- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الأقليات القومية في إيران تجد أصواتها الخاصة – بإمكان أمريكا أن تساعد
من الوقائع غير المُعلَنة كثيرًا عن إيران تنوعها الاثني: فمع أن الأتراك والفرس هم أكبر مجموعة إثنية داخل إيران، قد تشكّل في الواقع إثنيات إيران الثمانية الأساسية غير الفارسية نصف إجمالي عدد السكان في البلد. فتبلغ نسبة كلِ من هذه الأقليات الست الأكبر مجتمعةً – أي الاحوازيين والأكراد والأتراك والبلوش والتركمان والقشقايين والقزوينيون او الكاسيين وقبائل اللور– حوالى 50 في المئة من عدد السكان. ومع تمركز هذه الإثنيات في مناطقها الخاصة إلى حدٍ كبير، يجعل هذا التنوع الإثني وصف إيران كقماشة نجود مزخرفة بالهويات الإثنية أدق من وصفها كدولة متجانسة أو منصهرة.
مع ذلك، منذ إنشاء الدولة البهلوية الدولة-الأمة الإيرانية الحديثة في سنة 1936، فرض الحكّام في إيران نظامًا شوفينيًّا قاسيًا مبنيًّا على هيمنة الإثنية الفارسية والعقائد الشيعية. واستمرّت هذه السياسة بعد ثورة 1979، عندما استولى الثيوقراطيون المتشددون على السلطة لإنشاء "الجمهورية الإسلامية" الحالية.
حقوق الأقليات: إهمال من النظام والمعارضة على حدٍ سواء
في حين أن النظام يضطهد كافة المنشقين في إيران، تخضع الأقليات غير الفارسية لاضطهادٍ أكبر بكثير بالإضافة إلى القمع الاستبدادي المعياري الذي يمارسه النظام. فتُعامَل الشعوب غير الفارسية كمواطنين من الدرجة الثانية، فيُحرَمون من حق التعليم العام بلغتهم الخاصة ومن حقوقٍ أُخرى تُمنَح تلقائيًّا للإيرانيين ذوي الإثنية الفارسية، ويحدث كل ذلك رغم الضمانات الدستورية المفترَضة لاستخدام اللغات الأخرى في كلٍ من وسائل الإعلام والتعليم. كما أن الأقليات تُحرَم من التوظيف ومن فرصٍ أخرى متاحة لنظرائها من الفرس، وتخضع لمحاولات متكررة من الدمج القسري.
يعد التدريس الإجباري للغة الفارسية أحد الأدوات الرئيسية التي يستخدمها النظام الإيراني لدمج الأقليات غير الفارسية قسريا. وجدير بالذكر إن اغلب طلاب المرحلة الأولى من التعليم الذين ينتمون للأقليات المختلفة غالبا ما يرسبون في اجتياز اختبارات المهارة المطلوبة للانتقال لمرحلة متقدمة من التعليم. كما يُمنع الأقليات أيضًا من ارتداء الملابس التقليدية في الأماكن العامة مثل المدارس وأماكن العمل، في حين أن النظام قد دمر الآثار التاريخية في إيران والتي تهم تلك الأقليات العرقية.
لعدة سنوات، نجح النظام الإيراني في فرض التعتيم الإعلامي على معظم التغطية الخاصة بالمظالم الشاذّة المفروضة على أقليات البلد. فيقدّم النظام إيران للعالم ككيان متجانس؛ بينما في الواقع، لا شيء أبعد من ذلك عن الحقيقة.
فلنأخذ على سبيل المثال إقليم الأحواز في إيران والمعروفة تاريخيًّا بعربستان، حيث عانت تلك المنطقة من من أعمال القمع والظلم منذ سنة 1925 حين ضمت للمرة الأولى- باستخدام القوة العنيفة - خلال حكم مؤسس الدولة البهلوية رضا شاه، وذلك بعد أن كانت سبقًا إمارة شبه مستقلة. كما عمل قادة إيران على تغيير اسم الجزء الشمالي من عربستان لاحقًا ليصبح خوزستان بالفارسية، وفصلوا المناطق الجنوبية من عربستان، وهذه المناطق هي محافظات بوشهر وبندر عباس وهورموزجان الحالية. وفي حين أن تلك الجهود كانت منهجية، إلا انه تم تبديل أسماء المناطق والمدن وحتى الملامح الجغرافية لتصبح فارسية، ضمن جهدٍ لاستئصال الهوية العربية للمنطقة ودمج شعبها قسرًا – قاوم الأحوازيين هذه الجهود، فتمسكوا بشدة بإرثهم وثقافتهم.
تملك إقليم الأحواز أكثر من 95 في المئة من احتياطات النفط والغاز الذي تسيطر عليه إيران، وهو العامل الذي حفّز على ضمها، كما أنها غنية بالموارد الطبيعية. غير أن معظم شعبها العربي يعيش في ظروفٍ من الفقر أشبه بظروف القرون الوسطى، إذ تذهب الثروة الناتجة عن موارده إلى النظام مباشرةً. وكما هو الحال مع الأقليات الإثنية الأخرى، يخضع عرب الأحواز للتمييز المنهجي والإجحاف، فيما يرفض النظام أي اقتراحات حول لامركزية السلطة. وفيما تشكّل موارد النفط والغاز في الأحواز شريان الحياة الاقتصادي للنظام، لا يحصل شعبها من ذلك إلا على المعاملة العنيفة، إلى جانب مستويات تلوث الهواء والمياه التي تُعتبَر من بين الأسوأ عالميًّا.
شهدت المناطق الإيرانية ذات الأقليات الإثنيّة غير الفارسية – ولا سيما منطقة الأحواز – احتجاجات منتظمة، ومستمرة تقريبًا، ضد العنصرية والإهانات التي يمارسها النظام الإيراني تجاه الأقلية العربية على تلفزيون الدولة (يتحكم النظام بكافة وسائل الإعلام). كما أن الحكومة الإيرانية همّشت أيضًا الأحوازيين عبر مصادرة الأراضي بالقوة؛ وتحويل الأنهار عن مناطق الأحواز إلى مناطق فارسية، ما أدى إلى انخفاض كمية المياه المتوافرة لشعب الأحوازي ؛ وممارسات التوظيف التمييزية التي تحرم الأحوازيين من الوظائف. ففي هذه الحالة الأخيرة، غالبًا ما يتم الاحتفاظ بالمناصب للمواطنين ذوي الإثنية الفارسية، الذين يحظون أيضًا بحوافز مالية وببيوت في أماكن سكن مبنية خصيصًا حيث يُمنَع الأحوازيين من العيش. وبعد كل تظاهرة ضد هذه المظالم، ينفّذ كلٌّ من شرطة النظام وقطّاع طرق الباسيج شبه العسكريين في إيران مداهماتٍ على بيوت الأحوازيين، فيوقفون المئات منهم ويحكمون عليهم بالسجن لمدة طويلة على خلفية تهم مفبركة.
تتم معاملة أي جهد تبذله أي أقلية في سبيل إطلاق حملة أو ممارسة الضغط لصالح حقوق الإنسان بمثابة مسعًى جنائي تلقائيًّا. فتسجن الدولة الناشطين وغالبًا ما تصدر حكم الإعدام بحقهم على خلفية تهمٍ مثل "الإفساد في الأرض" و"محاربة الله ورسوله". فيتم تلفيق التهم المبنية غالبًا على اعترافات بجرائم لم يرتكبها مطلقًا المتّهم، وينطق بها تحت التعذيب.
لسوء الحظ، غالبًا ما تحافظ المعارضة الإيرانية أيضًا على الصمت إزاء انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها النظام ضد الأقليات في إيران. وغالبًا ما يقوم معارضو النظام في المنفى مثل الجماعات الموالية للملكية والأحزاب اليسارية والاشتراكية وأحزاب عموم إيران بتجاهل حركات الأقليات غير الفارسية بشكل روتيني. وفى حقيقة الأمر، فهم يتجاهلون التاريخ الطويل من النضال للأقليات غير الإيرانية من أجل الحرية وحقوق الإنسان باعتبارها معادية للمصالح الإيرانية، وغالبًا ما يرددون خطاب النظام من خلال وصف الأحوازيين بأنهم "دمى" و "أتباع" للسعوديين أو لإسرائيل. وعوضا عن ذلك، تركز المعارضة الإيرانية نشاطها حصريًّا على جرائم النظام في سياقٍ أوسع، ولا تذكر العنصرية والتعصب اللذين تقوم عليهما النظرة العالمية المستبدة للنظام بقدر ما تقوم على العقيدة الثيوقراطية الرجعية.
في تقارير المعارضة حول انتهاكات حقوق الإنسان، غالبًا ما لا تُذكَر هوية هؤلاء الموقوفين وأي نوعٍ من الأنشطة تورّطوا فيه وطبيعة مطالبهم، على عكس تلك التي يشير إليها النظام. فتميل هذه التقارير بدلًا من ذلك إلى الإشارة إلى كافة المجموعات بشكلٍ غير دقيق على أنها جزءٌ من جماعة متجانسة مناهضة للنظام قضيتها الوحيدة هي النظام الحالي. علاوة على ذلك، كثيراً ما يحظى نشطاء الأقليات باهتمام وتعاطف ضئيل - مقارنة بنشطاء المعارضة الفارسية- عند القبض عليهم داخل إيران أو داخلها.
طفرة متنامية في نشاط الأقليات
أدى غض النظر عن حقوق الأقليات من جانب أكبر أحزاب المعارضة إلى توسع انتشار الاستياء بين الأقليات الإيرانية، التي تشعر أن كفاحاتها الخاصة في سبيل العدل وحقوق الإنسان تُعتبَر بلا قيمة ويتم إقصاؤها من الكفاح الجماعي الأوسع في سبيل الحرية والديمقراطية. وبالفعل، تتداخل هذه الكفاحات المختلفة ولا بد من معالجتها معًا من أجل تحقيق أي أمل فعلي في حصول الشعوب التي عانت لفترة طويلة على الحرية العادلة والمنصفة.
أدى هذا الشعور بالإهمال والتهميش، ليس فحسب من قِبل الأنظمة المتتالية إنما أيضًا أحزاب المعارضة الإيرانية، إلى تخلي الكثيرين أو ربما معظم أفراد الأقليات الإثنية في إيران عن الهوية الإيرانية.
ففي مناطق الأقليات، يعتنق عددٌ متزايدٌ من شبّان الأكراد وعرب الأحوازوالتركمان وغيرهم بدلًا من ذلك هوياتهم وثقافاتهم وتراثياتهم الإثنية الخاصة. ويشعرون أن الهوية الإيرانية، سواء تلك الخاصة بالنظام الثيوقراطي الحالي أو بسلفه أو بأحزاب المعارضة بقيادة الفرس، هي كيانٌ بعيدٌ وغريبٌ وعدائي لا يهتم برغباتهم أو رفاههم، وأن ما ينفعهم بشكلٍ أفضل هو الانفصالية أو الفدرالية. لذلك، يبدو أن الشعب الأحوازي يرون أن ولاءاتهم تكمن أولًا في ثقافة وإقليم الأحواز الخاصة بهم وليست لأولئك الذين يُعتبرون طغاةً عليهم في طهران؛ وينطبق الأمر نفسه على الأكراد في المناطق الكردية وعلى البلوش في منطقة البلوش، وهكذا دواليك.
ورغم جهود النظام لتهويل هذه الأقليات لزجّها في الصمت، تزداد المقاومة أكثر فأكثر. فتزامنت الاحتجاجات الأخيرة الهائلة المناهضة للنظام التي عكّرت صفو الأجواء في إيران مع احتجاجاتٍ وثوراتٍ بنفس مستوى الأهمية في مناطق الأقليات الإثنية. ويسعى هؤلاء المحتجّون إلى الاعتراف بحق الأقليات في ممارسة الحُكم الذاتي، سواء عبر الفدرالية أو الاستقلالية، التي ستتمتع بموجبها الأقليات بحق استخدام مواردها الطبيعية الخاصة لتطوير مناطقها المهمَلة والمفقَّرة عمدًا. كما يواصل الناشطون من الأقليات في المنفى التحدث علنًا عن تعدّيات النظام، ما يسمح بنمو الوعي الدولي شيئًا فشيئًا بشأن الحقيقة في إيران.
من المناسبات المحتدمة احتفال الأقليات الإثنية غير الفارسية سنويًّا باليوم العالمي للغة الأم في 21 شباط/فبراير. ومع أن هذا الاحتفال هو احتفالٌ عالمي لنشر الوعي حول التنوع اللغوي والثقافي وتعدد اللغات، يتسبب الحظر الذي تفرضه إيران على التعلم باللغات غير الفارسية بالتوتر في هذه المسألة بشكلٍ خاص. فقد أطلق عددٌ كبيرٌ من الناشطين من الأحوازيين والأتراك والأكراد المدنيين والثقافيين حملةً تدعو إلى الحصول على حق التعلم المدرسي بلغتهم الأم بالإضافة إلى اللغة الفارسية. وأغرق هؤلاء الناشطون ووسائل الإعلام بالصور والشرائط المصوّرة التي تروّج للهاشتاج: #نريد_اللغة_الأم_في_الصفوف.
تتجه أخيرًا رياح التغيير الآن إلى إيران بعد عقودٍ من الوحشية والقمع والركود تحت الحُكم الثيوقراطي، جالبةً معها روحًا جديدة من الوحدة بين عرب الأحواز والأقليات الأخرى المضطَهَدة منذ زمنٍ طويل. فطوّرت أقليات إيران الإثنية روابط تضامنية صلبة كنتيجة لتاريخها المشترك من القمع والظلم. وبعد سنواتٍ كثيرة جدًّا من الاستبداد الرجعي الذي تفرضه طهران، تريد الأقليات نظامًا أكثر عدالة أو نظامًا تقدميًا من الحكم اللامركزي والعدالة المنصفة لكافة الشعوب، تحظى فيه كل منطقة في النهاية بالتمثيل الديمقراطي الحقيقي، فضلًا عن الحق بتقرير المصير والحقوق والحماية المتساوية للجميع، مع قيام الولايات المتحدة بتوفير نموذج عن كيف يمكن تحقيق ذلك.
كيف يمكن أن يساعد الغرب
ينتشر حاليًّا نوعٌ من الإحباط بين الأقليات الإثنية في إيران سببه تركيز وسائل الإعلام الغربية على النظام في طهران فيما لا تتم ملاحظة اضطهاد الأقليات في المناطق الأخرى من إيران. فالاعتقال الواسع الانتشار للناشطين غير الفارسيين في مجال حقوق الإنسان، والاضطهاد والمعدلات المرتفعة جدًّا لأحكام الإعدام بحق المنشقّين من الأقليات – التي تفوق إلى حدٍ كبير تلك الخاصة بالمنشقين من الإثنية الفارسية – وانتهاكات حقوق الإنسان العديمة الشفقة تجاه المعتقلين من الأقليات الإثنية؛ كلها مسائل بالكاد تعالجها المدوّنة الواسعة للتغطية والتحليل في وسائل الإعلام الأمريكية بشأن إيران. حتى أن أفضل منظمات حقوق الإنسان، مثل "منظمة العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش"، لا تشير إلا بشكلٍ وجيز إلى معاناة الأقليات الإثنية في تقاريرها، التي تركّز عمومًا وبشكلٍ كاملٍ تقريبًا على الإساءة إلى المنشقّين من الإثنية الفارسية. وفي إحدى الحالات، قام مترجم إذاعة "صوت أمريكا" الفارسية بحذف عبارة تطرقت لـقمع الأحوازييين في خطاب وزير الخارجية، حيث ترجم كلمة الأحوازي عن طريق الخطأ على أنها “أزهاري".
قد لا تكون هذه الرقابة متعمدة، وهي ربما تعود في الواقع إلى الجهل. غير أنه من المحبط بشكلٍ لا يُصدَّق، بالنسبة إلى شعبٍ يعاني أصلًا من الاضطهاد والقمع القاسييْن، أنّ الغرب – الذي يلقى إعلامه الحر احترامًا واسعًا – يبدو أنه يمارس الرقابة على نفسه في ما يتعلق بهذه المسألة. وما يوحي بالشؤم أكثر بعد هو أنّ تجاهل محنة الأقليات الإثنية يعطي فعليًّا الضوء الأخضر للنظام من أجل الاستمرار في اضطهاده المركَّز في هذه المناطق.
يمكن أن تساعد مجموعات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام الأمريكية هذه الشعوب المضطهَدة من خلال إعلاء أصواتها، وبالتالي إعطائها فرصة تسليط الضوء على ما يجري في مناطقها الخاصة والدفاع عن حرياتها. وبشكلٍ خاص، يجب أن توفّر وسائل الإعلام التي ترعاها الحكومة الأمريكية التغطية نفسها لكافة شعوب إيران وأن تضمن أنّ بعض القنوات مثل "صوت أمريكا" ليست مخصصة حصريًّا لنقل المسائل المتعلقة بمصالح نصف إيران فحسب – أي مجموعتها الإثنية الفارسية.
يمكن أن تساعد الحكومة الأمريكية بنفسها من خلال الاعتراف علنًا بالتنوع الإثني في إيران بدلًا من الصورة المتجانسة المشوَّهة التي تستخدمها المعارضة الإيرانية. فإذا رغب صانعو القرار الأمريكيون حقًّا في رؤية الاستقرار والسلام والديمقراطية المزدهرة في إيران مكان التطرف العدواني الحالي، لا بد من أن يتجنبوا الاستياء والظلم اللذين قد يُشعلا المزيد من العداء، من خلال دعم حقوق كافة شعوبها في التمتع بالكرامة والمساواة اللتيْن تشكّلان الحق الطبيعي لهذه الشعوب ولكافة الشعوب.
نحن الشعوب الغير الفارسيه لا نريد معاملةً خاصة، بل معاملةً منصفةً فحسب. وهذا يتطلب المزيد من الوعي حول معاناة الأقليات الإثنية والتركيز بشكلٍ خاص على السجناء من الأحوازييين والأكراد والأذريين الأتراك والبلوش الذين اعتُقلوا وعوقبوا بشكلٍ أقسى بكثير من الناشطين ذوي الإثنية الفارسية. ومن أجل المساعدة على توحيد الشعوب، لا بد من أن تدافع الحكومة الأمريكية ووسائل الإعلام الغربية عن تمتع كل الذين يعيشون في إيران بحقوقٍ متساوية وعن الحق نفسه الذي يستحقونه جميعهم في المساعدة على صياغة مستقبل بلدهم.