- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3257
الاستمرارية مقابل التجاوز في خطة ترامب للسلام (الجزء 2): الأمن واللاجئون والسرديات
تمّ عرض خطة "السلام من أجل الازدهار" التي أطلقها الرئيس ترامب باعتبارها خروجاً عن المقاربات السابقة - وهي فكرة أثنى عليها مؤيدو الخطة (الذين اعتبروها بمثابة اعتراف بالواقع) بينما انتقدها معارضوها (الذين رأوها بمثابة التخلي عن المبادئ القيّمة). وفي الواقع، تختلف الخطة عن الجهود الماضية من حيث جوانبها الأساسية، ومع ذلك، فهناك أيضاً بعض مجالات الاستمرارية، وفي النهاية، سيخضع مدى حصولها على تأييد إلى العديد من المتغيرات السياسية والدبلوماسية المختلفة.
ومع ذلك، سيلعب جوهر وثيقة الخطة بحد ذاتها دوراً كبيراً في تحديد نظرة مختلف أصحاب المصلحة إليها، خاصة تلك المقاطع التي تنحرف عن المسار التقليدي للقضايا الرئيسية. وركز الجزء الأول من هذا المرصد السياسي على قضيتين: الحدود والقدس. ويناقش هذا الجزء الثاني قضايا الأمن واللاجئين والسرديات.
استمرار قبضة إسرائيل على الأمن
سعت مبادرات السلام السابقة إلى تحقيق توازن بين الحفاظ على المصالح الأمنية لإسرائيل وانتهاك السيادة الفلسطينية بشكل طفيف. وللقيام بذلك، تمّ النظر في مجموعتين من البنود. الأولى كانت بنوداً دائمة لضمان ألّا تصبح الدولة الفلسطينية تهديداً لإسرائيل. وكان يعني ذلك إقامة دولة منزوعة السلاح ووضع ترتيبات دائمة لضمان امتثالها المستمر لهذا التجريد من السلاح وغيرها من الالتزامات الأمنية. وكان يجب أن تستند هذه الترتيبات إلى وجود طرف ثالث مقترح، مع وجود عنصر إسرائيلي محتمل.
أما النوع الثاني من البنود فكانت تدابير انتقالية ترمي إلى الحفاظ على المصالح الأمنية لإسرائيل أثناء تنفيذ الاتفاق النهائي. وتمّ عرض جداول زمنية مرحلية ومتعددة السنوات من أجل إلغاء السيطرة الأمنية الإسرائيلية، مع إدراك واقع أن الحاجات الأمنية الإسرائيلية الرئيسية (مثل السلطة على قطاع من الأرض على طول نهر الأردن) ستكون آخر التدابير التي سيتمّ إلغاؤها. وتم توقّع المرحلة الانتقالية على أنها مزيج من الجداول الزمنية ومعايير الأداء المرجعية؛ وقد وافقت الولايات المتحدة على المساعدة في تحديد موعد استيفاء هذه المعايير.
ومن جهتهم، وافق المفاوضون الفلسطينيون على دولة منزوعة السلاح خلال المحادثات السابقة، وهو واقع يقر به الآن علناً رئيس "السلطة الفلسطينية" محمود عباس؛ كما أنهم شاركوا في محادثات مفصلة بشأن تفعيل هذا المفهوم. أما المفاوضون الإسرائيليون، فقد انخرطوا من جانبهم، بمقترحات كانت ستنهي في النهاية قسماً كبيراً من الوجود الأمني الإسرائيلي في الدولة الفلسطينية المستقبلية. وغالباً ما تركزت هذه المحادثات على طول المراحل الانتقالية - حيث طالب الممثلون الفلسطينيون بمراحل أقصر، في حين أصرّ الإسرائيليون على أطر زمنية أطول ووجود دائمي على طول نهر الأردن.
ويشكّل اعتماد خطة ترامب دولة فلسطينية منزوعة السلاح مواصلة هذا الموقف الأمريكي الراسخ. غير أن هذه الخطة تختلف بشكل جوهري عن وجهات النظر الأمريكية السابقة حول استمرار السيطرة الأمنية الإسرائيلية على الدولة الفلسطينية. وبشكل خاص، تَمنح إسرائيل "مسؤولية أمنية أساسية على دولة فلسطين"، وتجعلها "مسؤولة عن الأمن في جميع المعابر الدولية" (الملحق 2 ج). وفي الواقع، يعني ذلك أنه بإمكان إسرائيل شنّ أي عمليات عسكرية أو أمنية داخل حدود فلسطين ومجالها الجوي إلى ما لا نهاية، كما بإمكانها حظر دخول البضائع والأشخاص. وقد مُنحت إسرائيل أيضاً حرية التصرف المطلقة لتحديد الزمن الذي تكون فيه الدولة الفلسطينية قد حققت معايير الأداء المرجعية للنقل الجزئي للصلاحيات الأمنية؛ حتى أنه بإمكانها إبطال هذه الخطوات متى شاءت.
وقد سبق أن انتقد المسؤولون الفلسطينيون هذه البنود، بإشارتهم إلى أنه في حين أن "السلطة الفلسطينية" على استعداد لقبول بعض القيود على سيادتها، إلّا أن الدولة الفلسطينية المستقبلية المتوخاة في خطة ترامب لن تتمتع بأي سيادة على الإطلاق. وقد كررت "الجامعة العربية" و "منظمة التعاون الإسلامي" هذه الحجة نفسها في اجتماعات منفصلة خلال الأيام القليلة الماضية.
حرية تصرف إسرائيل في قضية اللاجئين
تصوّرت جميع الخطط الأمريكية السابقة حلاً لقضية اللاجئين الفلسطينيين بما يتفق مع فكرة دولتين لشعبين. وغالباً، لم يكن من المزمع حل القضية في إسرائيل بل من خلال إعادة توطين اللاجئين في فلسطين، مع بعض خيارات الطرف الثالث المتاحة على أساس السلطة السيادية للدولتين المعنيّتين. وكانت جهود إعادة التوطين هذه لتترافق مع خطة تعويض للاجئين الأفراد، والدولة الفلسطينية، والدول المضيفة، مما يسهل بالتالي اشتراك كل طرف.
وكانت فرق التفاوض الإسرائيلية السابقة قد أصرت باستمرار على رفض أي حق للاجئين في الانتقال إلى إسرائيل. لكنها كانت على استعداد في بعض الأحيان لمناقشة قبول أعداد رمزية على أساس إنساني أو غير ملزم.
ومن الجانب الفلسطيني، ولّدت قضية اللاجئين تباعداً أكبر بين التصريحات العلنية والمواقف المتخذة خلال المفاوضات الخاصة أكثر من أي قضية أخرى. وعلناً، طالب مسؤولو "السلطة الفلسطينية" باستمرار تطبيق كامل لحق العودة. وحتى عندما أبدوا بعض المرونة، استخدموا صيغاً مبهمة مثل دعوة "مبادرة السلام العربية لعام 2002" إلى "حل عادل ومتفق عليه" لقضية اللاجئين. لكن خلال المفاوضات وراء الأبواب المغلقة، كان الممثلون الفلسطينيون على استعداد لمناقشة السماح لعدد محدود فقط من اللاجئين بالإقامة في إسرائيل - رغم أنهم لم يتخلوا بالكامل أبداً عن حق العودة، ولطالما تجاوزت أعدادهم المقترحة بكثير تلك التي كان المفاوضون الإسرائيليون على استعداد للقبول بها.
وتتماشى خطة ترامب مع الأفكار الأمريكية السابقة من حيث أنها لا تقترح حلاً لمشكلة اللاجئين داخل إسرائيل، بل تختلف عنها بطريقتين مهمتين.
أولاً، بينما تنص الخطة على أن الاستيعاب في فلسطين هو الخيار الأول أمام اللاجئين، إلا أنها تضع قيوداً تجعل هذا الخيار رهناً بقرارات إسرائيلية. فقد مُنحت إسرائيل الحق في منع اللاجئين الأفراد الذين تعتبرهم تهديداً أمنياً من دخول الدولة الجديدة. ولها أيضاً رأي في عدد اللاجئين الذين يسمح لهم بالدخول، استناداً إلى مقاطع على النحو التالي: "يجب أن يتفق الطرفان على معدل دخول اللاجئين...إلى دولة فلسطين" (ص 33).
ثانياً، تركز الخطة الجديدة على تعويض اللاجئين على مستوى الدولة أكثر من تركيزها على التعويض الفردي. كما تشير إلى أنه يحق لبلد مضيف واحد فقط - الأردن - الحصول على مثل هذا التعويض، باستثناء الدول المضيفة المحتملة الأخرى. علاوةً على ذلك، سيتمّ في الواقع دمج الأموال المقدمة كجزء من حزمة اللاجئين في صندوق المساعدات العامة في إطار "خطة ترامب الاقتصادية"، ولن يتمّ اعتبارها أموالاً منفصلة. وبموجب هذه المقاربة، سوف تفقد هذه الأموال قيمتها السياسية كمحفز للدول المضيفة لدعم الحل المقترح لقضية اللاجئين في الخطة.
هل يتمّ تأييد سردية إسرائيل؟
إلى جانب تقديم توصيات في مجال السياسة لحل قضايا محددة، تغطي الخطة الأمريكية الجديدة على نطاق واسع القضايا السردية التي تم استبعادها تاريخياً من المبادرات السابقة. وفشلت المحاولات المبكرة للتفاوض بشأن هذه القضايا - على غرار صياغة سردية مشتركة حول أحداث 1948 أو الروابط التاريخية بالقدس - نظراً إلى الطبيعة المتناقضة في أغلب الأحيان بين السرديتين الوطنيتين. ومع مرور الوقت، دفع ذلك بمعظم المفاوضين إلى تجنب التطرق إلى هذه القضايا خلال المحادثات المباشرة.
في المقابل، يبدو أن الطريقة نفسها التي عرض بها ترامب خطته وكأنها تبني إطاراً سردياً مدروساً، رغم الحجة الصحيحة الواردة في الوثيقة بأن "تكرار السرديات السابقة حول الصراع [أمر] غير مثمر" (ص 6). فالإطار العام للخطة وطريقة معالجتها لقضايا معينة يعكسان فهماً محدداً للتاريخ والسرديات المحيطة بالصراع.
ومن المحتمل أن يكون لهذه المقاربة تأثير ضئيل على أي جهود لتنفيذ المبادرة الجديدة، ولكنها قد تقوّض إمكانية الترويج للخطة. ومن المؤكد أن سرد الوثيقة سيعزز الإحساس الفلسطيني بعدم التوازن، لأن نصها أكثر توافقاً مع السرد الإسرائيلي، وفي بعض الحالات يرفض مباشرة السرد الفلسطيني (على سبيل المثال، في الصفحة 31، حيث يوصف اللاجئون الفلسطينيون على أنهم "بيادق (رهائن)" تم "احتجازهم بشكل متهكم في طي النسيان"). كما أنه يرسم السياسات السابقة لبعض الدول العربية بصورة سلبية، مما قد يقلل من احتمالات دعم هذه الحكومات للخطة - بما في ذلك بعض الدول التي بدت منفتحة على النظر في المبادرة عندما تمّ الإعلان عنها للمرة الأولى. على سبيل المثال، إن وصف عملية "تطهير" بحق الفلسطينيين في دولة الكويت ما بعد التحرير (ص 31) لا يمكنه سوى تنفير الحكومة الكويتية الحالية، التي سيكون دعمها ضرورياً من الناحيتين السياسية والاقتصادية.
الخاتمة
من الضروري وضع مقاربات مبتكرة لعملية السلام في الشرق الأوسط. فقد أسفرت الإخفاقات السابقة عن خلق شعور بالاستسلام، ويمكن للأفكار الجديدة ضخ الطاقة في عملية الاحتضار.
ومع ذلك، يجب على أي مقاربة جديدة أن تأخذ أيضاً في الاعتبار أن المقاربات السابقة لم تكن ببساطة نتاج إيديولوجيا أو تمرُّد - بل عكست أيضاً مصالح حقيقية عبّر عنها كل من الطرفين فضلاً عن أصحاب المصلحة الآخرين. ومن خلال الابتعاد بشكل جذري عن بعض المبادئ الأساسية الواردة في المبادرات السابقة، ربما تكون إدارة ترامب قد قوّضت قدرتها على بناء تحالف دولي لدعم خطتها. وتجلّى ذلك في اجتماعات "الجامعة العربية" و "منظمة التعاون الإسلامي" المذكورة أعلاه، ومن المحتمل أن يستمر في رسم معالم الخطاب الدبلوماسي خلال الأيام المقبلة.
غيث العمري هو زميل أقدم في معهد واشنطن ومستشار سابق لفريق التفاوض الفلسطيني.