- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
ترامب أخلّ بالسياسة تجاه إيران، وعليه إصلاحها
لا أعلم إن كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من مؤيّدي قاعدة "بوتري بارن" الشهيرة القائلة "إذا كسرتها، اشتريتها"، ولكنها تنطبق الآن على سياسته تجاه إيران. صحيح أنه ورث تحدي معالجة توسّع إيران في المنطقة. لكنه ورث أيضاً صفقة نووية. فعلى الرغم من كل عيوبه، حدّ الاتفاق النووي من قدرة إيران على "الخروج" [عن البرامج المدنية للطاقة النووية] والاندفاع نحو بناء سلاح نووي حتى بعد عام 2030.
كشخص كان قد خدم في الحكومة الأمريكية خلال الولاية الأولى لإدارة أوباما وأُنيطت بي مسؤوليات بشأن إيران، أعتقد أنه من الإنصاف القول إن الاتفاقية النووية كانت دون مستوى التطلعات المقبولة. وفي ذلك الوقت، ظننتُ أنا ومسؤولون أمريكيون آخرون في مجال الأمن القومي أنه يجب أن يتم تقليص حجم البنية التحتية النووية الإيرانية وطابعها بشكل كبير، وتركها مع أجهزة طرد مركزي غير متقدمة، أي السماح بأقل من 1000 جهاز من أجهزة الطرد المركزي "IR-1 " من الجيل الأول. فهذا التغيير وحده، أي التمتع ببرنامج نووي محدود للغاية، من شأنه أن يثبت أن الإيرانيين قد غيروا نواياهم حقاً.
بعد انتخاب الرئيس حسن روحاني عام 2013 والمناقشات غير الرسمية التي أشارت إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق - على الرغم من أنه ليس ذلك الاتفاق النووي الذي تصوّرناه سابقاً - استنتج الرئيس باراك أوباما ووزير الخارجية جون كيري والمفاوضون آنذاك أن التقليصات، والقيود، والشفافية الممكنة هي أفضل من الخيار البديل المتمثّل بعدم التوصل إلى اتفاق واحتمال نشوب حرب.
عندما سعت إدارة أوباما إلى إقناع [المجتمع الأمريكي] بالقبول بالصفقة النووية مع إيران، لم أصدّق أبداً الحجة التي قالت بأنه قد تم إيقاف المسارات الإيرانية نحو صنع قنبلة نووية إلى الأبد. كيف يمكن أن يتم إعاقتها بالكامل عندما يُسمح لإيران قانونياً بتطوير قاعدة صناعية نووية كبيرة جداً دون فرض قيود على أعداد أجهزة الطرد المركزي ونوعيتها المسموح بها بعد عام 2030؟ بالإضافة إلى ذلك، وكما نعلم الآن من الخبطة المفاجئة الأخيرة التي أثارها جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، فإن الإيرانيين، رغم إنكارهم حقيقة أنهم سبق وعملوا على أجهزة متفجرة نووية، قد حافظوا سراً على كل عملهم المتعلق بصنع القنابل، والذي يشمل الرسومات وبناء الطراز بالحاسوب، والمحاكاة، واختبار محفزات النيوترون. وقد قاموا بذلك بالرغم من أنّ الصفقة النووية تلزمهم بعدم السعي إلى امتلاك سلاح نووي أو حيازته أو تطويره، أو المشاركة في أي عمل من أعمال التصميم هذه. فلو تخلّى الإيرانيون حقاً عن نواياهم في حيازة أسلحة نووية يوماً ما، فلماذا احتفظوا بجميع هذه الوثائق إذاً؟
الإجابة بديهية. لقد أرجأت إيران خيار امتلاك الأسلحة النووية ولم تتخلى عنها. ومن الواضح أن بعض انتقادات ترامب للصفقة النووية كانت صحيحة. فقبل إلغاء الاتفاق النووي في الأسبوع الأخير، استخدمت إدارة ترامب تلك الانتقادات كوسيلة لجعل القادة الأوروبيين يعالجون بعض عيوب الاتفاق. وقد أدرك مسؤولو الإدارة الأمريكية بشكل صحيح أن الأوروبيين سيحاولون بشدة منع الولايات المتحدة من الانسحاب من الصفقة، وأن بإمكانهم الضغط على الحكومات البريطانية والفرنسية والألمانية لدعم العقوبات على برنامج إيران للصواريخ الباليستية وأنشطة طهران المزعزعة للاستقرار في المنطقة. وربما أخيراً جعْلْ الأوروبيين يصنفون «حزب الله» بكامله كمنظمة إرهابية، وليس جناحه العسكري فقط.
وخلافاً لرأي إيران، كان البريطانيون والفرنسيون والألمان مستعدين أيضاً، كجزء من التفاهم مع إدارة ترامب، للإعلان على الملأ بأن الاتفاقية أعطت المفتشين الحق في تفتيش القواعد العسكرية الإيرانية. إذ أن أحكام "النفاذ الموقوت" [الأحكام التي تقضي بإعادة النظر بعد مدة معينة] التي كان من شأنها أن ترفع القيود المفروضة على أجهزة الطرد المركزي الإيرانية والتخصيب عام 2030، تشكّل مسألة شائكة بالنسبة للأوروبيين لأنها تمثل أساس المقايضة في الصفقة. ومع ذلك، حتى في هذه الحالة، كان الأوروبيون مستعدين للإعلان عن وجود قيود إضافية يجب التفاوض بشأنها في فترة ما بعد عام 2030. ولو سعى الرئيس الأمريكي إلى استخدام ما كشفته إسرائيل [من مستمسكات]، أعتقد أن كان بإمكانه حثّ الأوروبيين بشكل أكبر على التحرّك بشأن أحكام 'النفاذ الموقوت" وأعمال التفتيش والمراقبة.
إلّا أنّ الهدف النهائي لترامب لم يكن التأثير على الأوروبيين للضغط على إيران للتوصل إلى اتفاق أفضل. فما هو هدفه إذاً؟
ليس هناك شك في أنّ بعض مستشاريه، مثل جون بولتون، لطالما فضّلوا تغيير النظام في طهران. فهم يرون أنّ بوادر التنافر والعزلة في إيران، إلى جانب استمرار المظاهرات وقيام الآلاف بالهتاف باسم الراحل رضا شاه في مباراة لكرة القدم، تجعل هذا الوقت مثالياً لتشديد الخناق الاقتصادي على النظام. ويجادل مغيّرو النظام أنّ الحكومة الإيرانية على وشك السقوط، وأن الوقت قد حان الآن لعزلها مالياً والسماح للانهيار الاقتصادي الذي يعقب ذلك بإسقاط الجمهورية الإسلامية.
وبالتأكيد يرى ترامب أنّ النظام الإيراني هو بهذه الفظاعة، وليس لديه أيّ شكوك حول التهديدات التي يشكّلها على المنطقة والعالم. وحتى أن نبرته قد توجه المستمعين إلى الاعتقاد بأنّه يدعم تغيير النظام. ولكن لننظر إلى ما اختتم به خطابه الذي أعلن فيه عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 8 أيار/مايو: أقرّ ترامب بأنّ قادة إيران "سيعلنون بطبيعة الحال عن رفضهم التفاوض على صفقة جديدة... ولا بأس بذلك. ربما كنت سأقول الشيء نفسه لو كنتُ مكانهم. ولكنّهم يريدون في الحقيقة التوصّل إلى اتفاق جديد ودائم، يستفيد منه كل من إيران والشعب الإيراني. وعندما يفعلون ذلك، سأكون مستعداً وراغباً وقادراً".
هذه ليست كلمات لمغيّر نظام. بل هي كلمات شخص يؤمن بقدرته على التوصّل إلى اتفاق - حتى مع هذا النظام. ومن المفارقات، أنه لو عمل ترامب على عزل الإيرانيين من خلال التركيز على خداعهم في مسألة الأسلحة النووية وضمّ الأوروبيين إليه، لكان سيحظى بفرصة للنجاح. إلا أن الحكومات البريطانية والفرنسية والألمانية أصدرت على الفور بياناً ثلاثياً قوياً شدّدت فيه على "التزامهن المستمر بـ «خطة العمل الشاملة المشتركة»"، وحثّت أيضاً "الولايات المتحدة على ضمان الحفاظ على سلامة هياكل «خطة العمل الشاملة المشتركة»، وتجنّب اتخاذ أيّ إجراء يعيق تنفيذها بشكل كامل من قبل جميع الأطراف الأخرى في الاتفاق". ولن يلتزم الحلفاء الأوروبيون الرئيسيون للولايات المتحدة بالصفقة فحسب، بل يبدو أنّهم ينوون مقاومة قرار إدارة ترامب بفرض عقوبات ثانوية على الأطراف الملتزمة بالاتفاق - وذلك لتحفيز الإيرانيين على الالتزام بالاتفاق من جهة وحماية شركات الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.
وبالنسبة إلى من شعر منّا بأنّه كان من الضروري دائماً إبقاء العبء على الإيرانيين في حال فَشل الاتفاق، فهذا غير مفاجئ. فلطالما كان من السهل توليد ضغوط جماعية على الإيرانيين إذا ما انسحبوا من الصفقة؛ وللأسف، فإن الولايات المتحدة هي مَن تخلّت الآن عن الاتفاق - وفعلت ذلك بمفردها.
ويبرز الآن خطر حقيقي يتمثّل بعدم قدرة الولايات المتحدة على ضمّ شركاء إليها للضغط على الإيرانيين بطريقة قد تغيّر سلوكهم وتُعيدهم إلى طاولة المفاوضات لمعالجة المشاكل التي يريد ترامب إصلاحها. وقد تنضم كوريا الجنوبية واليابان إلى الولايات المتحدة، بعكس الصين والهند وروسيا والاتحاد الأوروبي التي لن تفعل ذلك على الأرجح. ولا يبدو أنّ لدى إدارة ترامب استراتيجية للمرحلة المقبلة لإعادة الأوروبيين إلى الساحة بعد رفضهم بشكل أساسي شهوراً من المفاوضات معهم. بالإضافة إلى ذلك، نظراً لأنّ واشنطن هي التي ألغت الاتفاق وليس طهران، فسيكون من الصعب مواجهة موقف الضحية الإيراني المحتمل [الذي ستلعبه طهران] وسعي النظام إلى إلقاء اللوم على الولايات المتحدة.
وتكمن الحقيقة المرّة في أنّ إيران ستلعب دور الضحية في القضية النووية، حتى في الوقت الذي تعمل فيه على تصعيد التوترات في المنطقة، من خلال وكلائها بشكل أساسي. وفي أعقاب قرار ترامب بشأن الصفقة الإيرانية، لم يكن مفاجئاً أن تنتقم إيران من الإسرائيليين بسبب هجومهم في 9 نيسان/أبريل الذي أودى بحياة ضباط في «فيلق القدس». وفي هذه الحالة، احتاج الجنرال قاسم سليماني إلى يوم واحد فقط قبل قيام إيران و «حزب الله» بإطلاق صواريخ من سوريا إلى إسرائيل. وتم تدمير الصواريخ الأربعة التي اخترقت المجال الجوي الإسرائيلي بواسطة صواريخ نظام "القبة الحديدية"، في حين ضُربت الصواريخ المتبقّية داخل سوريا. ولم يأمل الإيرانيون بإظهار قدرتهم على الانتقام من إسرائيل فحسب، بل الإثبات أيضاً أن هناك ثمن لقرار الولايات المتحدة، وكانوا يأملون في إظهار التباين بين قدرتهم على التصرّف واعتماد واشنطن على الكلام الشديد اللهجة.
مهما كان يعني انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، إلا أنّ أمراً واحداً واضح للغاية: أنه قد أزال نهج عهد أوباما تجاه إيران، ويتحمّل الرئيس الأمريكي الآن المسؤولية الكاملة عن أيّ عمل تقوم به طهران. وإذا تمكّنت إيران من تهديد استقرار المنطقة من خلال توسيع أهدافها العسكرية أو استئناف برنامجها النووي، فسيعود الأمر إلى إدارة ترامب لكي تثبت أن لديها سياسة لإضعاف الاحتمالين.
دينيس روس هو مستشار وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن.
"فورين بوليسي"