- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2445
تشكيل حكومة فلسطينية جديدة: التحديات والفرص
في الآونة الأخيرة، وردت تقارير مفادها أن حكومة رئيس وزراء السلطة الفلسطينية رامي حمد الله ستستقيل قريباً، وأنه سيتم تشكيل حكومة جديدة. وقد تولى حمد الله هذا المنصب منذ حزيران/يونيو 2013، وترأس ثلاث حكومات منذ ذلك الحين، كانت آخرها قد تشكلت في حزيران/يونيو 2014، بعد أن وافقت حركتي «فتح» و «حماس» على إقامة "حكومة وفاق وطني" مؤلفة من وزراء تكنوقراط غير منتمين إلى أحزاب.
ويقيناً، سيكون للحكومة الجديدة تأثير مباشر محدود، إن لم نقل معدوم، على العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، لأن القرارات السياسية الكبرى حول المفاوضات والتدويل والتعاون الأمني الثنائي تندرج في إطار سلطة "منظمة التحرير الفلسطينية" والرئيس الفلسطيني محمود عباس. ومع ذلك، فإن عملية الانتقال الناشئة والوشيكة ستحمل في طياتها انعكاسات ملحوظة على السياسة الفلسطينية الداخلية من شأنها أن تؤثر حتماً على آفاق إصلاح مؤسسات السلطة الفلسطينية وإعادة إعمار قطاع غزة.
لماذا الان؟
شُكلت الحكومة الحالية استجابة لمطالب الشعب القائمة منذ فترة طويلة من أجل تحقيق الوحدة الوطنية، التي دعا إليها العديد من الفلسطينيين منذ الاستيلاء العنيف لـ «حماس» على قطاع غزة في عام 2007. ومع ذلك، واجه مجلس الوزراء باستمرار عقبات منعته من أداء مهامه الرئيسية، أي الإعداد للانتخابات، وإعادة دمج المؤسسات وموظفي الخدمة المدنية في قطاع غزة والضفة الغربية، وإعادة إعمار غزة في أعقاب حرب 2014.
وكانت المهمة الأولى صعبة دائماً نظراً إلى عدم الاهتمام بالانتخابات الذي أظهره قادة «حماس» و «فتح»، لذلك لم يتحقق أي تقدم على هذه الجبهة. كما وتعثرت عملية إعادة الدمج المؤسساتي وإعادة إعمار غزة بسبب التوترات الداخلية. إذ تدّعي «حماس» أن الرئيس عباس وجّه الحكومة نحو عرقلة هذه العمليات من أجل كسب المزيد من التنازلات من الحركة، في حين يدّعي الرئيس عباس وحركة «فتح» أن «حماس» تريد حكومة عقيمة من شأنها أن تسهل إعادة الإعمار ودفع المرتبات للموظفين المعيّنين من قبل «حماس» من دون أن تضطر هذه الحركة إلى التنازل عن السيطرة الحقيقية على غزة.
عملية انتقالية غير مؤكدة
كانت التطورات الأخيرة فوضوية حتى وفقاً للمقاييس الفلسطينية. وقد أشار عباس مراراً وتكراراً إلى أنه يجري النظر في [إقامة] حكومة جديدة، ولكن يجب على الحكومة الحالية الاستقالة أولاً. وعوضاً عن ذلك، تم تكليف "اللجنة التنفيذية" لـ "منظمة التحرير الفلسطينية" بـ "تشكيل لجنة من أعضائها للتشاور مع كافة الفصائل من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال أسبوع". وليس من الواضح ما إذا كان هذا الموعد النهائي يشير إلى تشكيل الحكومة، أو تشكيل لجنة، أو اختتام المشاورات.
ووفقاً لـ "القانون الأساسي" الفلسطيني، الذي يُعتبر بمثابة دستور السلطة الفلسطينية، يجب على رئيس السلطة أن يلقي على رئيس الوزراء المكلف مهمة تشكيل الحكومة، وبعد ذلك تكون أمام هذا الأخير فترة ثلاثة أسابيع لإكمال المهمة، مع إمكانية التمديد لأسبوعين (في الماضي استخدم حمد الله فترة الخمسة أسابيع كاملة). وفي غضون ذلك، تستمر الحكومة السابقة في العمل كحكومة تسيير أعمال.
ولا تزال النقاط المميزة المتعلقة بعملية تشكيل الحكومة الحالية غير معروفة. لكن بغض النظر عن هذه التفاصيل، سيحتاج الرئيس عباس ورئيس وزرائه المكلف إلى التعامل مع مسألتين رئيسيتين هما: الدور الذي ستلعبه «حماس»، والصلاحيات التي ستتمتع بها الحكومة الجديدة.
مع «حماس» أو من دون «حماس» ؟
لا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت الحكومة الجديدة ستندرج في إطار "الوحدة الوطنية" أو ستستبعد حركة «حماس» وتُركز بدلاً من ذلك على الضفة الغربية. وفي حين دعا عباس إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية من أجل "طي صفحة الانقسام السوداء"، إلا أنه ربما لا يعني تشكيل حكومة تضم وزراء من «حماس». فمثل هذه الحكومة ستعارض القانون الأمريكي، و "مبادئ اللجنة الرباعية الدولية"، والعديد من القوانين الأوروبية. بالإضافة إلى ذلك، يُقال أن عباس استبعد هذا الخيار في المحادثات التي أجراها مؤخراً مع وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس.
وعوضاً عن ذلك، من المرجح أن يسعى عباس إلى تشكيل حكومة "توافق وطني" مكونة من التكنوقراط مشابهة للحكومة الحالية، على الأقل في البداية. وعلى الرغم من بعض القلق المحتمل في واشنطن، ستكون حكومة مماثلة مقبولة دولياً. لكن في ظل غياب أي تغيير جذري، ستواجه هذه الحكومة أيضاً العقبات نفسها التي دفعت بـ حمد الله إلى التنحي، وهي: الشلل الناجم عن عدم حل الصراع على السلطة بين «حماس» و «فتح».
ومن خلال تشكيل حكومة مماثلة، قد يهدف رئيس السلطة الفلسطينية ببساطة إلى الضغط على «حماس» لتقديم تنازلات أو إذا تعذر ذلك، تحويل اللوم الموجه من الشعب نحو «حماس» إذا تبين أنه من غير الممكن إقامة حكومة وحدة وطنية. وقد ألمح مؤخراً إلى أن الحكومة الجديدة قد تقبل صراحة "مبادئ اللجنة الرباعية الدولية"، وهي الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف. كما أنه أحال مسألة تشكيل الحكومة الجديدة إلى "اللجنة التنفيذية" لـ "منظمة التحرير الفلسطينية"، مما يشير إلى أن مجلس الوزراء المرتقب سيكون مدعوماً من جميع الفصائل الفلسطينية حتى إذا لم توافق عليه «حماس» و «حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين». ومن خلال القيام بذلك، يشير الرئيس عباس لـ «حماس» إلى أنها قد تجد نفسها قريباً معزولة دولياً ومحلياً.
وإذا اختار عباس تشكيل حكومة من دون مشاركة «حماس» أو موافقتها، فقد تكون هذه حكومة تكنوقراط أو أنها ستتألف من وزراء سياسيين يتم اختيارهم من فصائل "منظمة التحرير الفلسطينية". ومن وجهة نظر الرئيس عباس، قد يتمتع مثل هذا النهج بعدد من المزايا. فقد يكون من الأسهل تشكيل حكومة من دون «حماس»، كما ستنظر إليها العواصم الغربية بصورة أكثر إيجابية. ولكن الأمر قد يشكل نعمة ونقمة في آن واحد. فنظراً إلى سياسة «فتح» المثيرة للجدل، قد تكون عملية تشكيل الحكومة أيضاً طويلة ومعقدة جداً. كما أن تشكيل حكومة من دون «حماس» قد يعقّد جهود السلطة الفلسطينية في المحافل الدولية من خلال إثارة التساؤلات حول سيطرتها على جميع الأراضي الفلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، ستكون هناك تكاليف محلية من استبعاد «حماس»، مما يعرض الرئيس عباس لمزيد من الاتهامات بأنه قد تخلى عن غزة وعن قضية الوحدة الوطنية.
وفي الواقع، يبرز شعور متزايد في إسرائيل ومصر والمجتمع الدولي الأوسع نطاقاً بأن الرئيس عباس يفتقر إلى الإرادة اللازمة لإعادة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة عن طريق قيادة جهود إعادة الإعمار. ونتيجة لذلك، أشارت التقارير الإعلامية الأخيرة إلى قيام محادثات بين «حماس» وإسرائيل تجري بوساطة [طرف ثالث] بشأن عقد هدنة طويلة الأمد مقابل [تسريع] عملية إعادة الاعمار بقيادة «حماس». وبالمثل، قد تشير التحركات المصرية الأخيرة (على سبيل المثال، فتح معبر رفح والسماح لغزة باستيراد الإسمنت) إلى بداية ذوبان الجليد بين مصر والحركة. وقد تفضل كل من القاهرة وإسرائيل، رؤية السلطة الفلسطينية هي المسؤولة عن المعابر الحدودية في غزة وعن عملية إعادة الإعمار الشاملة، ولكن من دون أن يُظهر الرئيس عباس بثقة استعداده لتنفيذ تلك العملية. وقد يعزز الرئيس الفلسطيني، عن غير قصد، من قوة «حماس». فإذا نُظر إلى حكومة فلسطينية جديدة على أنها تخلت عن القيام حتى بدور رسمي في غزة، فقد تقرر كل من إسرائيل ومصر عقد اتفاقات منفصلة خاصة بهما مع «حماس» للسماح بإعادة إعمار غزة.
رئيس وزراء مفوّض؟
في عام 2003، دعت "خارطة الطريق للجنة الرباعية الدولية" إلى تشكيل مجلس وزراء فلسطيني يترأسه "رئيس وزراء مفوّض"، وتم تعديل "القانون الأساسي" في ذلك العام لكي يتم بوضوح تحديد صلاحيات الحكومة مقابل تلك التي يتمع بها رئيس السلطة الفلسطينية. وقد تم وضع هذه الشروط، بما فيها حق رئيس الوزراء باختيار وزراء الحكومة وحق الحكومة في السيطرة على شريحة واسعة من قطاع الأمن، من أجل الحد من سلطة رئيس السلطة الفلسطينية آنذاك، ياسر عرفات، الأمر الذي مهّد الطريق لأن يصبح محمود عباس رئيساً للوزراء في عام 2003. وفي وقت لاحق، استخدم رئيس الوزراء سلام فياض هذه الصلاحيات لإطلاق برنامجه لبناء المؤسسات والإصلاح الأمني.
ومع ذلك، فمنذ أن تولى حمد الله منصبه، حصل تآكل كبير في هذه القوى. فقد أصر عباس على تعيين وزراء محددين وتولّي السيطرة الفعلية على العديد من مسؤوليات الحكومة، لا سيما في قطاع الأمن. وهناك شعور بأن عملية الاصلاح والجهود المؤسساتية قد تعثرت، مما أضعف فعالية الحكومة ومصداقيتها داخل أراضي السلطة الفلسطينية وخارجها.
إن الفشل في معالجة هذه المركزية المستمرة في السلطة لن يؤدي سوى إلى ازدياد أزمة الشرعية الداخلية للسلطة الفلسطينية، ويجعل من الصعب على نحو متزايد إقناع المجتمع الدولي المُتعَب - لاسيما في أوروبا - بمواصلة تمويل السلطة الفلسطينية. وبما أن الرئيس عباس ترأس هذا التآكل لسلطة الحكومة، من غير المرجح أن يعكس الرئيس الفلسطيني نفسه هذه العملية من دون ضغط دولي منسق وواضح.
المحصلة
إن تاريخ تشكيل حكومة السلطة الفلسطينية حافل بالبدايات الخاطئة والحكومات سهلة النسيان. لكن نظراً إلى التحديات السياسية التي تواجه الفلسطينيين اليوم، بما فيها غياب الوحدة الوطنية، وإعمار قطاع غزة، ودور «حماس»، وثغرة شرعية السلطة الفلسطينية، قد يكون لعملية تشكيل الحكومة القادمة عواقب واسعة النطاق. وبالنسبة للمجتمع الدولي، ينبغي النظر إلى الوضع كفرصة ليس فقط لمنع «حماس» من البروز بصورة أكثر قوة، بل أيضاً لإجراء محادثات مجددة مع الفلسطينيين حول إعادة تركيزهم على الإصلاح وبناء المؤسسات.
غيث العمري هو زميل أقدم في معهد واشنطن.