- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الأيديولوجية والتعليم في «دولة» الخليفة البغدادي
يميل غالبية الناس في جميع أنحاء العالم إلى الإفراط في التبسيط من مسألة ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»). فعلى سبيل المثال، يرى بعضهم أن التنظيم ليس أكثر من ظاهرة عابرة، كما يفترض آخرون على أنه مجرد عصابة من المرتزقة الذين يمكن القضاء عليهم من خلال الجهود العسكرية وحدها.
وبغض النظر عن شرعيته، فإن مؤسسي تنظيم «الدولة الإسلامية» وكوادره العليا على الأقل لديهم مشروعٌ متكامل: الأرض والسكان والعقيدة، والعلم والنشيد، وبنية اقتصادية، ونظام تعليمي، وجهاز قضاء، فضلاً عن قوة مقاتلة لا يستهان بها، وقد تمكنوا بفضل كل ذلك من إقامة "دولة الخلافة" في زمن قياسي واستثنائي، على رقعة جغرافية تشهد اشتباكات عنيفة بين قوى قومية ودينية وطائفية، إقليمية ومحلية ودولية.
وفي ظل المظالم التي يعيشها جزء كبير من مسلمي المنطقة والعالم، حظي تنظيم «الدولة الإسلامية» بتأييد، بل وإعجاب ملايين المسلمين من بقاع شتى، باعتباره تجسيداً لحلم إعادة إحياء «الدولة الإسلامية» "العادلة". وقد أدت الإرادة والعزيمة والرسالة القوية لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى تحول "الدولة" إلى قضية ذات مغزى لشرائح لا يستهان بها من الشبان المسلمين. وعلى الرغم من تحفظ البعض على أساليبها العنيفة الصادمة، إلا أنها استطاعت أن توفر طرقًاً أخرى غير عنيفة، تمكن الشباب من شن حرب جهادية من نوع خاص، لمحاربة أعدائها، حيث يمكن لمتطوع أن يساهم في عمل البرامج الإعلامية، أو في تقديم خدمة الرعاية الصحية، أو في العمل على تعليم وتأهيل جيل جديد من الشباب المنضوي تحت راية هذه «الدولة الإسلامية».
وطبقاً لسورة التوبة، وبالضبط آية السيف، "فالجهاد في سبيل الله، ليس مقصوراً على دفع العدوان، وإنما شرع لإقامة حكم الله وغزو الكفار وإخراجهم من عبادة العباد إلى عباد ة الله الواحد الأحد" (آية السيف، سورة التوبة). ويعتقد تنظيم «الدولة الإسلامية» أن سورة التوبة قد نسخت كل ما قبلها من مراحل الجهاد. (انظر مقرر التاريخ، صف أول إعدادي: مراحل تشريع القتال، ص48).
إن أبرز ما يميز التعليم في مدارس تنظيم «داعش»، يتمثل في مدى ما تحمله المناهج التعليمية من أفكار جهادية تكفيرية، تبرر للأجيال القادمة تصرفات «الدولة الإسلامية» التي تحكمهم.
وهناك طريقتان لتحليل تلك المناهج الدراسية: "ماذا يقال؟" حيث تكون الكلمات والأفكار هي وحدة التحليل، و"كيف يقال ذلك؟" بمعنى الكيفية التي يتم من خلالها تقديم المحتوى وإظهار الصورة. على سبيل المثال، قد تتمثل الفكرة في الدعوة إلى الجهاد، لكنها تقدم في سياق مشكلة رياضية، أو من خلال صورة المجاهد أو المعركة، أو من خلال قصيدة. وهكذا، يتم غرس الأفكار المسيسة في المناهج التربوية التي تبدو مشروعة. ويبقى السؤال المطروح هو: من الذي يسهر على تنظيم أولويات تلك الرسائل الخفية؟ ومن الذي يقرر ما يجب أن يتعلمه الشباب؟
لقد كان "ديوان التعليم" أحد المكاتب المؤسسية الأولى التي أسسها تنظيم «الدولة الإسلامية». وكانت مهمته توجيه مناهج التعليم الابتدائي والمتوسط والإعدادي، فضلاً عن التعليم الجامعي. وسنقتصر في هذا المقال على مناقشة منهج الصف الأول، من خلال تحليل ما يقال وكيف يقال، مع التركيز بشكل خاص على الدور المركزي الذي يلعبه المعلمون الذين يجسدون دور المعلق، والمفسر، ويتخذهم الطلاب كنموذج يحتذى به.
إن أحد الأهداف الأولى للنظام التعليمي لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، هو إبقائه إسلامياً. ووفقاً لهذه الرؤية إن الهدف الرئيسي لنظام التعليم هو"رد أبناء الأمة الإسلامية إلى جهاد التوحيد تحت راية الخلافة". (انظر المقدمة العامة للمناهج الإسلامية). ووفقاً لذلك، فإن الدولة معنية "بإعداد جيل من المجاهدين القادرين بدنياً وعقائدياً وفكرياً وعلمياً وسياسياً".
لقد قام خبراء التربية بوضع جميع النصوص للفصل الدراسي الأول، حيث تضمنت المناهج مقدمة عامة تحدد النهج الذي يتبعه تنظيم «الدولة الإسلامية» في التعليم، والقائم على "منهج الكتاب وهدي النبوة"، فالرؤية القرآنية- النبوية هي منطلق السياسة التعليمية، فهي لا شرقية ولا غربية، لا اشتراكية ولا رأسمالية، ولا تمت بصلة لسماسرة الأحزاب والمناهج المنحرفة.
ويتكون منهج الصف الأول من تسع دورات: القرآن الكريم، عقيدة المسلم، الحديث، حياة النبي (عليه الصلاة والسلام)، اللغة العربية، الخط العربي، الرياضيات، العلوم، والتربية البدنية. ولكل دورة أهداف تربوية تتماشى مع طبيعة المواد، بالإضافة إلى أهداف سلوكية إجرائية، تؤدي إلى تحقيق نتائج، يمكن ملاحظتها وقياسها. وتنقسم هذه الدورات إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول، ويتضمن القراءة والرياضيات والعلوم، والخط العربي، والتربية البدنية، والتي يتم غرسها مع المفاهيم الدينية والقيم (العقيدة والسنة) من خلال إرادة المعلمين الخاصة. فمثلاً، يردد "الأشبال" خلال أداء التدريبات البدنية نشيد "قوموا جميعاً بايعوا البغدادي الفاطمي الهاشمي السادي... الخ" (دليل الأعداد البدني، الدرس السابع). كما يقوم المعلمون في دروس القراءة بوضع صور ذات دلالات جهادية: سيف، حصان أسود يقفز، سترة واقية من الرصاص، صور "مجاهدين" في موقف المنتصر، يتوسطهم علم تنظيم «الدولة الإسلامية». ويقوم المعلم بشرح كل صورة، ويبين علاقتها بالمسلمين. وفي معرض الحديث عن ألوان الأدب العربي تتم مناقشة قصيدة لسيد قطب بعنوان "العودة إلى الريف"، ويتم التقديم لها بلمحة تمجد شهادته عند إعدامه في عهد جمال عبد الناصر، تليها قصيدة "نداء الضمير" لمروان حديد الذي يُعرف بالمجاهد الشامي. وفي باب الإنشاء يناقش الطلاب "رسالة من أبي مصعب الزرقاوي إلى أبناء الأمة الإسلامية"، يتحدث فيها عن جهاد المسلمين في العراق (كتاب الأدب العربي الصف الأول المتوسط، ص. 25-36).
أما القسم الثاني، فيتضمن المقررات المستقلة، وتتمثل في: تفسير القرآن، السيرة النبوية، عقيدة المسلم، والحديث النبوي. الآداب الشرعية. ويتم تدرّيسها كمناهج مستقلة قائمة بذاتها من قبل معلمين مُعدين، لها دروسها في خطة الدراسة.
ويشمل القسم الثالث ما يسمى بالمنهج التوفيقي الذي يقوم على وجود برنامج/ منهج سابق، يتم تكييفه وفق الأهداف المرغوبة - وقد خصص لمقرر البرمجة الحاسوبية، ويهدف كما هو موضح في مقدمته إلى بناء الكوادر العلمية التي تجيد تشغيل وتطوير التقنيات الحديثة، لكي يتم استخدامها في السلم والحرب. لذلك يتم في هذا المقرر تكييف برنامج "سكراتش" المعروف بما يخدم أغراض تنظيم «الدولة الإسلامية». فمن خلال تطبيقات هذا البرنامج، يتعلم الطالب تنفيذ مجموعة من التحديات، كالرمي بالكلاشنكوف، وإسقاط طائرة مروحية، وصيد "المرتدين"، وتحدي الحصن...الخ (انظر المناهج المدرسية، لجميع الصفوف المتوسطة).
وفي مادة عقيدة المسلمين، يؤكد الكاتب على ضرورة تثقيف الجيل القادم: "الأمة قد دخلت في صراع أيديولوجي، ويهدف الأعداء طمس هويتنا الإسلامية وقلب عقيدتنا التوحيدية." وتساهم هذه الأنماط التعليمية السائدة في الحفاظ على هذه القيم المتمثلة في الاعتزاز والدفاع والدعوة، والتي تشمل الإعلان على أن "الله ربّي ... خلقني لعبادته"، وأن "الإسلام ديني". كما يتعلم الطلاب بأن الإسلام يعني الاستسلام لله الواحد، واتباع أوامره، واجتناب الشرك والمشركين، والولاء للمسلمين، ومعارضة الكفار، والصلاة، والصوم، والحج، والزكاة.
وتتضمن مادة الحديث قراءة القرآن، وحفظ السنة النبوية، والصلاة على النبي، ووقف الظلم، وحسن الخلق، وحب الله، والتواضع، واحترام كبار السن، والصدق، وحقوق الجيران، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، والحمد كبوابة للسلام، وآداب الأكل والشرب، والرد المناسب على العطس.
وفى ما يتعلق بمادة القراءة، فإنه يتم استخدام نصوص غنية بالرمزية العسكرية، تعمل على تأطير مفاهيم معينة. فعلى سبيل المثال، يتعين على الطالب حفظ معلومات تتعلق بأنواع الأسلحة الشائعة، وأركان الإسلام، والآيات القرآنية، والفروق بين الرجال والنساء، والهزيمة الحتمية للكفار. وبالطبع، تشمل مادة القراءة أيضاً، واجب الجهاد، وصفات المسلم، والنظافة، وطاعة الله والرسول، وقيمة الشهادة.
أما مادة العلوم؛ فتتضمن معلومات حول الجسم والصحة والتغذية، والكائنات العضوية وغير العضوية، وقيم أخرى، مثل: أهمية المسجد، وقيمة الأسرة، وتقديم الشكر لله على خلقه. كما تتضمن عدداً من المهارات الحياتية للطفل في المنزل أو في المدرسة.
وقد اعتمد مؤلفو الكتب مبدأ التدرج في عرض المفاهيم، مع الأخذ بعين الاعتبار نوعية المهارات بما يلائم أعمار المتعلمين، فعند تعليم مفهوم التصنيف في رياضيات الصف الأول الابتدائي، يركز المتعلمون على صور وأشكال لعتاد وأسلحة متنوعة، كالدبابات والقنابل اليدوية والبنادق الآلية، وكذلك السيوف والخناجر والمسدسات وطلقاتها والطائرات الحربية، بالإضافة إلى التركيز الجوهري على علم تنظيم «الدولة الإسلامية»، وذلك دون ذكر لاستخدامات هذه الأشكال والصور، كنوع من التمهيد الذي يؤلف بين المتعلم وبين تلك الأشياء، باعتبارها جزءاً من المواد المتوفرة في "دولة" تنظيم «داعش». ومن ثم، يتم تكرار تلك المضامين مع تعميقها في تمارين عمليتي الجمع والطرح لطلاب الصف الثاني الابتدائي، على سبيل المثال: "اغتنم المجاهد الأول 23 سلاحاً من معاقل الكفر، واغتنم الثاني 17 سلاحاُ من المواقع نفسها، فما مجموع الغنيمتين؟"
ويمكن اعتبار هذه المناهج التعليمية لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، كبرامج تعليم نظامي يتم تطويره ضمن برامج أخرى، تهدف لإعداد الأطفال والفتية نفسياً وإيمانياً، سياسياً وعلمياً، وبدنياً، لكي يكونوا قادرين على الوفاء بواجبهم الديني المتمثل في الدفاع عن "دولة الخلافة"، والقيام بواجب الجهاد ضد الكفار أينما كانوا. إنها عملية لا تخرج عن سياق ما يتم تداوله على صفحات "الإعداد للجهاد" المتوافرة على الشبكة الإلكترونية. وهنا لابد من التذكير بالتقارير التي تؤكد ارتفاع نسبة الأطفال المُجندين "أشبال الخلافة"، والذين يتم إعدادهم لتنفيذ عمليات انتحارية في مناطق مختلفة.
د. ريمون المعلولي أستاذ جامعي وباحث في التربية من سوريا. وقد نُشرت هذه المقالة في الأصل من على موقع "منتدى فكرة".
للاطلاع على المزيد من التحليلات الأكثر تفصيلا و شمولا حول التعليم في الدولة الإسلامية، يرجى الاطلاع على التحليل الذي قام به يعقوب أوليدورت تحت عنوان "داخل صف الخلافة: الكتب الدراسية والأدب التوجيهي وطرق التلقين الخاصة بـ تنظيم «الدولة الإسلامية»".
"منتدى فكرة"