- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
رئيس الوزراء المرشح الزرفي، البرلمان العراقي، والاستقرار الهش في العراق
ما فيروس كورونا سوى القشة الأخيرة التي قصفت ظهر العراق. فالبلد يعاني أصلاً من أزمة سياسية معقدة نجمت عن التظاهرات التي نشبت خلال تشرين الأول/أكتوبر 2019 ضد النخبة السياسية العراقية، تلك الزمرة التي فشلت في حكم البلاد طوال السنوات السبعة عشرة الماضية لأنها لم تبتغِ سوى إرضاء كل الكتل المتخاصمة بدلاً من العمل على إرضاء الشعب. وبعد استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بسبب فشله في التعامل مع الوضع، ومن ثم استقالة المرشح الأول الذي سمي، وهو محمد توفيق علاوي، يجد المرشح الجديد عدنان الزرفي نفسه تحت ضغط هائل إبّان استعداد مجلس النواب العراقي للتصويت على منح الثقة لحكومته المقترحة خلال الأيام القليلة القادمة. فأمامه مهمة جسيمة تنطوي على تحديات كثيرة لنيل حكومته الثقة داخل البرلمان.
أولاً، لم يأتِ ترشيحه بتوافق بين الكتل الشيعية التي تملك الأغلبية البرلمانية. فبعض هذه الكتل ترفض الزرفي بسبب مواقفه في السياسة الخارجية كونها تميل إلى معاداة إيران ومصادقة الولايات المتحدة. وقد بات من الصعب منذ العام 2003 الفوز بمنصب سياسي رائد في العراق بدون موافقة إيرانية. وفي هذا الإطار، التقى قائد "فيلق القدس" الإيراني الجديد العميد إسماعيل قاآني – الذي يريد استعراض قوته بعد مقتل سليماني –بعددٍ من القادة العراقيين خلال الأسبوع الفائت، ونبّههم بشدة وفق ما أفيد إلى ضرورة قلب النتيجة ضد الزرفي. وفى هذا الصدد، دفع قاآني العديد من الأحزاب الشيعية العراقية إلى استبدال الزرفي بترشيح مصطفى الكاظمي، رئيس جهاز المخابرات الوطني العراقي. ومن ثم، يُظهر هذا الترشيح الجديد الشقوق العميقة بين السياسيين الشيعة في العراق، والصعوبات التي سيواجهها الزرفي لكسب دعم من البرلمان.
ثانيًا، ما من جواب سهل لمطالب المتظاهرين العراقيين، وخصوصًا بعد سقوط مئات الضحايا الذين كانوا يطالبون بالإصلاحات والمساءلة والانتخابات الحرة والنزيهة وبعراقٍ حرٍّ من الفساد. وثالثًا، من المرجح أن يتفاقم انهيار الدولة مع تراجع أسعار النفط وتفشي فيروس كورونا المستجد إذا ما استمرت الأطراف المعنية على المسار نفسه.
الخلفية السياسية والشخصية والقانونية
أصبح الزرفي أحدث مرشح مفاجئ لرئاسة الوزراء حين أعلن الرئيس برهم صالح عن تسميته لهذا المنصب في 16 آذار/مارس. وكان ترشيح الزرفي قد بدأ بإثارة الجدل بين السياسيين العراقيين. فقد أجازت المحكمة الاتحادية للرئيس تسمية المرشح لرئاسة الوزراء حين عجزت الكتل النيابية الكبرى عن ذلك، إلا أن المحكمة القضائية صرّحت انذّاك أن الدستور لا يجيز في أيٍّ من مواده لرئيس الجمهورية القيام بأي تعيينات مماثلة. لذلك، ستتسبب هذه الخلافات بين هذين الجبّارَين القضائيين بصعوبة في إثبات شرعية حكومة الزرفي، في حال استطاع تشكيل الحكومة، خاصة إذا كان هناك ترشيح بديل للكاظمي مطروح على الطاولة. مع ذلك، يتمنّى الجميع انتهاء الجمود السياسي الحاصل في العراق، والزرفي هو السبيل الأكثر ترجيحًا إلى ذلك في هذه المرحلة.
إذا وضعنا هذا الجدل القضائي جانبًا، لا يخفى أن الزرفي نفسه شخصٌ يسبب الانقسام. فهو يُعتبر سياسيًا يتمتع بشخصية بارزة، حيث يملك ماضٍ معادٍ للتنظيمات العراقية الموالية لإيران والتي حاولت إخراج الولايات المتحدة من العراق. وحين كان الزرفي محافظ النجف، اتخذ تدابير مصيرية في قضايا الحكم والأمن، وفيما عززت هذه التدابير شعبيته لدى بعض الأحزاب السياسية، أثارت اعتراضًا لاذعًا من إيران وحلفائها في البلاد. ومع ذلك، أعلن الزرفي للتو عن جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية في العراق يشير إلى أن القوات ستغادر بحلول عام 2021، وهو ما يمثل ضربة محتملة لمنتقدي الزرفي الذين زعموا أنه قريب جدًا من المصالح الأمريكية.
زد إلى ذلك أن موقف الزرفي من ميليشيات العراق النافذة هو أيضًا مثيرٌ للجدل. ففي الجدال الدائر حاليًا في العراق حول الدور الذي يجب أن تضطلع به هذه الميليشيات – المعروفة بـ “الحشد الشعبي" – في البلاد، لطالما صرّح الزرفي جهارةً بضرورة أن تكون كافة التنظيمات المسلحة تحت سيطرة الحكومة. ولكن منذ طرح اسمه لرئاسة الحكومة، التبست تصريحاته بهذا الشأن، حيث غرّد في 26 آذار/مارس على موقع تويتر قائلاً إن "الحشد الشعبي" سيبقى دائمًا مؤسسة قوية وفيّة للعراق والعراقيين. وهذا التصريح متناقض مع مواقفه السابقة، ومن المحتمل أن يصعب عليه تشكيل حكومة شعارها "الأسلحة تحت سلطة الدولة".
الترقب الحذر في صفوف الكتل السياسية العراقية
إنّ التوتر المحتدم بين السلطات الرسمية كالحكومة والبرلمان والقضاء من جهة، والسلطات غير الرسمية كالميليشيات والعشائر والزعامات الدينية من جهة أخرى، خلّف تأثيرات جسيمة على الاستقرار السياسي في العراق. بالرغم من ذلك، الخطوة الأولى التي يجب على الزرفي اتخاذها هي كسب الدعم الكافي من الكتل النيابية الكبرى لنيل الثقة في مجلس النواب وتشكيل الحكومة في غضون ثلاثين يومًا. وقد أعلن الزرفي عن تشكيل حكومة قبل الموعد النهائي في 17 أبريل، ولكن ذلك مشروط بموافقة البرلمان العراقي، الأمر الذي يتطلب حشد الدعم من بين الكتل المتباينة في البرلمان، حيث أن كل كتلة لها مخاوفها الخاصة.
تحالف "سائرون" الذي يتزعمه مقتدى الصدر وهي احدى كبرى الكتل السياسية في البرلمان العراقي. وبالرغم من اعتراضه على ترشيح الزرفي، من المحتمل أن يترقب بحذر مفاوضات الزرفي السياسية في حال بات تأييده مبررًا. ويبدو أن "التحالف الوطني" الشيعي الذي يرأسه عمار الحكيم يتبنى موقفًا مماثلاً. أما تحالف "الفتح" الشيعي الذي يحظى بدعم إيراني كبير، فرفض ترشيح الزرفي رفضًا قاطعًا بسبب علاقته الوثيقة بالولايات المتحدة. والآن، توصلت فصائل فتح والمالكي إلى موقف توافقي بترشيح الكاظمي ليحل محل الزرفي.
كما أن بعض قيادييه اتهموا الرئيس صالح بالعمالة لأمريكا بعد تسمية الزرفي. ويشار إلى أن تحالف "الفتح" هو الجناح السياسي لوحدات "الحشد" التي استهدفت القواعد الأمريكية في العراق خلال الأسابيع القليلة الماضية.
في المقابل، تكشف الكتلة الكردية – التي تملك نحو خُمس أصوات البرلمان - بحذر عن شروطها لدعم الزرفي. وما يفعله سياسيو هذه الكتلة بالتحديد هو مراجعة سياسات الزرفي لمعرفة الطريقة التي قد يعتمدها لمعالجة القضايا الكردية. ومن الممكن أن يتخذوا المزيد من الحيطة بما أن سلفه محمد توفيق علاوي لم ينجح في كسب تأييد كبير من أربيل. يبحث الأكراد على وجه الخصوص عن المزيد من الحقوق لإقليم كردستان العراق، وكذلك احترام الضمانات والخصوصية.
وبالإضافة إلى تلك التعقيدات جاء إعلان رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني اليوم، معربا عن دعم الحكومة الإقليمية لترشيح الكاظمي، ومشيراً إلى أن هذا الدعم يستند إلى ترشيحه من قبل أغلبية الكتل الشيعية. كما يوضح هذا البيان أيضا سمة أساسية في المواقف الكردية تجاه هذا المنصب؛ فإذا لم تكن الكتل السياسية ذات الأغلبية العراقية مؤيدة للترشيح، يمكن للأكراد بسهولة إسقاط دعمهم أيضًا.
وأحد أسباب المخاوف الكردية هو أن الزرفي يضع برنامجه الخاص بدون تمثيل أي كتلة نيابية، وهذا ما يجعل ميوله السياسية غير واضحة. وفي حين أن رئيس الوزراء السابق ورئيس ائتلاف "النصر" حيدر العبادي نفى أن يكون الزرفي مرشّح كتلته، ومع ذلك يخشى كثيرٌ من الأكراد أن يتبنى الزرفي سياسة ائتلاف "النصر" – التي اعتُبرت قائمة على الانتقام من "إقليم كردستان" في زمن حكومة العبادي. لذلك، وفى وجود الزرفي والكاظمي، سيدعم الأكراد المرشح الذي يتمتع بدعم سياسي أقوى وليس من خلال الميل السياسي الفردي.
لكن الزرفي سيواجه تحديات أقل مع السياسيين الأكراد إذا وافق على البرنامج الحكومي الذي كان عبد المهدي قد باشر به قبل استقالته. فقد انكبّ النواب الأكراد لأشهر عدة على إعداد اتفاق نهائي مع حكومة عبد المهدي، وبذلك يعتبرون أنه من غير المقبول أن يأتي خلفه فيتخلّى عن الاتفاقيات الأولى ويعود بالمفاوضات إلى نقطة الصفر. ومن المرجح أن يقدم ممثلي الأكراد دعمهم لأي مرشح يلتزم باحترام هذه المفاوضات.
وبالنسبة للكتل العربية السنية ذات الأقلية البرلمانية، لا تهتم ببرنامج الحكم الذي يتبناه الزرفي بقدر ما تهتم بمساوماته السياسية. وفي ما يخص هذه الكتل الثلاثة كلها، يجب على الزرفي أن يدرس حساباته ليعرف مقدار التنازلات التي يمكن أن يقدّمها لكل كتلة بدون أن يخسر حلفاء محتملين آخرين إلى الأبد. وإن كان هذا التحدي صعبٌ في أحسن الأحوال، فهو قد يكون اليوم، في هذه البيئة المشحونة، العائق التعجيزي أمام ترشيح الزرفي – ما لم يتدخل طرفٌ خارجي لإنقاذه.
التبعات على السياسات
لا يخفى أن النظام السياسي في العراق هشٌ في الأساس. فالعملية السياسية ضعيفة منذ العام 2003، ولا تنفك تحدياتها تتزايد، ومنها النزاع الحالي الذي يدور بين الولايات المتحدة وإيران على الأراضي العراقية. وبالرغم من اعتراضات بعض العراقيين على الوجود الأمريكي في العراقي، لا يزال البعض الآخر يتوقع من واشنطن طرح حلٍّ للمشكلة. نتيجةً لذلك، يجب أن يسارع الزرفي إلى طمأنة القوى الكبرى داخل البرلمان والمجتمع العراقي ككل حول نواياه بشأن إبقاء قوة أمريكية محدودة في البلاد. ومع ذلك، يبدو أن الزرفي يخسر أرضه أمام الكاظمي، وذلك نظرا لفشله في ضمان الدعم الرئيسي في البرلمان.
وبموازاة هذه الجهود، يجب أن تتدخل الحكومة الأمريكية لطرح سياسة خارجية واضحة للمنطقة، على أن يكون استقرار العراق وازدهاره أولى أولوياتها. ولا يجدر بواشنطن الاكتفاء بالهجمات بواسطة الطائرات المسيّرة بدون طيار أو بترهيب الميليشيات المدعومة من إيران وتهديدها بالانتقام، بل عليها أيضًا أن تعزز قدرة العراق على اختيار رئيس وزراء لا ينتمي إلى إيران. وهذا الأمر وحده كفيلٌ بأن يكون أداةً رئيسية لقيام دولة صالحة. ولا بد أن تحافظ الولايات المتحدة على وجودها العسكري والدبلوماسي في العراق إلى أن يثبت البلد أنه يتمتع بنظام سياسي متين.
إضافة إلى ذلك، أدى فشل الزرفي في تشكيل الحكومة إلى خلط الأوراق السياسية داخل العراق. والبديل – المحتمل في حال عجز الزرفي عن تشكيل حكومة – أن العراق في أزمة جمود لأشهر طويلة أو حتى لسنوات. وفي هذه الحالة، قد تواصل حكومة عادل عبد المهدي تصريف الأعمال إلى أن تصبح الانتخابات أمرًا واردًا. أما الاتكال على المجهول في السياسة في ظل تفشي فيروس كورونا فليس خيارًا ممكنًا لتحقيق استقرار العراق والحكم الرشيد فيه. من الأهمية بمكان في هذه المرحلة أن ينجح رئيس الوزراء في تشكيل الحكومة وإخراج العراق من هذا المأزق السياسي الحالي.