- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
وجهات نظر وسائل الإعلام العربية حول الأزمة الأوكرانية
بلغت الأزمة الأوكرانية نقطة الغليان في العام المنصرم، وبينما نلاحظ ندرة الردود العربية الرسمية على الأزمة الأوكرانية، غطت وسائل إعلام عربية كثيرة بشكل مكثف الأزمة وتأثيرها المحتمل في المنطقة.
نظرًا للدور الكبير الذي تؤديه روسيا على الساحة السورية، فقد ركزت معظم وسائل الإعلام العربية تغطيتها على الانعكاسات المحتملة للأزمة الأوكرانية على الوضع في سوريا وحذرت من أنّه من شأن تصعيد الأزمة الأوكرانية أن يخدم مصالح إيران ويهدد موقف إسرائيل.
بالإجمال، تعرض وسائل الإعلام المشكلة من منظار المنافسة بين القوى العظمى، بما في ذلك تقييم أداء الولايات المتحدة في الأزمة والتداعيات المحتملة على صورة الولايات المتحدة في المنطقة. إلى ذلك، أشارت وسائل الإعلام العربية إلى التداعيات الاقتصادية العالمية المحتملة للأزمة، بما في ذلك أزمة الطاقة التي قد تنشأ في حال اندلاع الحرب، فيما زعمت وسائل أخرى أن الأزمة، إلى جانب غيرها من التحديات العالمية الحالية، تعكس في الواقع نظامًا عالميًا جديدًا في طور التبلور.
لقد تكشفت الأزمة الحالية شيئًا فشيئًا على طول العام الماضي، حيث بلغ حشد القوات الروسية على الحدود الأوكرانية ذروته في بادئ الأمر في آذار/مارس 2021 مع 100 ألف عنصر ومعدات عسكرية شكلت معًا أكبر حشد للقوات منذ أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014. وبينما ساعد الضغط الدولي القوي على دفع روسيا لسحب قواتها جزئيًا بحلول حزيران/يونيو، إلا أنّ الأزمة عادت لتظهر بحلول شهر تشرين الأول/أكتوبر مع حشدٍ آخر للقوات الروسية.
وفي كانون الأول/ديسمبر، قدمت روسيا مشروعي معاهدة تحتويان على طلبات لما أسمته "ضمانات أمنية"، بما في ذلك تعهّد ملزم قانونًا بألا تنضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي ("الناتو") والمطالبة بخفض عدد قوات "الناتو" وعتاده العسكري المتمركز في أوروبا الشرقية، مهددة برد عسكري غير محدد إذا لم تُلبَّ هذه المطالب بالكامل.
غير أنّ الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأعضاء في "الناتو" رفضت هذه المطالب وحذرت روسيا من زيادة العقوبات الاقتصادية إذا ما اجتاحت أوكرانيا. وقد فشلت المحادثات الدبلوماسية الثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا هذا الشهر في نزع فتيل الأزمة، الأمر الذي ترك مسألة التصعيد في المستقبل غير مؤكدة.
انعكاسات الأزمة على سوريا
لا بد من ملاحظة بعض أوجه التشابه بين الأزمة الأوكرانية الروسية والحرب في سوريا، بمعنى أنّ كليهما أصبح بؤرًا لصراعات أكبر تشمل قوى عالمية وإقليمية متعددة. ونظرًا إلى تشابه الجهات إلى حد كبير بين كلتي القضيتين، افترضت وسائل إعلام كثيرة أن التطورات في أوكرانيا قد تؤثر في الحرب في سوريا.
وبحسب صحيفة "الشرق الأوسط"، فإنّ تواجد روسيا في سوريا أفاد بشكل كبير الطموحات الجيوستراتيجية الروسية في أوكرانيا. كما أدت روسيا دورًا رئيسيًا في تطبيع العلاقات بين دمشق وشبه جزيرة القرم عبر دعم اتفاق يربط ما بين مرفأين تسيطر عليهما روسيا هما مرفأ اللاذقية في سوريا ومرفأ شبه جزيرة القرم – ما يوفر لروسيا معبرًا بحريًا بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود. كما شددت الصحيفة على أنه بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان ووسط ضغوط متزايدة من الكونغرس قبيل انتخابات التجديد النصفي، تحاول إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تجنب الوقوع في فشل سياسي آخر، سواء كان ذلك في أوكرانيا أو سوريا أو في التفاوض مع إيران في فيينا.
كما أعربت وسائل إعلام أخرى عن قلقها بشأن احتمال تدهور الوضع في سوريا إذا ما اندلعت الحرب في أوكرانيا، وبحسب "صحيفة العرب"، في حين تعمل الأزمة الأوكرانية بمثابة أساس لتعزيز التحالف ما بين أوروبا وواشنطن، إلا أن التدخل العسكري لروسيا في أوكرانيا قد يدفع الغرب إلى التخلي عن الملف السوري أو حتى التضحية به، ما قد يؤدي إلى مزيد من انعدام الاستقرار هناك.
أما قناة "الجزيرة"، فأشارت إلى عامل آخر يعقّد الأمور، وهو أنّه في حال قررت تركيا التدخل في القضية الأوكرانية، من شأن العلاقات الروسية التركية أن تشهد تدهورًا سريعًا، ما سيؤجج الساحة السورية. كما سيفتح الباب أمام موسكو لتقايض موقفها في أوكرانيا مع موقفها في سوريا. وذكرت "الجزيرة" أيضًا أن الأزمة الأوكرانية تُعرّض التقارب السوري الخليجي للخطر وتكاد تهدد بتعزيز التحالف الإيراني السوري، بخاصة إذا ما باءت المفاوضات في فيينا بالفشل.
أما وسائل أخرى، فتناولت الاختلافات التي لاحظتها في الردود الدولية على الأزمتين، فزعمت صحيفة "القدس العربي" أن الأزمة الأوكرانية بيّنت بكل صراحة سياسة الازدواجية التي تنتهجها الولايات المتحدة في سوريا. فبحسب فيصل القاسم: " لا شك أن الكثيرين لاحظوا الفرق الكبير بين الموقف الأمريكي والأوروبي الحالي من التهديدات الروسية لأوكرانيا، والموقف الغربي عمومًا من التدخل الروسي في سوريا". إذ أشار القاسم إلى أنّه "قد غضت أمريكا نفسها الطرف مرات ومرات عن الفيتو الروسي في مجلس الأمن لصالح النظام السوري" مراعاةً للجهود الروسية.
تأثير الأزمة على صورة الولايات المتحدة
سلّطت وسائل الإعلام العربية الضوء أيضًا على انعكاسات أداء الولايات المتحدة خلال الأزمة على صورتها ودورها في الشرق الأوسط. فبحسب الصحفي دويش خليفة، " إنَّ «سياسة إدارة بايدن، وتفضيلها الدبلوماسية في حل المشكلات الدولية، مثل الملف النووي الإيراني والانسحاب مؤخراً من أفغانستان ونهجها الفاتر بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بعث برسالة سلبية لحلفاء الولايات المتحدة في العالم. ونتيجة لهذه الدبلوماسية الناعمة، بدأت كلا الصين وروسيا تؤججان اللهيب في تايوان وأوكرانيا، الأمر الذي يسبب مزيدًا من الإرباك للسياسة الخارجية الأمريكية في طور ذلك.
أما في ما يتعلق بالردود المحتملة على الحشد الروسي للقوات، فوصفت وسائل الإعلام العربية العقوبات الأمريكية والأوروبية المحتملة على روسيا في حالة نشوب حرب بأنها غير مجدية. وبحسب "صحيفة الشرق"، لا تزال أمريكا تستخدم في وجه الحشد العسكري الروسي المتزايد "دليل عقوبات قديم سبق أن أثبت عن فشله طوال عقود". وفي هذا السياق، اعتبرت "صحيفة الاتحاد" الإماراتية أنّ الجهود التي قد تبذلها واشنطن لفرض العقوبات قد لا تنجح هذه المرة في عزل روسيا عن النظام المالي العالمي وأنّ الدول الأوروبية قد تتردد في أن تحذو حذوها بسبب اعتمادها على الغاز الروسي.
وبالنظر إلى دوافع روسيا، شددت صحيفة "الوفد" المصرية على أن موسكو لا تزال على أشد اعتقاد بأن الاتحاد السوفيتي لم يختفِ عن الوجود بعد وأنّه لا يجدر السماح للجمهوريات السوفيتية السابقة بالانضمام إلى "الناتو" أو غيرها من القوى المعادية باعتبار ذلك مسألة تهدد الأمن القومي. وفيما تتمسك روسيا بموقفها الحازم في القضية الأوكرانية، أعرب الموقع عن أنّ بيان الإدارة الأمريكية الضعيف يعكس حالة من عدم اليقين السياسي.
وفي السياق عينه، أشارت "صحيفة الشرق" القطرية إلى أنّه في وجه السياسة الأمريكية المتزعزعة تجاه الأزمة الأوكرانية وحالة انعدام الثقة المتزايدة ضمن المعسكر الغربي، لا ينفك التحالف الثلاثي الذي يضم روسيا والصين وإيران يزداد ترسخًا. حيث يبدو وكأن كل مكونات التحالف تعمل بانسجام تام لتخدم هدفًا واحدًا، ألا وهو إفشال الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
واتفقت "صحيفة الخليج" مع الرأي القائل بإن الصراعات الحالية بين القوى العالمية تشير إلى صعود نظام عالمي جديد، وأضافت أنّ التصعيد الحالي في أوكرانيا، بما في ذلك توسّع انتشار قوات "الناتو" شرقًا باتجاه حدود روسيا ورفض أي من الطرفين القيام بأي تنازلات، كلها عوامل تُضاف إلى التوتر المتزايد بين الصين والولايات المتحدة، بما في ذلك التحالفات العسكرية الحاصلة في منطقة جنوب شرق آسيا بهدف تطويق الصين. ولفتت "الخليج" إلى أنّ هذه العوامل هي في الواقع انعكاس للصراع على النظام الدولي الذي يقوده إصرار الولايات المتحدة على الحفاظ على موقعها كقوة مهيمنة عالمية.
وبالغوص أكثر في هذا الرأي، اتهمت صحيفة "الأهرام" المصرية الرسمية المعسكر الغربي بمحاولة دفع كلا من أوكرانيا وروسيا باتجاه حرب كانت الولايات المتحدة لتجنبتها هي نفسها. وبذلك، تضيف صحيفة "الأهرام" أنّ الغرب أغفل حقيقة أن روسيا يحكمها حاليا "ثعلب ماكر" اسمه بوتين لن ينجرّ بكل سهولة إلى مثل هذه المغامرة السخيفة.
توقع بتزايد الاضطراب
في ما يتعلق بالأثر الإقليمي، أشارت وسائل الإعلام أيضًا إلى الانعكاسات الاقتصادية العالمية في حال اندلاع الحرب. وشددت صحيفة "الدستور" الأردنية أنّه بما أنّ روسيا هي ثاني أكبر مصدّر للنفط وأكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم، فمن شأن غزوها لأوكرانيا أن يحمل معه آثارًا كبيرة على اقتصادات العالم، وبخاصة على قطاعات النفط والغاز والطاقة.
أما الفشل في احتواء الأزمة الأوكرانية، فقد يعود بفوائد جمة على إيران التي تقاوم حاليًا الضغوط الأمريكية على ملفها النووي. وبحسب موقع عربي بوست، إذا فشلت روسيا والولايات المتحدة في التوصل إلى تسوية للأزمة في أوكرانيا، قد تسعى موسكو إلى تخفيف قيودها على إيران أو إلى الامتناع عن الضغط على طهران لتقديم التنازلات في فيينا تمامًا. كما قد تتخلى روسيا عن اتفاقاتها مع إسرائيل والتي تطلبت من الأخيرة أن تقلل روابطها العسكرية وتنسيقها مع أوكرانيا مقابل حدّ روسيا من بيع السلاح لإيران.
ومن جهة أخرى، لفتت صحيفة "رأي اليوم" إلى أنّ التوصل إلى تسوية بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الأزمة الأوكرانية من شأنه أن يعزل إيران عن روسيا خلال المفاوضات النووية وأن يدفع إيران للتضحية بعلاقاتها مع روسيا لتحقق مصالحها القومية والاقتصادية. كما من شأن التوصل إلى تسوية للنزاع أن يتيح فسحةً أكبر للولايات المتحدة لتواصل الضغط على إيران مقابل بعض المنافع طويلة الأمد.
أما بالنسبة إلى إسرائيل، فزعمت صحيفة "رأي اليوم" أنّ في إسرائيل انقسامًا داخليًا حول الأزمة الأوكرانية بسبب علاقتها الدبلوماسية "المتوازنة" مع طرفي الأزمة وبمحاولة منها ألا ينصرف انتباهها عن مشاغلها بشأن إيران. إلى ذلك، زعمت الصحيفة أنّ أي تعطيل لسياسةإسرائيل الحالية التي تقضي بالموازنة ما بين روسيا و"الناتو" قد يدفع روسيا إلى مناصرة المقاومة الفلسطينية من خلال إيران. لذا، تقول الصحيفة إنّ إسرائيل ستكون من بين الدول الأكثر حساسية تجاه أي تصعيد في هذه الأزمة.
وحتى مع طرح العديد من وسائل الإعلام إمكانية التصعيد، يدرك الطرفان بالتأكيد مخاطر الحرب والتكاليف الباهظة المترتبة عليها. ويبدو أن كل من وسائل الإعلام الإقليمية والمجتمع الدبلوماسي الأوسع نطاقًا يدركان أهمية التوصل إلى تسوية للأزمة الحالية، وتقييم التأثير المحتمل في حالة فرض المزيد من العقوبات على الاقتصاد العالمي. ويجب على روسيا أيضًا أن تضع في اعتبارها أنّ أوكرانيا دولة ذات سيادة ولها الحق في تحديد علاقاتها الدولية ورسمها بناءً على مصالحها وأهدافها الوطنية.