- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3874
تصريحات «حماس» "المعتدلة" ليست سوى حيلة قديمة
مؤخراً، خفف قادة "حماس" من لهجتهم النارية عبر تصريحات أكثر اعتدالاً حول وقف إطلاق النار على طول خطوط عام 1967، ولكن هذه ليست إلا خطوة تكتيكية تهدف إلى تعزيز الهدف الرئيسي للحركة وهو إقامة دولة إسلامية "من النهر إلى البحر".
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أصدر زعماء حماس سيلاً متواصلاً من التصريحات التي وعدت بالحرب إلى أن تقوم حماس بتدمير إسرائيل واستبدالها بدولة فلسطينية إسلامية. ولكن في الآونة الأخيرة، أصدر بعض مسؤولي حماس تصريحات أكثر اعتدالا، حتى أنهم أشاروا إلى أن الحركة قد تفكر في هدنة لمدة خمس سنوات مع إسرائيل على أساس خطوط وقف إطلاق النار لعام 1967. وفي حين يرى البعض أن مثل هذه التصريحات بمثابة "تنازل كبير"، فإن لدى حماس تاريخ طويل من التلميح إلى الاعتدال كوسيلة لكسب الدعم الدولي حتى تتمكن من مواصلة "المقاومة" من خلال الوسائل السياسية.
منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أصدر قادة "حماس" سيلاً متواصلاً من التصريحات التي تَعِد بمواصلة الحرب إلى أن تدمّر الحركة إسرائيل وتستبدلها بدولة فلسطينية إسلامية. ولكن مؤخراً، أصدر بعض مسؤولي "حماس" بيانات أكثر اعتدالاً، حتى أنهم أشاروا إلى أن الحركة قد تفكر في هدنة مع إسرائيل أمدها خمس سنوات على أساس خطوط وقف إطلاق النار لعام 1967. وفي حين يعتبر البعض أن هذه التصريحات بمثابة "تنازل كبير"، إلّا أن "حماس" لها تاريخ طويل من التلميح إلى الاعتدال كوسيلة لكسب الدعم الدولي لكي تتمكن من مواصلة "المقاومة" من خلال الوسائل السياسية.
من المجزرة إلى الاعتدال؟
منذ البداية، أرادت "حماس" من هجومها على جنوب إسرائيل التسبب برد فعل إسرائيلي وإشعال حرب كانت تأمل أن ينضم إليها "حزب الله" وحلفاء آخرون بسرعة. وحتى لو تبين أن الهجوم لم يحقق النجاح المرتقب، إلّا أن "حماس" توقعت أنه "سيفتح الطريق نحو إزالة إسرائيل"، كما قال المسؤول الكبير خالد مشعل بعد بضعة أيام. كما تعهد عضو المكتب السياسي غازي حمد بأن "حماس" "ستكرر هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر، مرة ثانية وثالثة، حتى زوال إسرائيل".
وفي غضون شهر من الهجوم، أكد عضو مجلس شورى "حماس"، خليل الحية، أن الحركة تريد الانضمام إلى "منظمة التحرير الفلسطينية". ولتحقيق هذه الغاية، طرح فكرة هدنة مع إسرائيل يمكن أن تستمر خمس سنوات أو أكثر على أساس خطوط وقف إطلاق النار لعام 1967، والتي تتصور قيام حكومة فلسطينية موحدة تشمل "حماس" وتحكم كلاً من الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي الشهر الماضي، اقترح إسماعيل هنية، أحد كبار مسؤولي "حماس"، إعادة هيكلة "منظمة التحرير الفلسطينية" لتشمل جميع الفصائل الفلسطينية.
ليست هذه المواقف متناقضة كما قد تبدو عليه. فالأساس هو الإدراك بأن اعتدال "حماس" دائماً ما يكون تكتيكياً ومؤقتاً ولا يمثل بأي شكل من الأشكال بديلاً عن التزامها الاستراتيجي بتدمير إسرائيل.
الواقعية كحيلة
قبل عامين من هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، أكد يحيى السنوار، أحد كبار مسؤولي "حماس"، أن الحركة تسعى جاهدة إلى "القضاء على إسرائيل من خلال الجهاد والكفاح المسلح"، ولكن يمكنها التوصل إلى هدنة طويلة الأمد إذا وافقت إسرائيل على قائمة مطالب تشمل تفكيك جميع المستوطنات، وإطلاق سراح جميع أسرى "حماس"، ومنح "حق العودة" للاجئين الفلسطينيين. لكن هذه الهدنة ستكون مؤقتة ومدفوعة بالرغبة في تحقيق الوحدة الفلسطينية والاعتراف بـ"المواقف الدولية".
وفي الواقع، كانت خدعة السنوار الموحية بالاعتدال على ما يبدو مجرد محاولة لإعطاء إسرائيل الانطباع بأن "حماس" تعطي الأولوية للحكم وتفضله على "المقاومة". فبعد أربعة أيام فقط من هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، صرح علي بركة، مسؤول في "حماس"، لـ"روسيا اليوم" أن الحركة كانت تخطط سراً للعملية منذ عامين، قائلاً: "جعلناهم يعتقدون أن «حماس» كانت منشغلة بحكم غزة، وأنها تريد التركيز على فلسطينيي [غزة] البالغ عددهم 2.5 مليون، وأنها تخلت عن المقاومة نهائياً. وفي غضون ذلك، كانت «حماس» تحضّر لهذه العملية الكبيرة من تحت الطاولة".
وعلى مر السنين، سُئل كبار أعضاء "حماس"، في أي ظروف قد يسلّمون أسلحتهم ويفكرون في حل الدولتين. فمنذ عام 1993، أعرب مؤسس "حماس" أحمد ياسين عن استعداده للتوصل إلى ترتيب مؤقت مع إسرائيل إذا انسحبت إلى خطوط وقف إطلاق النار لعام 1967. وميز ياسين بين السلام الكامل مع إسرائيل (الصلح)، الذي اعتبره خطيئة، ووقف إطلاق النار المؤقت (الهدنة)، الذي يُستخدم عندما يكون العدو قوياً ويحتاج المسلمون إلى الوقت لحشد قوتهم حتى المواجهة التالية. ووفقاً لنهجه، لا يمتد وقف إطلاق النار لأكثر من عشر سنوات.
ويختلف مفهوم السلام لدى "حماس" تماماً عن مفهوم السلام الإسرائيلي أو الغربي. فبالنسبة لـ "حماس"، من غير الممكن أن يكون السلام مع إسرائيل دائماً بما أنه ينتهك المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه الجهاد. فوقف إطلاق النار ليس سوى خطوة تكتيكية على طريق الحرب الطويل الأمد.
الواقعية لتوسيع نطاق الجذب الدولي
في منتصف تسعينيات القرن الماضي، تواصلت "المفوضية الأوروبية" مع "حماس" وطلبت منها توضيح "أهدافها وقيمها ومثلها العليا". واستجابت "حماس" بوثيقة خففت فيها من التزامها بالتشدد. وفي عام 2000، أصدرت مذكرة أخرى جعلتها تبدو أكثر اعتدالاً مما أظهره ميثاقها. لكن الوثيقتين عبّرتا عن التزام الحركة بـ"تحرير فلسطين" ورفض حق إسرائيل بالوجود.
وفي عام 2017، أصدرت "حماس" وثيقة تحديث لميثاقها من عام 1988، دون أن تحل محله، علماً أن هذا الأخير أكد أن "لا حل للقضية الفلسطينية إلا بالجهاد" وعارض صراحة التسويات السلمية عن طريق التفاوض. وأتاحت الوثيقة الجديدة إمكانية إقامة دولة فلسطينية على طول خطوط وقف إطلاق النار لعام 1967 ولكنها أكدت أن "لا اعتراف [من قبل «حماس»] بشرعية الكيان الصهيوني ولا تنازل عن أي حقوق فلسطينية". وأضافت الوثيقة أن "«حماس» ترفض أي بديل عن تحرير فلسطين تحريراً كاملاً، من النهر إلى البحر". وكان المقصود من الاعتدال الذي أظهرته الحركة على ما يبدو، والذي شمل النأي بنفسها عن جماعة "الإخوان المسلمين"، توسيع نطاق جاذبيتها الدولية في وقت تواجه فيه تحديات متعددة، بما في ذلك الوضع الاقتصادي السيئ في غزة والعلاقات المتوترة مع مصر.
وفي وقت قريب من تسريب الوثيقة الجديدة، أكد مشعل: "كنا وما زلنا في حرب مفتوحة مع العدو المجرم [إسرائيل]". وتابع أن "حماس" قد تشارك في السياسة، "لكنها تصر على خيار الجهاد والمقاومة... [هذا الخيار] هو أعظم وأول استراتيجية لـ «حماس»..... «حماس» لن تغيّر جلدها".
واقعية قصيرة الأجل ذات هدف طويل الأجل
عندما دخلت "حماس" معترك السياسة الفلسطينية وشاركت في الانتخابات التي أدت إلى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية عام 2006، توقع البعض أنها ستكون معتدلة. وبدلاً من ذلك، حاولت الحركة تغيير النظام السياسي الفلسطيني من الداخل. وكما أوضح أحد كبار المسؤولين محمود الزهار في ذلك الوقت: "يَعتقد بعض الإسرائيليين أننا عندما نتحدث عن الضفة الغربية وغزة، يعني ذلك أننا تخلينا عن حربنا التاريخية. ولكن هذا غير صحيح... فنحن سننضم إلى المجلس التشريعي وسلاحنا في أيدينا". كما أن "وثيقة الأسرى" لعام 2006، التي صاغها أسرى "حماس" و"فتح" في السجون الإسرائيلية من أجل التوصل إلى وفاق حول القضايا الرئيسية، لم تتطرق إلى مواضيع حساسة وتغاضت عن مطالب إسرائيل غير القابلة للتفاوض، بما في ذلك وقف الإرهاب، والاعتراف بإسرائيل وبحقها بالوجود، والاعتراف بالاتفاقيات السابقة بين إسرائيل والفلسطينيين.
وبطبيعة الحال، يناقش زعماء "حماس" منذ سنوات ما إذا كان ينبغي عليهم حقاً أن يتبنوا مواقف أكثر عملية بشأن قضايا مثل القبول المؤقت بدولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967. وفي الحرب الحالية، أدت هذه النقاشات إلى تفاقم التوترات القائمة منذ فترة طويلة بين قادة "حماس" في غزة والقادة في الخارج، الذين يبدون مهتمين أكثر بإنهاء الحرب والتفاوض مع الفصائل الفلسطينية الأخرى لدمج "حماس" في "منظمة التحرير الفلسطينية". لكن السنوار، الذي يقود قوات "حماس" داخل غزة ويمسك بمعظم الأوراق، يركز بشدة على ضمان استمرارية الحركة وقدرتها على إعلان "النصر الإلهي"، على غرار ما فعله الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصر الله بعد حرب لبنان عام 2006. ويقال إنه يعتبر محادثات المصالحة هذه "شائنة" طالما لم يكن هناك وقف لإطلاق النار بشروط "حماس". وقد أثرت هذه التوترات مباشرةً في قدرة الحركة على التفاوض على عمليات تبادل الرهائن مع الأسرى ووقف القتال، والتوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار في النهاية.
الخاتمة
كانت "حماس" وستبقى حركة "تحرير" ذات هوية متماسكة، تضم عنصراً وطنياً يحدد هدفها (دولة) وعنصراً دينياً يحدد حدودها ("من النهر إلى البحر") وطابعها (إسلامي). إنها ليست حركة تقليدية من "الإخوان المسلمين" تعمل على بناء مجتمع ديني مثالي من القاعدة، بل حركة إرهابية تدعو إلى ممارسة أنشطة وأعمال عنف لترويج "الفداء" من خلال أسلحة "المقاومة". وحتى وضع "حماس" في مرحلة ما بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر لن يغير سياستها، التي تعتمد على هوية الحركة الأساسية وهدفها وهي بالتالي غير مرنة. فتصريحات "حماس" بشأن الدولة الفلسطينية هي محاولة لإظهار الواقعية دون تغيير إطارها العقائدي الأساسي.
وفي المرحلة القادمة، ستسعى "حماس" إلى تحويل مكاسبها في زمن الحرب، لا سيما تلك المتعلقة بالدعم الشعبي، إلى مكاسب سياسية. وعلى وجه التحديد، ستسعى إلى التخلي عن حكم غزة مع الحفاظ على أسلحتها والعمل كدولة داخل دولة، على غرار "حزب الله" في لبنان.
وعلى المدى الطويل، لن تتخلى "حماس" بسهولة عن هدفها النهائي المتمثل في قيادة الساحة الفلسطينية برمتها. فبينما تسعى إسرائيل إلى نزع شرعيتها وعزلها، تركز الحركة على أن تصبح جزءاً من "منظمة التحرير الفلسطينية" وتُبعد المجتمع الفلسطيني عن حل الدولتين باتجاه المعارضة الدائمة لوجود إسرائيل.
ولمنع "حماس" من تحقيق هذا الهدف من خلال مشاركتها في إدارة غزة، يتعين على إسرائيل أن تضع خطة لـ "اليوم التالي" وأن تبدأ في اتخاذ الإجراءات اللازمة لجعل تحقيقها ممكناً قبل وقت طويل من انتهاء الحرب. وفي الواقع، لا بد أن تعمل إسرائيل على صياغة سياسة طويلة الأمد ليس فقط لغزة، بل للضفة الغربية أيضاً. ويتيح اتفاق تطبيع محتمل بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل فرصة لإنشاء هيكلية إقليمية جديدة من شأنها تمكين الفلسطينيين المعتدلين من التعاون مع إسرائيل، وتقويض جاذبية "حماس" و"محور المقاومة" الأوسع نطاقاً، وتوفير الشرعية للجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لكي تشارك في استقرار غزة.
نعومي نيومان هي زميلة زائرة في معهد واشنطن والرئيسة السابقة لوحدة الأبحاث في "وكالة الأمن الإسرائيلية". الدكتور ماثيو ليفيت هو زميل أقدم في برنامج الزمالة "فرومر وويكسلر" ومدير "برنامج جانيت وايلي راينهارد لمكافحة الإرهاب والاستخبارات" في معهد واشنطن.