقوق الإنسان الجدلي بشكل مستغرب. فعلى عكس مقاربة الرياض المصقولة والمدروسة إزاء العديد من المواضيع الأخرى، يبدو أن النقاش الرسمي بشأن حقوق الإنسان لا يزال غائباً. كيف يمكن للمملكة أن تكون رائدة في العديد من مجالات الإصلاح ومتخلفة للغاية في هذا المجال؟
ملاحظات بشأن السياسة الخارجية
العلاقات مع الولايات المتحدة. من الواضح أننا نواجه لحظة توتر كبير في العلاقات الأمريكية السعودية - لحظة يصفها البعض بأنها "الأسوأ منذ حرب عام 1973". وبرأيي، ستحل الحكومتان خلافهما الحالي بشأن إنتاج النفط، ومن المرجح أن تنخفض الاتهامات المتبادلة خلال الشهرين المقبلين. لكنني أخشى من أن أساس العلاقة آخذ في التضعضع. فواقع أن القطبيْن النافذين للمشهد السياسي الأمريكي - اليسار التقدمي و"أمريكا أولاً" اليميني - سيكونان في مركز يخولهما مجابهة مباشرة مع السعودية الأكثر حزماً وقومية وجرأة، ويقدّم سبباً كافياً لفك الشراكة الثنائية. وصحيح أن الحكومتين تؤكدان أنهما بحاجة إلى بعضهما البعض كشريكين وترغبان في تلك الشراكة، لكنهما تتخذان في الوقت نفسه إجراءات تشير إلى منح الأولوية للمصالح الذاتية وليس التعاون. ويمكن لهذه الدوامة أن تتسع بطريقة مدمرة للغاية.
إيران. بشكل عام، يرى القادة السعوديون أن النمو الاقتصادي هو جوهر استراتيجيتهم لإلحاق الهزيمة بخصمهم الرئيسي في طهران. وانطلاقاً من وجهة النظر هذه، فإذا أصبحت السعودية قوة اقتصادية متينة وحيوية وراسخة، ستبقى الجمهورية الإسلامية متأخرة. لكن الخوف من طموحات إيران وقدراتها حقيقي. فالمملكة مقتنعة بأن مهمة طهران تتمثل في بناء القدرة على تطوير سلاح نووي في غضون العامين المقبلين، ويعتقد كبار المسؤولين أنه إذا نجح النظام الإيراني في ذلك، فلن يتردد في استخدام القنبلة، إما بشكل مباشر - ضد إسرائيل - أو بشكل غير مباشر كقوة دافعة للتنمر على المنطقة. ويقول القادة السعوديون إنهم لم يروا بعد خطة (بديلة) واقعية ومفصلة لمنع ذلك، نظراً لأن الخطة الدبلوماسية (إعادة إحياء "خطة العمل الشاملة المشتركة") لم تعد فعالة، من وجهة نظرهم. كما حذروا من أنه إذا نجحت إيران في صنع قنبلة، على واشنطن أن تتوقع تغيراً في السياسة الخارجية السعودية من أجل احتواء طهران وحماية أمن المملكة - وهو قرار غير مفاجئ عند التفكير في أن هذا السيناريو سيعني أن الوعود المؤكدة التي قطعها الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون بالتأكيد على عدم انتشار الأسلحة النووية كانت واهية.
اليمن. بغض النظر عن كيفية وصف حرب اليمن، من الواضح أن السعودية ترغب في الانسحاب من النزاع اليوم (قبل الغد). ولكن من غير الواضح على الإطلاق ما إذا كان الحوثيون وداعموهم الإيرانيون سيجارونها في هذا المسعى. وفي الواقع، في هذه اللحظة من التوتر بين الولايات المتحدة والسعودية، يُفترض أن طهران حريصة على اختبار الكيفية التي سترد بموجبها واشنطن إذا بدأ الحوثيون أو الميليشيات المدعومة من إيران في العراق بإطلاق صواريخ أو طائرات مسيّرة على المملكة مجدداً. وهذا مصدر قلق حقيقي وملح للغاية.
إسرائيل. قبل خمس سنوات، عندما زار وفد مماثل من معهد واشنطن الرياض، سمعنا أن القيادة العليا تصف إسرائيل بأنها "حليف محتمل". وحالياً نرى أدلة على موجة زاحفة من التطبيع في كل مكان، حيث بدأ رجال أعمال ومصرفيون ورياضيون بزيارة المملكة بصفتهم المهنية.
ومع ذلك، يخطئ من يستخلص أن التطبيع الكامل أصبح قاب قوسين أو أدنى. ولا يرجع ذلك إلى عدم إحراز تقدم في القضية الفلسطينية، بل يُعزى إلى واقع أن التطبيع - رغم أنه مفيد بالتأكيد للسعوديين - أقل أهمية بالنسبة لهم مما كان عليه بالنسبة للدول التي وقّعت على "اتفاقيات إبراهيم". فمن جهة، سيتعين على المملكة التعامل مع إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية رئيسية أخرى، وعليها النظر بعناية في طريقة تطبيقها وترتيبها. ومن بين الإصلاحات، نذكر اثنين على جدول الأعمال هما رفع الحظر المفروض على تناول الكحول (والذي سيبدأ على الأرجح في المناطق السياحية المحظورة حيث يُسمح بذلك) والسماح بتنظيم الصلوات لغير المسلمين. (على الأرجح نتيجة لمتطلبات الرياض بأن تنقل الشركات الكبرى مقارها الإقليمية إلى المملكة من أجل القيام بأعمال تجارية مع الحكومة). ولا يمكن لأي مجتمع أن يقوم بالكثير من الإصلاحات في وقت واحد، والتطبيع مع إسرائيل يتنافس مع هذه التحسنات.
ومع ذلك، سمعنا بعض الملاحظات الجديرة بالاهتمام في هذا الصدد، من بينها اقتراح من مسؤول سعودي رفيع المستوى بأن التطبيع قد يحصل بسرعة أكبر إذا كانت الولايات المتحدة على استعداد لاتخاذ ثلاث خطوات رئيسية تجاه المملكة:
- تأكيد مصدّق من الكونغرس على التحالف الأمريكي-السعودي
- التزام بمواصلة إمدادات الأسلحة كما لو كانت السعودية دولة عضو في حلف «الناتو" (واقع أنها غير مدرجة على القائمة الطويلة لـ "أبرز الحلفاء من خارج «الناتو»" يجب أن يثير استياء الرياض)
• اتفاقية تسمح للسعوديين باستغلال احتياطياتهم الهائلة من اليورانيوم في برنامج نووي مدني مقيد
لكن من غير الواضح إلى أي مدى كانت هذه الاقتراحات بمثابة مناورة مفتوحة لإجراء محادثات فعلية حول هذه المواضيع. وما هو واضح هو أن السعوديين فكروا ملياً في آليات ما يريدونه من واشنطن مقابل التطبيع، على غرار ما سعت إليه دول أخرى للتواصل مع إسرائيل. وهذا وحده يشير إلى أن الرياض تسير على هذا الطريق.
خلاصة الأمر
لا يسَع الزائر إلا أن ينبهر من وتيرة التحوّل المستمر في السعودية ونطاقه ومضمونه. ولربما كانت العديد من هذه التغييرات من المسلمات بالنسبة إلى الأمريكيين (مثل رفع الحظر عن الموسيقى العامة)، لكنها ثورية في السياق السعودي. والمفارقة هي أن المملكة لديها مساحة أكبر بكثير للحرية، ولكن ليس للمعارضة. ونظراً لأن الحرية تنتج المعارضة بشكل طبيعي، فإن حل هذا اللغز سيكون أحد التحديات الرئيسية للرياض في السنوات المقبلة.
وفي الوقت الذي يواجه فيه السعوديون هذا التحدي، فللأمريكيين حصة كبيرة في نجاحهم، ولا نتحدث عن نجاح شخص واحد بشكل خاص، بل عن النجاح في إنجاز تحول جذري. وقد يكون هذا الأمر بمثابة عامل العزل الأفضل للتطرف الإسلامي، الذي كان في الماضي أبرز ما تصدّره السعودية إلى الخارج مقارنةً بالنفط في يومنا الحالي. ومن الأهمية بمكان أيضاً ضمان مرحلة سلسلة للتحوّل بعيداً عن النفط، وهو ما يحتاج إليه بشدة هذا القسم من العالم لتجنب أي تغيير حقيقي قد يكون مصحوباً بالتوترات أو حتى بالعنف. وفي رأيي، هذه ضرورة إستراتيجية يقل التسليم بها.