- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3110
تجديد الإعفاءات من العقوبات المفروضة على إيران (الجزء الأول): الأنشطة النووية
"هذا المرصد السياسي هو الأول في سلسلة من جزأين حول كيفية تعامل واشنطن مع المواعيد النهائية للإعفاءات. وسيبحث الجزء الثاني في إعفاءات الطاقة والإستثناء لميناء تشابهار".
مع اقتراب الموعد النهائي لتمديد الإعفاءات في 2 أيار/مايو، أُولي الكثير من الاهتمام إلى الإعفاءات المؤقتة لصادرات الطاقة الإيرانية - أي إمداد العراق بالغاز والكهرباء، وتزويد ثماني دول أخرى بالنفط. ففي 22 نيسان/أبريل، أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أنه لن يُسمح بإجراء هذه العمليات بعد الآن. في المقابل، لم تلقَ الإعفاءات لبعض الأنشطة النووية الإيرانية سوى القليل من الاهتمام، باستثناء رسالة وجّهها تسعة أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي إلى الرئيس دونالد ترامب في 9 نيسان/أبريل تطالب بإنهائها.
مجموعة أدوات الإعفاءات الأمريكية
تسمح جميع القوانين الأمريكية المتعلقة بالعقوبات المفروضة على إيران بإعفاءات تتعلق بالأمن القومي، وعادةً ما تكون مؤقتة. وتسمح بعض القوانين كذلك بإعفاءات دائمة، وبالطبع يمكن للرئيس الأمريكي تعديل أي أمر تنفيذي. وخلال فترة ولاية الرئيس ترامب، يبدو أن وزارة الخارجية الأمريكية قد مَنحت إعفاءات من العقوبات التالية:
- قانون حرية إيران ومكافحة انتشار الأسلحة النووية لعام 2012، وتحديداً الأقسام 1244 (التي تشمل الطاقة والشحن وبناء السفن والموانئ)، و 1245 (إضافة المواطنين المحددة أسماؤهم بصفة خاصة وأي قطاع من قطاعات الاقتصاد الإيراني المصمَّم على أن "يخضع لحكم «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني بشكل مباشر أو غير مباشر")، و 1246 (العناصر "النووية أو العسكرية أو الصاروخية البالستية" والمعادن الثمينة)، و1247 (التأمين على الأنشطة المذكورة سابقاً). ويمكن الإعفاء من هذه العقوبات لمدة أقصاها 180 يوماً.
- قانون الحد من التهديدات الإيرانية وحقوق الإنسان في سوريا لعام 2012، القسمان 212 (أ) (يشمل التأمين على شحنات النفط الإيرانية) و 213 (أ) (الاقتراض الحكومي)، ويمكن الإعفاء من هذه العقوبات لمدة أقصاها 180 يوماً.
- قانون العقوبات الإيراني لعام 1996، القسم 5 (أ) (يشمل استثمارات النفط والغاز)، والتي يمكن الإعفاء عن هذه العقوبات لمدة تصل إلى 180 يوماً.
- قانون الإذن بمخصصات الدفاع الوطني للسنة المالية 2012، القسم 1245 (د) (1) (يشمل البنوك الأجنبية المشاركة في تجارة النفط الإيراني)، ويمكن الإعفاء من هذه العقوبات لمدة أقصاها 120 يوماً.
وتفيد بعض التقارير أنّ الإعفاءات الفردية [التي تطال الأفراد] تتضمن صيغةً حول الصفقات المسموح بها، لكن لم يتم الإعلان عن أي من هذه الإعفاءات، لذا لا يمكن للحكومات والشركات والمراقبين معرفة الصفقات التي تخضع للعقوبة ما لم تبلغهم وزارة الخارجية الأمريكية مباشرةً بذلك. كما وبالإضافة إلى الإعفاءات الرسمية، تملك الحكومة الأمريكية خيارأ يتمثل بطمأنة أطرافاً معينة بأنه لن يتم اتخاذ أي إجراء لفرض العقوبات في ظل ظروف محددة - وهو خيار اتخذته الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بالواردات العراقية من الكهرباء الإيرانية.
أنشطة إيران النووية: فائدتها مقابل خطورتها
تم إصدار الإعفاءات النووية الأمريكية للمرة الأخيرة في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، والمعلومات الوحيدة المتاحة علناً هي البيان الصحفي السريع والغامض الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية الذي نُشِر في ذلك الوقت. ومن غير الواضح ما تشمله هذه الإعفاءات بالضبط. إذ أفاد البيان بأنهم يسمحون "[باستمرار] المشاريع الخاضعة لحظر الانتشار النووي في آراك وبوشهر وفوردو"، مما يعني أن بعض الأنشطة في تلك المواقع غير مشمولة [بالحظر]. أمّا التوجيه الوحيد الآخر فهو أن الإعفاءات تسمح "بالاستمرار لفترة مؤقتة لبعض المشاريع الجارية التي تعيق قدرة إيران على إعادة بناء برنامجها للأسلحة وذلك يغلق الطريق أمام الوضع النووي الراهن إلى أن نتمكن من تأمين صفقة أقوى"، في إشارة إلى انسحاب الإدارة الأمريكية من «خطة العمل الشاملة المشتركة» عام 2018 . كما ذكر البيان أنّ "كل إعفاء نمنحه مشروط بتعاون مختلف أصحاب المصلحة"، على الرغم من عدم توفير أي معلومات حول الإجراءات التي سيتم اتخاذها لمراقبة الامتثال لأي شروط محددة.
ويتلاءم هذا الغموض مع نمط إصدار معلومات ضئيلة فقط فيما يتعلق بـ «خطة العمل الشاملة المشتركة». فعلى سبيل المثال، لم يتم الإعلان أبداً عن "عناصر خطة البحث والتطوير الإيرانية" التي أعدتها طهران كجزء من الصفقة النووية، مما يعني أنه ليس لدى المراقبين الخارجيين أي وسيلة لمعرفة ما إذا كان النظام يراقب الأحكام المتعدّدة لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» التي تستخدم صيغة مثل "متسقة مع مقتضى الخطة". ووفقاً لبعض التقارير، سمحت إدارة أوباما لأعضاء في الكونغرس بالنظر في وصف الخطة، لكن من المرجح أنهم افتقروا إلى الخبرة الفنية لتقييم مثل هذه الوثيقة ولم يُسمح لهم بمشاركتها مع خبراء خارجيين.
وفي حين أنه من الصعب تقييم الإعفاءات من دون الحصول على المزيد من المعلومات، إلّا أن السماح باستمرار بعض الأنشطة الإيرانية النووية يصبّ بشكل واضح في مصلحة الأمن القومي الأمريكي. وخير مثال على ذلك هو شحن الوقود المستعمل من بوشهر إلى روسيا، بدلاً من ترك تلك المواد - التي تحتوي على عناصر يمكن استخلاصها واستخدامها في الأسلحة النووية - في أحواض التبريد الإيرانية. وينطبق الشيء نفسه على بعض التحديثات التي تطال السلامة النووية والتي تجري مناقشتها مع الدول الأوروبية.
ومع ذلك، أشار إعلان وزارة الخارجية الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر إلى أنه تم منح إعفاءات أيضاً لفوردو وآراك، وهما موقع أجهزة الطرد المركزي ومفاعل للماء الثقيل على التوالي. ويقيناً أنه من مصلحة الولايات المتحدة تعديل هذه المنشآت لتقليص قدرتها على إنتاج مواد انشطارية صالحة لصنع الأسلحة. وهناك الكثير من الذي يمكن قوله لإعطاء العلماء النوويين الإيرانيين شئ بريء يعملون عليه بدلاً من جعلهم عاطلين عن العمل. ومع ذلك، فإن الإعفاءات العامة غير المقيدة لفوردو وأراك قد تكون مثيرة للقلق بشكل خاص نظراً لتاريخ إيران الحافل بالخداع فيما يخص هذه المواقع - وهو خداع استمر هذا العام.
في 22 كانون الثاني/يناير، صرّح رئيس "منظمة الطاقة الذرية الإيرانية" علي أكبر صالحي في مقابلة تلفزيونية أنّ النظام أخفى معدات إضافية لمفاعل أراك: "هناك أنابيب يسري فيها الوقود ليصب داخل [الكلندريا، وهو الجزء المركزي للمفاعل]. لقد اشترينا أنابيب مماثلة، لكنني لم أستطع الإعلان عنها في ذلك الوقت. ولم يعلم بذلك إلاّ شخص واحد فقط في إيران. ولم نخبر أحداً سوى القائد الأعلى للنظام [المرشد الأعلى علي خامنئي]... ولم نخبر أي من [أطراف «خطة العمل الشاملة المشتركة» الأخرى] بأن لدينا أنابيب إضافية. وإلاّ لطلبوا منّا صبّ الإسمنت داخل تلك الأنابيب أيضاً. والآن لدينا الأنابيب نفسها". وإلى أن يتم التحقيق في هذه المسألة وحلّها بشكل شامل، يجب أن يكون أي إعفاء خاص بآراك مشروطاً على نحو صارم. فعلى سبيل المثال، يجب أن يتطلب كذلك إعفاءً منفصلاً لكل مادة يتم شحنها.
ومضى صالحي قائلاً: "في الواقع، أشكر الله على أن المناقشات الفنية لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» تركت الكثير من الثغرات حول الطرق التي يمكننا من خلالها التصرف من دون أن تتمكّن الأطراف الأخرى من الادعاء بحدوث أي انتهاك للصفقة". ولسوء الحظ، إنه على حق. فلننظر في هذا البيان في الملحق الأول من «خطة العمل الشاملة المشتركة»، الذي يشمل الطريقة التي يُسمح بها لإيران بتطوير أجهزة طرد مركزي متقدمة من طراز IR-8: "ستنتقل إيران من أجهزة الطرد المركزي الفردية إلى أجهزة تعاقبية صغيرة، ثم إلى أجهزة تعاقبية وسيطة ضمن تسلسل منطقي". ولا تعرّف هذه الجملة العامة للغاية أي من مصطلحاتها، وهذا يعني أنّ بإمكان النظام أن يفعل ما يشاء والادعاء أنه كان يراعي «خطة العمل الشاملة المشتركة».
علاوةً على ذلك، يمكن لإيران اختبار أجهزة الطرد المركزي الخاصة بها "مع اليورانيوم أو بدونه" طالما أنها "لا تُراكم اليورانيوم المخصب" - الأمر الذي يطرح السؤال حول ماهية التراكم. وهنا، من المفترض أن تجادل إيران باستخدامها حجّة المعنى النووي التقني (جمع "مخلفات التقطير" بعد عملية تخصيب اليورانيوم) بدلاً من المعنى الشائع (امتلاك مخزون كبير من المواد المخصبة). وإذا كان الأمر كذلك، فإن القيود المفروضة عديمة الفاعلية.
ولمنع إيران من استغلال مثل هذه الجوانب الغامضة، يجب أن تكون صياغة الإعفاءات الجديدة مُحكمةً وأن تتضمن تعريفات واضحة. كما يجب إتاحتها للعلن لكي يتمكن الخبراء الخارجيون من تقييمها ولإحاطة الشركات المورّدة بشكل ملائم بما هو مسموح به وما غير مسموح به.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تتضمن الإعفاءات آلية تحقّق واضحة - أي عمليات تفتيش دولية لمعرفة كيف يجري استخدام العناصر المشحونة - فضلاً عن فرض عقوبات مشددة على الانتهاكات. أمّا المثال الذي يتعيّن تجنبه فهو قناة المشتريات الخاصة بـ «خطة العمل الشاملة المشتركة»، حيث يقع على عاتق المورّد مسؤولية الإبلاغ عن الشحنات ذات الصلة بإيران والتحقق من كيفية استخدامها. كما لا تضطلع "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" بأي دور في هذه العملية. وبدلاً من ذلك، تتطلب إجراءاتها على ما يبدو السكوت على أي انتهاكات لأن الكشف عنها ينتهك السرية التجارية التي يضمنها اتفاق الضمانات مع إيران. وحتى لو لم يكن الأمر كذلك، فإن انتهاك قناة المشتريات الخاصة بـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» لا ينص على فرض أي عقوبة. وبعيداً عن مبدأ "ثق ولكن تأكّد"، يبدو أن السياسة الأمريكية الحالية بشأن بعض القضايا النووية تتبع مبدأ "ثق وآمل للأفضل"، وهي بالتأكيد فكرة سيئة في حالة إيران.
الخاتمة
سيكون النقاش حول الإعفاءات النووية أكثر استنارةً إذا تم الإعلان عنها جميعاً. فإخفاؤها عن الجمهور هو أمر غير فعال إلى حد كبير و/أو يؤدي إلى نتائج عكسية: فسرعان ما يتم نشر الكلام حول الكثير منها، ولكن في بعض الأحيان بطريقة مشوهة تضرّ بالمصالح الأمريكية، في حين أن الشركات لا تملك في غالب الأحيان أي وسيلة لمعرفة أي من الشحنات المتجهة إلى إيران تخضع للعقوبات. كما أنّ الخصوصية غير المبرّرة تعزز النمط المقلق إزاء السرية التي تحيط بالبرنامج النووي، مما يسهّل أنشطة إيران السرية وتَجَنُبِها للضوابط. إن الإفصاح هو أفضل طريقة للتصدي لذلك.
وفي المرحلة القادمة، فإن التمديد التلقائي للإعفاءات العامة أو الرفض الكامل لجميع الإعفاءات لا يشكلان مساراً مناسباً، بل ينبغي تشجيع الأنشطة التي تتمتع بفوائد جمّة في مجال عدم الانتشار (على سبيل المثال، إعادة الوقود المستهلك في بوشهر). وفي الوقت نفسه، ينبغي ربط معظم الإعفاءات النووية بعملية رصد ومراقبة صارمة، بما يضمن عدم استخدام المواد إلا لأغراض مدنية بعيدة عن التخصيب وفي مواقع محددة. ويتطلب ذلك إجراء عمليات تفتيش مستمرة للتحقق من الالتزام بالقيود، والاستعداد لإتاحة جميع هذه النتائج للعلن. وفي الحالة المثالية، يمكن لواشنطن التوصل إلى توافق دولي في الآراء في الأشهر المقبلة، وإقناع شركائها بمنع إيران من توسيع قدرتها على التخصيب والتحقيق في أنشطتها السابقة المثيرة للقلق.
پاتريك كلاوسون هو زميل أقدم في زمالة "مورنينغستار" ومدير الأبحاث في معهد واشنطن.