- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2992
بناء العلاقات النفطية بين العراق و«حكومة إقليم كردستان» على أسس قانونية متينة
على الرغم من أن العراق ينتج 4.3 مليون برميل من النفط يومياً، لا يزال العراقيون يعيشون في الفقر. ومع تجمع الناس في شوارع المدن الجنوبية احتجاجاً على الفساد الحكومي، والنقص في الطاقة، وارتفاع معدلات البطالة، يتعين على الحكومة العراقية أن تعيد تركيز اهتمامها على الازدهار الاقتصادي وعلى المطالب المالية الشاقة لإعادة الإعمار بعد سنوات من الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وتحقيقاً لهذه الغاية، يجب أن تحلّ نزاعها مع «حكومة إقليم كردستان» بشأن إدارة قطاع النفط والغاز. وسيشكل القيام بذلك الخطوة الأولى من الخطوات العديدة الحاسمة نحو إعادة سيادة القانون إلى قطاع الطاقة.
وهناك قضية فوضوية بل واعدة للفصل في حقوق الإدارة على هذه الموارد المتنازع عليها، تقبع حالياً أمام المحكمة العليا العراقية. وإذا تقدمت القضية بشكل بنّاء، فسوف تضغط على مجلس النواب المنتخب حديثاً لإعطاء الأولوية لإقرار قانون وطني للنفط والغاز. وهذا بدوره سيؤدي إلى زرع الثقة التي تمس الحاجة إليها في قطاع الطاقة المثقّل بالمخاطر في العراق والذي سيستقطب استثمارات أجنبية أكبر لتعزيز الإنتاج والإيرادات. بالإضافة إلى ذلك، يُنذر الإقرار الكردي بالمحكمة الفدرالية باعتماد نهج أكثر واقعيةً إزاء الطاقة - نهج يرمي إلى إنقاذ قطاع النفط في «حكومة إقليم كردستان» وإزالة الخطر عنه من خلال تحسين التنسيق، إن لم يكن تحقيق التكامل مع القطاع الفدرالي.
عودة نقاط الغموض
في عام 2005، كرّس الدستور العراقي الجديد الفدرالية والتقاسم العادل لإيرادات النفط والغاز. وفي قضيتها، تستند [الحكومة في] بغداد على افتراض مشاركة «حكومة إقليم كردستان» في هذا الترتيب، إلى الاستشهاد بثلاث مواد من الدستور العراقي. إذ تنص المادة 110 على أنّ الحكومة الاتحادية تتحلى "بسلطات حصرية" فيما يخص صياغة "السياسة الاقتصادية والتجارية السيادية الأجنبية"، ويُفترض أن يشمل ذلك تجارة النفط والغاز التي تمثل أكثر من 95 في المائة من صادرات العراق. وتنص المادة 111 على أنّ النفط والغاز ملكٌ لكل الشعب العراقي. كما تنص الفقرة الأولى من المادة 112 على أن حقول النفط والغاز "الحاليّة" يجب أن تُدار من قبل الحكومة المركزية إلى جانب "حكومات الاقالیم والمحافظات المنتجة"، بما يكمّل في الأساس ترتيبات الرئيس العراقي السابق صدّام حسين في وقت صدور الدستور.
ومع ذلك، تنطوي الفقرة الثانية من المادة 112 على التمييز بين النفط القديم والجديد، مع اعتبار عام 2005 الخط الفاصل بين الاثنين. وتؤكد الفقرة نفسها على أن "الحكومة الفدرالية، إلى جانب حكومات الاقالیم والمحافظات المنتجة، ستقوم معاً بصياغة السياسات الاستراتيجية اللازمة لتنمية ثروة النفط والغاز". ولذلك، تسند «حكومة إقليم كردستان» كل إنتاج المواد الهيدروكربونية، باستثناء مطالباتها بكركوك، إلى أحكام "النفط الجديد" التي يغطيها مصطلح "معاً" والتي لا وجود لها في الفقرة الأولى من المادة. وفي رأيها، تحل أيضاً هذه الصياغة محل "السلطات الحصرية" الممنوحة لبغداد في المادة 110.
ومع ذلك، يتم التوفيق بين هذه التفسيرات المختلفة في نهاية المطاف، إذ أن المادة 112 تمنح الحكومة بشكل واضح تفويضاً بإقرار تشريعات تنظم الإدارة المشتركة لإنتاج النفط الخام وبيعه وتوزيع الإيرادات. ولكن بسبب الجدل المستمر في السلطة، لم تترجَم بعد هذه الأحكام الدستورية إلى أنظمة، ناهيك عن قوانين واضحة. وفي ما شكّل دفعةً كبيرة إلى الأمام في الفترة 2007 - 2008، عرضت الولايات المتحدة التوسط لسنّ قانون جديد للنفط والغاز، إلاّ أنّ كلاً من بغداد و«حكومة إقليم كردستان» قررت الالتزام بتفسيراتها الخاصة للدستور التي تخدم مصالحها.
وحيث كان الأكراد يتطلعون إلى الخروج من العراق، فقد سعوا لبناء قطاع نفط مستقل، ودعوا شركات نفط دولية للتنقيب عن المواد الهيدروكربونية في أراضيهم. كما بدأوا يصدّرون النفط بشكل مستقل في كانون الثاني/يناير 2014 وتعاقدوا مع تركيا لتصدير الغاز، وذلك في انتهاك واضح للمادة 110. واليوم، تصدّر «حكومة إقليم كردستان» بشكل مستقل ما يقارب 300 ألف برميل نفط يومياً عبر تركيا.
ومن جهتها، تسعى بغداد إلى البقاء مركز لاتخاذ مثل هذا القرار. ومن هنا، تدّعي بملكية صادرات النفط لـ «حكومة إقليم كردستان» وترفض الإقرار بالصفقات الكردية مع شركات النفط الدولية. وفي الواقع، تتصرف بغداد كما لو كانت المادة 112 هي التي تنظم قطاع النفط بأسره، بما في ذلك النفط "الجديد" - وهو موقف يبدو أنه ينتهك الدستور تماماً كما تفعل صادرات أربيل الأحادية الجانب.
معركة قضائية
في عام 2012، لجأت الحكومة الاتحادية إلى المحكمة العليا بشأن قانونية العقود النفطية لـ «حكومة إقليم كردستان» وصادراتها المستقلة. إلاّ أن «حكومة الإقليم» تجاهلت عمداً المثول أمام المحكمة حتى نيسان/أبريل من هذا العام.
وحتى اليوم، لم تصدر المحكمة أي حكم، بل تطلُب بدلاً من ذلك المزيد من المعلومات حول سلسلة القيمة النفطية. وحيث ستنعقد جلسة الاستماع التالية وربما الأخيرة في 14 آب/أغسطس، يرى كلا الطرفين أن الإجراءات القضائية مشجعة حتى الآن. إذ يشعر المسؤولون الاتحاديون بأن لديهم دليل قوي ضد «حكومة إقليم كردستان»، في حين يسر المسؤولون الأكراد رؤية تشكيك المحكمة في صلاحية مادتي الدستور اللتين استشهدت بهما بغداد كحجة مقنعة للاتهام. كما ألقت المحكمة عبء صياغة قانون النفط الوطني على بغداد، لأنّ «حكومة إقليم كردستان» سبق وأن أقرّت قانونها الخاص بالموارد الطبيعية في عام 2007.
بالإضافة إلى ذلك، تطلبت قوانين الميزانية السابقة التي أقرها مجلس النواب العراقي مساهمة «حكومة إقليم كردستان» ببعض من عائدات صادرات النفط لصالح الصادرات الإجمالية للبلاد - وهو نشاط تعتبره أربيل إقراراً واضحاً بأن صادراتها المستقلة مشروعة. وفي إحدى الصفقات التي تمت عام 2015، تقاسمت «حكومة إقليم كردستان» والحكومة الاتحادية بصورة عادلة عائدات 150 ألف برميل من النفط يومياً تم إنتاجها في حقول كركوك، التي لا يمكن تصدير نفطها إلا عبر خط الأنابيب الكردي إلى تركيا. ومع ذلك، ترفض السلطات الاتحادية حالياً تصدير هذا النفط، وتسعى إلى تجنب البنية التحتية لـ «حكومة إقليم كردستان» مهما كلّف الأمر. وبقيامها بذلك، فإنها تحدّ من منفذ التصدير العراقي الشمالي، وهو نهج عقيم في وقت يمكن أن تهدد فيه الاحتجاجات تدفق النفط الخام من الجنوب.
بلد واحد، وصناعتين
أدى الفراغ القانوني المستمر إلى انقسام قطاع الطاقة في العراق. فعلى الرغم من أن بناء قطاع كهذا من لا شيء كان أمراً مهماً بالنسبة لـ «حكومة إقليم كردستان»، إلا أن أهدافها الرئيسية المتمثلة باستنزاف الحكومة المركزية وبناء الأساس الاقتصادي للاستقلال، قادتها إلى تجاوز حدودها في بعض الأحيان، كما هو الحال عندما استولت على حقول النفط وعائداته في كركوك خلال الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وقد أصبح أيضاً قطاع الطاقة في كردستان أقل شفافيةً على نحو متزايد، حيث سعى مسؤولو «حكومة إقليم كردستان» للتهرب من بغداد.
ومع ذلك، رفضت السلطات الاتحادية التساهل مع «حكومة إقليم كردستان» منذ اليوم الأول. فأعلنت أن عقود أربيل لتقاسم الإنتاج غير قانونية، ووضعت أي من شركات النفط الدولية المعنية على القائمة السوداء، وأقامت الدعاوى ضد المشترين. وبين عامي 2013 و2016، حلّت الصفقات القصيرة المدى والقصيرة الأجل محل السياسات والاستراتيجيات القائمة على القانون. وأقرّت أربيل بشكل متقطع بدور بغداد الحاسم من خلال تحويل نفطها إلى الحكومة المركزية لتصديره. وفي المقابل، أقرّ قبول بغداد لهذا الترتيب بشكل غير مباشر شرعية عقود «حكومة إقليم كردستان». وتلقّى الأكراد حصتهم أيضاً من عائدات تصدير النفط على المستوى الوطني: حوالي 17% من معظم الميزانيات حتى وقت قريب. إلاّ أنّ النزاعات الفنية وحالات التجاوز المختلفة من قبل كلا الطرفين قد أخمدت العديد من من هذه المبادرات.
كما أن الخلافات فتحت الباب أمام المزيد من النفوذ الإيراني. وفي الشهر الماضي، اتفقت بغداد وطهران على تبادل 30 ألف برميل من نفط كركوك، [في صفقة] يتم فيها تكرير النفط العراقي في المصافي الإيرانية مقابل تسليم إيران كميات مساوية من نفطها الخاص إلى موانئ العراق في الخليج العربي. ومن الممكن لهذه العلاقات النفطية المتزايدة أن تساعد إيران على تجنّب عقوبات الطاقة الأمريكية، بما يعيد إلى الأذهان أساليب التهرب الخاصة التي اعتمدتها بغداد في تسعينيات القرن الماضي، عندما قامت ناقلات النفط العراقية برفع الأعلام الإيرانية.
وفي المرحلة المقبلة، من الواضح أن [التطورات] قد أفضت بوضوح إلى ترجيح كفة الميزان لصالح بغداد، نظراً إلى استفتاء أربيل المُكلِّف حول الاستقلال، وفقدان «حكومة الإقليم» السيطرة على حقول نفط كركوك، وحاجتها الماسة إلى التدفق النقدي من الخزائن العراقية. ومع ذلك، تدرك بغداد أيضاً أن قطاع الطاقة في «إقليم كردستان» سيظل قائماً. كما أن مواصلة الاستعاضة عن "الاتفاقيات" النبيلة لعمليات توزيع الإنتاج وتقاسم العائدات المنظمة أمر غير مستدام. وتعوّق النُهج المدمرة المتبادلة تقدم قطاع النفط العراقي الذي يسعى إلى إعادة الاندماج والانتعاش في سوق تنافسية. ومن خلال مثول «حكومة إقليم كردستان» أمام هيئة المحكمة العليا، ستُتاح لها فرصة تحقيق الاستفادة من الدستور الذي كانت صياغته من أبرز إنجازاتها المؤسسية والقانونية في مرحلة ما بعد صدام. ولا يمكن لبغداد بكل بساطة أن تؤديَ حالياً دور التنمّر لأنها بدأت تتعامل مع شركات الطاقة الدولية الشريكة لـ «حكومة إقليم كردستان» والتي تضم "روزنيفت" الروسية و"بوتاس" التركية.
نحو سيادة القانون
يُعَد السماح للمحاكم بتسوية نزاعات النفط في العراق مبدأ جدير بالدعم، لأنّه من مصلحة جميع الأطراف التنعم بقطاع طاقة شفاف قائم على حكم القانون. ومن بين المنافع الأخرى، سيساعد حل قضية النفط على حل الخلافات بين بغداد و«حكومة إقليم كردستان» حول الأراضي. كما سيقوّض نفوذ إيران، ويحد من فرصها لتهريب النفط، ويساعد جهود رصد محاولات إيران الرامية إلى خرق العقوبات.
وتحقيقاً لهذه الغاية، يجب أن تكمن أولوية الحكومة العراقية المقبلة في إقرار قانون وطني للنفط والغاز وبناء مؤسسات دولة شاملة تعكس الدستور. كما ومن الضروري ترشيد قطاع النفط العراقي لتحقيق أقصى قدر من الإيرادات وصياغة السياسات الاقتصادية اللازمة للتعامل مع الاحتجاجات العامة الأخيرة. يتعين على الولايات المتحدة استئناف المساعدة التي قدمتها في الفترة 2007- 2008 لإقرار قانون النفط والغاز. كما ينبغي عليها دعم إجراءات المحكمة القضائية باعتبارها سابقةً إيجابية لحل النزاعات، مع تقديم المشورة الفنية التي تحتاجها المحكمة لإصدار حكم عادل. وتستجيب كل من بغداد و«حكومة إقليم كردستان» لمثل هذه المساعدة.
جيمس جيفري هو زميل متميز في زمالة "فيليب سولوندز" في معهد واشنطن وسفير الولايات المتحدة السابق لدى العراق وتركيا. بلال وهاب هو زميل "ناثان واستير ك. واغنر" في المعهد.