- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تطبيع سوداني - إسرائيلي بنكهة شعبية
انتهى ملف إدراج السودان على قائمة الإرهاب بعد أن وقع الرئيس ترامب على أمر بشطب السودان من قائمة وزارة الخارجية للدول الراعية للإرهاب في الثالث والعشرون من تشرين الأول/ أكتوبر 2020. وجاء ذلك القرار بعد أن وافق السودان رسميا على بدء خطوات نحو التطبيع مع إسرائيل في أعقاب محادثة رباعية جمعت رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك برئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ويذكر أن إدارة ترامب قامت في منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي بالضغط على الكونغرس لتمرير قانون الحصانات السيادية وبتمرير هذا القانون الذي كان يعارضه اثنين من الحزب الديمقراطي وهم تشاك شومر وبوب منديز سيصبح السودان محصنا من التهم المرتبطة بجرائم النظام السابق الإرهابية ولكن غير محصن من قوانين أخرى في المستقبل مثل قوانين "جاستا" و"ماغنيتسكي".
تعاملت الحكومة الأمريكية مع ملف التطبيع بين السودان وإسرائيل باهتمام بالغ وصفه البعض بأنه وصل حد الضغط من الإدارة الأمريكية لجعل السودان يرضى بالتطبيع مقابل إزالته من قائمة العقوبات الأمريكية. وهو شرط اعترضت عليه حكومة حمدوك في البداية مبررة رفضها بأنها " لا تملك تفويضا بشأن قرار التطبيع مع إسرائيل". وعلى الرغم من أن حكومة السودان قالت نعم للاءاتها الثلاثة (لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع إسرائيل ) مضطرة وهو ما أكده وزير الخارجية المكلف "عمر قمر الدين" في لقاء متلفز حيث قال أن حكومة السودان تتعرض لضغط كبير للمضي في التطبيع، إلا أنها ما لبثت بالحديث عن تكليف البرلمان والذي لم ينتخب حتى الآن بالبت في أمر التصويت في قضية علاقة الخرطوم المستقبلية بتل أبيب.
وعلى الرغم من المواقف العديدة للحكومة السودانية والتي اتسمت بالتخبط، إلا أن السودان كان يحاول الاستفادة من رغبة ترامب ونتنياهو الملحة في ضم السودان لصفقة القرن. فزيارة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان للإمارات الشهر الماضي برفقة وفد ضم وزير العدل نصر الدين عبدالباري، والتي كانت برعاية أمريكية، كانت للتفاوض مع الجانب الإسرائيلي حول التطبيع مقابل إزالة السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، والحصول على مساعدات اقتصادية من الجانب الإماراتي.
يدرك السودان أن التطبيع مع إسرائيل وإزالته من قائمة الدول الراعية للإرهاب سيؤدى إلى رفع الحظر وسيوفر نافذة جديدة للمساعدات الاقتصادية والاستثمار، وهو ما سيساهم في إنعاش الاقتصاد السوداني الذي أصبح على حافة الهوية. فالوضع الاقتصادي المنهار في السودان أضعف الحكومة السودانية وأثار غضب الشارع السوداني الذي خرج في تظاهرات في الحادي والعشرون من أكتوبر مطالبين بإقالة الحكومة
وفي أيلول/ سبتمبر الماضي شهدت السودان فيضانات كانت الأسواء منذ عقود أثرت على ما يقرب من 800 ألف سوداني، وأسفرت عن مقتل أكثر من 120 شخصًا، وشردت آلاف العائلات، ودمرت الأراضي الزراعية. وقبل الفيضانات، كان وباء كورونا الذي تسبب بتدهور الوضع على نحو لم تعد تجدي معه المساعدات الغذائية والطبية من دول الجوار والأصدقاء وامتد أثرها ليشمل قبول استقالة وزير الصحة أكرم التوم في شهر يوليو الماضي. هذا الضعف بالطبع يهدد المرحلة الانتقالية بما في ذلك الاستحقاق الانتخابي المقرر عقده في عام 2022. ومن ثم، أصبحت الحاجة ماسة إلى ضخّ دعم اقتصادي مكثف لبناء وإصلاح الاقتصاد ودعم المرحلة الانتقالية والتي يعني فشلها انزلاق البلاد لصراعات والعودة إلى الحكم الديكتاتوري.
وفى ما يتعلق بردود الأفعال الداخلية نحو التطبيع، شهدت الجبهة الداخلية انقساما حول العلاقات مع إسرائيل ما بين مؤيد ورافض، فقوى الحرية والتغيير الحاضنة الأساسية لحكومة حمدوك منقسمة في قضية التطبيع مع إسرائيل. كما رفض الحزب الشيوعي التطبيع هو وتجمع المهنيين (المنشق ذو الخلفية السياسية الشيوعية) وقام حزب البعث بسحب دعمه عن السلطة الانتقالية، كما عارض حزب الأمة الإسلامي الحزب الأقوى في المشهد السياسي السلام مع إسرائيل. أصدر أيضا الصادق المهدي رئيس حزب الأمة بيان هدد فيه بسحب التأييد لمؤسسات الفترة الانتقالية، وقال البيان "إن مؤسسات الحكم الانتقالي غير مؤهلة لاتخاذ أية قرارات في القضايا الخلافية مثل إقامة علاقات مع إسرائيل، مشددا على أن إقامة علاقات مع "دولة الفصل العنصري، مماثل لإقامتها مع جنوب أفريقيا العنصرية قبل التحرير". ويعد موقف حزب الأمة والحزب الشيوعي والبعث موقفا رافضا للتطبيع مع إسرائيل منذ بداية المفاوضات ولقاء البرهان – نتنياهو في شباط/ فبراير الماضي.
تناولت أيضا وسائل التواصل الاجتماعي جدوى العلاقة مع إسرائيل ولكن الأصوات المنددة له لم تقدم تبريرا يوضح ضرر التطبيع على السودان كدولة لها سيادتها وخصوصيتها. أيضا الشارع السوداني من الواضح لا يعنيه التطبيع فلم تشهد الخرطوم أي مظاهرات رافضة للتطبيع، والرفض على غير ما كان متوقع غير مؤثر، ولكن الحال قد يتغير في حال استمر الوضع الاقتصادي بالتدهور حيث سيصبح تبرير التطبيع وربطه بتحسين الحالة الاقتصادية للمواطنة البسيط وللاقتصاد ككل غير منطقية.
ومن ناحية أخرى، يشمل الجانب المؤيد للتطبيع الجبهة الثورية والتجمع الاتحادي الديموقراطي وحزب المؤتمر السوداني، و حزب الأمة بقيادة مبارك الفاضل المهدي، وتجمع المهنيين. وقد أصدر حزب المؤتمر السوداني بيانا يصف فيه ما حدث بالنصر التاريخي مع التأكيد على دعم حق الفلسطينيين في قيام دولته المستقلة بناء على قرارات الأمم المتحدة.
إن ما يجعل الاتفاق بين السودان مع إسرائيل مختلفا ومهما هو وجود قاعدة مدنية مرحبة ومستعدة للانخراط في علاقات مدنية مع إسرائيل وهو أمر تفتقر له باقي اتفاقيات السلام الإسرائيلية في الإقليم والتي يمكننا فيها أن نعتبر أن الاتفاق فيها كان شكليا بين إسرائيل وقمة الهرم السياسي في الدول بدون قاعدة وأساس شعبي. ومثال لذلك ما قام به رجل أعمال سوداني يدعى "أبو القاسم برطم" من التبرع بتكاليف رحلة لأربعين شخص لإسرائيل لإذابة الجليد بين الشعبين ومحاولة منه لبناء صداقات مع الجانب الآخر. إضافة لقيام عدد من المبادرات الشعبية للصداقة بين الشعبين مما يوضح أن حكم البشير المتشدد المعادي للولايات المتحدة ولإسرائيل جعل الشارع السوداني يفكر في فتح صفحة جديدة في تاريخ السودان الحديث تعتمد على رفضه لكل ما قام به البشير من سياسات داخلية وخارجية.
يسعى السودان في هذه المرحلة للاستفادة من التطبيع والخروج من الضائقة الاقتصادية وتعزيز الديمقراطية، وهذه أهداف حكومة حمدوك وحاضنته السياسية والشعبية، وفي حال نجحت الولايات المتحدة وإسرائيل في دعم السودان في هذه المرحلة الحرجة من تاريخه وإحداث فرق، سيصبح السودان نموذجا للسلام في المنطقة، مما سيحفز دولا أخرى للحاق بصفقة القرن.