- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
حفتر والجزائر: اختبار الأوضاع
خلال لقائه مع أعيان محليين في ليبيا في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، اتهم المشير خليفة حفتر الجيش الجزائري باستغلال وضع الحرب للدخول إلى الأراضي الليبية، وزعم حفتر أنه نقل للسلطات الجزائرية احتجاجه على ذلك، وأن "سلوك الجزائر ليس سلوك إخوة لأنها تستغل الحرب لانتهاك السيادة الليبية"، وبعث مع المبعوث رسالة مفادها أنه "قادر على تحويل الحرب من ليبيا نحو الجزائر في لحظات"، وكشف حفتر أن "السلطات الجزائرية اعتبرت ذلك فعلاً معزولاً ولن يتكرر".
التهديدات التي نقلتها قناة "الجزيرة" القطرية تسببت في موجة من الغضب الواسع بالجزائر، وطالب سياسيون جزائريون من سلطات بلادهم توضيح ما حدث، واعتبروا أن ما قام به حفتر يعدُ "جرأة غير مسبوقة". وقد تسببت تصريحات حفتر التي نقلتها قناة الجزيرة في ردود فعل شعبية عاصفة بالجزائر، التصريحات وإن تجاهلتها الحكومة الجزائرية، إلا أنها أثارت موجة من النقاش بشأن دلالاتها، وأهدافها، وتوقيتها، ومن يقف ورائها؟.وهناك نظرية تسلم بأن حفتر يسعى من وراء تلك التصريحات إلى إلى اختبار ما إذا كان تصور الدولة الجزائرية قد تغير.
ردود الفعل الغاضبة أمر دفع بالخارجية الليبية إلى التدخل لاحتواء أزمة في الأفق بالتبرؤ من تصريحات حفتر، وفي مكالمة هاتفية جرت بين وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل ووزير الخارجية الليبي محمد الطاهر سيالة أكد الأخير "التبرؤ من التصريحات غير اللائقة المعزاة لخليفة حفتر". حيث جاء في بيان للخارجية الجزائرية أن "سيالة جدد تمسك السلطات الليبية بالحفاظ على العلاقات الأخوية والتاريخية القائمة بين البلدين والشعبين وتعزيزها. ومع ذلك، فقد تم من قبل اختبار العلاقات المستقرة بين ليبيا والجزائر اثنا الحرب الأهلية، حيث ظلت الحدود الجزائرية الليبية مغلقة منذ مايو/ أيار 2014 بسبب مخاوف من انتشار الأسلحة والاضطرابات عبر الحدود من ليبيا.
يمثل الشقاق بين حفتر الجزائر أحد الأوجه الرئيسية لتلك الديناميكيات المتغيرة، ففي 18 ديسمبر/كانون الأول 2016 مُنع من دخول الجزائر ببزته العسكرية كون الجزائر لا تعترف به قائدا للجيش الليبي، وتعترف فقط بسلطة المجلس الرئاسي. وبعد ذلك بعام وتحديدا في مايو/ أيار 2017 انتقد وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل بسبب زيارته لعدة مناطق ليبية التقى خلالها قيادات سياسية وعسكرية ومدنية وأعيان القبائل. حينها دفع حفتر رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان الليبي إلى إصدار بيان وصف فيه جولة مساهل على أنها "تجاوز وانتهاك فاضح لسيادة الدولة الليبية".
ورغم احتواء الأزمة الأخيرة إلا أن النقاش في الجزائر بشأن ما أقدم عليه حفتر استمر، والسبب أن غالبية الجزائريين يعتقدون أن حفتر أراد من خلال تصريحه تمرير رسائل سياسية لأطراف إقليمية وعربية يزعجها ما تقوم به الجزائر من جهود لحل الأزمة الليبية سياسيا ورفضها لأي تدخل عسكري.
والواقع أن الشعور السابق له ما يبرره لعدة أسباب وعوامل، أولها أن حفتر يسعى من خلال تصريحه إلى افتكاك رد رسمي من الحكومة الجزائرية ما يعني الاعتراف به كمتحدث رسمي باسم الدولة الليبية، وهو الأمر الذي ترفضه الجزائر ما يفسر رفضها الردّ على تهديده وعدم منحه شرعية لا يمتلكها، والجزائر كمبدأ لا تتحدث في المسائل المرتبطة بالتعاون والتنسيق الأمني والحدود إلا مع طرف رسمي يمثّل سلطة الشعب الليبي ومعترف به دولياً وهو الأمر الذي لا يحوزه حفتر. ويسعى حفتر إلى إحباط دور الجزائر في ليبيا ومحاولة للتأثير على رويئتها للحل السياسي للأزمة. وتدعو الجزائر إلى تقريب وجهات نظر الفرقاء الليبيين، وتشجيع الحوار الشامل والمصالحة الوطنية بينهم، وهو ما أزعج حفتر الذي يعمل على تكريس الرؤية المصرية والإماراتية والفرنسية للأزمة بإقصاء الإسلاميين، وحكومة طرابلس من جهود الحوار والمصالحة الوطنية، وهو الأمر الذي ترفضه بشدة الجزائر كما ترفض الحل العسكري للأزمة الليبية. لذلك، ليس غريبا أن يطلق حفتر في كل مناسبة بالون اختبار الموقف الجزائري ومدى تحوله.
تهديدات حفتر لا تعدُ جدية لسبب هام وهو أن الجيش الذي يمتلكه بعيد جغرافياً، وليس في إمكانه الوصول مطلقاً إلى الحدود الجزائرية، وتعوقه عن ذلك عوامل عديدة ليس أقلها عدم قدرته الفعلية على التقدّم داخل الأراضي الليبية، فما بالك بالوصول إلى مناطق الحدود، فالمليشيا التابعة له بعيدة عن الجزائر بحوالي 1600 كيلومتر، وهو في بنغازي والمنطقة الشرقية غير خاضعة لنفوذه، وعجز حتى عن دخول طرابلس.
وعلاوة على ذلك، فإن مزاعم حفتر ضد الجيش الجزائري لا تزال غير موثقة. فالجيش ملتزم بالدستور الذي يمنعه من القيام بأي عمل عسكري خارج الحدود الترابية للجزائر، كما يحترم الجيش الجزائري سيادة جيرانه. وفى ما يتعلق بالمساعدات الإنسانية، يقوم الجيش الجزائري بالتنسيق مع أعيان القبائل الليبية ومسؤولي البلديات الليبية الواقعة على الحدود بين البلدين لتوفير المساعدات الغذائية والتموين والعلاج، وتعلن السلطات الجزائرية عن ذلك بشكل رسمي، ما يسهم في التعاون والتفاهم في مجال تأمين الحدود ومنع تسلل المجموعات الإرهابية وتجار السلاح. وينبغي التذكير أن قائد أركان الجيش الجزائري الفريق قايد أحمد صالح ورئيس الحكومة أحمد أويحيى، ردا في وقت سابق برفض المطالبات الإقليمية الداعية إلى مشاركة الجيش الجزائري في ملاحقة المجموعات الإرهابية في شمال مالي وليبيا.
لكن فيما يبدو أن الخروج لحفتر قد خيب وآمال من يقف وراءه، واتضح لهم أن الموقف الجزائري في المسألة الليبية ثابت لا يتحول، لذلك سارع العميد أحمد المسماري الناطق الرسمي باسم كتيبة حفتر إلى القول بأن ما روج من تهديد حفتر باجتياح الجزائر مجرد إشاعات واتهم قطر وقناة الجزيرة بمحاولة الوقيعة بين ليبيا والجزائر، لكن هذا التوضيح في حقيقة الأمر مجرد محاولة للتملص من تداعيات تصريح حفتر الذي نقلته الجزيرة بالصوت والصورة.
وفي ظل تعليق جلسات الحوار الوطني، وتجدد أعمال العنف في طرابلس، وعدم الالتزام بوقف إطلاق النار بين الفصائل المتنازعة، وعدم تحديد موعد للانتخابات فإن عمر الأزمة الليبية سيطول، وستشكل الأوضاع تهديدا حقيقيا لدول الجوار، في ظل انتشار السلاح في المنطقة، وتدفق موجات المهاجرين غير الشرعيين نحو أوروبا، وفي ظل هذا الوضع فإن للجزائر دورا محوريا في حلّ الأزمة المتفاقمة وليس من مصلحة حفتر ولا باقي الفرقاء أو الدول التي لها نفوذ في المشهد الليبي استعدائها أو محاولة إقصائها من أي حل للأزمة. فشلت جهود حفتر لدفع الحكومة الجزائرية في أن تؤتي ثمارها، وإذا كان الجنرال مهتماً بالانخراط، فعليه التركيز على الأعمال التصالحية وليست التصريحات العدائية.