- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2509
تقسيم القدس؟ تداعيات أحداث العنف الأخيرة
وسط موجة من هجمات الطعن المنبعثة إلى حد كبير من الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية، وضعت السلطات الإسرائيلية نقاط تفتيش عند مداخل العديد من تلك المناطق. كما أقامت فواصل من الباطون على طول حدود الأحياء الجنوبية من "جبل المكبر" و "صور باهر" المتاخمة للحي اليهودي في شرق "تل بيوت"/"تلبيوت". بالإضافة إلى ذلك، هناك خطط لإقامة حاجز بين "العيسوية" وحي "التلة الفرنسية". والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، ما إذا كانت هذه التقسيمات ستُلغى بعد أن تخف حدة الأزمة، أو أنها عبارة عن علامة على إبعاد إسرائيل حواجزها الأمنية عن الحدود البلدية التي تقسم ما بين القدس الشرقية والضفة الغربية، وتحويلها لتمر ببعض الأحياء الشرقية.
لقد ظهرت موجة واسعة من أعمال العنف الأخيرة بعد المزاعم التي لا أساس لها والتي تقول بأن إسرائيل كانت على وشك تغيير إجراءات الوضع الراهن الخاصة بـ "جبل الهيكل"/"الحرم الشريف"، وهي منطقة مقدسة للمسلمين واليهود ولكنها تُستخدم حصراً لصلاة المسلمين حول المسجد الأقصى. هذا وقام عدد متزايد من أعضاء الكنيست الإسرائيلي بزيارات شخصية إلى المنطقة وسط شكاوى يمينية من أن اليهود مُنعوا من الصلاة فيها. وقد طالبهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في وقت لاحق بوقف هذه الزيارات، وهو لا يزال يؤكد على أن الحكومة لم تقم بأي تحركات لتغيير الوضع الراهن. بيد أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والذي عادة ما يدعم اللاعنف، حث شعبه على "الدفاع عن المسجد الأقصى" معلناً أمام جمهور التلفزيون الفلسطيني في 10 أيلول/ سبتمبر أنه يرحب "بكل قطرة دم تراق من أجل القدس". ومنذ ذلك الحين اتهم نتنياهو عباس بـ "التحريض".
الخلفية
بعد حرب عام 1967، أعادت إسرائيل ترسيم حدود ثمانية وعشرين قرية فلسطينية إلى داخل القدس التي أُعيد تشكيلها لكي تعادل ثلاثة أضعاف حجم المدينة قبل الحرب. ويتم الآن الإشارة ضمن النطاق السياسي إلى هذه المناطق التي أُعيد ترسيمها على أنها القدس الشرقية. وبهذه الخطوة، توسعت المساحة الإجمالية البلدية للمدينة من 38 إلى 108 كيلومتراً مربعاً. بعد ذلك ضمت إسرائيل المدينة بأكملها ومنحت الفلسطينيين الذين يعيشون فيها تصاريح إقامة تسمح لهم بالوصول إلى جميع أحياء القدس، وهو حق لا يتمتع به الفلسطينيون في الضفة الغربية.
بعد ذلك، تعهد الساسة الإسرائيليون، اليمينيون منهم واليساريون، بعدم تقسيم القدس أبداً. لكن في أذهان معظم اليهود الإسرائيليين، عنى هذا المبدأ إلى حد كبير إبقاء السيطرة على البلدة القديمة (التي تتواجد فيها المناطق الدينية الحيوية مثل "الحائط الغربي"/"حائط البراق" والمنطقة المتاخمة "جبل الهيكل")، وعلى الأحياء اليهودية في القدس الشرقية. واليوم، يعيش حوالي 40 في المائة من يهود القدس في المناطق الشرقية التي ضُمت في عام 1967. ومن حيث الموقع الجغرافي، تقع أكبر الأحياء اليهودية (على سبيل المثال، "راموت" و "جيلو") شمال القدس وجنوبها.
التوجهات الإسرائيلية
بيّنت نتائج استطلاع للرأي نشرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية في 14 تشرين الأول/ أكتوبر، الكيفية التي ينظر بموجبها السكان اليهود إلى القدس، الأمر الذي يظهر أن الوضع أكثر تعقيداً من مجرد الحفاظ على السيادة الإسرائيلية على المدينة بأكملها. فرداً على سؤال حول مصير الأحياء الفلسطينية، قال 66 في المائة من المستطلعين اليهود إنه لا ينبغي أن تكون جزءاً من القدس الإسرائيلية. وبالتالي، فإن مثل هذه الآراء تعكس التوجهات الماضية التي روّج لها المسؤولون الإسرائيليون من جانبي الساحة السياسية. على سبيل المثال، دافع رئيس الوزراء السابق إيهود باراك عن التنازلات عن القدس التي قام بها في قمة "كامب ديفيد" في عام 2000 مشيراً إلى أنه عندما صلّى اليهود لاستعادة المدينة على مدى ألفي عام من المنفى، لم يكونوا يصلّون من أجل حي "شعفاط" العربي. كما أن النائب اليميني أفيغدور ليبرمان أعلن مراراً وتكراراً عن أن التوازن الديموغرافي لإسرائيل سيكون أفضل حالاً إذا لم تشمل الأحياء الفلسطينية.
عندما قامت إسرائيل ببناء الأجزاء الأولى من الجدار الأمني في الضفة الغربية في عام 2003، أقيمت الجدران في الحيَيْن الشماليَيْن من القدس "كفر عقب" و"قلنديا" داخل الحدود البلدية للمدينة. ولم يؤدِ الأمر إلى بروز غضب شعبي كبير في صفوف الإسرائيليين لأنهم عادة لا يزورون هذه المناطق الفلسطينية. بيد، أدى ذلك إلى قيام فراغ في الخدمات الاجتماعية، لأن كلاً من بلدية القدس والسلطة الفلسطينية لا تتمتع بصلاحية على المنطقة.
وبشكل عام، خيّم الغموض على الجهود الهادفة إلى استثمار البنية التحتية المدنية في الأحياء الفلسطينية من القدس الشرقية. إذ يرى المراقبون أن إسرائيل تحتفظ بهذه الأحياء كورقة مساومة لإجراء محادثات محتملة مع السلطة الفلسطينية حول الوضع النهائي للضفة الغربية. وخارج إطار المفاوضات، كانت إسرائيل تعارض تناول فكرة نشر حواجز جديدة داخل هذه الأحياء بدلاً من التركيز على محيطها.
لكن مع انهيار محادثات السلام في عام 2014 وتعميق العداء بين نتنياهو وعباس، من غير الواضح ما إذا كانت المفاوضات حول الوضع النهائي ستتبلور يوماً ما، مما يدفع إلى التساؤل حول ما إذا كانت إسرائيل ستعدّل معالم الجدار الفاصل من جانب واحد. هذا، ونفى النائب السابق من حزب "الليكود" والرئيس السابق لجهاز "الأمن العام الإسرائيلي" ("الشاباك") آفي ديختر أن يكون للإجراءات الأمنية الأخيرة أي أهمية سياسية. وقال متحدثاً إلى الإذاعة الإسرائيلية في 19 تشرين الأول/ أكتوبر إن الفواصل الجديدة بين الأحياء الفلسطينية والإسرائيلية كانت عبارة عن "خط أمان"، وليس محاولة لتقسيم المدينة بشكل دائم.
عندما يتعلق الأمر بالحاجز الأمني في الضفة الغربية، كانت مشاعر الرأي العام هي الدافع وراء السياسة الإسرائيلية أكثر من السياسيين. ففي تسعينيات القرن الماضي على سبيل المثال، كتب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، الراحل أرييل شارون، ضد بناء هذا الجدار، معتبراً أنه سيؤدي إلى تقسيم أرض إسرائيل التاريخية. لكن بصفته رئيس وزراء في الفترة الممتدة ما بين العامين 2002 و2003، لم يكن بإمكانه أن يقاوم الضجة العامة من أجل السلامة، إذ طالب الإسرائيليون بحاجز لمنع الفلسطينيين من الضفة الغربية من ارتكاب التفجيرات الانتحارية. وبالتالي، إذا تدهور الوضع الأمني الراهن في القدس بصورة أكثر، يمكن لدينامية يحركها الشعب أن تعيد تشكيل سياسة الجدار الإسرائيلي العازل في الأحياء الشرقية من المدينة، لا سيما نظراً إلى نتائج استطلاع الرأي التي تظهر معارضة الغالبية لإدماج المناطق الفلسطينية.
التوجهات الفلسطينيية
يبقى من غير الواضح إلى حد كبير ما إذا كان فلسطينيو القدس الشرقية يريدون أن يتم ترسيم مناطقهم ضمن الضفة الغربية، سواء كان ذلك حالياً أو كجزء من تسوية سلمية مستقبلية. وفي هذا الإطار تشير بعض استطلاعات الرأي إلى أن هؤلاء السكان يفضلون مستوى المعيشة الأعلى في القدس الشرقية والاستمتاع بالتصريح الذي يملكونه والذي يخولهم الوصول إلى بقية المدينة. ففي استطلاع أجراه "المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي" في منتصف حزيران/ يونيو، قال 52 في المائة من الفلسطينيين في القدس الشرقية إنهم يفضلون أن يكونوا مواطنين ضمن إسرائيل يتمتعون بحقوق متساوية (انظر ديفيد بولوك، "نصف الفلسطينيين في القدس يفضلون الجنسية الإسرائيلية على الفلسطينية").
ليس هناك شك في أن نقاط التفتيش الجديدة ستخلق شعوراً بالإحباط لدى الفلسطينيين، وينعكس ذلك في جزء منه عبر إطالة أوقات وصولهم إلى أماكن عملهم. وقد يدفع هذا بالبعض إلى القول بأن الإجراءات الأمنية الإسرائيلية ستؤدي إلى رد فعل سلبي. على كل حال، سيكون من المثير للاهتمام رؤية ما إذا كان هؤلاء الفلسطينيون الذين يفضلون مدينة أكثر انفتاحاً سيقررون استخدام التهديد النظري لتغيير مسار الجدار الأمني في القدس كأداة للضغط على أولئك الذين يقومون بأعمال العنف.
المحصلة
في ظل غياب مفاوضات سلام بسبب الجمود التام بين نتنياهو وعباس، يمكن لهجمات الطعن في القدس أن تعيد تشكيل التوجهات العامة إلى حد الوصول إلى مؤثرات سياسية. ومن الممكن القول إن أي نهج كهذا يقوده الشعب سيكون مدفوعاً من احتياجاته الأمنية أكثر من الصيغ الغامضة حول مدينة موحدة. وفي الواقع، إن بعض أجزاء القدس الشرقية تعني لليهود الإسرائيليين أكثر بكثير من غيرها.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.