- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3206
ردود فعل الأكراد إزاء التخلي عنهم في سوريا
في 21 تشرين الأول/أكتوبر، قدّمت بعض اللقطات التي تُظهِر مدنيين أكراد يضايقون الجنود الأمريكيين المنسحبين في كلٍّ من العراق وسوريا مشهداً نادراً ومقلقاً. وما سهّل حدوث هذا المشهد هو قرار الرئيس ترامب في 6 تشرين الأول/أكتوبر بسحب القوات الأمريكية بشكلٍ انفرادي من سوريا، ممهّداً الطريق فعليّاً أمام الجيش التركي لعبور الحدود السورية بعد ثلاثة أيام من ذلك القرار والهجوم على «قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها الأكراد. وبعد ذلك، سرعان ما أصبح الملاذ الآمن منطقة حرب. ووفقاً لـ "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية"، جرى حاليّاً إرغام 180 ألف شخص على مغادرة منازلهم. وفي هذا الصدد، صرح مبعوث الإدارة الأمريكية إلى سوريا، جيمس جيفري، للكونغرس الأمريكي في 22 تشرين الأول/أكتوبر بأن القتال أسفر عن مقتل المئات من «قوات سوريا الديمقراطية» - جريمة حرب محتملة ارتكبتها ميليشيا موالية لتركيا - وهرب أكثر من مائة من مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» من السجن.
ولم يكن أمراً مفاجئاً أن يترك التصرف الأمريكي شعوراً لدى الأكراد السوريين بالتخلي عنهم وتعريضهم للجيش التركي وميليشياته العربية المتفوّقين عسكرياً. وعلى مستوى أعمق، يبدو أنّ الأمريكيين فقدوا تماماً تعاطف الأكراد وثقتهم، وفي الوقت نفسه فشلوا في ردع تركيا أو استرضائها. وبدلاً من تحسين الأمور، قام الرئيس ترامب بصب الملح على الجرح. ورد على رد الفعل العنيف ضد سياسته من خلال ادعائه بأن الأكراد "ليسوا ملائكة" وأنهم فشلوا في المساهمة في الدافع الباعث للحلفاء في الحرب العالمية الثانية، في حين وصف حملتهم العسكرية في سوريا بأنها قتال حول "رمل ملطخ بالدماء".
هل ستُتخذ الخطوة التالية تجاه «حكومة إقليم كردستان»؟
في أماكن أخرى في المنطقة، تتزايد المخاوف بين الأكراد. ففي 9 تشرين الأول/أكتوبر، غرّد الرئيس العراقي برهم صالح، وهو كردي، على موقع "تويتر"، بأن "التوغل العسكري التركي في سوريا يشكل تصعيداً خطيراً ... يجب على العالم أن يتحد لتجنب كارثة". وبالمثل، وصف الرئيس السابق لـ «إقليم كردستان» العراق، مسعود بارزاني، الهجمات التركية في شمال شرق سوريا بأنها "تمثل تهديداً جدياً على حياة الناس، كما ينعكس على أمن واستقرار المنطقة". ودعت «حكومة إقليم كردستان» وبرلمانها إلى وقف العمليات العسكرية في شمال شرق سوريا.
إن ما يؤثر على هذه البيانات المصممة بعناية هو السلطة الاقتصادية والعسكرية التي تتمتع بها تركيا على «حكومة إقليم كردستان»، التي تعتمد بشكل خاص على تركيا كونها المنفذ الوحيد لنفطها للوصول إلى الأسواق العالمية. وبدورها، فإن تركيا هي الشريك التجاري الأكبر لـ «إقليم كردستان»، حيث بلغت قيمة الصادرات التركية للإقليم 6.7 مليار دولار في عام 2018. ومن الناحية العسكرية، تحتفظ تركيا بخمس عشرة قاعدة ونحو 2500 جندي داخل «إقليم كردستان». ومنذ أيار/مايو 2019، وفي إطار عملية "المخلب"، نقلت هذه القوات القتال إلى [مناطق] «حزب العمال الكردستاني» المتمركز في تركيا في منطقة الحدود التي تشمل العراق وتركيا وإيران. وفي 10 تشرين الأول/أكتوبر، قتلت طائرة بدون طيار تركية اثنين من نشطاء «حزب العمال الكردستاني» في عمق «إقليم كردستان»، على بعد أمتار من أكبر متنزه للعراق في مدينة السليمانية.
ربما تفسر هذه الخلفية القلق الشديد الذي أعرب عنه أدهم بارزاني - مشرّع سابق في «حكومة إقليم كردستان» وابن عم مسعود بارزاني - وهو أن قيام تركيا بسهولة بتفكيك المنطقة التي تتمتع بالحكم الذاتي بقيادة الأكراد في سوريا يعني أن «حكومة إقليم كردستان» ستكون التالية. ومع ذلك، فعلى الأرجح، يمكن أن تقوم تركيا بمزامنة عملياتها ضد «قوات سوريا الديمقراطية» و«حزب العمال الكردستاني» من خلال تجاوز سوريا إلى العراق من أجل استهداف معسكرات «حزب العمال الكردستاني» في سنجار وربما مخمور. وتُفسر مثل هذه المخاوف أيضاً دعم «حكومة إقليم كردستان» المستمر للحكومة المركزية في بغداد، التي واجهت حركة احتجاجات متزايدة، بالنظر إلى أن الأكراد العراقيين قد يحتاجون قريباً إلى مساعدة بغداد ضد تركيا. وفي عام 2017، وعلى الرغم من عدم اتخاذ تركيا إجراءات عقابية، عارضت أنقرة استفتاء استقلال «إقليم كردستان» وعملت مع كل من بغداد وطهران على تقويضه.
وبخلاف اللغة الرسمية الصامتة، كانت الإدانة الشعبية للولايات المتحدة وتركيا صارخة وواضحة في «إقليم كردستان». وتتحسّر هذه الأصوات على اتخاذ الشعب الكردي ككبش فداء من أجل تحقيق نفع جيوسياسي. وعبّر أحد المحتجّين في إربيل، عاصمة «إقليم كردستان»، عن ذلك قائلاً: "على مدار التاريخ، تعرّضت أمّتنا للمجازر. نحن يائسون وغاضبون في الوقت نفسه". وخرج البعض إلى الشوارع؛ ودعا آخرون إلى مقاطعة المنتجات التركية؛ وكرّست وسائل الإعلام الكردستانية وقتاً كافياً لتغطية النزاع.
وهناك مصدر قلق كبير آخر لـ «حكومة إقليم كردستان» وهو التدفق المتوقَّع للاجئين السوريين. فسبق أن عبَر حوالي 8000 لاجئ الحدود، وهو رقمٌ لم يكن ليبقى متدنياً إلى هذا الحد لولا جهود «قوات سوريا الديمقراطية» لحظر المرور عبر الحدود ومنع حدوث فراغ سكاني محتمل. وفي هذا الصدد، صرح وزير الداخلية في «حكومة إقليم كردستان»، ريبر أحمد خالد، للصحفيين بأن حكومته تستعد لوصول حوالي 30،000 - 50،000 [لاجئ] على المدى القصير، وما يصل إلى 250،000 [لاجئ] إذا استمرت عمليات التصعيد. كما أرسلت «حكومة إقليم كردستان» وأفراد من عامة الناس على حد سواء مساعدات إلى مخيمات اللاجئين في «كردستان العراق» وفي سوريا أيضاً.
ويشكل التزام الولايات المتحدة تجاه العراق و«حكومة إقليم كردستان» مصدر قلق آخر. فإلى جانب حركة الاحتجاجات، التي تتحدى شرعية الحكومة العراقية يثير الانسحاب الأمريكي مخاطر ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية» مجدداً. ولا يزال مستوى التعاون الأمني اللازم بين «حكومة إقليم كردستان» وبغداد لحرمان تأمين ملاذ آمن لتنظيم «الدولة الإسلامية» بعيد المنال. وفي الوقت نفسه، تضغط إيران وعملائها على العراق لطرد الوجود العسكري الأمريكي من أراضيها. وإذا تصاعد العنف في العراق، يخشى الكثيرون في «حكومة إقليم كردستان» من أن يغادر ترامب البلاد فجأة تماماً كما غادر سوريا.
بعيداً عن «كردستان العراق»
يبقى نظام الحكم الكردي غير موحّد إلى حدّ كبير. ومع ذلك، فعلى الرغم من عدم وجود حركة سياسية عابرة للأوطان، إلّا أن هناك تقارب عاطفي يجمع بين الأكراد، لا سيما عندما يواجهون ضغوطاً خارجية. وهكذا، أعلنت الحكومة التركية في سوريا عن خططها لاستهداف «وحدات حماية الشعب» الكردية وإعادة توطين اللاجئين العرب الذين يعيشون في تركيا في البلدات العربية ذات الغالبية السورية. ومع ذلك، فإن الأكراد في جميع أنحاء العالم يرون هنا تصميماً تركيّاً أوسع نطاقاً، كما تم التعبير عنه في الخطاب المعادي للأكراد الصادر عن أنقرة، ووسائل الإعلام التركية، والميليشيات العربية المؤيدة لأنقرة. وإذا وضعنا جانباً مسألة المعاناة الإنسانية، فإن العديد من الأكراد يرون أن أهداف تركيا الأساسية هي تقويض بروز دويلة سياسية كردية في سوريا وتغيير التركيبة السكانية للمحافظات ذات الأغلبية الكردية.
وفي إيران، موطن ثاني أكبر تجمّع للسكان الأكراد في المنطقة، اندلعت احتجاجات عديدة ندد خلالها المشاركون بالتوغل التركي. وعارضت الحكومة الإيرانية الخطوة التركية، على الرغم من رضاها عن رؤية الولايات المتحدة تَضعَف والرئيس السوري بشار الأسد يزداد قوّة. بالإضافة إلى ذلك، وفي نطاق حملة "الضغط الأقصى" التي تتبعها إدارة ترامب ضد إيران، تجاهلت هذه الإدارة تماماً الجماعات الكردية في إيران كجهات فاعلة صديقة محتملة، مما ساعد على دفع بعض العناصر الكردية الإيرانية إلى التحدث مع طهران.
وبقيت المدن ذات الأغلبية الكردية في تركيا هادئة، والجماعة المحلية الوحيدة التي عارضت التوغل العسكري التركي هي «حزب الشعوب الديمقراطي»، وهو الكتلة الكردية الأكبر في البلاد. واتهمت الحكومة التركية «حزب الشعوب الديمقراطي» بارتباطه بـ «حزب العمال الكردستاني»، فسجنت الرئيس المشارك للجماعة واستبدلت العشرات من رؤساء بلدياتها المنتخبين بآخرين عيّنتهم أنقرة. حتى أنّ رئيس بلدية اسطنبول الجديد، أكرم إمام أوغلو، الذي سهّل له «حزب الشعوب الديمقراطي» إلحاق الهزيمة بمرشح «حزب العدالة والتنمية»، يدعم العملية العسكرية. من جانبه، أدان «حزب العمال الكردستاني» العملية العسكرية التركية لكنه استنكر أيضاً «قوات سوريا الديمقراطية» لموافقتها على وقف إطلاق النار بوساطة الولايات المتحدة في 17 تشرين الأول/أكتوبر.
المسار التقدمي
في الوقت الحالي، إن الهدنة التي تفاوضت حولها الولايات المتحدة ومددتها روسيا أوقفت التصعيد العسكري. وفي غضون ذلك، سيبقى مصير الأكراد السوريين ومنطقتهم المتمتعة بالحكم الذاتي مديناً بالفضل إلى نزوات سياسة ترامب - أي ما إذا كان الرئيس الأمريكي سيعكس المسار تحت ضغط الكونغرس - وكذلك إلى الخطوات التركية والروسية. ومع تأثير الأكراد المحدود للغاية، لم يكن أمامهم سوى خيار اتخاذ الخطوة التي تحافظ عليهم من خلال دعوة نظام الأسد إلى الأراضي التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» والالتزام بالتنازلات المفروضة عليهم.
وعلى الرغم من هذه الصورة الملتبسة إلى حدٍّ كبير، تبقى الولايات المتحدة قادرة بشكل واضح على الحدّ من الأضرار التي لحقت بالسكان الأكراد، وإيجاد طريق نحو السلام، وإعاقة ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية» مجدداً. والخطوة الأولى للقيام بذلك هي الحفاظ على وقف إطلاق النار وتحويله إلى هدنة دائمة، حتى لو لم يتحقق السلام الكامل. وعلى نحو أكثر إلحاحاً في هذا الصدد، يجب على واشنطن أن تسعى جاهدة لتحقيق وقف للأعمال العدائية، بما فيها أي أصداء للحرب العرقية، مع التطهير العرقي الذي قد تسببه وغير ذلك من جرائم الحرب.
ثانياً، من أجل تخفيف المعاناة الإنسانية، يجب على الولايات المتحدة تقديم المساعدة الإنسانية إلى الأشخاص المشرّدين داخليّاً في كل من سوريا و«إقليم كردستان». ونظراً لأن معظم مجتمع المنظمات غير الحكومية قد غادر شمال شرق سوريا بعد إعادة نشر قوات الأسد، على الولايات المتحدة زيادة الدعم لوكالات الأمم المتحدة على الأرض.
أخيراً، يجب على الولايات المتحدة أن تطمئن كل من الحكومة العراقية و«حكومة إقليم كردستان» بأنها ستواصل الضغط العسكري على تنظيم «الدولة الإسلامية». وقد يكون لمثل هذه الخطوة فائدة إضافية تتمثل في تعزيز مكانة الجيش الأمريكي في العراق واستيعاب القوات التي انسحبت من سوريا. وبالفعل، ستكون عودة تنظيم «الدولة الإسلامية» مدمّرة للعراق، الواقع أصلاً تحت ضغوط الاحتجاجات المحلّية؛ يجب على بغداد أن ترى الوجود الأمريكي على أنه يُبعد الريب. وفي غضون ذلك، ففي سوريا، يمكن للقوات العراقية وقوات البشمركة تقديم المساعدة في تأمين مراكز الاعتقال والمعسكرات التي تحتجز مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» وعائلاتهم. ويمكن أن تعكس كافة هذه الخطوات الخطاب الإعلامي الذي يركّز على تخلّي الولايات المتحدة عن الأكراد. وكما في الماضي، يمكن أن يخبر هذا الخطاب أيضاً عن تغيير الولايات المتحدة لمسارها وتصحيح أخطائها.
بلال وهاب هو "زميل واغنر" في معهد واشنطن.