- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
ورش عمل الحوكمة الخاصة بالصين تسعى إلى تعزيز بصمة الصين في الشرق الأوسط
تدعم الصين على نحو متزايد خطابها بشأن الحوكمة الرشيدة من خلال توفير التدريب في مجال الحوكمة للمسؤولين الأجانب لتطوير علامة "الحوكمة" الصينية في الشرق الأوسط.
في مؤتمر ميونيخ للأمن في 17 شباط/فبراير، أشاد وانغ يي مجددًا بدور بكين في الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن "الصين عملت على استكشاف نهج صيني، ووساطة الصين الناشطة تطلق "موجة من المصالحة" في جميع أنحاء الشرق الأوسط". ويسعى هذا الخطاب إلى بناء رأس مال سياسي بعد الاجتماع الذي استضافه يي في بكين في آب/أغسطس الماضي لمسؤولين إيرانيين وسعوديين، والذي يُنسب إليه الفضل جزئيًا في إذابة الجليد في العلاقات بين البلدين. ومنذ ذلك الحين، أخذ الحزب الشيوعي الصيني يروج بلا كلل لسردية مفادها أن "موجة المصالحة"، التي جلبتها الصين، تجتاح المنطقة، على الرغم من الحرب بين إسرائيل و"حماس"، وهجمات الحوثيين في البحر الأحمر، والتوترات في العراق وسوريا.
إلى جانب منافسة الصين الاقتصادية والأمنية المباشرة مع الولايات المتحدة، تعلق بكين أهمية كبرى على منافستها مع واشنطن أمام الرأي العام العالمي. فهي تعتبر الشرق الأوسط منطقة مهمة في هذا الصدد، نظرًا لمواردها الهائلة، وقضاياها التاريخية التي تبدو قابلة للاستغلال، ونظام القيم القائم فيها الذي يعتبره المسؤولون الصينيون غير متوافق مع الديمقراطيات الليبرالية. وسعيًا لتحقيق هذا الهدف، تدعم الصين على نحو متزايد خطابها بشأن الحوكمة الرشيدة من خلال توفير التدريب في مجال الحوكمة للمسؤولين الأجانب لتطوير علامة "الحوكمة" الصينية في الشرق الأوسط على حساب النماذج المرتبطة بالولايات المتحدة وأوروبا وغيرها من الديمقراطيات الصناعية المتقدمة في شرق آسيا.
تصدير نموذج الحوكمة الصيني
بدأت بكين، في إطار تعزيز رؤيتها لنظام عالمي جديد في المنطقة، بالتسويق بشكل ناشط لنهج حوكمتها كنموذج محتمل لدول الشرق الأوسط. ففي عام 2016، نشرت بكين أول مخطط لها للسياسة الخارجية للمنطقة بعنوان "تعليمات السياسة للشرق الأوسط". وتنقسم الوثيقة إلى خمسة أقسام تحدد بالتفصيل 29 بند عمل تأمل بكين في تنفيذها في المنطقة، بما في ذلك تصدير تفضيلاتها وممارساتها في مجال الحوكمة.
يروج المسؤولون الصينيون بشكل روتيني لمخطط السياسة هذا منذ صدوره. فقد أشار أحدث تقرير لمراجعة الأداء الصادر عن وزارة التجارة الصينية حول أنشطتها في الشرق الأوسط إلى تنفيذها للبنود ذات الصلة بمخطط السياسة. وشمل ذلك إنشاء اتحاد البنوك الصينية العربية، الذي يعمل على تسهيل الحوكمة المالية لتوطين التجارة الإقليمية أكثر بعملة الرنمينبي. وقد حذا الخبراء الصينيون في شؤون الشرق الأوسط حذوهم في خطابهم، بحيث ربطوا القضايا الأمنية بضعف أداء الحوكمة وقدراتها، وأشاروا إلى قدرة الممارسات الصينية على معالجة هذه التحديات.
لكن أحد التطورات الأخيرة في السياسة الخارجية المصمم خصيصًا للترويج لنهج الحوكمة الصيني يتمثل بتقديم تدريبات مهنية للمسؤولين الحكوميين الإقليميين حول النموذج الصيني. ففي أعقاب مخطط سياسة الشرق الأوسط لعام 2016، افتتحت الصين مركز الدراسات الصيني-العربي للإصلاح والتنمية في جامعة شنغهاي للدراسات الدولية في عام 2017، وهو مركز مخصص لتقديم دورات تدريبية متنوعة في مجال الحوكمة للمسؤولين العرب. وفي أول عامين، عقد المركز عشر ورش عمل حول التدريب على الحوكمة واستقطب ما يقارب ثلاثمائة مشارك من ست عشرة دولة عربية، بما في ذلك وزراء من مصر وسوريا واليمن. وفي مركز الشرق الأوسط، يؤكد الأساتذة الصينيون مرارًا لطلابهم أن نموذج الحوكمة الصيني هو المفتاح لتعزيز الأمن الإقليمي. وبينما أعاقت جائحة كوفيد-19 الأحداث في مركز الدراسات الصيني-العربي للإصلاح والتنمية، استؤنفت التدريبات في العام الماضي لتعود إلى مستويات ما قبل الجائحة تقريبًا.
تحظى هذه الجهود بالدعم على أعلى مستويات الحزب الشيوعي الصيني. فقد كانت إعادة إشراك المشاركين من الشرق الأوسط محورًا أساسيًا في رحلة شي جين بينغ إلى المنطقة في عام 2022، حيث روج أيضًا علنًا لنموذج الحوكمة الصيني. وفي الرياض، قال شي إن بكين مستعدة "لمشاركة الحكمة الصينية من أجل التقدم نحو شرق أوسط ينعم بالسلام". وفي القمة العربية الصينية، أعلن شي عن خطة جديدة لبدء تدريب ألف وخمسمائة من ضباط إنفاذ القانون الإقليميين على "الشرطة الذكية"، وهي ممارسة أمنية رقمية مثيرة للجدل تجمع في الصين بين مراقبة السكان والقيود المادية الفورية على وصول الأفراد إلى الأماكن العامة وفقًا لمتطلبات الدولة.
كما أن الكيانات الصينية الأخرى التي لا تملك عادةً تفويضًا لهذا النوع من التدريب انخرطت أيضًا في برامج مماثلة. مؤخرًا، بدأت وزارة التجارة الصينية، التي تقدم عادةً تدريبات حكومية دولية متعلقة بالمواضيع الاقتصادية، دورات تدريبية في مجال الإدارة العامة، والشؤون القضائية، وإدارة المنظمات غير الحكومية، حتى أنه تم تقديم بعض هذه الدورات التدريبية باللغة العربية. وضمت إحدى الصفوف الخاصة بالإدارة العامة في عام 2021 أكثر من عشرين مسؤولًا من المنطقة وغطت ما يقارب عشرين موضوعًا، بما في ذلك إصلاح القطاع العام، وتطوير "المدن الذكية" وإدارتها، وإدارة التظاهرات الحاشدة، وبرامج إعادة التوطين والعمل.
الجمع بين الحوافز الاقتصادية والتدريب على الحوكمة
لتوسيع نطاق الوصول، يتم الجمع بين التدريبات على الحوكمة وبرامج بناء القدرات الهادفة المتعلقة بالتجارة والتي حددتها بكين كقطاعات ذات أهمية خاصة للمنطقة. يعد الجمع بين التدريب المهني والحوافز الاقتصادية تكتيكًا شائعًا تستخدمه بكين لمحاولة تحسين صورتها العامة بنظر الجنوب العالمي. وفي الكثير من الأحيان، تحدد الصين القطاعات المتخصصة التي لا تتلقى فيها الدول الدعم الغربي. على سبيل المثال، سعت العديد من دول الخليج للحصول على الدعم لبرامج الطاقة النووية لسنوات من الدول المتقدمة نوويًا، إلا أن مساعيها هذه باءت بالفشل. وفي عام 2017، استضافت وزارة التجارة الصينية، بالتعاون مع المؤسسة النووية الوطنية الصينية، وهي شركة الطاقة النووية المدنية العسكرية الرائدة المملوكة للدولة في الصين، برنامجًا تدريبيًا لصناع القرار الإقليميين بشأن الطاقة النووية في بكين. وسمحت هذه المناسبة لبكين بالوصول مباشرةً إلى كبار المسؤولين من الشرق الأوسط لإجراء مناقشات مثمرة قبل الشروع في حوار رسمي على المستوى الحكومي بشأن التعاون في مجال الطاقة النووية. وحضر التدريب مسؤولون من دول مثل البحرين والسودان وتونس، وفي السنوات الأخيرة عمد بعضهم في وقت لاحق إلى توطيد علاقاتهم مع الصين في مجال التعاون النووي.
وفي مجال التعدين أيضًا، حيث يمكن للمنطقة أن تزيد إنتاجها بشكل كبير إذا أتيح لها الوصول إلى التكنولوجيات المتقدمة المتعلقة بالأقمار الصناعية، أصدرت وزارة التجارة الصينية تعليمات إلى هيئة المسح الجيولوجي الصينية بالبدء في استضافة برنامج تدريبي لصناع القرار الإقليميين بشأن الطاقة والموارد المعدنية في عام 2019. وتضم الدفعة الأولى من المشاركين مسؤولين من الأردن. وقد أوضح المنظم الصيني أن اختيار استضافة التدريب في نينغشيا، إلى جانب تأثيره على العلاقات الاقتصادية والسياسية، يهدف إلى تمكين المشاركين في الوقت عينه من اختبار "الخلفية الثقافية المماثلة" بين الصين والشرق الأوسط. بما أن نينغشيا هي إحدى مناطق الحكم الذاتي الإسلامية الصينية الأكثر حداثة، فإن قضاء المسؤولين العرب وقتًا فيها سيؤثر على الأرجح على تصور الوضع في شينجيانغ.
الخاتمة
تحاول الصين، من خلال نشر مجموعة متنوعة من الأدوات المتاحة لها، خلق حلقة تربط نجاحها الاقتصادي بالمزايا السياسية، وبالتالي تعزيز صورة نموذج بكين للحوكمة الرشيدة. ويهدف هذا الموقف بدوره إلى تحدي النظام القائم، ما يعزز طموحها العالمي ويحشد الدول الأجنبية لتعزيز مرونتها في مواجهة الانتقادات الموجهة للقضايا الداخلية الصينية.
إذا تمكنت الصين من العمل مع دول الشرق الأوسط لطرح صورة لنموذجها الاستبدادي كنموذج عالي الكفاءة، تعتقد بكين أنه سيكون له تأثير أقوى بكثير في أماكن أخرى لناحية تقويض الديمقراطيات الضعيفة، وبالتالي النظام الغربي الليبرالي. وقد قال بعض الباحثين الصينيين ذلك بصريح العبارة: "تحاول العديد من الدول النامية، بما في ذلك دول الشرق الأوسط، محاكاة التحديث على الطريقة الغربية... ولكن كما أظهر التاريخ عبر مئات السنين الماضية، لا تؤدي الطريقة الغربية إلا إلى المزيد من التدهور... وبالمقارنة، يُعتبر النهج والنموذج الصيني في الحوكمة جذابًا بنظر الدول النامية، بما في ذلك الشرق الأوسط، نظرًا لصعودنا إلى درجة الاقتصاد الثاني في العالم". إن تحويل التصورات الشعبية حول الفوائد النسبية لهذين النموذجين من نماذج الحوكمة يمكن أن يشكل بدوره تحديًا خطيرًا لعدد كبير من مناطق النفوذ الأمريكية خارج الشرق الأوسط، ويشمل ذلك عملية بدت واضحة أصلًا في أجزاء معينة من أمريكا اللاتينية.
وتؤكد جهود الصين في المنطقة بشكل أكبر كيف أصبح الشرق الأوسط مسرحًا للتنافس الاستراتيجي في السنوات الأخيرة. فالصين تدرك أن ميزتها في المنطقة اقتصادية بطبيعتها، ولكنها تدرك أيضًا أنه من خلال هذه الروابط الاقتصادية، يمكنها أيضًا تعزيز صورتها كقوة عالمية، وبالتالي نهج حوكمتها. ينبغي بواشنطن أن تأخذ هذا التنافس الأيديولوجي على محمل الجد، وتدرك الرهانات المرتبطة به، وتردّ وفقًا لذلك. وتأمل بكين الترويج لخطاباتها وتعزيز الحكومات ذات التوجه المماثل، وذلك جزئيًا من أجل تقويض العلاقات بين هذه الدول والولايات المتحدة. ومن خلال القيام بذلك، تأمل الصين خلق نموذج لتوسيع نفوذها في جميع أنحاء العالم.