- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
في تحدٍ للصورة النمطية، يُظهر استطلاع رأي جديد أنّ سكان غزة هم أكثر اعتدالاً من سكان الضفة الغربية
إنّ الاستطلاع الأخير الذي أجراه المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي، في الفترة التي تتراوح بين 27 حزيران/يونيو و15 تموز/يوليو 2019، يؤكّد بلا منازع على هذا الاستنتاج المنافي للبديهة بشكلٍ كبير والمستخلَص من استطلاعات الرأي الأخيرة الأخرى، والذي يشير إلى أنّ المليوني فلسطيني في غزة يعبرون عن آراء أكثر اعتدالًا من السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، المتماثلين تقريبًا في العدد، وذلك في ما يتعلق بعدد كبير من القضايا المتعلقة بإسرائيل. وهذه الاختلافات هي هائلة ومفاجئة لدرجة أنّ السبيل الأمثل لعرضها هو من خلال إجراء مقارنة بسيطة بين النتائج المستقاة من قائمة الأسئلة الرئيسية كما يلي:
ما الذي يفسر هذه الاختلافات المفاجئة؟ يتمثّل أحد التفسيرات المحتملة في أنّ سكان غزة يعيشون في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية أكثر صعوبة، وكانوا أكثر عرضة للرد العسكري الإسرائيلي القاسي على هجمات "حماس" الصاروخية – وعليه، هم أكثر تركيزًا على الصمود اليومي، وأكثر انفتاحًا على الخيارات العملية القصيرة الأجل المتعلقة بالمعونة الاقتصادية أو التعايش أو حتى التعاون مع إسرائيل. وأمّا التفسير المحتمل الآخر، وهو لا يتنافى مع الأول، فهو أن سكان غزة قد سئموا بشكل أكبر حتى من حكامهم الفاسدين والقمعيين والرفضيين والمتطرفين دينيًا، وبالتالي هم أقل ميلاً إلى حد ما إلى توجيه سخطهم ضد إسرائيل. ويدعم كلا التفسيرين مقارنة بين نتائج الأسئلة الأخرى، والتي هي أكثر توجهًا نحو الشؤون الداخلية:
ما يثير الدهشة أيضًا أن سكان غزة هم أكثر رزانة إلى حد ما من سكان الضفة الغربية عند مقارنة ظروفهم مع سائر السكان العرب. في هذا الإطار، سألنا المجيبين عمّا إذا كانوا يوافقون على هذا البيان أم لا: "عندما أسمع ما يحدث في سوريا أو اليمن أو أماكن أخرى، أشعر أن وضعي في الحقيقة ليس سيئًا". ففي الضفة الغربية، يوافق نصفهم على الأقل "إلى حد ما" على هذا المفهوم. ولكن من جانب الغزاويين، وبالرغم من ظروفهم التي تعتبر أسوأ بشكل موضوعي، ترتفع هذه النسبة إلى الثلثين.قد يكون الموقف الأكثر تشددًا لسكان الضفة الغربية ناتج عن إدراكهم أنهم أقل عرضة ومعانة من عداء حركة حماس التي يؤيدونها.
غير أنّ هذا النمط لا ينطبق على جميع المسائل. ففي ما يخص الأسئلة العديدة الأخرى، الأكثر افتراضية أو العميقة، لا يقل تشدّد سكان غزة عن سكان الضفة الغربية. ويصحّ ذلك عند تبرير العنف ضد المستوطنين الإسرائيليين، ورفض شرعية إسرائيل، ومن خلال وجهات النظر المختلطة بشأن تحقيق سلام طويل الأمد. وبالإضافة إلى ذلك، وفي ما يتعلق ببعض الجوانب الخاصة بالقدس، يُعد سكان غزة أكثر صرامة من سكان الضفة الغربية:
إجمالاً، إنّ آراء أهل غزة المعتدلة نسبيًا حول بعض القضايا الحاسمة في المجال الاقتصادي والسياسي وحتى الأمني، تتحدى كلاً من المفاهيم الخاطئة الشائعة والأسياد المتشددين التابعين لـ"حماس". وعليه، خلافًا للحكمة التقليدية، فإن الاقتراحات القصيرة الأجل لتحسين حياة الفلسطينيين قد تجد صدىً أكبر داخل غزة مقارنة بالضفة الغربية - حتى لو كانت الصعوبات العملية التي تواجه التنفيذ هي أسوأ تحت سيطرة "حماس" مما هي عليه تحت إشراف إسرائيل أو السلطة الفلسطينية. ومع التركيز بشكل أكبر على مثل هذا التقدم التدريجي، سيكون قطاع غزة خيارًا قيِّمًا جديرًا بالنظر من قبل سياسة الولايات المتحدة، لا سيّما وأن السلطة الفلسطينية تواصل رفض أي ارتباط رسمي مع الولايات المتحدة.
ومن الناحية المنهجية، شمل هذا الاستطلاع مقابلات وجهًا لوجه مع عينات تمثيلية تضم 500 من سكان غزة و500 من سكان الضفة الغربية البالغين، باستخدام تقنيات الاحتمالات الجغرافية القياسية. وقد استخدم منظمو استطلاع الرأي الفلسطيني موظفين محليين مؤهلين ومتمرسين في كل منطقة بصورة حصرية، مع ضمانات صارمة بالسرية وضوابط جودة متقدمة تستند إلى النظام العالمي لتحديد المواقع الذي يحدد المواقع في الوقت الحقيقي وكذلك إلى الأجهزة اللوحية. وأشرف شخصيًا على أطر أخذ العينات، وبروتوكولات العمل الميداني، وترجمة الاستبيانات، ومعالجة البيانات ورفع التقارير بشأنها، كاتب هذا المقال خلال استطلاعات سابقة أجرتها هذه الشركة، وتبيّن أنها مرضية وموثوقة تمامًا. كما يبلغ هامش الخطأ الإحصائي لكل عينة نحو 4 بالمئة. بمعنى آخر، نظريًا، في 95 مرة من أصل 100، قد تختلف نتائج الأسئلة النموذجية بما لا يزيد أو ينقص عن 4 نقاط عما إذا شمل هذا الاستطلاع كل شخص من المجموعة السكانية المستهدفة. هذا وسيوفّر الكاتب تفاصيل منهجية إضافية عند الطلب.