- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
ثلاثون عاماً على الإبادة الجماعية في حلبجة والعراق لا يزال يعاقب الأكراد
يمتزج طعم المرارة بالحلاوة في شهر مارس/آذار بالنسبة إلى الأكراد. إنه شهر الاحتفال بالانتفاضة الكردية ضد العراق في العام 1991، وإعلان الحكم الذاتي الكردي في العام 1970، والأبرز أنه الشهر الذي يشهد عيد النوروز الذي يعتبره الأكراد يومهم الوطني للحرية والترحيب بالربيع. ولكنّ شهر مارس/آذار هو أيضاً شهر الحداد. في مثل هذا الشهر شنّ الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين حملة الإبادة الجماعية ضد الأكراد، بما في ذلك هجومه عليهم بالغاز في حلبجة، مسقط رأسي، في 16 مارس/آذار 1988. تسبب هذا الهجوم بمقتل آلاف المدنيين في غضون ثوانٍ، وبينهم نساء وأطفال.
مرّ ثلاثون عاماً على الهجوم الكيميائي، وما زالت حلبجة والناجون الجرحى يعانون من عواقبه. وقد تفاقمت هذه المعاناة بسبب الحرب النفسية والاقتصادية الحالية التي تقودها الحكومة العراقية حالياً ضد الأكراد. حظّر العراق الرحلات الجوية الدولية من مطارات كردستان وإليها منذ أكتوبر/تشرين الأول 2017. كما احتفظ بالموازنات الكردية الوطنية منذ العام 2014، وقد سعى البرلمان الذي يهيمن عليه الشيعة إلى سنّ قوانين تخنق كردستان مالياً أكثر من الآن.
لا يزال لكل هذه التدابير العقابية آثار ضارة على الناجين من الهجوم الكيميائي في حلبجة، من النواحي الجسدية والنفسية والمالية. ما من أدوية كافية في مستشفيات حلبجة، وقد أدى ذلك إلى تدهور الأوضاع الطبية للعديد من الناجين من الهجوم والذين يحتاجون إلى رعاية طبية ودعم مستمريْن. ومن الناحية النفسية، فرض العراق ضغوطاً كبيرة على صحتهم العقلية. ومن الناحية المالية، لا يستطيع هؤلاء الضحايا إعالة أنفسهم وعائلاتهم لأنّ بغداد رفضت الإفراج عن الحصة الكردية من الميزانية الوطنية العراقية.
وشكّل إغلاق المطارات الدولية إشكالية أيضاً بالنسبة إلى الناجين. أولاً، أدى ذلك إلى فرض قيود على المساعدات الدولية لكردستان، بما في ذلك الإمدادات الطبية. ثانياً، يواجه الناجون المصابون صعوبة بالغة للسفر إلى خارج كردستان لتلقي الرعاية الطبية. وبسبب نظام التأشيرات الليبرالي الذي كان مطبقاً في كردستان، تمكن أخصائيون طبيون أجانب في السابق من زيارة حلبجة ورؤية المرضى. ولكن لم يعد الحال كذلك الآن لأن الرحلات الجوية محظورة وباتت الحكومة العراقية تطلب تأشيرة دخول من الأجانب الذين يرغبون في الدخول إلى كردستان.
وبالإضافة إلى التأثير الكارثي لإجراءات العراق ضد كردستان، أضرّت الحرب الاقتصادية التي تقودها بغداد على الأكراد بقطاع التعليم إلى درجة بعيدة، فأكثر من نصف مدارس كردستان مغلقة. لا يذهب المدرسون إلى المدارس لأنهم ما عادوا يتلقون أجراً، مما ترك الطلاب الأكراد في حالة من الفوضى. في الواقع، إذا كان العراق يعتبر الأكراد مواطنين متساوين، لا ينبغي أن يترك قطاعيْ الصحة والتعليم يتأثران بخلاف سياسي مع حكومة إقليم كردستان. العقاب الجماعي للأكراد دليل على أن عقلية الحكام في بغداد لم تتغير، فهم ينظرون إلى الأكراد من منظار الأمن والتهديد.
اتخذ العراق هذه الإجراءات الانتقامية ضد الأكراد في أعقاب استفتاء سلمي وديموقراطي في 25 سبتمبر/أيلول 2017 لتحديد مصيرهم في العراق، الذي تسبب بكوارث غير محدودة للأكراد، بما في ذلك الإبادة الجماعية.
على المستوى الشخصي، أصبحت لاجئاً أربع مرات، بما فيها ثلاث مرات قبل أن أبلغ الحادية عشرة من عمري. فقدت أمي والدها في الهجوم الكيميائي الذي نفّذه العراق في العام 1988. وفقد والدي أكثر من 20 من أفراد عائلته، بما في ذلك عماته ومعظم أبناء أعمامه. واختنق العديد من زملائي في روضة أطفال والمدرسة الابتدائية بفعل القنابل الكيميائية التي أسقطتها الطائرات الحربية العراقية على حلبجة. وجُرح أبناء أعمامي وما زال العديد من أشخاص آخرين أعرفهم يعانون من آثار الهجوم. أنا مدين لحياتي اليوم للكهوف في جبال كردستان.
ولكن من المؤلم أن يبقى المرء على قيد الحياة عندما يواجه رفض العراق الاعتذار عن جرائمه. لم يقدّم العراق أي تعويضات إلى حلبجة وملايين الأكراد. لا شك في أنّ الاعتذار والتعويض لن يعيدا الحياة لمن قضوا نحبهم، ولكنّ إنكار العدالة أكثر إيلاماً بكثير من ارتكاب الجريمة لأنّ هذا الإنكار يرافقك في كل لحظة من حياتك.
قبل ثلاثين عاماً، أشاح المجتمع الدولي بناظريه وأغلق أذنيه عما حدث للأكراد في العراق، ولكنه يدرك تماماً إجراءات العراق الظالمة والخاطئة لمعاقبة الأكراد. الصمت هو موافقة ضمنية على ما تقوم به بغداد. لا ينبغي أن يصمتوا، فالصمت يجعلهم شركاء في الجريمة.
وبينما لا تزال حلبجة تنتظر العدالة، لم يتلق الناجون من الهجوم عليها الرعاية الطبية بعد. بهدف تحقيق السلام والاستقرار، يجب على المجتمع الدولي أن يتصدى لتهويل الأكراد من جانب العراق، فالبديل هو دورة متواصلة من العنف الوحشي ستنهار عند قدميه ثلاثة عقود من جهود بناء الدولة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية. يصبح التطرف جذاباً مع ازدياد الفقر وتحلّ النزعة القومية العنيفة محل المصالحة التي تشتد الحاجة إليها.
لا أقصد أن ألقي اللوم كله على الجانب العراقي، ولكن تتحمل بغداد مسؤولية أكبر كونها الحكومة الاتحادية. إذا لم تكن بغداد ترغب في استقلال الأكراد، فعليها أن تسعى لمعالجة مظالمها السياسية والقانونية والاقتصادية. وكخطوة نحو بناء الثقة، يمكن للعراق اتخاذ خطوات تصالحية من خلال الإفراج عن بعض التمويل لموظفي الخدمة المدنية الأكراد كعلامة على حسن النية.
وفي الوقت عينه، ينبغي أن تكون حكومة إقليم كردستان مستعدة لاتخاذ إجراءات تتوافق مع الدستور العراقي، والذي يشتمل على التعاون بشأن الحدود والمطارات. ومع ذلك، لا ينبغي أن ينطبق تنفيذ الدستور على أمور محددة وليس على أمور أخيرة. وينبغي أن يشتمل ذلك أيضاً على وضع كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها.
لم تؤد الخلافات والاختلافات بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية إلا إلى العداء والاستياء لكل من الحكومتين والنخب السياسية. ربما أملت بغداد في أن ينتفض المواطنون الأكراد ضد الحكومة الكردية التي ترزح تحت عبء الفساد والمحسوبية. ولكن في الواقع، من غير المحتمل أن يستبدل الأكراد حكومة فاسدة كردية بحكومة اتحادية فاسدة غير كردية، وهي أيضاً حكومة غريبة بالنسبة إليهم، أقله في الوقت الحالي. وبالتالي، حان الوقت ليضع الطرفان حداً للألعاب السياسية بما يتسبب بسقوط المزيد من الضحايا، بل أجدى بهما التركيز على الحكم بدلاً من ذلك.