- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
المجتمع العربي في إسرائيل بعد الانتخابات: من الابتهاج إلى خيبة الأمل
يُنظر إلى انتخابات أيلول/ سبتمبر 2019، وثمة سبب يدعو إلى ذلك، على أنها مفترق طرق هام في تاريخ المجتمع العربي في إسرائيل. فقد تبيّن في هذه الانتخابات بوضوح وبشكل خاص مدى الاندماج العربي في الدولة. ففي هذا السياق، فضّل الممثلون العرب المختارون اتخاذ تدابير تشكّل سوابق، وأهمها توصيتهم للرئيس لاختيار بيني غانتس، زعيم حزب "أزرق أبيض" المعارض، كرئيس مقبل للوزراء. وكل ذلك حدث بالتوازي مع- وربما كنتيجة- للنداءات غير المسبوقة التي سمعها النظام السياسي الإسرائيلي ضد الجمهور العربي، ولا سيما من رئيس الوزراء نتنياهو وحزبه الليكود. إذ تتسم هذه الفترة بتناقضات عديدة بالنسبة إلى المواطنين العرب في إسرائيل. فتمامًا عندما بلغت تطلعاتهم إلى الاندماج مستوى قياسيًا، وتعمّقت العلاقات بين المجتمعين العربي واليهودي أكثر من أي وقت مضى، نرى أيضًا تعابير حادة عن التباعد من جانب المؤسسة الحاكمة.
في هذه الانتخابات على وجه الخصوص، طبّق المجتمع العربي، ولا سيما أحزابه السياسية، الدروس المستفادة من الانتخابات السابقة في نيسان/ أبريل 2019، التي كانت فاشلة من وجهة نظرهم. فحينها، شارك فعليًا في التصويت 49 في المئة فقط من الناخبين العرب المؤهلين، و70 في المئة منهم فقط صوتوا للحزبين العربيين اللذين تم تشكيلهما بعد تفكك القائمة المشتركة المؤلفة من أربعة أحزاب: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والقائمة العربية الموحدة، والحركة العربية للتغيير، والتجمع الوطني الديمقراطي. ونتيجة لذلك، انخفض تمثيل الأحزاب العربية في الكنيست من 13 إلى 10 مقاعد، من بين ما مجموعه 120 مقعدًا. ولكنّ الانتخابات الثانية غير المسبوقة أعطت الناخبين فرصة ثانية نادرة هذا العام. لذلك ليس من المفاجئ انضمام هذه الأحزاب العربية إلى اليمين الإسرائيلي في التصويت على حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة.
على سبيل المقارنة، يُنظر إلى انتخابات أيلول/ سبتمبر على أنها إنجاز بالنسبة إلى المجتمع العربي في إسرائيل، لدرجة أنها أوجدت موجة أولية من الابتهاج والإحساس بالقوة. فقبل الانتخابات مباشرة، أُعيد تركيب القائمة المشتركة، وتحديدًا لأن حلها كان أحد الأسباب الرئيسية وراء تراجع القوة الانتخابية العربية. وقد أرسل رئيسها أيمن عودة من حزب "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة"، إشارة غير مسبوقة مفادها أنه سيفكّر في دعم ائتلاف حكومي مستقبلي بقيادة حزب "أزرق أبيض"، شريطة أن يلبي مطالب الأحزاب العربية. وكان في مقدمة تلك المطالب تخصيص موارد أكبر للتعامل مع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها العرب والنهوض بالمفاوضات السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين.
وكان ذلك ردّ القائمة المشتركة على مطالب الجمهور العربي المتزايدة التي تقضي بأن يركز ممثلوها جهودهم بشكل أكبر على اهتمامات المواطنين العرب، بدءًا من آفة العنف والإجرام المتزايدة. وبالإضافة إلى ذلك، هم يسعون إلى توسيع التأثير العربي بشكل ملموس على عملية صنع القرار في الحكومة الإسرائيلية، الأمر الذي سيمكّن من تحويل موارد أكبر لصالح المجتمع العربي من أجل تعزيز اندماجه في كافة مجالات الأنشطة في البلاد. فهذا الهدف شائع بصورة خاصة بين الجيل العربي الشاب. فالفرضية القائلة بأنّ السياسيين العرب إمّا غير قادرين أو غير مهتمين بالعمل على تحقيق هذا الهدف، وعوضًا عن ذلك يركزون أكثر على مواضيع مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كانت في نهاية المطاف سببًا رئيسيًا لتراجع دعمهم في نيسان/ أبريل 2019، في كل من مشاركة العرب في الانتخابات عمومًا والتصويت للأحزاب العربية خصوصًا.
تجدر الإشارة إلى أنّ انتخابات أيلول/ سبتمبر 2019 مثّلت نتيجة مختلفة تمامًا وأكثر إيجابية. فقد ارتفعت نسبة مشاركة العرب إلى 60 في المئة، وارتفعت نسبة الذين صوتوا لصالح القائمة المشتركة المعاد تشكيلها إلى 80 في المئة. وحصل هذا الحزب على 13 مقعدًا برلمانيًا، مكررًا بذلك نجاحه القياسي الذي حققه بعد إنشائه مباشرة عام 2015. وإلى جانب ذلك، انخفض دعم العرب لأي من الأحزاب السياسية ذات الأغلبية اليهودية. وبالتالي، حتى حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي ضم إلى لائحته مرشحًا عربيًا في قائمة انتخابية واقعية، شهد انخفاضًا في أصوات العرب من 9 في المئة في نيسان/ أبريل إلى 3 في المئة فقط في أيلول/ سبتمبر. باختصار، نبعت تعبئة الشعب العربي في هذه الانتخابات الأخيرة، بجزء منها، من تضافر الجهود الناجح لإعادة تشكيل القائمة المشتركة، وبجزء آخر من التلميحات التي قام بها كبار مسؤوليهم بأنهم سيعمقون مشاركتهم في الساحة السياسية الرسمية لإسرائيل.
في الوقت عينه، يُشار إلى أن السبب الرئيسي الآخر، وربما الأهم، لارتفاع نسبة التصويت بين العرب هذه المرة كان الاحتجاج الجماعي القوي ضد "قانون الكاميرات" الذي حاول حزب الليكود عبثًا تمريره قبل أسابيع قليلة من الانتخابات. وكان هذا القانون الجديد سيثبّت كاميرات مراقبة في مراكز الاقتراع المشتبه في ارتكابها مخالفات، لاسيّما في المجتمعات العربية. وكان يُنظر إليه، وبوجه حق، على أنه إجراء تمييزي ومضر يستهدف الشعب العربي. وقد أقر أعضاء الكنيست العرب أنفسهم بأن هذا الاقتراح لعب دورًا كبيرًا في التشجيع على زيادة إقبال العرب على الانتخابات. ويُضاف إلى ذلك التحذيرات الحادة التي أطلقها قادة الليكود بشأن "احتشاد العرب داخل حجرات الاقتراع"، وحول الروابط المحتملة بين حزب "أزرق أبيض" والعرب التي من شأنها أن تشكل تهديدًا لمصالح إسرائيل الوطنية.
وبالتالي، فإن تصويت المواطنين العرب بأعداد غفيرة لصالح القائمة المشتركة هذه المرة، لم يُستمد بالضرورة من إنجازاتها الفعلية، ولا من رؤيتها المحددة. بدلاً من ذلك، كان ذلك أساسًا تعبيرًا عن الاحتجاج ضد الليكود، إلى جانب الرغبة في تفعيل سلطة السكان العرب عن طريق إسقاط نتنياهو. ولأنه لم يضم أي حزب يهودي إلى لائحته أي مرشح عربي في قائمة انتخابية واقعية، باستثناء حزب "الاتحاد الديمقراطي"، لم يكن لدى المواطنين العرب في إسرائيل مجال كبير للتردد في تصويتهم. فقد صوّت معظمهم للقائمة المشتركة.
لكن مع تبدد سحابة الابتهاج التي أعقبت الانتخابات، أصبح من الواضح أن القائمة المشتركة تواجه بعض الصعوبات، أو ربما غير مهتمة في إحداث التغيير الذي يحظى بأقصى قدر من الاهتمام من جانب الشعب العربي- أي تعميق الاندماج العربي في شتى مجالات الأنشطة في البلاد. ومن دون الانتقاص من الأهمية التاريخية لتقديم هذا الحزب توصية للرئيس لصالح حزب "أزرق أبيض"، يظل من الضروري معالجة المشاكل المعاصرة العميقة في مجتمعه، التي قد تنمو وتمنع التحول الأوسع الذي يتطلع إليه المجتمع العربي. ومهما كانت دراماتيكية، فإن التوصية في النهاية هي جراء رمزي بحت، هذا وتشكل خطوة أولية أكثر من كونها استجابة حقيقية لاحتياجات المجتمع ومطالبه. وهذا أمر كان يجب القيام به بالفعل منذ سنوات- ليس الآن فحسب، بعد أن شعر أعضاء الكنيست العرب باتساع الفجوة بينهم وبين الشعب، زاعمين أن مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية يجب أن تتصدّر الأولويات، وطامحين لتكامل أعمق مما أظهرته القيادة السياسية العربية حتى الآن.
إجمالاً، تبدو الإجراءات التي اتخذتها مؤخرًا القائمة المشتركة، إلى حد كبير، وكأنها محاولة لإعطاء انطباع بتغيير المسار- وحتى الآن من دون الوصول إلى خط النهاية. فالقائمة المشتركة تقوم بتأمين بعض من تخصيصات الموارد وتحرص على تعزيز نفوذها، ولكن كل ذلك بدون تشكيل أي تحالفات سياسية طويلة الأجل. وعلاوة على ذلك، فإن الموقف السلبي الذي اتخذه أحد أحزابها الأساسية، حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" الذي أعلن أعضاؤه الثلاثة في الكنيست رفضهم المشاركة في توصية غانتس كرئيس للوزراء، يدل على أن القائمة المشتركة قد تكون بالفعل "مشتركة"، وإنّما غير متحدة فعليًا. وبالتالي، فإنها تبدو وكأنها مجموعة أحزاب منفصلة، من شأن سلوكها أن يجعل أي رئيس وزراء مستقبلي حذرًا جدًا من الاعتماد عليها، هذا وبالطبع عدم اعتبارها ككتلة حقيقية. ومع ذلك، كانت الرغبة في المحافظة على التوافق الداخلي من بين عيوب القائمة في السابق، ويمكن توقع حدوث توترات داخلية شديدة في المستقبل أيضًا.
ولكي لا تتحوّل موجة التفاؤل الأخيرة إلى خيبة أمل لدى الجمهور الإسرائيلي الأوسع، وإلى آمال محطّمة لدى الجمهور العربي على وجه الخصوص، يجب أن تظهر إدارة القائمة المشتركة قدراتها القيادية والشجاعة- وحتى على حساب التماسك الداخلي الذي يبدو كما ذُكر أعلاه هشًا جدًا بالأصل. ولتحويل الشعارات إلى تغيير حقيقي، ينبغي على أيمن عودة تعزيز التدابير لتحقيق اندماج حقيقي بدلاً من مجرد نزعة انفصالية منمّقة. فمن الضروري أن يوضّح أنه مستعد للمشاركة في الحكومة وألاّ يكتفي بدعم التحالف من الخارج. ويجب عليه أن ينظر أيضًا في خطوات متقدمة مثل الخدمة الوطنية للشباب العربي، وزيادة التعاون بين المجتمع العربي والشرطة الإسرائيلية لمكافحة آفة الجريمة والعنف.
ومع ذلك، لعل من البديهي أنه في حال تشكيل حكومة "وحدة وطنية" إسرائيلية جديدة تشمل الليكود، بل وأكثر من ذلك، في حال تشكيل تحالف يميني محض، سيعود الشعب العربي برمته إلى نقطة الصفر. فالإنجاز الانتخابي الذي يعتزّ به قادة القائمة المشتركة حاليًا سيصبح قليل الأهمية، ولن يمتلكوا أي سلطة لتعزيز نفوذهم، أو زيادة نصيبهم من الموارد، أو تعزيز الاندماج مع الخبرات الإسرائيلية.
ختامًا، أذكِّر بالواقع المرير السائد في المجتمع العربي في إسرائيل اليوم، المتمحور حول مشكلة الجريمة والعنف. فمنذ انتخابات 17 أيلول/ سبتمبر فحسب، قُتل ما لا يقل عن عشرة مواطنين عرب في نوع من الحوادث العنيفة التي تمزق هذا المجتمع من الداخل. هذا وقد قُتل سبعون مواطنًا عربيًا منذ بداية هذا العام. فبشكل نسبي، على مدى السنوات القليلة الماضية، 60٪ من ضحايا جرائم القتل هم من العرب، على الرغم من أنهم لا يمثلون سوى 20٪ من إجمالي السكان. ولسوء الحظ، على الرغم من عودتها الانتخابية، فإن الخطوات التي تتخذها القائمة المشتركة حاليًا تلقي بظلال من الشك البالغ على قدرتها على تقديم استجابة حقيقية لهذه المسألة البالغة الخطورة التي تحتل بلا شك مركز الصدارة في جدول أعمال المجتمع العربي في إسرائيل، وأولى التوقّعات من قادته.