- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3102
استعداد إيران لاستغلال الثغرات النووية في اليوم الوطني للتقنية النووية
منذ عام 2006، تحتفل إيران بـ "اليوم الوطني للتكنولوجيا النووية" في العشرين من فروردين في التقويم الفارسي الذي صادف التاسع من نيسان¤أبريل هذا العام. ولطالما اعتُبِر هذا العيد مناسبةً لتهديد الغرب عبر كشف النقاب عن [أحدث] التطورات النووية (والمبالغة فيها في كثير من الأحيان). وواصلت احتفالات هذا العام هذا التقليد إلى حدّ كبير على الرغم من الاختلافات المتنوعة التي قد تشير إلى تحوّل في كيفية ضغط طهران على شركائها الأوروبيين في «خطة العمل الشاملة المشتركة».
تهديدات أجهزة الطرد المركزي، تحدي «الحرس الثوري الإسلامي»
تشمل المرافق والقدرات التي كانت إيران قد كشفت عنها خلال احتفالاتها الماضية بالتكنولوجيا النووية إتقانها تخصيب اليورانيوم الصناعي (2007)، ومحطة لتصنيع الوقود النووي بالقرب من مدينة أصفهان (2009)، وتطوير "أجهزة طرد مركزي من الجيل الثالث" (2010) - أظهرها النظام الإيراني جميعاً بنبرة تهديد على أنها دليل على انضمامه إلى "نادي الدول النووية". إلاّ أنّ هذا النمط توقّف بين 2015 و 2017 بسبب الحساسيات التي كانت تحيط بالصفقة النووية ثم استؤنف عام 2018 في ضوء تعهّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من «خطة العمل الشاملة المشتركة». ومع ذلك، لم يدلّ أي من المشاريع الثلاثة وثمانين التي أُعلن عنها العام الماضي على تحسّن كبير في البرنامج النووي، ولم ينفّذ النظام قطّ تهديده باستئناف تخصيب اليورانيوم على نطاق كامل إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق.
أما هذا العام، فقد أعلنت إيران عن 114 تقدماً جديداً في مجالات "التنقيب عن الطاقة النووية واستخراجها ودورة الوقود ومحطات توليد الطاقة والعلوم والتكنولوجيات"، مع التركيز بشكل خاص على مساهمة الصناعة النووية في الطب. إلاّ أنّ الاحتفالات بلغت أوجّها مع التصريحات الاستفزازية للرئيس الإيراني حسن روحاني الذي انتهز المنصة لينتقد قرار واشنطن بإدراج قوات «الحرس الثوري» الإيراني كمنظمة إرهابية أجنبية في وقت سابق من هذا الأسبوع. وبعد أن اتهم الرئيس الإيراني الولايات المتحدة بالتحريض على الإرهاب بنفسها، أعاد طمأنة شعبه بأنّ النظام الإيراني موحد في دعم «الحرس الثوري»، وهي خطوة غير عادية نظراً لأن طهران نادراً ما تربط "اليوم السنوي لـ «الحرس الثوري»" (الذي جرى الاحتفال به أيضاً في 9 نيسان/أبريل) بـ "اليوم النووي".
ولإثبات مواصلة النظام تعزيز برامجه النووية والعسكرية في مواجهة التدخل الأمريكي، أمر روحاني "منظمة الطاقة الذرية الإيرانية" بتركيب عشرين جهاز طرد مركزي متطور من طراز ""IR-6 في منشأة تخصيب اليورانيوم في نطنز. وبذلك حذّر واشنطن من أنّ فرضها المزيد من الضغوط من شأنه أن يدفع طهران إلى استحداث وحدات أكثر تقدماً: "إذا واصلتم السير على هذا الطريق، ستشهدون إطلاق جهاز الطرد المركزي من طراز "IR-8" في المستقبل القريب." ثم وجّه الحديث إلى أوروبا، مؤكداً أنّ طهران "تحلّت بالصبر" وستستمر في ذلك، لكنّها "قد تتخذ خطوات" إذا تم بلوغ "عتبة" معينة - مشيراً بذلك على الأرجح إلى وجهة نظر النظام بأنّ "المركبة ذات الأغراض الخاصة" التي أُنشئت في وقت سابق من هذا العام هي آليةٌ غير كافية لتسهيل التجارة.
وفي وقت لاحق، أشار مدير "منظمة الطاقة الذرية الإيرانية"، علي أكبر صالحي، إلى أنّ إيران تنتج أجهزة الطرد المركزي وتطوّرها وفقاً لالتزاماتها، وألقى نائبه بهروز كمالوندى مزيداً من الضوء على هذه المسألة. وبالإشارة إلى أن عملية تركيب الطراز الجديد "IR-6" جرت في إطار «خطة العمل الشاملة المشتركة»، أوضح كمالوندى أنّه "بعد إنجاز سلسلة من عشرة أجهزة طرد مركزي بنجاح، عند السعي لإنجاز سلسلة من عشرين جهاز طرد مركزي، فهذا يعني فعلياً الاستعداد للإنتاج الصناعي لأجهزة الطرد المركزي." ثم أوضح أنّ إيران ستكتفي بعشرين وحدةً من طراز "IR-6" حتى عام 2024، ثم تبدأ في إنتاجها بكميات كبيرة.
وتتيح الصفقة النووية لإيران إجراء عمليات بحث وتطوير محدودة على أجهزة الطرد المركزي المتقدمة طالما أنها لا تُراكم اليورانيوم المخصب، وفقاً "لخطة طهران للبحث والتطوير لتخصيب اليورانيوم". وعلى وجه التحديد، تسمح الصفقة بأن يختبر النظام طراز "IR-6" على "أجهزة طرد مركزي فردية وسلاسل أجهزة تعاقبية وسيطة" (أي مجموعات متصلة من أجهزة الطرد المركزي)، وأن يبدأ في "اختبار ما يصل إلى ثلاثين جهاز طرد مركزي" في منتصف عام 2024.
ومع ذلك، لا يوضح النص الرئيسي لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» الحدَ الأقصى لجهود البحث والتطوير قبل عام 2024. ويُزعم أنّ أن هذه الالتزامات موضحة في خطة البحث والتطوير المذكورة أعلاه، علماً أنّها خارطة طريق منفصلة لتطوير أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي تفاوضت عليها إيران كجزء من عملية «خطة العمل الشاملة المشتركة». ولم يتم الإعلان رسمياً عن الخطة قطّ، لكن وفقاً لبعض التقارير حصلت وكالة "أسوشييتد بريس" على نسخة منها بعد فترة وجيزة من تنفيذ «خطة العمل الشاملة المشتركة» في عام 2016. وعلى الرغم من عدم تأكيد صحة هذه النسخة، إلاّ أنها تعكس بعضاً من ملاحظات كمالوندى الأخيرة. ووفقاً لنسخة وكالة "أسوشييتد بريس"، فإن خطة البحث والتطوير تسمح لإيران باختبار طراز "IR-6" مع اليورانيوم على سلاسل تعاقبية وسيطة تضم "حوالي عشرة أجهزة طرد مركزي ثم حوالي عشرين جهاز طرد مركزي".
وسبق أن أفاد عدد من الدبلوماسيين الأوروبيين بأنهم يراجعون ما إذا كانت الخطوة الإيرانية الأخيرة المتعلقة بـ "IR-6" تتماشى مع «خطة العمل الشاملة المشتركة». ومهما كانت النتيجة، يوضح هذا الحدث الحاجة طويلة الأمد لإتاحة محتويات "خطة البحث والتطوير لتخصيب اليورانيوم" لاستعراضها من قبل الجمهور - وهي خطوة قد تردع إيران عن الدفع بحدود «خطة العمل الشاملة المشتركة» إلى أبعد من ذلك.
الطريق إلى المستقبل
بعيداً عن الإعلان عن طراز "IR-6" والهيجان حول «الحرس الثوري» الإيراني، أبدى المسؤولون الإيرانيون تواضعاً مفاجئاً في وصف مكاسبهم النووية والتحدث عن الغرب. وعلى عكس ما جرى عام 2018، تجنبت تصريحات العيد هذا العام المزاعم بقدرة إيران على استئناف برنامجها النووي الكامل بسرعة أو الوصول إلى هدف التخصيب الطموح جداً البالغ 190 ألف وحدة عمل منفصلة. وأشار صالحي أيضاً إلى أنه ينبغي على مسؤولي النظام "مراعاة حقيقة أن العدو يسعى لاستفزاز إيران لتقوم بردود أفعال متسرعة"، مما يشير ضمناً إلى أنه يجب عليهم التحلي بضبط النفس. وقد يعكس هذا التغيير في الحديث فشل طهران في الردّ بفعالية ضد نهج إدارة ترامب التي تقضي بـِ "ممارسة أقصى ضغط"، وربما يشير إلى أنها سوف تتبع مساراً أكثر حذراً طوال فترة الولاية الحالية للرئيس ترامب.
ومن المؤكد أنّ صالحي على دراية بمثل هذه التكتيكات - حيث دافعَ في 22 كانون الثاني¤ يناير عن قرار إيران بالبقاء في «خطة العمل الشاملة المشتركة» وسط ضغوط أمريكية، لكنّه ذكر أيضاً العديد من الخطوات النووية التي يتخذها النظام لإيصال "الرسالة الضرورية" دون انتهاك الاتفاق أو تصعيد الوضع. وأكد أنّ هذه الخطوات ممكنة لأن "المحادثات النووية خلّفت الكثير من الانتهاكات التي يمكن لإيران استغلالها في الاتفاق" (كما فعلت مع الاتفاقيات والمعايير الدولية الأخرى). وبهذا المعنى، يمكن أن يكون اليوم النووي لهذا العام هو الأول ضمن سلسلة من محاولات إيرانية جديدة لاستغلال الثغرات في "خطة العمل الشاملة المشتركة"، وذلك للإشارة إلى أنّ صبر النظام تجاه أوروبا بدأ ينفد ولبناء سرد المقاومة حول البرنامج النووي.
عومير كرمي هو نائب مدير الاستخبارات في شركة الأمن السيبراني الإسرائيلية "سيكسجيل" وزميل عسكري سابق في معهد واشنطن. وقد قاد سابقاً جهوداً تحليلية وبحثية في "جيش الدفاع الإسرائيلي" تتعلق بالتطورات في الشرق الأوسط.