- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
ترامب وعملية السلام في الشرق الأوسط: تقييم اجتماعه مع عباس
خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى واشنطن، خيّمت على إجتماعه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أجواء مريحة حيث كان هناك قدراً كبيراً من الثناء والدعم، وتأكيد من قبل الرئيس ترامب على التزامه الشخصي بإحلال السلام، وتقدير صريح لموقف عباس ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش»)، ولتعاون السلطة الفلسطينية في المجال الأمني مع إسرائيل. كما أن حفاوة اللقاء الخاص بين عباس وترامب واجتماع غداء العمل الذي حضره كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية قد ألقيا بظلالهما على انتقاد ترامب لـ التحريض على العنف الذي تم تبليغه بشكل واضح ولكن بتعابير غير صدامية. وبعد أن كانت عملية السلام في الشرق الأوسط قد وُضِعت مؤخراً على هامش الأولويات الإقليمية الأمريكية، يبدو أنها برزت مجدداً على رأس جدول أعمال البيت الأبيض.
لقد جاء هذا الزخم الجديد حصراً نتيجة إلتزام ترامب الشخصي الواضح بالموضوع، كما يتضح من إشاراته المتكررة إلى هذا الموضوع في العديد من المقابلات الإعلامية، وتفويضه العملية إلى كل من صهره جاريد كوشنر و "الممثل الخاص للرئيس الأمريكي للمفاوضات الدولية" جيسون غرينبلات، فضلاً عن التطرق إليها في محادثاته مع مختلف زعماء العالم. الا ان اجتماع عباس - ترامب لا يُمثل سوى المشهد الأخير للعرض الافتتاحي للقيادة الأميركية الجديدة لعملية السلام في الشرق الاوسط، الذي سبقته لقاءات في البيت الابيض مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني. ورغم عدم ظهور استراتيجية كاملة حتى الآن، إلّا أنّ ن قراءات هذه الاجتماعات تشير إلى الخطوط العريضة للخطوات المباشرة المقبلة في نهج واشنطن. وسيكون هناك مساران متوازيان لانخراط الولايات المتحدة مع كل جانب في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني هما: الضغط على إسرائيل لـ تجميد النشاط الاستيطاني، والضغط على السلطة الفلسطينية لكي تتكلم بصوت موحد ضد التحريض. وسوف يقترن ذلك ببذل جهود [لحث] الدول العربية الرئيسية - مصر والأردن والسعودية والإمارات العربية المتحدة وحلفاء آخرون للولايات المتحدة - على الاشتراك في عملية إقليمية من شأنها أن تخلق، كما وصفها ترامب، "اتفاق كبير" للوصول إلى السلام. وفي النهاية، سيتعين على هذه المكونات أن تتضافر في عملية أكثر شمولاً، ولكن لكل منها تحدياته الخاصة. وليس هناك [عقبات] لا يمكن تخطيها، ولكن لا بدّ من مشاركة أمريكية مستمرة ونشطة.
العوائق السياسية
بينما كان الزعيمان ووفداهما يعقدان مناقشات في واشنطن، كانت الأنباء من الضفة الغربية وقطاع غزة تدعو إلى القلق. وكما كان متوقعاً، سارعت حركة «حماس» إلى الإعلان بأنه "لا تفويض لأحد [عباس] للتحدث نيابة عن الشعب الفلسطيني". وفي الوقت نفسه، تجمّع حشد كبير من الفلسطينيين في رام الله تضامناً مع السجناء الفلسطينيين المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية، حيث استمع إلى رسالة حماسية من زعيم المضربين مروان البرغوثي، قرأتها زوجته فدوى. ودعا البرغوثي الفلسطينيين إلى "إطلاق أوسع حركة [شعبية] وحركة عصيان مدني [ووطني شامل]". وعلى الرغم من أن الدعوة كانت موجّهة ضد إسرائيل، إلّا أنّه لم يكن هناك مفر من الاستنتاج بأن السلطة الفلسطينية كانت الهدف المقصود. ومن بين الذين تحدّثوا إلى الحشد كان هناك كبار قادة حركة «فتح»، الذين كانت خطاباتهم بعيدة عن التصالح. وفي ظل هذه الظروف، سيكون من الصعب تحقيق "صوت موحّد ضد التحريض". كما أن الأمر الأكثر صعوبة سيكون معالجة مسألة مدفوعات السلطة الفلسطينية إلى "صندوق الشهيد" والسجناء المتورطين في الإرهاب، وهي مسألة لم يثُرها ترامب في المؤتمر الصحفي، ولكنها قضية طُرحت في الاجتماعات الخاصة.
عندما يعود عباس إلى رام الله، سيتعيّن عليه التعامل مع هذه الحقائق. لكن الزعيم البالغ من العمر 82 عاماً سوف تعوقه [عدة مواضيع من بينها] شعبيته المنخفضة، حيث يعتقد حوالي ثلثي الفلسطينيين أنه ينبغي عليه أن يتنحى، وانخفاض ثقة الجمهور في السلطة الفلسطينية بسبب الفساد وسوء الحكم، ودينامية الخلافة التي أُزيلت من الصفحة الأولى ولكنها ليس بعيدة عن أذهان الطامحين من حركة «فتح». وتحْدُث جميع هذه التطورات في ظل جمهور فلسطيني متشكك على نحو متزايد، الذي فقد ثقته بالدبلوماسية إلى حد كبير.
وقد يكون الاجتماع مع ترامب قد أعطى عباس دفعة دبلوماسية، كما أن وعود الدعم الاقتصادي والتنمية ستساعد على تعزيز مكانته، ولكن المهمة المقبلة ستكون صعبة في أفضل الظروف. فالزعيم الفلسطيني هو شخص حذر ومزاجي، وسوف يجد صعوبة فى تلبية بعض المطالب الشديدة التى ستبرز أثناء مناقشاته مع المسؤولين الأمريكيين.
وفي الوقت نفسه، يكتشف المفاوضون الأمريكيون أن تجميد بناء المستوطنات يطرح مشاكل سياسية لـ نتنياهو. فالغالبية العظمى من ائتلافه الحاكم وجزء كبير من حزبه "الليكود" يعارضون أي قيود على المستوطنات. ويجد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه على الجناح الأيسر من حكومته - وهو موقف لا أحد، بمن فيهم نتنياهو نفسه، كان يتخيّله قبل بضع سنوات فقط - ومقيداً جداً إلى درجة أنه لم يستطع مؤخراً لفظ عبارة "حل الدولتين" بصورة علنية. كما أن وضعه كصاحب أطول خدمة بين رؤساء الوزراء الإسرائيليين الذي شغل منصبه على مدى فترة متتالية خلق شعوراً متزايداً مما يسمّى بـ "تعب بيبي"، وتفاقم ذلك بسبب عدم اليقين الناجم عن عدد من تحقيقات الشرطة التي قد تؤدي (أو لا تؤدي) إلى اتهامات. وليست هناك تحديات ملموسة لقيادته في الوقت الراهن، ولكن في مثل هذا الجو المحفوف بالمخاطر، لن يكون نتنياهو متحمساً للقيام بأي شيء قد يؤدي إلى المخاطرة بإثارة أزمة سياسية في تحالفه.
ورداً على دعوة ترامب لضبط النفس بالنسبة [لموضوع] المستوطنات، عرضت إسرائيل أفكارا أولية مثل الحدّ من البناء الجديد في المناطق المبنية أو المناطق المتاخمة لها. وقد يكون ذلك كافياً كخطوة أولى، ولكن من المرجح أن يُطلَب من إسرائيل أن تفعل المزيد مع استمرار العملية. ومع ذلك، شهدت الأسابيع التي أعقبت اجتماع ترامب - نتنياهو استمرار الأنشطة الاستيطانية، بما في ذلك الإعلان عن أوّل مستوطنة جديدة منذ عقود بدلاً من البؤرة الإستيطانية "أمونا" التي تم اخلاؤها في الضفة الغربية. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة ظلت صامتة علناً حول هذه التطورات (وكانت منضبطة بشأن منع أي تسريب لمحادثات محتملة مع المسؤولين الإسرائيليين حول هذا الموضوع)، إلّا أنّ هذه التطورات لم تُثر غضب الفلسطينيين فحسب بل بعض الدول العربية الرئيسية مثل الأردن أيضاً.
إن النغمة الدافئة التي تربط علاقة نتنياهو مع ترامب تُعتَبَر أصولاً سياسية، خاصة من خلال تباينها مع العلاقات التي كثيراً ما كانت متوترة مع الرئيس السابق باراك أوباما. ولكن مع بدء المحادثات مع المسؤولين الأمريكيين، سيجد نتنياهو نفسه مضطراً حتماً إلى الموازنة بين الحفاظ على العلاقة والاستجابة لتحدياته السياسية الداخلية.
أما الدول العربية فليست حريصة على المشاركة في عملية السلام بقدر رغبة المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين في هذا الصدد، خاصة إذا كان ذلك يعني المشاركة العلنية مع إسرائيل والضغط على الفلسطينيين في عملية السلام. وقد أدى ظهور إيران كتهديد مشترك لإسرائيل ودول الخليج العربي إلى [قيام] تعاون سري، ولكن معروف عموماً، بين إسرائيل ودول الخليج، لمواجهة هذا التهديد. لكن في الوقت الحالي، ليس لدى الدول العربية حافز لجعل هذه العلاقات علنية، ناهيك عن توسيعها لتشمل عملية السلام. فالإطار الحالي للعلاقات يفي بمتطلباتها الأمنية والعسكرية دون دفع أي ثمن سياسي محلي، ويعتقد العديد من مسؤوليها أن عملية السلام هي جهد عقيم مُقدر له الفشل.
واليوم، يعتبر العديد من القادة العرب أن عملية السلام هي أولوية أمريكية، وليست أولوية خاصة لهم. وللانخراط فيها بصورة أكثر، يريدون أولاً قيام واشنطن بمعالجة مخاوفهم الأوسع نطاقاً في المنطقة، أي عكس ما يعتبرونه، بحق أو خطأ، تخلّي الولايات المتحدة عن دورها القيادي الإقليمي أثناء إدارة أوباما. ويشعر هؤلاء القادة بالتشجيع من تغيير النبرة تجاه إيران وبالضربة الصاروخية [التي شنتها الولايات المتحدة] ضد قوات الرئيس السوري بشار الأسد في 7 نيسان/أبريل بعد استخدامه للأسلحة الكيميائية. ومع ذلك، ما زالوا غير متأكّدين ما إذا كان ذلك سيترجَم إلى سياسة أمريكية جديدة مستدامة في المنطقة، وخاصة فيما يتعلق بإيران. وإلى أن تصبح هذه الدول مُقتنعة بأن قيامها بدور نشط في عملية السلام من شأنه أن يساعد على استمرار المشاركة الإقليمية الأمريكية، فمن غير المحتمل أن تُقدم أكثر من كلمات التشجيع.
هل قلة الصبر فضيلة؟
من المؤكد أن لدى إدارة ترامب نفوذ في عملية السلام. ولا يريد عباس ونتنياهو القول "كَلّا" لترامب، وبذلك يفقدان الفوائد الناجمة عن الارتباط الوثيق معه. ولكن كلاهما يتردّد في القيام بأي خطوة من شأنها أن تُشكل تحدياً سياسياً للغاية. وبدلاً من ذلك، من المرجح أن يفعل كلٌّ منهما الحد الأدنى على الإطلاق المتطلَّب منهما لتلبية توقعات واشنطن. وفي مثل هذه الديناميكية، لا بدَّ أن يتخذا الإجراءات التي سوف ينظر إليها الجانب الآخر كعلامات سوء نية. [ومن ناحية الولايات المتحدة]، سيتعيّن على المسؤولين الأمريكيين التعامل مع التعقيد المتزايد في علاقاتهم الإقليمية الأخرى.
ولكن يمكن التغلب على هذه التحديات. ففي الكلمة التي ألقاها مستشار الأمن القومي الأمريكي إيج. آر. ماكماستر أمام حشد تجمع فى واشنطن للاحتفال بعيد الاستقلال التاسع والستين لدولة إسرائيل قال إن "الرئيس ليس رجلاً يتمتع بالصبر الطويل". إن كيفية تجلّي هذا الصبر سوف تكون مفتاح احتمالات النجاح فى عملية السلام . وإذا واجه ترامب تسويفات لامتناهية من قبل الجانبين و [ظواهر] إلقاء اللوم على الجانب الآخر كما اعتادا عليه خلال عقود من المفاوضات، فسيقوده نفاد صبره إلى التخلّي عن القضية لصالح التركيز على عدد كبير جداً من المشاكل الدولية والإقليمية الأخرى، وعندئذ ستتبع عملية السلام هذه، ذلك المسار الذي سارت عليه تلك التي سبقتها.
من ناحية أخرى، إذا أدّى نفاذ صبر ترامب إلى فرض ثمن لعدم الامتثال، فإن ذلك قد يصبح عندئذ المحفز الرئيسي للنجاح. إلّا أنّ هذا الأمر سيتطلب استمرار إدارة العملية من قبل مسؤولين أمريكيين وإضاعة وقت رئاسي وإنفاق رأسمال سياسي. وبالنسبة لرئاسة ترامب من المبكّر التكهّن بما سيحدث، ولكن ستكون هناك فرصة لتوضيح النهج الجديد عندما يزور ترامب إسرائيل في أواخر أيار/مايو. وهناك شيء لا يمكن إنكاره وهو أن نهج الرئيس الأمريكي وتركيزه القوي على عملية السلام قد فتح فرصة غير متوقعة.
غيث العمري هو زميل أقدم في معهد واشنطن ومستشار سابق للفريق الفلسطيني المفاوض للسلام.
"فورين آفيرز"